متابعات، نشرة أسبوعية – العدد الخامس والسّتّون / الطاهر المعز




الطاهر المعز ( تونس ) – السبت 30/3/2024 م …

يُصادف صدور هذا العدد ذكرى يوم الأرض (30/03/1976 – 2024) في حين تستمر عملية الإبادة والتهجير والإزاحة عن الأرض/الوطن لاستبدل الشعب الفلسطيني بقطعان المُسْتَعْمِرِين المُستوطنين القادمين من كل أصْقاع الأرض…

يتضمّن العدد الخامس والسّتّون من نشرة “متابعات” الأسبوعية فقرة عن العلاقة العضوية بين الإمبريالية الأمريكية والكيان الصهيوني ولمحة عن انعكاسات شروط صندوق النقد الدولي على اقتصاد الدّول المُقترضة، وتم اختيار الإقتصاد المصري كنموذج، وفقرة عن حُكْم الإسلام السياسي المُتَصَهْيِن في تركيا، وفقرة عن تصنيف أكبر المراكز المالية الدّولية، وفقرة عن بعض جوانب تقرير التنمية البشرية الصادر عن الأمم المتحدة ( 13/03/2024، وفقرة عن الشركات الأمريكية المستفيدة من العدوان الصهيوني، وفقرتان عن احتكار الغذاء من قِبَل بضع شركات، وعن انعدام التوازن في إنتاج وتوزيع واستهلاك الغذاء في العالم وفقرة عن حجم العمل القَسْرِي أو العمل بالإكراه والأرباح التي يحققها الرأسماليون منه

الإمبريالية والصهيونية- علاقة عُضْوِيّة

نَوّهَ الرئيس جون كيندي سنة 1962 بالعلاقة الخاصة بين الولايات المتحدة والكيان الصهيوني، وبعد أكثر من خمسين سنة أعلن جو بايدن، سنة 2013، لما كان نائب الرئيس باراك أوباما: ” هذا ليس مجرد التزام أخلاقي طويل الأمد؛ إنه التزام استراتيجي”، وأضاف في مناسبَتَيْن سنة 2020 وأواخر سنة 2023: “لو لم تكن إسرائيل موجودة لاَخْتَرَعْناها”، بينما أعلَن سَلَفُهُ دونالد ترامب “لا موجب لتواجدنا في الشرق الأوسط لولا واجب حماية إسرائيل”.

هذه عيّنات من مقولات ثلاثة رؤساء على مدى ستة عُقُود بشأن أسباب الدعم الأميركي الثابت للكيان الصهيوني، وأحد مظاهر الإندماج بين الصهيونية والإمبريالية، فقد قُدِّرت قيمة المساعدات العسكرية الأميركية للإحتلال الصهيوني بين سنتَيْ 1949 و 2022، بأكثر من 300 مليار دولار (بالأسعار الثابتة) فضلا عن منحة عسكرية سنوية ب3,8 مليارات دولارا ومجموعة من المزايا والمحفزات الأخرى، لأن الكيان الصهيوني يُمثّل “عُيُون وآذان أمريكا وقاعدة لتعزيز المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط” وفق تعبير  السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام، ولذلك تدعم الولايات المتحدة العدوان الصهيوني المستمر على الشعب الفلسطيني والشعوب المُجاورة، وتواصل تزويد جيش الإحتلال بالأسلحة المتطورة وأقر مجلس الشيوخ مؤخرًا مساعدات عسكرية إضافية بقيمة 14 مليار دولار أخرى لتنفيذ اجتياح مدينة رفح جنوب قطاع غزة، حيث لجأ أكثر من مليون ونصف فلسطيني، ولتبرير الدّعم غير المشروط، أعلن الرئيس جوزيف بايدن يوم الثامن من آذار/مارس 2024: ” إن التزامنا بالدفاع عن إسرائيل لا يزال أمرا بالغ الأهمية، لذلك لا يوجد خط أحمر”، أي إن هذا التحالف الإستراتيجي يضمن التفوق العسكري الصهيوني والترسانة النووية وأعمال الإبادة والتدمير مع الإفلات من العقاب

تُعَدّ التدريبات العسكرية رفيعة المستوى بين جيش الولايات المتحدة والكيان الصهيوني والهجوم الصهيوني على خطوط أنابيب الغاز الرئيسية في إيران، تهددًا بإشعال حرب واسعة النطاق على مستوى المنطقة، دفاعًا عن المصالح الإستراتيجية الأميركية… 

