متابعات، نشرة أسبوعية (63) / الطاهر المعز





الطاهر المعز ( تونس ) – السبت 16/3/2024 م …

يتضمّن العدد الثالث والسّتّون من نشرة “متابعات” الأسبوعية فقرة عن تصميم وبَرْمَجَة الفقر في العالم، وفي الوطن العربي بشكل خاص، وفقرة عن الفوارق الطبقية في العالم بين سنتَيْ 2020 و 2023، وفقرة عن الوضع في تونس قُبيْل حلول شهر رمضان، النتائج المُحتَمَلة لحصول النظام المصري على قرض صندوق النقد الدّولي، وفقرة عن بعض نتائج تطبيق شروط الدّائنين في إفريقيا، تليها فقرة خاصة بكينيا، كنموذج لهذا الشكل الجديد من الإستعمار “النّاعم”، وفقرة عن حركة الإضرابات العُمالية في ألمانيا، أكبر اقتصاد بالإتحاد الأوروبي، وفقرة عن الحرب التجارية والحصار الأمريكي للصين في مجال الحصول على أشباه المواصلات وفقرة عن الفجوة العالمية في استخدام الشبكة الإلكترونية ووسائل الإتصال وفقرة عن خصخصة الحرب وتوكيل شركات المُرتزقة والمليشيات للقيام بمهام عسكرية خارج حدود الدّول الإمبريالية

 

تصميم وبَرْمَجَة الفقر

يتميز الوطن العربي بثرواته النفطية الضخمة، لكنها مُحتَكَرَة من قِبَل بعض أُسَر مَشْيخات الخليج، كما يتميز بارتفاع قياسي لعدد ونسبة الفقراء والأُمِّيِّين والمُعَطّلين عن العمل، ووصلت معدلات الجوع في الدول العربية خلال سنة 2022 إلى أعلى مستوياتها منذ بداية القرن الحادي والعشرين، بنحو ستّين مليون شخص أو حوالي 13% من العدد الإجمالي لسكان الوطن العربي، عانوا من نقص التغذية، بارتفاع 76% بين سنتَيْ 2000 و 2022، بينما يبلغ المتوسط العالمي 9,2% من العدد الإجمالي للسّكّان، وفق منظمة الأغذية والزراعة “فاو” التي حَذّرت يوم السادس من آذار/مارس 2924، من “زيادة معدلات الفقر في منطقة الشرق الأوسط”، بسبب الحروب (تُسمّيها المُنظمة الأزمات والصراعات”) في فلسطين وسوريا واليمن والسودان، ولم تتضمن بيانات منظمة الأغذية والزراعة سنة 2023، حيث يُعاني الفلسطينيون، وخُصوصًا في غزة، من مستويات كارثية من انعدام الأمن الغذائي والمجاعة، في ظل اعتراض الدّول الإمبريالية والكيان الصهيوني على وقف العدوان وعلى دخول الأغذية والأدوية والوقود إلى غزة…

كما يتميز الوطن العربي بقلة الإنتاج وارتفاع واردات الحبوب، خصوصًا مصر والجزائر، أول وثاني مُستورد عالمي للقمح، فيما يعجز أكثر من نصف المواطنين على تحمل كلفة نمط الغذاء الصّحّي، في ظل ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة، وارتفاع مُعدّلات التّضخّم إلى مستويات قياسية، ما أدّى إلى عجز نحو 60% من المواطنين العرب على توفير الحاجيات الأساسية من غذاء ودواء وطاقة وغيرها من الخدمات الضرورية، وفق تقرير البنك العالمي ( آذار/مارس 2024) الذي تضاعفت إيراداته من دُيُون الدّول الفقيرة، بنحو ثلاثة أضعاف بين سنتيْ 2011 و 2022، وتضاعفت خدمة الدّيُون للبلدان الفقيرة بين سنتَيْ 2015 و 2022، ولا يتوقع البنك العالمي تحسّنًا، بل يتوقّع أن تُؤَدِّيَ “التوترات الجيوسياسية المتصاعدة” إلى خلق أخطار جديدة على المدى القريب، وتباطؤ معدلات النمو والتجارة الدّولية على المدى المتوسّط،ويتوقع البنك العالمي أن يتباطأ النمو العالمي للعام الثالث على التوالي سنة 2024، وأن يُصبح ما بين 40% و60% من مواطني البلدان متوسطة ومنخفضة الدّخل أكثر فقراً من سنة 2019، وسيظل النمو ضعيفاً على المدى القريب، وستؤدي معدلات الديون العالية إلى شل قدرات هذه البلدان، إلى درجة عجزها عن توفير الغذاء لثُلُثِ المواطنين، وفق النائب الأول لرئيس البنك العالمي ورئيس الخبراء الإقتصاديين، ويقترح البنك العالمي “حُلُولاً” مغشوشة تصب في صالح الدّول الغنية وتزيد من إيرادات مجموعة البنك العالمي وصندوق النقد الدّولي، ومن بينها: “زيادة الإستثمارات بالبلدان النامية بنحو 2,4 تريليون دولار سنوياً، بين سَنَتَيْ 2024 و 2030″، بينما تُكبّل شروط الدّائنين اقتصاد هذه البلدان وتُحدّد مجالات الإستثمار في قطاعات لا تُلَبِّي حاجة المواطنين، بل تُلَبِّي حاجة أسواق الدّول الغنية، وتمنع الإستثمار في القطاعات الإنتاجية الأساسية…  

