رحيل الرئيس المناضل فيدال كاسترو
السبت 26/11/2011 م …
الأردن العربي …
وفاة الرئيس فيدال كاسترو أب الثورة الكوبية وملهم ثورات أميركا اللاتينية ورمز من رموز حركة التحرر العالمي. صمدت كوبا بقيادته 50 عاما تحت الحصار الأميركي القاسي، وحافظت على حقوق مواطنيها ودعمت شعوب العالم الأخرى، وعلى رأسهم الشعب الفلسطيني.
** نبذة عن الزعيم الكوبي فيدل كاسترو
وُلد ثرياولد فيدل كاسترو عام 1926 لعائلة ثرية، بيد أنه تمرد منذ صغره على حالة الترف التي كان يعيشها بعد ما صُدم بالتناقض الكبير بين رغد الحياة في أحضان عائلته وبين شظف العيش والفقر في مجتمعه.
في عام 1953 حمل كاسترو السلاح ضد الرئيس فالغنسيو باتيستا على رأس مجموعة مكوَّنة من حوالي 100 من أتباعه. إلا أن محاولته أُحبطت، وسجن مع شقيقه راؤول.
وبعد عامين صدر عفو عن كاسترو الذي شكل قوة مقاتلة عرفت بحركة 26 يوليو/تموز وواصل حملته لإنهاء حكم باتيستا من المنفى في المكسيك.
الإطاحة بباتيستا
وقد اجتذبت مبادئ كاسترو الثورية تأييدا واسعا في كوبا، وتمكنت قواته في عام 1959 من الإطاحة بنظام باتيستا الذي أصبح يرمز إلى “الفساد والتعفن وعدم المساواة”.
بعد إطاحته بنظام باتيستا وتسلمه سدة الحكم في البلاد، سرعان ما حوَّل كاسترو كوبا إلى النظام الشيوعي لتصبح أول بلد تعتنق الشيوعية في العالم الغربي.
لم تكد الولايات المتحدة تعترف بالحكومة الكوبية الجديدة حتى بدأت العلاقات بين واشنطن وهافانا بالتدهور، لاسيما عندما قام كاسترو بتأميم الشركات الأمريكية العاملة في كوبا.
وفي أبريل/ نيسان عام 1961 حاولت الولايات المتحدة إسقاط الحكومة الكوبية من خلال تجنيد جيش خاص من الكوبيين المنفيين لاجتياح جزيرة كوبا.
إلا أن القوات الكوبية المتمركزة في خليج الخنازير تمكنت من صد المهاجمين وقتلت العديد منهم واعتقلت حوالي ألف شخص آخر.
أربك تحالف فيدل كاسترو مع خروشوف الولايات المتحدة
أزمة الصواريخ
وهكذا أصبح كاسترو العدو رقم واحد بالنسبة للولايات المتحدة، مما حدا بحليفه الاتحاد السوفياتي حينذاك بأن يقرر نشر صواريخ بالستية في الجزيرة الكوبية لردع أي محاولة أمريكية لغزوها، وذلك وفقا لمذكرات الزعيم السوفياتي حينذاك نيكيتا خروشوف.
وبعد ذلك بعام واحد، بدأت أزمة الصواريخ السوفياتية الشهيرة التي كادت أن تجر العالم إلى حرب كونية ثالثة.
وفي أكتوبر/ تشرين الأول عام 1962 اكتشفت طائرات تجسس أمريكية بالفعل منصات الصواريخ السوفياتية في كوبا، مما جعل الولايات المتحدة تشعر بالتهديد المباشر.
إلا أن الأزمة لم تطل كثيرا، فقد توصلت موسكو وواشنطن إلى تسوية أزال الاتحاد السوفياتي بموجبها صواريخه من كوبا مقابل تعهد أمريكي بعدم غزو كوبا، والتخلص من الصواريخ الأمريكية في تركيا.