انعكاسات شروط صندوق النقد الدّولي

نموذج مصر

فرضت سُلْطة الضّبّاط الأحرار برئاسة جمال عبد الناصر السيطرة على سعر صرف النقد الأجنبي وسعر الفائدة على القروض، وبعد حوالي سبعة عُقُود تخلت السلطات المصرية عن السيطرة على هاتَيْن الأداتَيْن الرّئيسِيّتَيْن من خلال الموافقة على شروط صندوق النقد الدّولي يوم السادس من آذار/مارس 2024 مقابل الحصول على قرض بقيمة ثلاثة مليارات دولارا يتم صرفه على ثلاث سنوات، وهو مبلغ صغير لبلد يعد أكثر من مائة وخمسة ملايين نسمة، وبعد إعلان الحكومة “الإصلاحات الإقتصادية” التي يشترطها الدّائنون، رفع   صندوق النقد الدوليقيمة القرض إلى أكثر من تسعة مليارات دولارا، مع وُعُود من البنك العالمي والإتحاد الأوروبي بتقديم خمسة عشر مليارًا أخرى، فضلا عن الصفقات المُرِيبَة التي تُمَكّن حُكام الإمارات من السيطرة على قطعة من مصر ( مدينة رأس الحكمة) مقابل 35 مليار دولارًا، وتعَوّل السّلطات المصرية – من خلال تقريب سعر الصرف الرسمي للدولار من سعره في السوق الموازية – على عودة تحويلات المهاجرين، المُقَدّرة بثلاثين مليار دولارا سنويا، إلى القنوات المصرفية الرّسمية… 

قبل يوم الأربعاء 6 آذار/مارس 2024، كان المصرف المركزي المصري،الخاضع بالكامل للدولة، يُحَدِّدُ قيمة الجنيه المصريمقابلالدولار والعملات الأجنبية، ويؤدِّي “إصلاح سوق الصرف الأجنبي” الذي يفرضه صندوق النقد الدّولي على الدّول المُقْتَرِضَة   أو اليورو /آذار، أقدمت مصر على الغطس لتحقيق أكبر فائدة فورية لرجال الأعمال وسوق الأوراق الماليةلقد اتخذ النظام العسكري في الواقع قرارين تاريخيين، إذا تم تطبيقهما مع مرور الوقت، فسوف يؤديان إلى تعطيل عمل الاقتصاد الوطني بشكل كبيرإصلاح سوق الصرف الأجنبي هو الأكثر وضوحاحتى الآن، كان البنك المركزي المصري،الخاضع بالكامل للدولة، يتحكم في قيمة الجنيه المصريمقابلالدولار أو اليوروولكن الأمر سوف ي تحديد سعر صرف العُمْلَة من خلال قانون السوق، أي قانون العرض والطلب على العملات الأجنبية، بعد عامَيْن متتاليَيْن من النّقص المستمر في قيمة الجنيه المصري ( السّعر الرسمي)، من 17 جنيها للدولار الواحد سنة 2022 إلى ثلاثين جنيها للدولار الامريكي الواحد خلال الأسبوع الأول من آذار/مارس 2024 ووصل سعر الدّولار في السوق الموازية إلى سبعين جنيها… 

أما الشرط الثاني الذي فَرَضَهُ صندوق النقد الدّولي فيتمثل في رفع أسعار الفائدة على المُدّخرات من 6% إلى حوالي 27% أي أعلى من نسبة ارتفاع الأسعار ومن نسبة التّضخّم (المُقدّرة ب35% على أساس سنوي)، ما يخدم أقلية الأثرياء، لأنها الوحيدة القادرة على الإدّخار في ظل ارتفاع الأسعار وانخفاض دخل الأغلبية الساحقة من المواطنين، حيث تقدّر نسبة الفقراء في البلاد بنحو 60% من العدد الإجمالي للسكان ( 106 ملايين نسمة)

تُقدّر قيمة الدّيُون الخارجية للدولة، قبل السادس من آذار/مارس 2024 بنحو 165 مليار دولارا، ويُتوقع أن ترتفع الدّيون إلى حوالي ثلاثمائة مليار دولارا بنهاية العام 2024، في حال تنفيذ الوعود التي أعلنها البنك العالمي والإتحاد الأوروبي ودُويلات الخليج والدّائنين الآخرين، ويستنزف عبء ديْن الدّولة ثُلُثَيْ إيرادات الميزانية إذ وجب على الدّولة تسديد 43 مليار دولارا قبل نهاية سنة 2024، فيما استنزفت المشاريع العقارية الضخمة التي تُشرف مؤسسات الجيش على تنفيذها الجزء الأكبر من ميزانية الإنفاق، وعلى سبيل المثال قُدِّرت تكاليف العاصمة الإدارية الجديدة بأكثر من ستّين مليار دولار، لم يستفد منها سوى كبار الضباط المتقاعدين وأصحاب الشركات المتعاقدة مع مؤسسات الجيش، وغابت الإستثمارات المحلية من الإستثمارات الإنتاجية ومن مجالات المحروقات والسياحة.