 

فوارق طبقية

ارتفعت ثروات أثرى أثرياء العالم بنحو 3,3 مليارات دولارا بين سنتَيْ 2020 و 2023، وارتفعت ثروة أغنى خَمْس رجال بنسبة 114% بين سنتَيْ 2020 و 2023 من 405 مليارات دولارا سنة 2020 إلى 869 مليار دولارا سنة 2023، وخصوصًا في أوساط المُديرين التنفيذيين للشركات الكبرى، وتعمقت الفوارق منذ عام 2020، ليستغرق القضاء على الفقر، بحسب الوتيرة الحالية أكثر من قرنَيْن، كما انخفضت القيمة الحقيقية للرواتب بسبب ارتفاع الأسعار ونسبة التضخم، وفق منظمة أوكسفام التي نشرت تقريرًا عن الفوارق بمناسبة افتتاح المنتدى الإقتصادي العالمي بدافوس (سويسرا)، منتصف كانون الثاني/يناير 2024، وتضاعف حجم ثروات المليارديرات العرب من 24 مليار دولار سنة 2020 إلى 40,1 مليار دولار سنة 2023، كما ارتفعت أرباح 148 شركة عالمية كُبرى (عابرة للقارات) بقيمة 1,8 تريليون دولار، بزيادة 52% خلال ثلاث سنوات ( 2020 – 2023) استفاد منها أصحاب الأسْهُم، فيما انخفض استثمار الحكومات في الخدمات العامة، وترفض الحكومات فرض الرقابة على تَصَرّف الشركات الإحتكارية وفرض ضرائب على الثروات والأرباح، لمعالجة ارتفاع حالات الفقر التي أصبحت تشمل نحو ثُلُثَيْ سكان العالم، حيث أصبح نحو 5 مليارات شخص في كل أنحاء العالم أكثر فقرا، بين سنتَيْ 2020 و 2023، بموازاة ازدياد قوّة ونفوذ الأثرياء للضغط على العُمّال والتّلاعب بالأسعار وخصخصة المرافق العمومية، فضلا عن التّهرّب من الضرائب وتهريب الأموال إلى الملاذات الضريبية، وزيادة حصة أصحاب الأسهم على حساب العاملين إذْ دفعت الشركات الكبرى في العالم أكثر 1,655 تريليون دولار من الأرباح لمساهميها سنة 2023، وهو رقم قياسي جديد، بارتفاع نسبته 5,6% مقارنة بسنة 2022 وبنسبة 15% مقارنة مع سنة 2019، وفقا لدراسة أَجْرَتْهَا مجموعة جانوس هندرسون لإدارة الأصول، نُشِرت يوم 13 آذار/مارس 2024، وشملت الدراسة أكبر 1200 شركة من حيث القيمة السوقية، وتمثل 85% من أرباح الأسهم المدفوعة في جميع أنحاء العالم، وفي مقدّمتها شركات التكنولوجيا (مايكروسوفت و أبل) وشركات قطاع المواد الخام والتّعدين والمحروقات وخصوصًا المصارف التي ارتفعت أرباحها بفعل زيادة أسعار الفائدة، وتشير مجمل هذه البيانات إلى ارتفاع أرباح الأثرياء والشركات الكُبْرى والمصارف، في حين انخفضت قيمة الرواتب ودَخْل الأجَراء من الدرجات السفلى والمتوسطة وكذلك دخل صغار الفلاحين والحرفيين ومجمل الكادحين…  

