في جبهة الأعداء … الحركة النسوية “الليبرالية (اليمينية) المعارضة لتحرير الشعوب / الطاهر المعز
الطاهر المعز ( تونس ) – الأحد 31/3/2024 م …
ادّعى روديارد كيبلينغ في قصيدته “عبء الرجل الأبيض“ أن القوى الإمبريالية تخوض الحروب الإستعمارية المدمرة والقاتلة من أجل إحلال السلام والإزدهار، لكنها تفشل في النهاية لأن أولئك الذين يتم القتال ضدهم كسالى وحمقى، مما يخرج المشروع الإمبريالي عن مساره.
*****
لا يختلف روديارد كيبلنغ” ( 1865 – 1936) وهو ابن أسرة مُستعمِرِين بريطانيين بالهند، عن ما يكتبه الليبراليون في القرن الواحد والعشرين أو عن ما تفعله حركات النّسويات الليبراليات التي أظهرت طبيعتها الرجعية من خلال مواقفها المُناصرة للصهيونية وللإمبريالية، خلال العدوان الصهيوني وحملات الإبادة وتدمير غزة منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، ولا غرابة في ذلك، حيث تطمح الحركة النسوية الليبرالية إلى تحقيق المساواة بين الجنسين من خلال إصلاحات سياسية وقانونية في إطار الديمقراطية البرجوازية الليبرالية وترتكز على منظور حقوق الإنسان النابع من أساس رأسمالي، يقوم على الاستغلال، ولا يمكن أن تساهم في تحقيق المساواة بين البشر.
ومن ناحية أخرى، يزعم بعض الليبراليين أنهم متضامنون مع الفلسطينيين في غزة، لكنهم يشوهون المقاومة من خلال تقليصها إلى حماس واتهامها بالهمجية، رغم دحض تُهَم الاغتصاب والتعذيب في عدة مناسبات.
منذ أن نشرت صحيفة نيويورك تايمز مقالاً مفاده أن مقاتلي حماس اعتدوا جنسياً على أسيرات من المُستوطنات، قرر المتظاهرون الغربيون الذين يدّعون مناصرة الفلسطينيين إدانة العدوان العسكري، ولكنهم يدينون في الوقت نفسه، وبقوة أكبر، الأفعال المنسوبة كذِبًا إلى المقاومة التي تختزلها صحيفة نيويورك تايمز في حماس، وهي صحيفة مؤيدة للصهيونية، خاضعة لجماعات الضغط التابعة للجنة دقة التقارير والتحليل في الشرق الأوسط (CAMERA) ويرتبط العديد من صحفييها بصلات مباشرة مع الجيش الصهيوني، ومن بينهم المُحَرّر جو خان، وهو نجل عضو مجلس إدارة CAMERA، وهي لجنة تحاول تحسين صورة الدولة الصهيونية في وسائل الإعلام. لقد أجْبرت الكاميرا وسائل الإعلام مرارا وتكرارا، بما في ذلك صحيفة نيويورك تايمز، على تعديل بعض الصياغات التي اعتبرتها “محايدة” وحكمت “الكاميرا” بأنه لا يوجد مجال للحياد وفَرَضت التّأييد غير المشروط للإحتلال، وجعل وسائل الإعلام أداة دعاية صهيونية وليست نَشْرِيّات إخبارية وتحليلية، وكشف تقرير لموقع Intercept إن الضباط الصهاينة هم مصدر المعلومات التي ينشرها العديد من محرري صحيفة نيويورك تايمز التي اضطرت إلى التّراجع أحيانًا لمّا نفى أهالي الأسرى الصهاينة المعلومات الكاذبة التي تزعم “إن مقاتلي حماس استغلوا الأسرى الإسرائيليين جنسيا”، وعلى سبيل المثال تنصلت عائلة ورد ذكرها في تقرير صحيفة نيويورك تايمز من محتوى المقال، لأن الصحفيين تلاعبوا بتصريحاتهم، وفقا لما ذكرته قناة برس تي في نقلا عن وسائل إعلام صهيونية ولكن الليبراليين، بما في ذلك المدافعين عن حقوق المرأة، يواصلون تشويه صورة حماس بكل السبل الممكنة لتبرير العدوان على الشعب الفلسطيني.
كانت عنات شوارتز مُجَنَّدَة في الجيش الصهيوني وعملت مع المخابرات العسكرية وكشفت العديد من مواقع الشبكة الإلكترونية تطرّفها الفاشي من خلال الفضائح العديدة لكن صحيفة نيويورك تايمز تعتبر عنات شوارتز مصدرًا موثوقًا للمعلومات وتنشر مقالاتها بشكل يجعلها بارزة ومميّزة، وهي التي كتبت مع آدم سيلا وجيفري جيتلمان مقالات كاذبة، حرّرتها أجهزة الدعاية التابعة لجيش الاحتلال الصهيوني، وتعرض الموقعون (آدم سيلا وعنات شوارتز وجيفري جيتلمان) لانتقادات هَدّدَت مصداقيتهم ومحاولتهم الترويج لرواية ملفقة تتماشى مع الصهاينة الذين يقودون بشكل نشط ومتعمد حملات للخلط – في أذهان الجمهور – بين حماس والدولة الإسلامية وتشويه سمعة حماس والتستر على الجرائم التي ترتكب في كل أنحاء فلسطين، في غزة وفلسطين كما في أماكن أخرى.
