تُسفك دماؤها وتُغاث إنسانيا!! / سماك العبوشي
سماك العبوشي ( العراق ) – الخميس 14/3/2024 م …
بادئ ذي بدء …
لا أدري ما الذي حل بالدعوة المقدمة الى محكمة العدل الدولي في لاهاي والتي رفعتها دولة جنوب أفريقيا ضد الكيان الصهيوني الغاصب متهمة إياه باقتراف جرائم إبادة جماعية وحشية في قطاع غزة، والتي أصدرت قرارا مؤقتا بتاريخ 26 يناير/ كانون ثاني / 2023 أوصت فيه إسرائيل بـ (السماح!!) بإدخال المساعدات الانسانية والمساعدات الملحة للفلسطينيين في قطاع غزة، وحماية السكان المدنيين، وعدم استهداف المنشآت المدنية والصحية، واتخاذ جميع الإجراءات الممكنة لمنع التحريض المباشر والعلني على ارتكاب إبادة والمعاقبة عليه، وبموجب قرار المحكمة هذا فإنه يتعين على إسرائيل أن ترفع تقريرا إلى المحكمة في غضون (شهر واحد!!) بشأن كل التدابير المؤقتة، في وقت فات على الشهر الذي كانت محكمة العدل الدولي قد منحته الى دولة الاحتلال لتقديم تقريرها إزاء ما ستنفذه من توصيات وردت بقرارها المؤقت، لكنني على دراية كاملة ويقين تام باستمرار وتائر العدوان الصهيوني على القطاع مقترفا فيها عشرات المجازر الوحشية يوميا بحق أبناء غزة!!
وفي المقابل…
وإزاء مكابدة أبناء غزة ومعاناتهم جراء تواصل العدوان الصهيوني بدعم وإسناد أمريكي، واستمرار مسلسل سفك الدم، وتفاقم واستشراء المجاعة في قطاع غزة جراء الحصار المفروض على أبنائها وعدم سماحها بفتح المعابر البرية، ونتيجة المجزرة المروعة التي اقترفتها قوات الاحتلال الإسرائيلي بتاريخ 29 فبراير/ شباط 2024 إثر فتحها النيران على آلاف الفلسطينيين في شارع الرشيد شمالي قطاع غزة أثناء انتظارهم وصول شاحنات المساعدات مما سبب ذلك باستشهاد 104 وإصابة أكثر من 700 آخرين، تلك المجزرة المروعة التي ما كانت لتقع لولا عدم اكتراث الولايات المتحدة الأمريكية لقضية إيقاف القتال أولا، ولفشل القمة العربية الإسلامية الاستثنائية الطارئة التي عُقدَت في الرياض بتاريخ 11/11/2023 ، حيث أسقط في يد قادة الأنظمة المجتمعة من تنفيذ أي من القرارات (المصيرية!!) التي خرجوا بها ثانيا!!
وفي أعقاب تلك المجزرة المروعة التي حدثت في شارع الرشيد شمالي قطاع غزة، فلقد تفتقت أذهان وعبقرية بعض أنظمتنا العربية عن فكرة إيصال المساعدات الغذائية والحاجات الإنسانية عن طريق إلقائها جوا (بعد التنسيق بطبيعة الحال مع دولة الاحتلال ذاتها !!)، حيث سارعت تلك الأنظمة العربية بتنفيذ هذه الخطة الذكية في مسعى منها للتغطية على فشل مؤتمر القمة في تنفيذ أي من مقرراتها المتخذة أولا، ولذر الرماد في عيون جماهيرنا العربية المُحْبطة ثانيا!!
ولم يقف الامر عند هذا الحد، بل سارعت (الدولة العظمى!!) الولايات المتحدة الأمريكية بدورها لتنفيذ أول عملية إنزال جوي للمساعدات على قطاع غزة، حيث تم إسقاط أكثر من 38 ألف وجبة بالمظلات بواسطة ثلاث طائرات عسكرية، ثم سرعان ما تم الإعلان من أن إدارة الرئيس الأمريكي بايدن تدرس الأن أيضا إمكانية شحن مساعدات دولية بحرا من قبرص من خلال بناء وإقامة ميناء مؤقت على شواطئ غزة!!