 

تونس

يُقدّر عدد سكان تونس بنحو 12 مليون نسمة، منهم أربعة ملايين مواطن يعيشون تحت خط الفقر، وهاجر ما لا يقل عن 1,5 مليون، بشكل نظامي أو غير نظامي، بحثًا عن حياة أفضل، إذْ تعاني البلاد من الجفاف المستمر منذ خمس مواسم متتالية، ما حرم الفلاحين والبلاد من المحاصيل الزراعية وما أدّى إلى هلاك الحيوانات، وبلغت نسبة النمو الاقتصادي خلال العام 2023 نحو 0,4% متأثرة بأزمة الجفاف وبارتفاع حجم الدّيُون الخارجية، ونقص احتياطي العملات الأجنبية، ويحل شهر رمضان 2024 في ظل ارتفاع نسبة التضخم إلى 10% سنويا، في المتوسط، وفي ظل الركود الإقتصادي وارتفاع معدّلات البطالة إلى 16,5% رسميا بنهاية سنة 2023، والإرتفاع المتواصل لكلفة المعيشة ولأسعار الأغذية وشح أو فقدان العديد منها ( الطّحين والأرز والسّكّر…)، وبلغ سعر كيلو اللحم، قبل أسبوع من حلول شهر رمضان أكثر من أربعين ديناراً أو حوالي 13 دولارا للكيلو، ما يُعدّ معادلا لأسعار اللحم في أوروبا وأمريكا الشمالية، حيث يُقدّر الأجر الأدنى بنحو ألف ومائتَيْ دولارا بينما يُقدّر متوسط الأجر (وليس الأجر الأدنى) في تونس بألف دينار أو ما يُعادل 323 دولارا، وأدّى ارتفاع الأسعار ( السلع الضرورية والخدمات والإيجار والطاقة…) وتخصيص الدّولة جزءًأ هامّا من إيراداتها لتسديد الدّيون التي تُقدّر بثمانين بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي، إلى انخفاض الدّخل الحقيقي للمواطنين…

في هذا المناخ المُتأزّم، نظّم الإتحاد العام التونسي للشغل (اتحاد نقابات الأُجَراء – تأسس سنة 1946) تجمُّعًا أو احتجاجًا “ناعمًا” يوم السبت الثاني من آذار/مارس 2024، من أجل “الحقوق الإقتصادية والإجتماعية للعاملين” ومن أجل “الكف عن مُضايقة النّقابيين” وغيرها من الشعارات التي ظهرت على اليافطات التي رفعها المُعتصمون…    

 

مصر

رَفَعَ صندوق النّقد الدّولي قيمة القرض الذي تم الإتفاق عليه مع حكومة مصر بنهاية سنة 2022 من ثلاث إلى ثماني مليارات دولار، فضلا عن  1,2 مليار دولار إضافية من صندوق الاستدامة البيئية التابع لصندوق النقد، وذلك ضمن مجموعة قُرُوض تأمل الحكومة أن تصل إلى عشرين مليار دولار، من مجموعة من المُقْرِضِين ومن بينهم البنك العالمي والاتحاد الأوروبي، بعد الصّفقة التي أبرمتها حكومة مصر مع الإمارات بقيمة 35 مليار دولار، مقابل بيع مشروع مدينة “رأس الحكمة” تحت غطاء “تطويرها”، وهي شبه جزيرة تقع على ساحل البحر المتوسط، تهدف الإمارات تحويلها إلى مدينة سياحة وترفيه واستثمار للأثرياء وغسيل الأموال في منطقة السوق أو التجارة الحُرّة، وما شابه ذلك من الأنشطة التي تحصل في الملاذات الضريبية، وتمكنت حكومة مصر بذلك من تخفيف أزمة شُحّ العملة الأجنبية التي رافقتها موجة تضخم مستمرة منذ بداية سنة 2022 وتراجع حاد في قيمة الجُنَيْه المصري، حيث بلغت قيمة الدولار أكثر من سبعين جنيهاً قبل نحو شهر من الإعلان عن صفقة رأس الحكمة، ثم سجل السعر الرّسمي للدّولار نحو خمسين دولارا بعد بداية تطبيق أحد شروط صندوق النقد الدّولي المتمثل في “تعويم” الجنيه المصري ( أي “تحرير” سعر الصّرف، وترك الأمر للسّوق)، بداية من يوم الإربعاء السادس من آذار/مارس 2024، ما يُؤَدِّي إلى ارتفاع كبير في الأسعار، بالتوازي مع زيادة غير مسبوقة على أسعار الفائدة بنحو 6% دفعة واحدة، بهدف تضييق الفجوة في أسعار الدولار بين السوقين الموازية والرسمية.

