على ضفتي الحدود.. سر “سهولة” لبنان و”صعوبة” إسرائيل! / بسّام خالد الطيّارة
بسّام خالد الطيّارة – الخميس 14/3/2024 م …
ما يحصل في الجنوب اللبناني مؤشر له أهمية كبرى تتجاوز “المناكفة” في لبنان بين مؤيدي حزب الله ومعارضيه، كما في إسرائيل بين سكان شريط مستوطنات الشمال والحكومة أو الجيش. الجنوبيون اللبنانيون النازحون (حوالي المائة ألف) وبرغم الخسائر المادية من أبنية ومؤسسات وبنى تحتية مدمرة وانتفاء كل عمل تجاري، أي الضائقة الاقتصادية؛ وبرغم ضيق الأحوال بسبب انتقالهم شمالاً نحو أقضية صور وصيدا والنبطية والعاصمة والضواحي، بحثاً عن أمان، إلا أن أكثرية هؤلاء هم جزء لا يتجزأ من البيئة الحاضنة للمقاومة، وما أن ينجلي دخان الحرب حتى يعود معظمهم إلى أعمالهم وحياتهم اليومية وترميم أو تشييد ما تدمّر من منازلهم ومؤسساتهم. أمّا في إسرائيل فقد تحدثت وسائل الإعلام، عن عدم رغبة عشرات الآلاف من المستوطنين (من أصل 100 ألف أيضاً حسب بعض التسريبات) ممن جرى إجلاءهم، بالعودة مجدداً إلى المستوطنات في شمال فلسطين. وذكر الإعلام الإسرائيلي أنّ «مستوطني الشمال لن يعودوا إلى منازلهم إذا لم يتحقق الردع مع حزب الله»، مشيراً إلى وجود «حالة إحباط في تلك المستوطنات، بسبب استمرار عمليات القصف من لبنان». هنا بيت القصيد من هذه المقارنة! على ضفتي “الحدود” أياً كانت هويتها أو جغرافيتها، توجد كتلتان سكانيتان متوازيتان تقريباً بالنسبة للأعداد، هجرتا مساحة جغرافية شبه متساوية (بعمق يتراوح بين 7 و10 كيلومترات) ولأسباب متشابهة: الأمن والأمان والقصف المتبادل. ولكن في حين أن اللبنانيين الجنوبيين ينتظرون إشارة توقف القتال للعودة بأسرع ما يمكن إلى بيوتهم، كما فعلوا في صيف العام 2006، فان مستوطني الجهة المقابلة للحدود يرفضون العودة “قبل حل نهائي للوضع”، أي تبديد هواجسهم التي تولدت جراء وجود مقاتلي حزب الله عند عتبات المستوطنات أو على أكتاف المستوطنين، على حد تعبير أحد الدبلوماسيين الأوروبيين في بيروت. ويقول مسؤول في مستوطنة المطلة “دافيد أزولاي” إن نحو 80 ألفاً «باتوا بعيدين عن بيوتهم، من دون أي أفق للعودة»، وأضاف «أنّ ما يفعله الجيش ليس كما نتوقع، وليس بالمستوى الذي يُعيد سكان الشمال إلى بيوتهم، وحكومتنا ساكتة وغافية». هذا مختصر مفيد للوضع على ضفتي الحدود. تدرك تل أبيب، برغم التهديدات بالويل والثبور، أن مهاجمة لبنان ليست مسألة سهلة عسكرياً وتعرف أن ما ينتظرها يعادل «ألف مرة ما واجهته في غزة» (مصدر أوروبي متنقل بين قبرص ولبنان). وبالنسبة للغربيين، هناك ما يزيد عن 200 ألف نسمة من مزدوجي الجنسية ممن يتوجب ترحيلهم في حال اندلاع شرارة الحرب بين لبنان وإسرائيل إذا كان الحل في الجانب اللبناني «سهلاً» نوعاً ما، إذ يكفي توقف التراشق، حتى يتحمل حزب الله والدولة اللبنانية مسؤولياتهم في إعادة اعمار ما تهدم، أما في الجانب الإسرائيلي، فإن المشهد يبدو صعباً جداً، فما يطلبه المستوطنون، في حال الأخذ بكلامهم على مقياس تأثيرهم الانتخابي لدى نتنياهو وباقي مكونات إئتلافه الحكومي، هو إخلاء منطقة جنوب الليطاني بالكامل من السلاح والمسلحين. لكنهم يدركون ان رجال المقاومة اللبنانية هذه المرة (بخلاف “فتح لاند”) هم بغالبيتهم من أبناء هذه المنطقة. وهذه الحسابات هي التي تربك مهمات المبعوثين الغربيين. من هنا تتبدى طروحات عشوائية تتراوح بين الترهيب والتهديد بحرب ساحقة أو الترغيب بتسليح الجيش اللبناني «وترسيم الحدود وصولاً حتى الانسحاب من مزارع شبعا»! ولكن يدرك الوسطاء، كما إسرائيل، أن حرباً في جنوب لبنان وحتى إن بلغت حدوده الشمالية والشرقية، لن تكون نزهة، ولا يتردد «مسؤول مقرب من ملف لبنان» من استعمال التعبير الفرنسي: «إذا أحببت ما حصل في غزة فسوف تعبد الحرب في لبنان»، في إشارة إلى العنف الذي سيرافق أي توسيع للتراشق (الذي يتم هذه الأيام ضمن حدود مقبولة للطرفين) إلى حرب مفتوحة. وفي الواقع تدرك تل أبيب، برغم التهديدات بالويل والثبور، أن مهاجمة لبنان ليست مسألة سهلة