خلفيات “الميناء المُؤقت” في غزة / الطاهر المعز
الطاهر المعز ( تونس ) – الأحد 17/3/2024 م …
أعلنت القيادة المركزية للجيش الأمريكي ( Centcom ) يوم 12 آذار/مارس 2024، إنها قرّرت إرسال سفن حربية – من لواء النقل السابع – إلى ساحل غزة “لإقامة رصيف بحري مؤقت لتسهيل عبور المساعدات الإنسانية”، وأعلنت قبرص والاتحاد الأوروبيّ، على الفَوْر، استخدام هذا الرصيف “لإدخال المساعدات إلى غزة”، حيث تدعم الولايات المتحدة وحلفاؤها والدّول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي – فضلا عن الأنظمة العربية – العدوان الصهيوني والإبادة الجماعية والتّجويع والحصار والرقابة المُشَدّدَة على المعابر البرية…
لم نعهد من الإمبريالية، وخصوصًا الإمبريالية الأمريكية، اهتمامًا بحقوق الإنسان الأساسية، وأولها الحق في الحياة، ولم نعهد منها اهتمامًا بحياة الفلسطينيين (أو العراقيين أو الأفغانيين والصوماليين…) بل عهدنا الإمبريالية الأمريكية والأوروبية سندًا قويا، عسكريا ودبلوماسيا وإعلاميا، للكيان الصهيوني، وما فكرة هذا “الرصيف المؤقت” سوى محاولة للإلتفاف على القضية الرئيسية وهي الإحتلال الصهيوني ونتائجه، ولو كانت لدى الولايات المتحدة “دوافع إنسانية” لأمرت بفتح المعابر البَرِّيّة.
إن فكرة مشروع هذا الميناء هي خطة صهيونية قديمة، طُرِحت على الولايات المتحدة وقبرص، وأُعيد طرحها عند بداية عدوان تشرين الأول/اكتوبر 2023، وفق وكالة الصحافة الفرنسية التي أعلنت يوم 17 تشرين الثاني/نوفمبر 2023، إن الحكومة القبرصية اقترحت تخزين المساعدات الإنسانية في قبرص ونقلها إلى غزة تحت إشراف سلطات الإحتلال الصهيوني والسفن الحربية الأمريكية والأوروبية، وسيطرة الولايات المتحدة والكيان الصهيوني على عمليات توزيع المواد الغذائية، ولذلك فإن القرار الأمريكي لبناء الرصيف المؤقت لا يخدم سوى أهداف العدو واختزل القضية الفلسطينية في غزة وتحويل مسألة التحرر الوطني من الإحتلال إلى قضية إنسانية يمكن حلها بالمساعدات الغذائية، لكن تحت إشراف سلطات الإحتلال، وليس تحت إشراف وكالة غوث وتشغيل اللاجئين، لأن هذه الوكالة شاهد على احتلال سنة 1948 وعلى تدمير المُدُن والأحياء والقُرى وتهجير 850 ألف فلسطيني، ويأتي القرار الأمريكي-الصهيوني بعد أكثر من خمسة أشهر من الإبادة والتدمير.
يُشكل بناء ميناء – ولو “مؤقت” – وما يتطلبه من بُنية تحتية استثمارًا هامًّا لا يمكن لأي قوة رأسمالية إنفاقه “لأسباب إنسانية” ولهدف قصير المدى، فلا علاقة إذًا لهذا المخطط بعمل الإنساني، بل إن الغرض من مثل هذا الميناء يصرف الانتباه عن حقيقة الحصار البحري المُستمر منذ نحو 15 سنة ومَنْع الصيادين الفلسطينيين من كسب قوتهم، وتُشارك سفن حربية أمريكية وأوروبية (ألمانيا وبريطانيا وفرنسا وغيرها) في الحصار، منذ 2008، بذريعة مَنْع دخول الأسلحة، فيما يتطلّع الكيان الصهيوني إلى استغلال حوالي 1,3 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي البحري، بعد نَهْب الغاز من سواحل الأرض المحتلة سنة 1948 وكانت حكومة الكيان الصهيوني قد قَرّرت، قبل أشهر من عدوان الثامن من تشرين الأول/اكتوبر 2023، ومنذ حزيران/يونيو 2023 “تطوير حقول الغاز البحرية في سواحل غزة” بعد تحقيق السيطرة الأمنية الكاملة على اقتصاد وموارد قطاع غزة، وتهجير أقصى عدد ممكن من الفلسطينيين، وقد يفتح الميناء الأمريكي الباب نحو “الهجرة الطوعية” لسكان غزة إلى أوروبا، وزيادة تهميش دور مصر التي فقدت السيادة على سيناء، منذ اتفاقيات كمب ديفيد وملاَحِقُها، وانتقلت من المقاومة إلى التّطبيع والوساطة وإلى حارس بوابة رفح ووكيل لتنظيم دخول المساعدات والبضائع، ودخول وخروج الأفراد من وإلى غزة، لتصبح غزة جزءًا من مخطط نقل الطاقة بين موانئ فلسطين وقبرص واليونان…
إن إنشاء رصيف بحري يتطلب استثمارًا ضخما ونظرًا لما رافق الإعلان الأمريكي من دعاية، يُستبعد أن يكون هذا الرصيف مؤقتاً أو ظرفياً، بل يُشكل الرصيف رافدًا عسكريا أمريكيا لإتمام مهام الاحتلال الصهيوني، والسيطرة على حقول الغاز، كما فعلت الولايات المتحدة في العراق وليبيا وسوريا… يُشكّل بناء ميناء على ساحل غزة جزءًا من الأهداف الإستراتيجية بعيدة المدى لتأمين استغلال حقول الغاز التي تم اكتشافها سنة 1999، برعاية أمريكية، كما يُشكّل هذا “العمل الخيري والإنساني” الأمريكي المزعوم، غطاء للإبادة والدّمار الشامل، كفصل من فُصُول المخطط الإستراتيجي الصهيوني الذي تدعمه الإمبريالية للاستيلاء على كل فلسطين كجزء من مخطط أوسع، يشمل ما بين النيل والفرات
التعليقات مغلقة.