تُعاني مصر من فجوة بين العرض والطلب على الدولار بسبب ارتفاع حجم الدّيون الخارجية (165 مليار دولارا، قبل القروض الأخيرة) وارتفاع حصة خدمة الدين الخارجي التي يتوجب تسديدها سنويًّا، وقد يؤدي تعويم الجنيه إلى انخفاض جزئي وبطيء في أسعار بعض السلع المستوردة شديدة الارتباط بالدولار، مثل السيارات، وذلك في حال توفير العملة للمستوردين ورفع قيود الاستيراد، ولكن ذلك لن يؤدي إلى انخفاض أسعار الطعام الجاهز الذي يباع في المطاعم أو المحلات، مع توقعات بارتفاع بعض أسعار المنتجات المحلية الصنع نتيجة ارتفاع سعر الفائدة على اقتراض الشركات، وبالأخص الشركات الصغيرة وارتفاع أسعار الطاقة لأن أحد شروط اتفاق صندوق النقد الدولي الجديد مع مصر هو إلغاء دعم أسعار الطاقة…

مفهوم التعويم

يعني امتناع المصرف المركزي عن تحديد سعر العملات الأجنبية مقابل العملة المَحَلِّيّة، بل يترك عملية تحديد السعر للعرض والطلب على الدولار أو اليورو أو الين أو غيره، وارتبط التعويم الكُلِّي أو الجُزْئِي في البلدان الفقيرة ( مثل المغرب وتونس ومصر…)  بانخفاض قيمة العملة المحلية مقابل الدّولار، وبارتفاعات كبيرة لأسعار السلع الأساسية، وخصوصًا السلع المستورَدَة ومنها الغذاء والدّواء، رغم ادّعاء صندوق النقد والحكومات “إن التعويم يؤدي على المدى المتوسط والبعيد لاستقرار الأسعار وخفض معدل التضخم”، وفي مصر قَدّر بعض الخُبراء المَحلِّيِّين كل زيادة بنسبة 10% في سعر صرف الدولار مقابل الجنيه بارتفاع التضخم بنسبة 4%، أما تراجع سعر صرف الدّولار بنسبة 10% مقابل الجنيه فلا يُؤدّؤ سوى إلى انخفاص التضخم بنسبة 0,5%

 

إفريقيا – برامج التكيف الهيكلي

فَرَضَ صندوق النّقد الدّولي نفس النموذج والشروط على الدّول الفقيرة، تحت إسم “بنامج التّكَيُّف الهيكلي”، وكانت نتائج هذا النموذج الاقتصادي كارثية في جميع البلدان، منذ بداية عقد الثمانينيات من القرن العشرين، وتتضمن “برامج التكيف الهيكلي” تنفيذ إجراءات تقشفية صارمة وخفض الإنفاق الاجتماعي، وإعادة توجيه الاقتصاد للتركيز استخراج المعادن وتصديرها خامّا وتصدير السلع الرخيصة إلى الدّول الغنية، وخفض الإنفاق الحكومي على التعليم والرعاية الصحية، فيما سمحت برامج التكيف الهيكلي، في منطقة جنوب الصحراء الكبرى بتحويل مبالغ بقيمة 229 مليار دولار إلى “الغرب” في الفترة من 1980 إلى 2004، وتضاعف عدد الفقراء في الفترة من عام 1981 إلى عام 2001، من 160 مليون إفريقي (من جنوب الصحراء) إلى نحو 320 مليون شخص يعيشون بأقل من دولار واحد في اليوم وانخفض نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي بين سنتَيْ 1980 و 1998، بنسبة 15% وفقًا لبيانات البنك العالمي…   