اتّضح إن منظمة زاكا هي مؤلفة التقرير المقدم إلى الأمم المتحدة بشأن الاتهامات الكاذبة بالاغتصاب وسوء المعاملة في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، وهو التقرير الذي اعتمدته صحيفة نيويورك تايمز وبقية وسائل الإعلام العالمية لاتهام عناصر المقاومة الفلسطينية بالإغتصاب وسوء المعاملة، وتُشير الوقائع إلى إدانة مؤسس زاكا نفسه، ميشي زهاف، بتهمة الاغتصاب وإساءة استخدام السلطة لتنفيذ اعتداءات جنسية كانت ضحيتها فتيات صغيرات، وفي المقابل كشفت وسائل إعلام صهيونية أن الشرطة لم تعثر على أي دليل على اعتداء جنسي من قِبَل عناصر المقاومة الفلسطينية، ومع ذلك تستمر وسائل الإعلام والمنظمات السياسية والحقوقية نَشْر مزاعم الإعتداء والإغتصاب والتعذيب، باسم “الدفاع عن المرأة”!!!، من قِبَل هؤلاء النساء “البيضاوات” اللاتي يطالبن بحماية نساء “بيضاوات” أخريات، بينما تتم إبادة النساء الفلسطينيات بشكل منهجي مُتَكَرِّر، في غياب منظمات الدفاع عن حقوق النساء.
يتم تبرير وحشية المُحتلّ بالأكاذيب حول التّصرّف “الوحشي” و”غير المتحضر” للشعب الواقع تحت الإحتلال، لذا، وعندما تفشل كل الطرق الأخرى، يعود مُصَمِّمُو البروباغندا الإمبريالية والصّهيونية إلى “الحجة” الكاذبة التي تضمن إدانة واسعة النطاق لحماس وللشعب الفلسطيني الواقع تحت الإحتلال والإضطهاد والتشريد والإبادة، وتضمن الدّعم للحرب العدوانية الصهيونية.
يُشكّل هذا الدّعم تبريرًا للمجازر ولسرقة الأراضي التي يُنَفِّذُها المستوطنون الأوروبيون ضد المجتمعات الأصلية في أمريكا وإفريقيا وآسيا، ويعكس المستوطنون الصهاينة صورة المستوطنين الأوروبيين في أمريكا الشمالية أو أستراليا أو نيوزيلندا، فالمستوطنون في أمريكا وأستراليا كما في فلسطين يحاولون محو المجتمعات الأصلية لاستقبال المستوطنين من جميع أنحاء العالم، وتؤدّي هذه التقاطعات إلى اعتماد الكيان الصهيوني على الإمبريالية الأمريكية للإفلات من المتابعة القضائية ومن العقاب…
تستخدم الإمبريالية الأمريكية المهيمنة المنظمات النسوية “الغربية” لنشر أيديولوجيتها العنصرية التي تدّعي تَفَوُّقَ الإنسان الأبيض وتدعو إلى القضاء على التنوع وعلى الحركة النسوية التقدّمية ( لأن الحركة النسوية والنضال من أجل المُساواة جزء من تاريخ الحركة الإشتراكية) وتمكنت الإمبريالية من إزاحة المجموعات النسائية التي تعتبر جميع الشعوب والمجتمعات متساوية في الحقوق والممارسة، ودعمت الحركات النسوية الرجعية التي احترفت الدفاع عن الجرائم الجماعية والوحشية والدمار وتبريرها، فيما تواصل الدعاية الإمبريالية نشر الأكاذيب، بالاعتماد على العديد من حركات المجتمع المدني، بما في ذلك الحركات النسوية الليبرالية التي تجرم الفلسطينيين الواقعين تحت الإستعمار الإستيطاني الإحْلالي، من خلال تشويه سمعة حماس.
يعتبر النظام الإمبريالي “الغربي” إنه يجسّد الحضارة والقيم الأخلاقية، ويجيز حرب الإبادة والميز والتطهير العرقي، ويؤيد الروايات التاريخية الزائفة، ويستخدم كل الوسائل لتعزيز احتقار الشعوب المستعمرة، لكي ينهب ثرواتها ويهيمن عليها مباشرةً أو بالوكالة…
تستخدم الإمبريالية بعض فصائل الحركة النسوية لتحقيق هدفها المتمثل في الهيمنة، لذلك عندما تخرج النسويات إلى الشوارع ويأْمُرْنَ المقاومة باتباع الوسائل التي تعتبر مقبولة للغرب، فإن ما تفعله في الواقع هو إهمال الجوهر المناهض للاستعمار للنسوية، واستخدام الحركة النسوية للتمسك بالليبرالية الإمبريالية وفرضها على العالم، ووجدت الإمبريالية في الحركة النسوية الغربية حليفًا لها لدعم الإتجاه المُضادّ للثورة…
للمزيد من التفاصيل: تالا العلايلي، مقال almayadeen.net 12 بتاريخ 12 آذار/مارس 2024 (باللغة الإنجليزية)
Ismfrance.org بتاريخ 10 آذار/مارس 2024 (بالفرنسية)
التعليقات مغلقة.