ما دلالة نقل قناة “الحدث” جزء من خطاب امين عام حزب الله مباشر؟ / د. عبدالوهاب الشرفي




د. عبدالوهاب الشرفي* ( اليمن ) – الخميس 14/3/2024 م …

في خطوة مفاجئة نقلت قناة الحدث يوم الاربعاء الماضي جزء من خطاب حسن نصر الله الامين العام لحزب الله اللبناني نقلا بالبث المباشر . وهي خطوة ملفتة و لها دلالاتها ولا يمكن المرور عليها عفوا .

المعروف ان قناة الحدث تلتزم الخطاب المعبر عن السياسة السعودية تجاه كل الملفات السياسية في المنطقة و خارجها كذلك . وفيما يتعلق بحزب الله هو ملف خاص للسعودية منه موقفها المناوئ المعروف على مختلف المسارات سواء مسار الدولة اللبنانية التي تدعم فيه الاطراف المناؤة لحزب الله ، او مسار المحور الذي تأتي السعودية فيه اقرب للتطبيع مع الكيان الصهيوني ولايفصلها عن التطبيع غير شروط بينما حزب الله هو من ابرز مكونات محور المقاومة ، او مسار الاقليم الذي تتمسك السعودية فيه بموقعها كدولة اقليمية تمثل العرب وحزب الله محسوب لديها من المكونات المؤصلة للدور الايراني المنافس في المنطقة ، وحتى المسار الدولي لاتنسجم السياسة السعودية مع حزب الله في النظرة للدور الامريكي في المنطقة.

بث مايقارب النصف ساعة من خطاب حسن نصر الله على قناة الحدث نقلا مباشرا لا ينسجمع مع السياسات السعودية تجاه حزب الله في مختلف المسارات فما الذي تبدل ؟ وهل هناك تحول في السياسات السعودية ام انها خطوة تكتيكية؟ وكيف يمكن قراءة هذه الخطوة؟

بث جزء من خطاب امين عام حزب الله مباشرا لنصف ساعة على قناة الحدث الحاملة لخطاب السياسة السعودية لايمكن ان يحدث الا بقرار سياسي وليس قرارا اعلاميا و هو اعلان عن فتح نافذة مع الحزب وليس فتح نافذة وانما اعلان عن الفتح بمعنى لابد من ان نافذة قد فتحت بين السعودية وحزب الله وبات الاعلان عن فتحها امرا مطلوبا للسياسة السعودية .

في مسار الدولة اللبنانية لم تظهر السياسة او التصريحات السعودية ان ثمة جديد في هذا المسار كما انه ليس المسار الملح والفاعل في هذه الفترة من بعد عدوان الكيان الصهيوني المستمر على غزة ، ويمكن استبعاد ان فتح نافذة مع حزب الله و الاعلان عن فتحها كذلك يأتي على خلفية ازمة الدولة اللبنانية بالنظر الى توقيت هذا الاعلان .

بالمصاحبة للعدوان على غزة نشطت جبهة جنوب لبنان او شمال فلسطين المحتلة وقد صاحب نشاط هذه الجبهة فتح مسارا مستقلا عن العدوان على غزة ومستقبل الحرب التي تشن عليها وهو مسار مستقبل جبهة جنوب لبنان ذاتها ، فالكيان الصهيوني تحدث وتوجه لمستقبل هذه الجبهة بصفة مستقلة وعنوان حديثه وتوجهه هو فرض تنفيذ القرار الاممي الخاص بلبنان واقعا على الارض وان لا تتواجد اي قوة على الحدود اللبنانية الفلسطينية غير قوات اليونفل و قوة الجيش اللبناني .