تلقّت دول إفريقيا سنة 2015 نحو 161 مليار دولارا من التحويلات المالية والقروض و”المُساعدات”، وتدفّقت، خلال نفس السنة 203 مليار دولارا من إفريقيا إلى الدّول الغنية، تتضمن مبالغ التهرب الضريبي ومدفوعات الديون واستخراج الموارد، مما أدى إلى خلق عجز مالي سنوي صافي يزيد عن 40 مليار دولار، وبلغ معدل المبلغ الإجمالي الخارج من إفريقيا سنويا أكثر من خمسين مليار دولارا، واستفادت المصارف الأجنبية بشكل أساسي من برامج التكيف الهيكلي التي يفرضها صندوق النقد الدولي، في شكل تحويل موارد خدمة الديون الخارجية وخصخصة الشركات العمومية وتحويل إيرادات البيع إلى خدمة الدين الخارجي ما يُحَوّل الديون إلى أحد أشكال الاستعمار الذي لا يحتاج إلى آلاف الجنود لاحتلال بلد ما بل إلى بعض الموظفين… 

 

الإستعمار الجديد – نموذج كينيا

وافقت حكومة كينيا على أول خطة عمل استراتيجية لها مع البنك العالمي سنة 1980 ومع صندوق النقد الدولي سنة 1982، وتضمّنت الشروك: إلغاء التعريفات الجمركية، ووقف تمويل الخدمات العامة، وتنفيذ التخفيضات الضريبية، مما أدى إلى انخفاض معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي من 7% خلال عقد ما قبل تطبيق شروط صندوق النقد الدّولي والبنك العالمي، إلى 4,2% خلال عقد واحد بعد تطبيق تلك الشّروط، وكان حوالي 35% من الكينيين يعيشون في حالة فقر قبل قروض عقديْ ثمانينيات وتسعينيات القرن العشرين، وبحلول أواخر التسعينيات، ارتفعت النّسبة إلى أكثر من نصف العدد الإجمالي للسكان، وبدا الإرتفاع  المُشِطّ لأسعار المواد الغذائية، وانتشار الجوع، وارتفع عدد الفقراء أربعة أضعاف من 3,7 ملايين سنة 1973 إلى 17 مليون سنة 2003، وزادت نسبة التفاوت وعدم المساواة، وازداد الوضع سُوءًا أثناء الجفاف الإقليمي لسنة 2011، واستغلال صندوق النقد الدّولي الكارثة لتشديد شروطه التي تؤثر سلباً على الفقراء، وفق منظمة أوكسفام (نيسان/ابريل 2023)

اشتدت قبضة صندوق النقد الدّولي على الإقتصاد الكيني ( والقرار الإقتصادي هو قرار سياسي )، منذ سنة 2011، وكان تأثير شروط الصندوق كثير الضّرر باقتصاد البلاد حيث ارتفعت الأسعار ونسبة التضخم وتباطأ النمو الاقتصادي.

حصلت حكومة كينيا خلال شهر كانون الثاني/يناير 2024، على قرض جديد من صندوق النقد الدّولي بقيمة 941 مليون دولارا، لتصل ديون الصندوق 3,5 مليار دولارا، وهي كالعادة ديون مشروطة بتطبيق برامج الإصلاح الهَيْكَلِي والتقشف وخفض قيمة العملة المحلية وإلغاء دعم السلع والخدمات الأساسية وخصخصة ما تبقى من المؤسسات العمومية وخدمات التعليم والصحة والنقل والكهرباء والماء وغيرها، وتبلغ نسبة الدين الحكومي في كينيا نحو 70% من الناتج المحلي الإجمالي سنة 2023، وارتفعت قيمة خدمة الدّيُون الحكومية لتُصبح أهَمّ بُنُود الميزانية، وأدّت توصيات صندوق النقد الدولي، منذ العقد الأخير من القرن العشرين، إلى فَرْضِ ضرائب غير مباشرة (ضريبة الإستهلاك) باهظة على أفقر المواطنين الكينيين، حيث ارتفعت نسبتها من 8% إلى 16% خلال شهر تموز/يوليو 2023، ما رَفَعَ من أسعار الغذاء والوقود وارتفعت نسبة الفقر ونسبة انقطاع الأطفال عن التعليم، وشدّد الصندوق إملاءاته وشُرُوطَهُ مع القُرُوض الجديدة التي أدّت  – سنة 2023  –إلى ارتفاع الديون وأسعار الغذاء والدّواء والسّكّر بمعدّل 32% وأسعار الخضروات مثل الجزر والبصل بأكثر من 50%، كما ارتفع سعر دقيق الذرة بنسبة 150%، وهو منتج أساسي آخر في كينيا، خلال سنتَيْ 2022 و 2023 وتضاعف سعر الوقود ثلاث مرات، بينما انخفضت القيمة الحقيقية لدخْل نحو 90% من المواطنين الذين يكتفي العديد منهم بوجبة طعام واحدة في اليوم، بل انخفض دخل 73% من الكينيين سنة 2023، مقارنة بسنة 2019، وأصبح نحو 75% يعانون باستمرار من ضائقة مالية شديدة، ويعجزون عن تغطية نفقاتهم، وأدى رَفْع قيمة ونسبة الضريبة غير المباشرة وإلغاء الدّعم إلى اندلاع أربعة احتجاجات حاشدة في نيروبي بين أذار/مارس وتموز/يوليو سنة 2023، وأدّى عُنْف الشرطة إلى قَتْل ما لا يقل عن ثلاثين شخصًا، واعتقال مئات آخرين.