تركيا وحكم الإخوان المُتَصَهْيِنِين

تُؤَكّد البيانات التي تُصدرها وزارة التّجارة التركية واتّحاد المصدرين وتنشرها الصحف التركية ( للعديد منها نُسخة مترجمة إلى العربية) ارتفاع صادرات تركيا إلى الكيان الصهيوني، منذ عدوان السابع من تشرين الأول/اكتوبر 2023، وتتضمن الصادرات الأسلحة والحديد والفولاذ والإسمنت والمنسوجات والأسمدة والأسلاك الشائكة والخضر والفاكهة والنفط، ونشرت وسائل الإعلام التركية أخبارًا عن محاولات المجتمع المدني الضغط على الشركات، وعن حملةَ احتجاج تحت شعار: «التجارة مع إسرائيل خيانة لفلسطين»، ونشرت صحيفة «قرار»، أسماء وصور رؤساء الشركات التي تتاجر مع الكيان الصهيوني، مع عنوان بالخط العريض: «كفى! أنهوا التجارة القذرة». ونشرت الصحيفة تقريرًا يؤكّد ارتفاع حجم التجارة مع الكيان الصهيوني خلال شهر شباط/فبراير 2024، بنسبة 20,7% مقارنة بالشهر السابق، وتستثمر شركة «زورلو» للطاقة نحو 300 مليون دولارا في فلسطين المحتلة حيث تنتج الطاقة من النفط والغاز الذي يسرقه الكيان الصهيوني، وتمتلك الشركة التركية حصة تقدَّر بـ25% من مركز «دوراد» للغاز الطبيعي الذي يُزود دولة العدو بنحو 7% من حاجتها إلى الكهرباء

تنتمي جميع الشركات المُصدّرَة إلى الكيان الصهيوني إلى “الجمعية الإسلامية للصناعيين ورجال الأعمال المستقلّين” التي تضم أكثر من 14 ألف عضو وأكثر من 60 ألف شركة، وينكر بعض مُدِيري هذه الشركات التعامل مع الصهاينة، رغم البيانات والأرقام والتواريخ الواردة في بيانات وزارة التجارة واتحاد المصدّرين، وتؤكد هذه البيانات إن تركيا ثاني أكبر مُصَدّر للصهاينة للإسمنت والزجاج والسيراميك والسماد، بعد الولايات المتحدة، كما يتم إصلاح وتحديث دبابات «إم 60» التابعة للجيش الصهيوني في مدينة قيصري التركية، فيما تُؤمن شركة “سوكار” ( أكبر مستثمر أجنبي في تركيا)، انطلاقًا من تركيا نحو 60% من حاجة الكيان الصهيوني للنفط، وتستورد النفط الآذربيجاني وتعيد تصديره إلى الكيان الصهيوني الذي يحصل على نحو 20% من حاجته من النفط من آذربيجان “المسلمة” وتستورد كذلك نحو 44 ألف برميل يوميا من وكازاخستان، مرورًا بتركيا…

أكبر مراكز رأس المال

تفوقت سوق المال بنيويورك على سوق لندن منذ ست سنوات ( منذ سنة 2018) إثر قرار بريطانيا مغادرة الإتحاد الأوروبي، ولا تزال نيويورك أكبر مركز مالي في العالم، تليها لندن في المركز الثاني وسنغافورة ( وهي جزيرة اقتطعها الإستعمار البريطاني من ماليزيا واستورد سكّانا من دول آسيوية أخرى لتوطينهم، ومنحها الإستقلال لتصبح مركزًا ماليا وملاذًا ضريبيا)، وهونغ كونغ في المركز الرابع، تليها سان فرانسيسكو، بفضل دورها القوي في تمويل التكنولوجيا…

