ماذا يعني تظاهر اليمن لـ22 أسبوعًا «نصرة لغزة»؟

الأردن العربي –  الأحد 10/3/2024 م …




للأسبوع الـ22 والشارع اليمني يحتشد ويتظاهر ويهتف نصرة لغزة، في تماه لافت مع القضية الفلسطينية، وعلى امتداد هذه الأسابيع لم يصبه ملل أو فتور؛ فما الذي يجعله يتجاوز مظلوميته الحرب والحصار ويقف بكامل عنفوانه مع المظلومية الفلسطينية في غزة كل هذه الأسابيع؟

هذه المسيرات والوقفات لم تقتصر على مدينة أو منطقة دون أخرى؛ فقد شملت اليمن كله؛ كما لا يمكن احتسابها لطرف أو حزب أو مكون ما؛ بقدر ما يمكن قراءتها تعبيرًا واضحًا وجليًا عن الموقف الشعبي اليمني المرتبط بفلسطين كقضية ومظلومية منذ بداياتها، بل إنه كان مشاركًا في الدفاع عنها مع إخوة السلاح من رجال المقاومة في مرحلة مبكرة؛ وها هو اليوم يؤكد ذلك في مدى استشعاره لمعاناتها وايمانه بحقوق فلسطين، وماذا يعني النزف اليومي في الجسد الفلسطيني جراء الاحتلال والعدوان الإسرائيلي منذ أكثر من سبعة عقود.
وهذا لا يجعل من الشعب اليمني متميزًا؛ فكل الشعوب العربية تحمل ذات الوجدان؛ وترتبط بفلسطين بذات العلاقة؛ إلا أن اليمنيين التزموا إصرارًا وموقفًا التصق بنفس طويل؛ وربما أن للحرب وظروف وبيئة اليمن علاقة في ذلك؛ وبالتالي يدرك اليمنيون بحساسية عالية طبيعة الألم الذي تفرضه الحرب والقصف والحصار؛ وهو ما عاشوا معه مرارات لا حد لها وما زالوا… وربما أن هذا يمنحنا زاوية أخرى لقراءة تفاعلهم.
إلى ذلك، يدرك اليمنيون أن الاحتشاد هو ضمن المتاح شعبيًا؛ وبالتالي أرادوا أن يستمروا في إرسال الرسائل أسبوعيًا للعالم، وفي المقدمة أمريكا وأوروبا، بأن فلسطين ليست وحدها، وأن جرائم ومجازر الاحتلال لن تمر مرور الكرام.
ولا يمكن على الرغم من ذلك تجاوز تأثير الضمير الإنساني في وعيه العربي والإسلامي لدى اليمنيين في رؤيتهم لما يجب أن يكونوا عليه تجاه فلسطين؛ ولهذا احتشدوا في مسيرات كبرى في معظم مدن البلاد؛ وتقاطر مئات الآلاف ليشكلوا مسيرات غير مسبوقة، آخرها مسيرات الجمعة الأخيرة.
تتصدر صنعاء مدن اليمن في الاحتشاد والتظاهر لفلسطين وانتصارا لغزة؛ وهذا طبيعي؛ لأن عدد سكان صنعاء يتجاوز خمسة ملايين نسمة، كما أن هؤلاء السكان يمثلون جميع محافظات اليمن، وبالتالي فمظاهرات صنعاء مع غزة كافية لنقرأ منها الرسالة التي أراد اليمنيون أن يقولونها للعالم؛ وهم بذلك يؤكدون استعدادهم للمشاركة في القتال مع فصائل المقاومة، والقيام بكل ما من شأنه ردع المحتل وتحرير الأراضي المحتلة؛ لا سيما، وقد سبق لليمنيين مشاركة فصائل المقاومة كفاحها المسلح ضد المحتل الإسرائيلي كما سبقت الإشارة.
وفق إحصائيات غير رسمية؛ شهد اليمن المئات من المسيرات والتظاهرات المناصرة لغزة منذ بدء عملية «طوفان الأقصى» علاوة على آلاف الأنشطة المختلفة من ندوات ووقفات وفعاليات مناصرة مختلفة في المدارس والجامعات والمؤسسات الحكومية المختلفة؛ في دلالة على مدى اتساع دائرة التضامن اليمني مع القضية المركزية للأمة.
مما سبق لم تقتصر أفعال المناصرة الشعبية اليمنية لغزة على المسيرات والتظاهرات فقد شملت أنشطة مختلفة ومجالات كثيرة، من أبرزها حملة المقاطعة لمنتجات الدول والشركات الداعمة لإسرائيل؛ والتي حققت نتائج ملموسة؛ ويمكن قراءتها في معروضات المحلات التجارية كالسوبر ماركت والبقالات؛ والتي يلاحظ فيها الزائر عزوفًا غير مسبوق عن تلك المنتجات؛ التي يوضع أمامها لوحة مكتوب عليها (مقاطع) لتنبيه الناس؛ بموازاة حملة إعلامية ضخمة لتعريف المجتمع بالمنتجات الداعمة لإسرائيل وأهمية فعل المقاطعة.
لمَ تُمثل المسيرات أقوى تلك المظاهر تعبيرًا وتأثيرًا؟
لأن موقف الشعب يظهر فيها واضحًا وجليًا، ويقدّم من خلالها رسالة قوية للغرب مفادها «إلى متى ستستمر سياسة الكيل بمكيالين في علاقتكم بفلسطين؟» وهو سؤال استنكاري لن يفهمه الغرب إلا من خلال الخروج الشعبي الغاضب والرافض؛ باعتباره يقدم موقف الشارع وبلغة مفهومة.
منذ بدء عملية طوفان الأقصى واليمن في حال استنفار شديد؛ ويخرج للتظاهر بدافع ذاتي مستشعرًا حجم المعاناة وفداحة التضحية، التي يقدّمها سكان القطاع تحت آلة القتل والحصار الصهيوني؛ ولهذا يقطع بعض اليمنيين مسافات طويلة للوصول إلى مناطق الاحتشاد؛ حيث يهتف مع فلسطين، لعل صوته يصل إلى إخوانه في الأراضي المحتلة.
يقف خلف هذا الموقف ثقافة يمنية عربية راسخة تضع فلسطين في مقدمة القضايا، بل ما زالت هذه القضية تمثل في الوجدان اليمني القضية المركزية للأمة؛ وهو ما يمكن قراءته في مسميات الشوارع والمستشفيات والمدارس وغيرها من المرافق العامة، والتي تحمل أسماء فلسطينية، ما يؤكد عمق العلاقة التي تربط اليمن بفلسطين؛ وبالتالي فإن الموقف الشعبي والتظاهر الأسبوعي هو انعكاس لتلك العلاقة، كما لا يمكن القول إن ما يسند هذه العلاقة هي العاطفة؛ بل هو الاستشعار اليمني العروبي الإسلامي الإنساني لأهمية بقاء القضية الفلسطينية على رأس قائمة كل القضايا العربية والإسلامية، باعتبارها المحك الذي يتم من خلاله اختبار مدى صلابة الموقف العربي والإسلامي تجاه ما تبقى من قيم العزة والكرامة للأمة؛ وهي القيم التي نقرأها أولا، في جهة فلسطين.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.