 

ألمانيا – إضرابات قطاع النّقل

أضرب عاملو السكة الحديدية بألمانيا للمرة الخامسة بين تشرين الثاني/نوفمبر 2023 والسابع من آذار/مارس 2024، من أجل زيادة الأُجُور، لتدارك ارتفاع الأسعار، وتحسين ظروف العمل، وشملت حركات الإضراب كذلك قطاع النقل الجوي لنفس الأسباب، ولم تنطلق سوى نسبة 20% من قطارات المسافات الطّويلة بين صباح الخميس 7 آذار/مارس ومنتصف نهار الجمعة الثامن من آذار/مارس 2024، فيما أعلنت شركة لوفتهانزا ( التي تضاعفت أرباحها) إن إضراب موظفي الأرض إلى شَلَلِ ما بين 80% و 90% من حركة النقل الجوي بالمطارات الألمانية الرئيسية، من يوم الخميس 07 إلى صباح السبت 09 آذار/مارس 2024، وسبق أن أضرب الطيارون وعملة مراقبة الأمتعة وعملة الجو، في فترات سابقة، ضمن حركة اجتماعية مَطْلَبِيّة تجسّدت في إضرابات محلات السوبر ماركت والخدمات وموظفي المؤسسات العمومية الإقليمية والمَحَلِّية…  

 

تكنولوجيا – صراع صيني أمريكي

انتقد وزير خارجية الصّين الإجراءات الحِمَائِيّة الأمريكية و”الضغط على حُلفائها لمُحاصرة الصين ومنعها من الحصول على تكنولوجيا أشباه الموصلات، ما خَلَقَ توترات مستمرة بين أميركا والصين”، وذلك بعد الضغط الأميركي على هولندا وألمانيا وكوريا الجنوبية واليابان لتشديد القيود على وصول الصين إلى تكنولوجيا أشباه المواصلات، وردّت حكومة الصّين بإعلان تأسيس صندوق لتمويل صناعة الرّقائق بقيمة تفوق 27 مليار دولار، ولتسريع وتيرة عملية تطوير أحدث التقنيات، وهو ثالث صندوق يتم تمويله من قِبَل الحكومات المحلية والشركات الحكومية، بإشراف وزارة التكنولوجيا الصينية، بهدف دعم سوق أشباه الموصلات الصيني وهو أكبر سوق في العالم، وبهدف استقلال شركات هواوي وأمثالها وعدم الإعتماد على التكنولوجيا أميركية المنشأ لإنتاج الشرائح المتطورة

أنشأت حكومة الصين “الصندوق الكبير” سنة 2014، لتقديم الدعم المالي لشركات صنع الرقائق المحلية بقيمة 45 مليار دولار، وساعد شركة سيميكوندوكتور مانيوفاكتشرينغ إنترناشيونال (شنغهاي ) و “يانغتسي ميموري تكنولوجيز” على تصنيع رقائق كانت الولايات المتحدة تعتبر إن الصين غير قادرة على تصنيعها، ويعمل هذا الصندوق والعديد من الصناديق الإستثمارية الصينية بتَكَتُّم، بعيداً عن الأضواء، من أجل استبدال الواردات الأجنبية بإنتاج محلي في مجال أشباه الموصلات… 