فوارق

أظْهرت بيانات “مؤشر التنمية البشرية” التي ينشرها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ( UNDP ) منذ عشرين سنة، وآخرها يوم 13 آذار/مارس 2024، اتساعًا مُستمرًّا للفجوة بين أفْقَر البلدان وأكثرها ثراءً، ولا يقتصر مؤشر التنمية البشرية على مقارنة الناتج المحلي الإجمالي للفرد، بل يُضيف  مؤشر التعليم والرعاية الصحية ومتوسط العمر المتوقع عند الولادة، وفق الظروف المعيشية للمجموعات والأفراد، وأشار تقرير آذار/مارس 2024 إلى “الضُّعْف البُنْيَوِي في اتجاه التنمية العالمية”، خصوصًا خلال السنوات 2020 – 2023، في البلدان “الأقل نُمُوًّا” والتي عرف بعضها أزمات اقتصادية حادة، مثل سريلانكا وزامبيا وباكستان ولبنان، فضلاً عن البلدان التي تعيش شعوبها تحت وطأة الحرب مثل سوريا واليمن والسودان وغيرها، والشعوب التي كانت ضحية السياسات السياسات النيوليبرالية التي فَرَضَها صندوق النقد الدولي مثل الأرجنتين ونيجيريا ومصر، فيما تنخفض قيمة الأُجُور الحقيقية في معظم دول العالم، وخصوصًا في البلدان ذات الكثافة السكانية المرتفعة كإندونيسيا وبنغلادش والصين وفي الهند اتسعت الفوارق وزادت ثروات الأثرياء بشكل استفزازي…

تَمَثَّل البديل الذي قدّمته الصين وروسيا إرساء نظام اقتصادي رأسمالي دولي “مُتعَدّد الأقطاب”، بدل  النظام النيوليبرالي الذي تُهيمن عليه الولايات المتحدة، بدون منازع (نظام القُطْب الواحد)، لكن مسؤولي هاتين الدّولتين لا يتطرقون إلى ضرورة تراجع مؤشرات الفقر، أو إلى ضرورة تطوير القطاعات المُنْتِجَة في البلدان الأشدّ فقرًا، ويتمثل “بديل” الدّول الأكثر ثراءً في زيادة نُفُوذ قوى وأحزاب اليمين المتطرف، سواء في أوروبا أو أمريكا الشمالية والجنوبية…

يقدم برنامج الأمم المتحدة الإنمائي مقترحات  “لإدارة العولمة بشكل أفضل، مثل تطوير مفهوم “الصالح العام العالمي” ، وتطوير “التّداول” في صنع القرار وزيادة الإهتمام بالمحيط ومكافحة ظاهرة الاحتباس الحراري، وقد يكون ذلك مُفيدًا لكنه يتعارض مع مبادئ النظام السياسي والإقتصادي الرأسمالي النيوليبرالي السائد والذي تَدْعمه الدّول النافذة في الهيئات والمؤسسات الدّولية، وتُعزِّزُهُ شروط صندوق النقد الدّولي والبنك العالمي والدّائنين الآخرين…

من المُمْكن إنعاش الإقتصاد والوظائف والرواتب والدّخل ( في ظل النظام الرأسمالي)، من خلال التركيز على تدخّل الدّولة لتوجيه الإنتاج نحو تلبية احتياجات المواطنين، مع دعم الإنتاج ومراقبة الأسعار…   

الشركات الأمريكية المستفيدة من العدوان الصهيوني

صدّرت الولايات المتحدة، سنة 2022، سلعًا وخدمات للكيان الصهيوني ( عدا عن المنح والعطايا والتبرعات) بقيمة عشرين مليار دولارا، أو ما يعادل 13,3% من إجمالي واردات الإحتلال، وشكلت الواردات الأمريكية من الكيان الصهيوني – بقيمة 30,6 مليار دولارا، معظمها من فُرُوع شركات أمريكية الأصل بفلسطين المحتلة – نحو 18,6% من إجمالي صادرات الإحتلال، وفقًا لمكتب الممثل التجاري للولايات المتحدة،وتُؤَدِّي المبادلات التجارية والإستثمار الأمريكي في فلسطين المحتلة دَوْرًا أساسيا في اقتصاد الإحتلال، ما قد يُشكل مادّة هامة لحركة المقاطعة ومحاولات تعطيل مبيعات الأسلحة الأمريكية والضغط على الحكومة والشركات الأمريكية المتواطئة لتغيير مسارها، وكمثال على التّواطؤ، تُوَفِّرُ شَرِكَتا “إكسون موبيل” و “فاليرو” الوقود للطائرات التي ظلت تقصف فلسْطِينِيِّي غزة بلا هوادة منذ الثامن من تشرين الأول/اكتوبر 2023، فضلا عن قصف لبنان وسوريا، وظلت شركة الإتصالات والمراقبة “موتورولا سولوشنز” تقدم التكنولوجيا والدّعم لمراقبة الفلسطينيين في الضفة الغربية ونقاط التفتيش في القدس وغزة والضفة الغربية، كما تُشرك شركة السفر والسياحة “تريب أدفيزُر” ( TripAdvisor ) في الاحتلال مثل “آيربي نبي” (Airbnb ) عبر مواقعها الإلكترونية التي تعمل تصبح وكيلة للإحتلال لما تُدْرِج هذه المواقع حجز العقارات في المستوطنات في الضفة الغربية والجولان، مع الإشارة إن حركة المقاطعة ( ومنظمات حقوق الإنسان عمومًا) تتطرق نادرًا لما يحدث داخل الجزء المحتل من فلسطين خلال النّكبة، وتعتبر إن الإحتلال بدأ سنة 1967 وليس سنة 1948.