وقد أربك تحالف كاسترو مع خروشوف الولايات المتحدة التي قطعت هافانا علاقاتها الدبلوماسية معها عام 1961 بعد عملية خليج الخنازير الفاشلة، كما أمم عددا من الشركات الأمريكية التي بلغ مجموع أرصدتها ما يقرب من مليار دولار في ذلك الوقت.
وقد أصبح كاسترو أحد النجوم اللامعة في عصر الحرب الباردة. ففي عام 1975، أرسل كاسترو 15 ألف جندي إلى أنغولا لمساعدة القوات الأنغولية المدعومة من السوفييت. كما أرسل في عام 1977 قوات أخرى إلى إثيوبيا لدعم نظام الرئيس الماركسي مانغستو هيلا مريام.
وقد أثر انهيار المعسكر الاشتراكي عام 1991 كثيرا على الأوضاع في كوبا، وخاصة الجانب الاقتصادي منها. إلا أن بعض المحللين يرون أن كوبا تمكنت من التقليل من آثار خسارة أهم حلفائها.
وقد ظل كاسترو يلقي باللوم على واشنطن ويحملها مسؤولية المصاعب الاقتصادية التي تواجهها بلاده، وذلك بسبب الحظر الاقتصادي الذي تفرضه واشنطن على كوبا.
تاريخ وصمود
لقد صمد كاسترو في وجه التاريخ، وواجه على مرِّ 45 عاما الولايات المتحدة، إذ وقف في وجه الحصار الاقتصادي الذي فرضته واشنطن على بلاده، واستمر نظامه حتى بعد سقوط الأنظمة الشيوعية في الاتحاد السوفياتي وأوروبا الشرقية.
وتعرض كاسترو لمحاولات اغتيال عدة وللتدخلات الأمريكية في شؤون بلاده، وتحول الرجل إلى مثال يُحتذى أمام بلدان وقيادات أخرى في أمريكا اللاتينية وغيرها.
وربما يكون الرئيس الفنزويلي هو غو شافيز أبرز مثال على اقتفاء قادة أمريكا الجنوبية أثر كاسترو في سياسة مواجهة وتحدي النفوذ الأمريكي.
وذكرت عدة تقارير استخبارية وغيرها أن الولايات المتحدة حاكت أكثر من 600 مؤامرة لاغتيال كاسترو الذي نجا منها جميعها ليظل في حكم بلاده طوال قرابة خمسة عقود تعاقب خلالها تسعة رؤساء على حكم الولايات المتحدة.
رسالة التنحي
وفي التاسع عشر من شهر فبراير/شباط 2008 استقال فيدل كاسترو من منصبي رئاسة الدولة والقيادة العامة للقوات المسلحة الكوبية، وأعلن عن خطوته تلك ذلك في رسالة نشرتها صحيفة غرانما الرسمية في موقعها على الإنترنت.
وقال كاستروا في رسالته تلك: “سوف أخون ضميري إن أنا قبلت تحمل مسؤولية تتطلب الحركة والتفرغ والتفاني بشكل كامل، فأنا لست في حالة صحية تمكنني من بذل هذا العطاء”.
ورغم خلافة شقيقه راؤول له في رئاسة البلاد والقوات المسلحة وزعامة الحزب الشيوعي الحاكم، إلا أن فيدل كاسترو لم يغب عن الأخبار خلال السنوات الأخيرة، سواء بمقالاته التي دأب على نشرها أو بتعليقاته على التطورات المحلية والدولية.
ففي شهر يونيو/حزيران عام 2008، انتقد فيدل كاسترو ما وصفه بـ “النفاق الكبير” وراء قرار الاتحاد الأوروبي برفع العقوبات الدبلوماسية المفروضة على كوبا ومطالبة الحكومة الكوبية بتحسين سجلها في مجال حقوق الإنسان.