 

الفجوة الرّقمية

ارتفع عدد مستخدمي الشبكة الإلكترونية في العالم بنحو  1,5 مليار مستخدم بين العامين 2018 و2022 مدفوعاً بتفشّي جائحة كوفيد-19، ليبلغ نحو 5,3 مليار مستخدم، أو نحو ثُلُثَيْ سُكّان العالم بنهاية سنة 2022، غير إن هذه الأرقام تُخْفِي تَفَاوُتًا كبيرًا بين سُكّان الدول الغنية والدّول الفقيرة، بشأن إمكانية الوصول إلى الإنترنت وسرعته وكلفته، فضلا عن إقصاء 2,7 مليار شخص، وهو عدد من لم يستخدموا الإنترنت، ومعظمهم من مواطني البلدان الفقيرة، حيث يشمل استخدام الشبكة الإلكترونية (بنهاية سنة 2022) نحو 92% من سكّان البلدان المرتفعة الدخل، بينما بلغت النسبة في الشريحة العليا من البلدان المتوسطة الدخل نحو 79%، ونحو 56% في الشريحة الدنيا من البلدان المتوسطة الدخل، في حين لا تتجاوز نسبة مستخدمي الشبكة الإلكترونية 25% من العدد الإجمالي لسُكّان البلدان منخفضة الدخل.

يشمل التفاوت كذلك جودة الخدمة وتعزيز تجربة المستخدم عند استخدام التطبيقات كثيفة البيانات، مع ذلك، وارتفاع السرعة في البلدان المرتفعة الدخل بوتيرة أعلى بكثير بالمقارنة مع البلدان متوسطة الدخل، في حين بقيت البلدان منخفضة الدخل محرومة من الإنترنت السريع لأن اشتراكات الإنترنت عبر الخطوط الأرضية الثابتة توفر القدرة على الحصول على الاتصالات بسرعة عالية، لكن الفجوة في انتشاره بين البلدان الغنية والفقيرة اتسعت بشكل صارخ، ففي العام 2022، اشترك 38% من سكان البلدان مرتفعة الدخل في الإنترنت عبر الخطوط الأرضية الثابتة، ونحو 31% من الشريحة العليا لسكان البلدان متوسطة الدخل، ونسبة 4% فقط من مجمل السكّان في الشريحة الدنيا من البلدان متوسطة الدخل، فيما كانت النسبة شبه معدومة في البلدان منخفضة الدخل بسبب افتقادها البنية التحتية وارتفاع الأسعار، كما تخفي هذه الأرقام فجوة في استخدام الإنترنت عبر الهواتف المحمولة، حيث بلغ عدد مستخدمي الإنترنت عبر الهواتف المحمولة نحو 4,4 مليارات شخصا سنة 2022 (15 عاماً وما فوق)، وفي حين تزايد انتشار اشتراكات الإنترنت عبر الهواتف المحمولة بسرعات مماثلة في البلدان المرتفعة والمتوسطة الدخل، فشلت البلدان المنخفضة الدخل في مواكبتها، ونتيجة لذلك، اتسعت الفجوة في انتشار الإنترنت عبر الهواتف المحمولة بين البلدان المنخفضة الدخل والبلدان الأخرى منذ العام 2015.

نزجد كذلك فجوة (تفاوت) في أسعار الإنترنت السريع فقد بقي السعر الوسطي لأرخص حزمة إنترنت عبر الخطوط الثابتة مستقراً في البلدان المرتفعة والمتوسطة الدخل منذ العام 2020، وارتفع في البلدان المنخفضة الدخل، وكان السعر الوسَطي – سنة 2022 – لحزمة الإنترنت السريع عبر الخطوط الثابتة أعلى بنسبة 50% في البلدان المنخفضة الدخل منه في البلدان الأخرى، وهو ما يمثل حوالي ثلث الدخل القومي الإجمالي الشهري للفرد…

هناك فوارق أخرى بين سكان المناطق الحضرية والمناطق الريفية، وبين الشباب والبالغين، وبين الذّكور والإناث سواء في استخدام الشبكة الإلكترونية أو الهواتف المحمولة العادية أو الهواتف “الذكية” التي لا يزال انتشارها في البلدان الفقيرة محدوداً. 