تُؤْوِي الولايات المتحدة نحو 83% من أكبر شركات تصنيع الأسلحة (بحسب قيمة المبيعات ) وأهمُّها لوكهيد مارتن ونورثروب غرومان وبوينغ وجنرال دايناميكس، وآر تي إكس (المعروفة سابقًا باسم رايثيون) والشركات الأمريكية هي الأكثر تواطؤاً بشكل مباشر في الجرائم الصهيونية، وارتفعت قيمة أَسْهُمِها في البورصة منذ العدوان الصهيوني على الشعب الفلسطيني يوم الثامن من تشرين الأول/اكتوبر 2023، وعَبَّر المسؤولون التّنفيذيون لهذه الشركات عن ابتهاجهم بالحرب، في العَلَن، وأثناء اجتماعات مجلس هذه الشركات، لأن الحرب تُتيح مزيدًا من فُرص بيع الأسلحة ( مثل البنادق الهجومية والمدفعية وقذائفها وصواريخ هيلفاير والفسفور الأبيض، الذي يحظر استخدامه) وتُتيح بالتالي مزيدًا من الأرباح، وخاصة إذا كان المُعْتَدِي حليفًا أساسيا ومُبَجّلاً، كما تستفيد العديد من الشركات الأمريكية الأخرى من العدوان الوحشي على غزة فلسطينيي غزة، وتُشارك في، أو تدعم انتهاك حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير، وَوَرَد ذكر معظم هذه الشركات ضمن قائمات حركة المُقاطعة، خصوصًا تلك الشركات التي تُرَوّج سلعًا وخدمات للجمهور (وليس للنخبة مثل الأسلحة) ومنها شركة “هيوليت باكارد” (Hewlett-Packard ) والشركات التابعة لها التي تُوَفِّرُ أجهزة الكمبيوتر وغيرها من التقنيات للجيش والشرطة والمكاتب الحكومية الصهيونية وتوفر خوادم لهيئة الهجرة والسكان المُستخدَمَة لإدارة وإنفاذ نظام التمييز ضد المواطنين الفلسطينيين في الدّاخل، وشركة شيفرون التي استحوذت على شركة “نوبل ينرجي” سنة 2020 وتُساعد سلطات الإحتلال على استخراج الغاز المسروق من مياه فلسطين شرق البحر الأبيض المتوسط، وتوفّر بذلك إيرادات للكيان الصهيوني بمليارات الدولارات. أما  الشركة العقارية ري/ماكس (RE/MAX ) فتقوم بتسويق وبيع العقارات في مستوطنات الضفة الغربية المحتلة، كما تشمل قائمة حملة المُقاطعة شركات إنتل وألفابت – الشركة الأم لغوغل – وآمازون وإيرنبي وإكسبيديا وماكدونالدز وبرغر كنغ وغيرها من الشركات المتواطئة مع الإحتلال مثل شركة كاتربيلر، الشركة المصنعة لآلات ومعدات البناء، والتي يستخدم الجيش الصهيوني جرافاتها المدرعة باستمرار لتدمير منازل ومدارس ومستشفيات ومباني الفلسطينيين، وقتلت جرافات كاتربيلر يوم 16 آذار/مارس 2003، المناضلة الأمريكية راشيل كوري أثناء محاولتها الإعتراض على هَدْم دفاع منزل فلسطيني بينما كانت العائلة التي تسكنه لا تزال داخل المنزل…

غذاء – 1

يُنتج العالم ما يفوق حاجة جميع السكان من السلع الغذائية، ومع ذلك يُعاني ما لا يقل عن 10% من سكان العالم من الجوع. أين يكمن الخلل؟