تحدث الكيان الصهيوني انه سيعمل على تحقيق هذا الهدف سياسيا او سيفرضه عسكريا و توجهه سياسيا كان محل مواقف وجولات سياسية فرنسية واوربية  و حتى ايرانية ووصلت للعاصمة السعودية الرياض ، و بالنسبة للموقف المعلن من الحزب وماطرحته حتى الحكومة اللبنانية ان النقاش حول مستقبل جبهة جنوب لبنان لابد ان يسبقه وقف العدوان الصهيوني على غزة . وحضور السعودية في العمل السياسي لمستقبل جبهة لبنان واضح ويمكن تصور فتح نافذة مع حزب الله ضمن هذا المسار ، كما ان الموقف المعلن من حزب بالله بالاستعداد للنقاش في هذا الملف مع تاجيل النقاش لبعد توقف العدوان على غزة يمكن تبعا له تصور الحاجة للاعلان عن فتح النافذة مع الحزب تمهيدا للعب دور سعودي في تفاهمات مستقبل جبهة جنوب لبنان .

شهدت جبهة جنوب لبنان تصعيدا في الاسبوعين الاخيرين بكثافة الصواريخ المنطلقة من الجنوب اللبناني على المواقع و المستوطنات الصهيونية وبمقابل قصف صهيوني داخل عمق مدن لبنانية لم تكن ضمن قواعد الاشتباك السائدة منذ بداية المواجهات في هذه الجبهة وهذا التصعيد يجعل انزلاق جبهة جنوب لبنان لحرب شاملة مع الكيان امر محتمل وقد يفرض نفسه كواقع دون قرار مسبق من اي من الطرفين وهو امر يجمع الجميع امريكيا وغربيا و ايرانيا وسعوديا وايرانيا وحتى لبنانيا بطرفيه الحكومة والمقاومة وكذلك الكيان على ضرورة العمل على تجنب وقوعه اي انه حتى الكيان يتجنب وقوعه كتطور واقع دون قرار ، وهنا قد تاتي الحاجة لفتح نافذة ما بين حزب الله و السعودية وكذلك الاعلان عنها لضمان تأدية السعودية دورا مباشرا في منع وقوع هذا الانزلاق الذي يتجنب وقوعه الجميع وتلتقي فيه الرغبة السعودية والايرانية و هما الطرفان الضاغطان الرئيسيان على الحكومة اللبنانية و المقاومة اللبنانية . وتعرف السعودية ان هذا الانزلاق اذا حصل فتكاليفه عليها ستكون عالية واستراتيجية وليست بذات تكاليف مايحدث في غزة وفتح نافذة و الاعلان عنها كذلك بات مطلوبا للسياسة السعودية وهو مسار اخر يمكن فهم بث خطاب نصر الله مباشرا على قناة الحدث .

ما يشهده البحرين العربي والاحمر ومضيق باب المندب من احداث من قبل جماعة انصارالله هو ملف اخر يجعل السياسة السعودية امام تحد اخر فهذا الملف يهم الولايات المتحدة بشكل جوهري وبعيدا عن عدوان الكيان على غزة فهو ملف مهدد جوهريا للهيمنة الامريكية والغربية ككل دوليا خصوصا في ظل سخونة العديد من الملفات المتاثرة بالوضع في هذين البحرين ومضيق باب المندب من جنوب اسيا الى الشرق الاوسط الى شرق اوروبا وهو ملف عاجل وملح و قد تصل تقديرات الولايات المتحدة والغرب الصهيوني فيه الى العمل على تغيير السلطة في الجغرافيا التي يسيطر عليها انصارالله من اليمن او الحد الفاعل من قدراتها وهذا لايكفي فيه ضربات جوية والامر يتطلب حربا على الارض وهي حرب يعرف الغرب الصهيوني صعوبة الحصول على تفويض بها من مجلس الامن والطريق الاسهل لخوض هذه الحرب هو استثمار الصراع الحاصل في اليمن واعادة تحريك الحرب في اليمن التي تراجعت منذ الحرب الاوكرانية الروسية ، وهذا الطريق بطبيعته سيجعل السعودية محل ضغط غربي كبير لتكرار الدور الذي لعبته في الحرب على اليمن في البداية بل وتوسيعة وقد تحتاج السعودية للتهيئ لمواجهة هذا الضغط المتوقع بل والمرجح وبالتالي فالسعودية ترتب بفتح نافذة مع حزب الله والاعلان عنها لتعزيز موقفها السياسي بمقابل اي ضغط غربي قد تواجهه للدفع بها الى نيران الحرب في اليمن من جديد وفتح النافذة مع الحزب و الاعلان عن ذلك يمثل خلق تاثير اوسع للدور السعوديفي المنطقة  يساعد في التحكم في تبني السياسات المناسبة لها دون ثني موقفها بما يناسب توجهات المصلحة الغربية في المنطقة بما فيها ملف مواجهة مايحدث في البحرين الاحمر والعربي والمندب بينهما . وهو مسار ثالث يمكن تصور ان بث جزء من خطاب نصر الله على قناة الحدث على خلفيته .