وفي شهر يناير/كانون الثاني من عام 2009، كتب فيدل كاسترو مقالا آخر حث فيه مواطنيه على عدم الارتباك بسبب مرضه وإمكانية وفاته، كما حيَّا أيضا الرئيس الأمريكي الجديد حينذاك باراك أوباما، وقال إنه لا يتوقع أن يكون على قيد الحياة عندما يخوض أوباما السباق للفوز بولايته الثانية كرئيس للولايات المتحدة عام 2012.
ورغم مرض كاسترو، فقد فاجأ الرئيس الفنزويلي هوغو شافيز في 27 فبراير/شباط 2009 بإعلانه أنه شاهد صديقه القديم وهو يسير في شوارع هافانا لأول مرة منذ أن أقعده المرض قبل ثلاث سنوات من ذلك التاريخ.
وفي يوليو/ تموز من عام 2010 ظهر فيدل كاسترو للعلن للمرة الأولى منذ مرضه وتنحيه عن الحكم، وذلك عندما قام بزيارة لأحد المعاهد العلمية في العاصمة هافانا.
عودة إلى الأضواء
وعاد الزعيم الكوبي إلى الأضواء الدولية مرة أخرى في الشهر الثامن من عام 2010 عندما ألقى خطاباً أمام جلسة استثنائية للبرلمان الكوبي حذر فيه الرئيس ألأمريكي من مغبة شن حرب نووية على إيران.
وفي شهر أبريل/نيسان 2011، ظهر فيديل كاسترو من جديد إلى جوار شقيقه الرئيس الحالي راؤول كاسترو في المؤتمر العام للحزب الشيوعي الكوبي الذي عقد في العاصمة هافانا، حيث قوبل الرجلان بترحيب حار من الأعضاء المشاركين في المؤتمر الذين لم يتوقعوا مشاهدة فيديل كاسترو.
وقد أدان فيدل كاسترو في الرابع والعشرين من شهر أكتوبر/تشرين الأول من عام 2011 حلف شمال الأطلسي (الناتو) لدوره في الإطاحة بالزعيم الليبي الراحل معمر القذافي قائلا إن “هذا الحلف العسكري المتوحش قد أصبح أكثر أدوات القمع غدرا في تاريخ البشرية”.
وفي الخامس من شهر فبراير/شباط من هذا العام حضر فيدل كاسترو حفل توقيع مذكراته التي صدرت في كتاب من نحو 1000 صفحة، وتضمن محطات أساسية في حياته منذ الطفولة إلى تصدره الثورة الكوبية، والفترة الطويلة التي أمضاها في رئاسة البلاد وزعامة الحزب الحاكم، بالإضافة إلى فترة مرضه وما بعد تنحيه عن الحكم.
ظل كاسترو يلقي باللوم على واشنطن ويحملها مسؤولية المصاعب الاقتصادية التي تواجهها بلاده
ويُعرف كاسترو بين أفراد شعبه باسم “فيدل” أو “القائد”. ورغم أن العديد من الكوبيين يمقتون كاسترو بلا شك، إلا أن كوبيين آخرين أحبوه، فبالنسبة لهؤلاء فكاسترو هو كوكبا وكوبا هي كاسترو.
الحياة الخاصة
وقد أبقى كاسترو حياته الشخصية شأنا خاصا بشكل عام، إلا أن بعض المعلومات عنها باتت متوفرة خلال السنوات الأخيرة، ومنها زواجه عام 1948 من ميرتا دياز- بالارت، التي أنجبت له ابنه الأول فيديليتو، وطلاقه منها فيما بعد.
وفي عام 1952 التقى كاسترو بناتي ريفلتا، التي كانت على ذمة طبيب، وأقامت معه علاقة وأنجبت له عام 1956 ابنة هي ألينا.
وفي عام 1957 التقى كاسترو بسيليا سانشيز التي قيل إنها رفيقة حياته الأساسية، وقد ظلت معه إلى أن توفيت عام 1980.
وفي ثمانينيات القرن الماضي تزوج كاسترو من داليا سوتو ديل فال التي أنجبت له 5 أبناء.
التعليقات مغلقة.