يُشكّل وضع فلسطين نموذجًا لإدْراك بعض أسباب هذا الخلل، حيث كان 80% من فلسطينِيُّي غزة – قبل العدوان الأخير في الثامن من تشرين الأول/اكتوبر 2023 – يحصلون على الغذاء من وكالة غوث وتشغيل اللاجئين ومن منظمات إنسانية، ويعانون من نقص الغذاء، بسبب الحصار الصهيوني، وأصبح الوضع عَصِيًّا عن الوصف، منذ العدوان وحملة الإبادة، وما وضع الفلسطينيين (في غزة أو الضفة الغربية أو مخيمات اللُّجُوء) سوى عَيِّنَة من أسباب الجوع في العالم، أي الحُرُوب والنّزاعات وكذلك احتكار الأراضي الصالحة للزراعة والموارد، كالمياه والبُذُور والأسمدة، حيث تحتكر أربع شركات تجارةَ  80% من السلع الغذائية وتحتكر خمس شركات نسبة تتراوح بين 70% و 90% من تجارة البُذُور العالمية، وبذلك تتحكم بضع شركات في تسويق السلع الغذائية وتوزيعها بتفضيل الأسواق الأكثر رِبْحِيّةً، كما تفرض أسعارًا منخفضة عند شراء السلع وأسعارًا مرتفعة عند البيع، أي إنها تتحكم في الأسعار وفي الأمن الغذائي العالمي  

قَدّرَ مؤتمر الأمم المتّحدة للتجارة والتنمية (UNCTAD) ارتفاع قيمة التجارة العالميّة للأغذية بنسبة 350% بين سَنَتَيْ 2000 و2021 لِتَصِلَ إلى 1,7 تريليون دولار، وتعتمد الدّول الغنية على اعتماد الدول الغنية على استيراد حاجياتها من الإنتاج الزراعي والصناعات الغذائية من الدول الفقيرة، أي إن الإنتاج يتم في الدّول الفقيرة والإستهلاك في الدّول الغنية، ما يخلق عدم توازن بين المَجْمُوعَتَيْن، وعجزًا في الميزان التجاري الغذائي بلغ 51 مليار دولارا سنة 2022، للدول الغنيّة ( التوريد يفوق التصدير) بينما حقق الميزان التجاري الغذائي للدول الفقيرة فائضًا بلغ 42 مليار دولارا سنة 2022، أي إن البلدان الفقيرة لا تنتج غذاء لتلبية احتياجات مواطنيها بل لتلبية حاجة أسواق ومواطني الدّول الغنية، وتُشكل الأغذية المُصَنّعة نموذجا لذلك، حيث شكّلت نحو 50% من مجمل استيراد الأغذية في الدول الغنيّة بين سنتَيْ 2000 و 2022، وهي أغذية تحتوي على نسب مرتفعة من المواد المُضِرّة بالصّحّة ولكنها ضرورية للتصْبِير، كالملح والسكر والدهون…

أما سبب وجود الصناعات الغذائية في البلدان الفقيرة، فيعود إلى التطور غير المتكافئ بين الدول الإمبريالية (المَرْكز) والدّول الواقعة تحت الهيمنة (الأَطْراف أو المُحيط) فقد اعتمدت الدول الغنيّة منذ الثُّلُث الأخير من القرن العشرين برامج ترحيل الصناعات الملوثة والتي تتطلب عمالة كثيفة إلى البلدان الفقيرة، حيث استحوذت الشركات العابرة للقارات على الأراضي الزراعية الخصبة لإنتاج ما تحتاجه أسواق الدّول الغنية، واستخدام العمالة الرّخيصة، فضلا عن الحوافز الضريبية وغياب الحقوق للعاملين والعاملات، وأحدثت هذه الخطط أضرارًا كثيرة لأن هذه المزارع الكبيرة استحوذت على نحو نصف الأراضي المُعَدّة للسّكن في البلدان الفقيرة، وعلى ثُلُثَيْ كميات المياه العذبة، وتسببت في أكثر من رُبُع انبعاثات الغازات الدفيئة في العالم، فضلا عن التأثيرات السلبية للنباتات المُعَدّلة وراثيا وللأسمدة الكيماوية والمبيدات السّامّة التي تُلَوّث الأرض والمياه والمُحيط، كما تسببت في تدمير الأنظمة البيئية والعديد من النباتات والحيوانية والكائنات المحلّية، ما يُؤَثِّرُ سلبًا على الصحة العامة والمجتمعات في الدول الفقيرة التي تُصدّر إنتاجها الغذائي بأسعار منخفضة، ما يزيد من حدّة التبادل غير المُتَكافئ، ومن انعدام للأمن الغذائي.