العلاقة السعودية الامريكية هي الاخرى على موعد مع نتيجة الانتخابات الرئاسية الامريكية و ما قد تخشى السعودية مواجهته في موقفها تجاه احداث البحر الاحمر مع الادارة الحالية في حال اعادة انتخابها سيضاف اليه حذر السعودية من طريقة التعامل التي ارتكزت على النظر اليها كخزنة مال وليس كحليف التي اظهرتها الادارة الامريكية السابقة والتي تنافس للعودة لحكم الولايات المتحدة مجددا برمزها المرشح ترامب . وهذا الاحتمال يضاعف من حاجة السعودية لخلق تأثير اوسع في المنطقة يفرض التعامل معها كحليف وليس كخزنة ، وفتح نافذة مع حزب الله والاعلان عنها يصبح اكثر الحاحا في هذا المسار ويمكن فهم بث جزء من خطاب نصر الله على الحدث ضمن هذا المسار .

تحظى السعودية بموقع عربي واسلامي مهم و موقفها تجاه مايحدث في غزة محسوب لها او عليها وهو محسوب عليها طوال الفترة التي مرت من عدوان الكيان على غزة فدورها اقتصر على الزيارات الدبلوماسية و اعلان مواقف ضرورة وقف العدوان على غزة و طوال الفترة الماضية ظهرت السعودية كالمرتهن لحصول موافقة الكيان ولا جدوى من فرض موقفها دون موافقة الكيان حتى مع حشد السعودية التاييد لموقفها بالموقف الرسمي عربيا واسلاميا و حتى دوليا ، و طوال الفترة الماضية كانت السعودية تتغاضى عن التفريق بين حركة حماس وبين المدنيين في غزة الا ان الاوضاع في غزة تفاقمت بالشكل الذي سيفرض عليها هذا التفريق و يلزمها التلويح بوسائل اخرى كانت تتجنبها ومنها فتح نافذة مع حزب الله والاعلان عن فتحها كرسالة تفهمها لمواجهة ما يحدث في غزة بطريقة المقاومة و في ذلك تلويح بانها قد تذهب مضطرة لدعم ماتفعله حركات المقاومة في مواجهة حرب الكيان على غزة ولو بالتفهم لطريقة المقاومة في مواجهة عدوان الكيان على غزة وهو مسار اخر يمكن فهم بث جزء من خطاب حسن نصر الله من قناة الحدث بثا مباشرا .

اذا استثنينا مسار الدولة اللبنانية لاعتبارات وقتية فجميع المسارات الاخرى تفسر بث جزء من خطاب نصر الله على قناة الحدث وان فتح نافذة مع حزب الله بات مطلوبا وايجابيا للموقف السعودي تجاه جميع الملفات التي تعتمل في المنطقة وفي ذات الوقت يصعب تصور ان هذا التحول هو تحول استراتيجي في السياسة السعودية وسيظل تحولا تكتيكيا لتجاوز السعودية هذه المرحلة الساخنة للغاية و دعم تاثيرها في المنطقة وبالتبعية موقفها تحسبا لماهو قادم في مختلف الملفات المفتوحة والتي ستغير وجه المنطقة حتما . وما يدعم ان فتح نافذة مع حزب الله والاعلان عن فتحها عبر قناتها الحدث هو تحول تكتيكي هو ان هذا التحول حصل مع حزب الله ولم يصل لفعل ذلك مع حركة حماس على الاقل حتى الان . ولاشك ان التطورات والتحولات تحتاج ترقب وحتى ترتسم صورة اوضح عما هو قادم .

* رئيس مركز الرصد الديمقراطي –  اليمن

alsharafi.ca@gmail. com

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.