تُشكل أسعار الهواتف “الذكية” حاجزًا لأنها باهظة الثمن بالنسبة لفئات الدخل المنخفض، وتمثل أسعارها 14% أو أكثر من الدخل السنوي للأشخاص الذين يعيشون على أقل من دولارين في اليوم، وفي حين أن 8% فقط من الاتصالات تتم عبر هواتف محمولة عادية في البلدان المرتفعة الدخل، تقفز النسبة إلى 46% في بلدان أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، بسبب انعدام خطوط الشبكة الأرضية وانعدام الهواتف المَوْصُوفة ب”الذّكية”.

 

خصخصة الحروب

كان التجنيد إجباريا في الولايات المتحدة، حتى الثلاثين من حزيران/يونيو 1973، وتمكّن الجيش الأمريكي من تجنيد حوالي 12 مليون جندي وضابط خلال الحرب العالمية الثانية، ما مَكّن الولايات المتحدة التي دخلت الحرب متأخرًا وفي أراضي الغير، من الهيمنة على العالم بعد الحرب، وجَنّد الجيش الأمريكي ما لا يقل عن ثلاثة ملايين جندي وضابط، ضمن نظام التجنيد الإجباري، خلال العدوان على فيتنام الذي انتهى بهزيمة الجيش الأمريكي خلال شهر نيسان/ابريل 1975، وحل نظام التطوع أو الإحتراف مكان الجيش التقليدي، فضلا عن تطور تقنيات القتال بواسطة “الذكاء” الإصطناعي والروبوتات والطائرات بدون طيار والأسلحة والقنابل والصواريخ المُوَجّهَة، وهي أساليب تتطلب عددًا صغيرًا من ذوي الكفاءات العلمية والتكنولوجية، وتزامنت نهاية نظام التجنيد الإجباري مع تصويت الكونغرس قانون صلاحيات الحرب، الذي يشترط موافقة الكونغرس على نشر الجيش الأمريكي في أي مكان من العالم، فكان الإعتماد على الشركات الخاصة التي يُشرف عليها ضُبّاط سابقون، التنصل من مسؤولية بعض العمليات، ولاحقا أنشأ الجيش الأمريكي، سنة 1985، برنامج التعزيز المدني اللوجيستي، الذي يسمح للجيش باللجوء إلى المُتعاقدين المدنيين أثناء الحُرُوب وفترات الطوارئ، لتنفيذ أعمال الهندسة والبناء وإصلاح المعدّات والتموين وقطع الغيار واللوجستيات، وتمت تجربة هذا البرنامج خلال عملية تفكيك يوغسلافيا في بداية العقد الأخير من القرن العشرين، بدعم المليشيات الإنفصالية الأوكرانية، اليمينية المتطرفة (ساعدت الجيش النازي خلال الحرب العالمية الثانية) من قِبَل الشركات الأمنية الأمريكية الخاصة، وكانت تلك مُقدّمة لتطوير وتعميم استخدام مُرتزقة الشركات الخاصة في أعمال القتل والتخريب في الصّومال وأفغانستان وهايتي والعراق وسوريا وأوكرانيا وغيرها، ومن أشهر هذه الشركات “بلاك ووتر” التي غيرت إسمها إلى “أكاديمي” و”كيوبِك كربوريشن” وشركات أخرى تعمل تحت غطاء إنساني، وأنشأت فُروعًا لها مثل “الخُوذات البيضاء” في سوريا، وهي لا شركات تتمتع بمرونة الحركة والقرار ولا تخضع لرقابة الكونغرس، وتقوم هذه الشركات بتنفيذ برامج التدريب والإمداد العسكري والإسناد.

قدّرت دراسة نشرتها جامعة “براون” الامريكية، سنة 2021 إنفاق الولايات المتحدة على الحروب والتّسلّح لفترة عشرين سنة ( ما بعد 11 أيلول/سبتمبر 2001) بنحو 14 تريليون دولارا، واستأثرت الشركات العسكرية الخاصة (شركات المليشيات والمرتزقة) بنحو 50% من هذا المبلغ، فيما بلغت حصة الشركات الأمريكية من صادرات الأسلحة ثمانين مليار دولارا سنويا وتضغط الولايات المتحدة على الدذول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي لرفع الإنفاق العسكري إلى ما لا يقل عن 2% من الناتج المحلي الإجمالي وزيادة حجم مُشْتَرياتها من الأسلحة الأمريكية… 

 

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.