غذاء – 2

قدّرت منظمة الأغذية والزراعة (فاو) التابعة للأمم المتحدة (فاو) حجم الإنتاج العالمي من القمح ب785 مليون طنًّا سنة 2023 وبنحو مليون طنًّا سنة 2024، أي بزيادة بنسبة 1%، ويفوق الإنتاج – مثل مجمل السلع الغذائية – حجم الإستهلاك العالمي، وتعتبر الصين أكبر منتج عالمي للقمح، تليها الهند، كما ينتجان الأرز، غير إنهما ليستا من كبار المُصدّرين للقمح بفعل العدد الكبير لسكّانهما، بل تستورد الصين جزءًا من احتياجات سكانها، وقدّرت منظمة الأغذية والزراعة (فاو) إن ثُلُثَ الإنتاج يتم تصديره وبلغت قيمة الصادرات 73,3 مليار دولارا سنة 2022، وتشكّل أمريكا الشمالية وأستراليا وأوروبا مجموعة كبار المُصَدِّرين تليها منطقة الإتحاد السوفييتي السابق (روسيا وأوكرانيا وكازاخستان) وبعض دول أمريكا الجنوبية مثل الأرجنتين، وفق بيانات منظمة “ورلدز توب إكسبورت” بخصوص سنة 2022…    

يعتمد نحو 35% من سكان العالم – وفي مقدّمتهم الشعوب العربية – على القمح ومشتقاته كغذاء أساسي وفق البنك العالمي، وتعود زراعة القمح إلى بداية اكتشاف الزراعة واستقرار الإنسان وبداية التجمعات السكنية في منطقة ما بين النّهرَيْن، قبل حوالي عشرة آلاف سنة، ولذا اعتُبِر واحدًا من أقدم المحاصيل الزراعية وأكثرها انتشارا، وهو لا يحتاج سوى لأربعة أشْهُر بين الزراعة والحصاد، ولئن انطلقت زراعة القمح من المشرق العربي (العراق وسوريا) فإن إنتاج الدّول العربية قليل ولا يفي بحاجة السّكان الذي يعتمدون القمح كغذاء أساسي، بل تتصدّر مصر قائمة ترتيب أكبر المُستوردين للقمح وتوجد الجزائر والمغرب ضمن قائمة أكبر المُستوردين العالميين، ولا تستغل البلدان العربية سوى ثُلُث أراضيها الصالحة للزراعة، والمُقَدَّرة بنحو 220 مليون هكتار، ما يُهدّد الأمن الغذائي، ويرفع فاتورة الإستيراد، حيث تُعتَبَرُ الدّول العربية كَكُتْلَة أكبر مستورد عالمي للغذاء في العالم بقيمة مائة مليار دولار سنويًّا، لتُساهم في إثراء الشركات العشْر التي تحتكر تصنيع وتسويق الغذاء، وهي حوالي 25 شركة في كافة فُرُوغ الأغذية والمشروبات، حققت إيرادات فاقت قيمتها 1,8  تريليون دولارا، وأرباحًا فاقَتْ قيمتها 160 مليار دولارا، وفي مقدّمتها شركة “نستلة” أكْبَر شركة لصناعة الأغذية والمشروبات، وفق تقرير منصة فوربس، بداية سنة 2024، وتُسيطر شركتان فقط على 40% من سوق البذور التجارية العالمية، وفق صحيفة “غارديان” البريطانية، واستغلت الشركات الإحتكارية الحرب في أوكرانيا لرَفْعِ أسعار كافة المنتجات الغذائية، ولتحتكر عشر شركات غذاء العالم، ومنها شركة “كارغيل” الأمريكية وفروعها بإيرادات بلغت 177 مليار دولارسنة 2023 وشركة نستله (سويسرا) بإيرالدات قدرها 104 مليارات دولار سنة 2023 وتنتج نستله الحبوب والشوكولاتة وأغذية الأطفال والمياه المعبأة والقهوة ومنتجات الألبان وغذاء الحيوانات الأليفة، وهو مجال ذو قيمة زائدة مرتفعة جدا، ولها فروع عديدة تخصصت إحداها في لآلات القهوة، ومن هذه الشركات العَشْر شركة آرتشر دانيلز ميدلاند (الولايات المتحدة) بإيرادات قدرها 94 مليار دولارًا، وشركة بيبسيكو ( الولايات المتحدة)، ثاني أكبر شركات الأغذية والمشروبات في العالم، إيرادات قدرها 91,5 مليار دولارا سنة 2023، وتنتج المشروبات الغازية والعصائر والوجبات الخفيفة، وتمتلك علامات تجارية عديدة أخرى، ومن ضمن هذه الشركات العَشْر الكبار جي بي إس لتصنيع اللحوم (البرازيل) ومنافستها الأمريكية في تجارة اللحوم والأطعمة الجاهزة “تايسون فودز” وشكرة “مارس” الأميركية للمواد الغذائية والحلويات وأغذية الحيوانات الأليفة، وشركة كوكا كولا الأمريكية للأغذية والمشروبات واالمياه والشاي والقهوة وشركة “دانون” الفرنسية للأغذية والمشروبات وأغذية الأطفال ومنتجات الألبان والمياه المعبأة وتمتلك العديد من العلامات التجارية الشهيرة الأخرى خصوصًا من شركات المياه المُعلّبة، ومن الشركات العشر مجموعة “أولام”  ( سنغافورة) وحققت حواللي خمسين مليار دولارا سنة 2023 من التجارة الزراعية…