عسكرياً وتعرف أن ما ينتظرها يعادل «ألف مرة ما واجهته في غزة» (مصدر أوروبي متنقل بين قبرص ولبنان). وبالنسبة للغربيين، هناك ما يزيد عن 200 ألف نسمة من مزدوجي الجنسية ممن يتوجب ترحيلهم في حال اندلاع شرارة الحرب بين لبنان وإسرائيل. معرفة هذه العوامل الأساسية تدل إن لزم الأمر إلى العقدة التي تواجه تل أبيب بسبب «دلع المستوطنين»، حسب قول المصدر نفسه. ولكن ما لا يبوح به معظم المعنيين الأوروبيين بالملف اللبناني-الاسرائيلي، أن هذا الوضع الطارئ يدل على عدم اندماج المستوطنين مع بيئتهم برغم تواجدهم منذ 7 عقود وعملهم على إنماء مستوطناتهم وتطوير زراعتهم وإيجاد صناعات خفيفة أو متوسطة، وأدى واقع الحرب إلى شلل القطاعين الصناعي والزراعي، فيما يجري تنظيم الخدمات المحلية للسكان العالقين في منازلهم أو في الملاجئ في المستوطنات غير القريبة من الحدود مع لبنان. خمسمائة مليون شيكل، أو 90 مليون يورو، هي التكلفة الاقتصادية اليومية للصراع مع حزب الله. يأخذ هذا التقدير الذي أجراه خبراء محليون من شركة (Dun & Bradstreet) في الاعتبار الخسائر المباشرة الناجمة عن توقف أو تباطؤ النشاط والتعويضات المختلفة التي سيتم منحها للشركات والنفقات غير المباشرة. إقرأ على موقع 180 الراوي السياسي طارق متري.. هذه قصة القرار 1701 وبشكل ملموس، فإن الميناء الإسرائيلي الأول، أي ميناء حيفا، شبه مغلق الآن. وتم تحويل حركة الملاحة البحرية إلى أشدود، على بعد 120 كيلومترا إلى الجنوب. مصافي النفط التي يتم خصخصتها حالياً والتي توفر 70% من احتياجات محطات الوقود بدأت بتخفيض مخزونها من أجل الحد من مخاطر وقوع كارثة بيئية أو بشرية إذا أصاب صاروخ حزب الله إحدى مستودعاتها.. واتخذت الصناعات الكيميائية المحيطة تدابير مماثلة. كما توقفت حركة السكك الحديدية إلى حيفا، نهاية الخط الشمالي الجنوبي الذي يمتد على طول ساحل البحر الأبيض المتوسط. ويوجد في المنطقة الشمالية حوالي 35% من الشركات التي باتت مغلقة، وفقاً لاتحاد الصناعات الإسرائيلية، وهناك 35% متعطلة و30% تعمل بشكل طبيعي. من حيث المبدأ، يجب أن تظل الشركات التي لا تقدم خدمات حيوية للجمهور مغلقة. لكن بعض أصحاب العمل الذين لا يعرفون متى وكيف سيتم تعويضهم عن خسائرهم لا يرون الأمر بهذه الطريقة. وبحسب الهستدروت، وهي نقابة عمالية مركزية، فقد هدّد بعض أصحاب العمل بفصل موظفيهم إذا لم يحضروا إلى العمل، في ظل تناقض بين ما تطلبه السلطات من حيطة وحذر من جهة والخوف الطبيعي الذي ينتاب المستوطنين من جهة ثانية. كما يعاني القطاع الزراعي من الحظر العام المفروض في شمال البلاد، وهي منطقة غنية جدًا بالأشجار المثمرة (المانجو، الدراق، الخوخ، والتفاح وغيرها)، والتي يتم تصدير جزء منها. إنها ذروة الموسم ولا يتمكن العمال الزراعيون القابعون في الملاجئ من حصاد المحاصيل. أضف إلى أن عدة آلاف منهم من العمال التايلانديين الذين غادروا البلاد. وما كان ينبغي مساعدة شريحة من المستوطنين تلك الخدمات الخاصة التي ركّبتها شركة الهاتف (Bezek) غداة حرب 2006 من خطوط إنترنت في الملاجئ، فضلاً عن إنشاء خدمات منزلية لدفع النقود، وذلك بفضل نظام “bancobus”. غير أن كل هذا لم يساعد على بقاء المستوطنين في الشمال حيث فضّل العديدون الذهاب إلى الفنادق التي حجزتها الحكومة لهم. هذا ملخص لما يجري في شمال فلسطين. يسأل المصدر: ما العمل؟ ويأتي الجواب: «تبدو التهديدات غير ذي مفعول لدى الجانب اللبناني». يُسر المصدر نفسه بأن مشاركين في اجتماع لمسؤولين أوروبيين «متفاعلين» مع الملف اللبناني يرون في مأزق اسرائيل «فسحة أمل» للانتهاء من هذه الحالة (الحربية)، وإن اعترفوا بأنه لا يمكن الوصول إلى حالة تطبيع، ولكن ستدخل منطقة جنوب لبنان في «حالة لا حرب ولا سلم» وبالطبع يتوقعون أنه بعد «تحييد بنيامين نتنياهو» يمكن للحكومة الإسرائيلية التعهد بوقف الانتهاكات الجوية والبرية والبحرية مقابل «إخفاء قوات حزب الله» ولا يتردد المصدر في القول «لينزلوا عندها إلى الأنفاق”!
التعليقات مغلقة.