وإزاء هاتين الخطوتين الأمريكيتين، فلقد أثيرت عدة تساؤلات حولهما أهمها:
– سبب لجوئها لهاتين الخطوتين، خطوة واشنطن بإسقاط المساعدات جوا على سكان غزة، وخطوة إقامة ميناء بحري مؤقت قبالة سواحل غزة؟
– هل أن هذين الخيارين يُغنيان تماما عن إدخال المساعدات برا؟
– ما مصير المعابر الحدودية البرية يا تُرى!؟، وهل يعني لجوؤها لهذين الخيارين أنها باتت لا تملك أي أوراق للضغط على النتن ياهو من أجل السماح بدخول شاحنات المساعدات بريا!؟
– وهل يعني اتخاذ الولايات المتحدة الأمريكية هاتين الخطوتين أنها أصبحت عاجزة تماما عن إجبار إسرائيل على وقف الحرب الدائرة هناك؟
– وأخيرا، وليس آخرا، كيف يتسنى لنا تفسير هذا التناقض في الموقف الأمريكي المتمثل بعجزها عن فتح المعابر ولجوئها الى خيار إلقاء المساعدات الإنسانية جوا مع استمرارها في إرسال الأسلحة لإسرائيل؟
والإجابة عن تلك التساؤلات الواردة أعلاه تتمثل بالحقائق التالية:
لقد صدرت عدة تصريحات بخصوص خطوة الولايات المتحدة الأمريكية هذه، منها ما صدر عن منسق المساعدات الإنسانية السابق، في الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية ديف هاردن قوله وأقتبس نصا: “إننا نبدو ضعفاء بنسبة 100 بالمئة.. مسؤولو الإدارة الأميركية يفعلون ذلك فقط ليُشعروا أنفسهم بالتحسن”، ويضيف هاردن قائلا: “الإنزال الجوي أمر غبي وباهظ الثمن وغير فعال، إنه أكثر رمزية ويجعل الإدارة الأميركية تشعر بالرضا لأننا فعلنا شيئا ما”… انتهى الاقتباس.
على الجانب الآخر، يثير تشارلز ليستر، وهو زميل بارز في معهد الشرق الأوسط، نقطة في غاية الأهمية والخطورة إذ يقول وأقتبس نصا: “ما يجعل الأمور أكثر حيرة هو أننا نفعل ذلك بينما نواصل إرسال الأسلحة إلى الجيش نفسه، المسؤول عن إجبارنا على إجراء عمليات إسقاط جوي للمساعدات!!!”… انتهى الاقتباس، في وقت اعتبر محللون عدة في الجانب العربي، بأن ما تقوم به واشنطن، من إسقاط المساعدات جوا على سكان غزة، في وقت تقوم بإرسال مزيد من الأسلحة لإسرائيل لمواصلة الحرب في غزة، إنما يمثل تناقضا صارخا في المواقف، فالأولوية بنظر هؤلاء المحللين العرب يتمثل بوقف الحرب وليس إسقاط المساعدات جوا!!.
ختاما أقول …
ومهما قيل عن مواقف الولايات المتحدة الأمريكية، وكيلها بمكيالين، أو أنها لا ترغب بممارسة الضغط على النتن ياهو لوقف القتال أو فتح المعابر الحدودية، أو أنها فقدت حقا أوراق الضغط اللازمة على إسرائيل، فإنه
لا عتب على الولايات المتحدة الأمريكية فيما تتخذه من مواقف تصب في مصالحها الاستراتيجية المتناغمة مع مساندتها لإسرائيل، فالعتب كل العتب على أنظمتنا العربية والإسلامية لعدم ارتقاء ردة فعلها بما يتناسب وحجم الجريمة النكراء التي تقترفها إسرائيل بحق أبناء جلدتنا في غزة، ولما آل اليه الوضع وما ترتب عنه من استفحال الشأن الإسرائيلي المدعوم والمساند أمريكيا، فلقد وجهت عبر مقال منشور لي بتاريخ 11/11/2023 بعنوان (تساؤلات في ختام قمة الرياض الاستثنائية العربية الإسلامية!!)، انتقادات لاذعة لأنظمتنا العربية في أعقاب القمة الطارئة والاستثنائية التي عقدت في الرياض، حيث طرحت فيه جملة حقائق موضوعية حول فشل القمة الطارئة باتخاذ قرارات هامة تؤدي الى إجبار مجلس الامن الدولي على اتخاذ قرار حاسم بإنهاء العدوان الإسرائيلي، كما ونوهت فيه أن قادة الأنظمة العربية والإسلامية لو كانوا جادين وحريصين على إنهاء العدوان الإسرائيلي، لتضمنت مقررات تلك القمة (العاجلة والطارئة والاستثنائية!!) على فقرات محكمة البناء، شديدة اللهجة، تنص بالتلويح الواضح والصريح على إنهاء جميع العلاقات القائمة لبعض الدول (المطبعة) الحاضرة في المؤتمر مع دولة الاحتلال، علاوة على سحب أو تعليق عمل سفراء الدول المساندة لدولة الاحتلال وعلى رأسهم الولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا وفرنسا تحديدا في عواصم بلداننا العربية، والتهديد بإيقاف تزويدهم بالنفط، كما جرى في حرب أكتوبر 1973!!
قال تعالى في سورة الانعام:
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَىٰ أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُم بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ (42) فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُم بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَٰكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (43) فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّىٰ إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ (44) فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا ۚ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (45)
قال تعالى في محكم آياته من سورة البقرة، الآية 281:
“وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ۖ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ”.
وقال تعالى في محكم آياته من سورة إبراهيم، الآية 42: “وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ ۚ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ”.
التعليقات مغلقة.