العمل القَسْرِي

العمل القَسْري هو كل عمل أو خدمة يُنَفِّذُها شخص بالإكراه، أي بدون إرادته ,تحت التهديد بالعقاب وفق تعريف منظمة العمل الدّولية التي تعتبر إن الإحتجاز المنهجي والمتعمّد للأجور لإجبار العمال على البقاء في العمل، أحد مظاهر الإكراه، كما إن التهديد بالفصل من العمل والعنف الجسدي والجنسي والحرمان من الاحتياجات الأساسية، هي وسائل إكراه، غير إن الشركات طَوّرت أساليب الإكراه، كشكل من العمل القَسْرِي ( في جميع البلدان الغنية والفقيرة)، من خلال الإبتزاز المادي الذي تمارسه الشركات زمن الأزمات وشُحّ فُرص العمل، حيث يفقد العامل “حُرِّيّته” المُفْتَرَضَة لبيع جُهْدِهِ ويُصبح مُجْبَرًا على قُبُول أي عَرْض عمل ولو لم يكن قانونيا، وقدّرت منظمة العمل الدّولية عدد العاملين بالإكراه سنة 2021 بنحو 27,6 مليون شخص حول العالم يعملون في ظروف قريبة من وضع العبودية أو السُّخْرَة، وهو رقم تقريبي، قد يكون دون الواقع، وفق تقرير منظمة العمل الدولية بعنوان “الأرباح والفقر، اقتصاد العمل الجبري” الذي يقدّر قيمة أرباح الرأسماليين من العمل القَسْرِي بنحو 236 مليار دولار…

ارتفع عدد العمال والعاملات الذين يجري استغلالهم في العمل القَسْرِي بين سنتَيْ 2016 و2021، في قطاعات الصناعة والخدمات والزراعة والعمل المنزلي بنحو 540 ألف شخص سنويا وارتفعت أرباح الرأسماليين الذي يستغلونهم (هُنّ)  في قطاع الصناعة لتبلغ 35,4 مليار دولارًا سنويا  وفي قطاع الخدمات 20,9 مليار دولارا سنويا والزراعة خمسة مليارات دولارا سنويا والخدمة المنزلية 2,6 مليار دولارًا سنويا فضلا عن مئات الآلاف من الأشخاص الذين أُجبروا على التسول في الشوارع وممارسة أنشطة أخرى “غير مشروعة” وحوالي 6,3 ملايين شخص كانوا سنة 2021 في حالة استغلال جنسي قسري لغرض تجاري من بينهم 25% من القاصرين والقاصرات، وتُقدّر أرباح الإستغلال الجنسي التجاري القَسْرِي بنحو 173 مليار دولار سنويا. 

تُشكل آسيا والمحيط الهادئ أكثر من نصف المجموع العالمي من العاملين بشكل قَسْرِي ( أكثر من 15 مليون) تليها أوروبا وآسيا الوسطى (4,1 مليون شخص)، ثم أفريقيا (3,8 مليون شخص)، وقارة أمريكا (3,6 مليون شخص)، والدول العربية (0,9 مليون شخص)، وتُقدّر نسبة العمل القَسْرِي بالدول العربية بنحو 5,3 أشخاص من كل ألف شخص، وهو رقم مرتفع جدًّا كنسبة من العدد الإجمالي للسكان، ثم أوروبا وآسيا الوسطى (4,4 من كل ألف شخص)، ثم الأميركيتين وآسيا والمحيط الهادئ (3,5 من كل ألف شخص) وأفريقيا (2,9 من كل ألف شخص) وبلغ إجمالي الأرباح من العمل القَسْري أعلى مستوياته في أوروبا وآسيا الوسطى (84,2 مليار دولار )، ثم آسيا والمحيط الهادئ (62,4 مليار دولار)، والأميركيتين (52,1 مليار دولار)، وأفريقيا (19,8 مليار دولار)، والدول العربية (18 مليار دولار)

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.