أمريكا ترتدي درعاً من ورق / د. خيام الزعبي




د. خيام الزعبي ( سورية ) – الخميس 4/4/2024 م …
في تطور مثير للجدل، أكدت واشنطن عدم علمها المسبق بالضربة الإسرائيلية التي استهدفت القنصلية الإيرانية في العاصمة السورية دمشق، وهو ما عكس حالة من القلق والتوتر الشديد، يأتي في وقت تشهد فيه المنطقة توترات مُتصاعدة بين تل أبيب وطهران.
أوضح موقع “أكسيوس” أن تل أبيب لم تطلب الحصول على “الضوء الأخضر” من واشنطن قبل شن هجومها على القنصلية الإيرانية في دمشق، وهذا التصعيد جاء متزامنًا مع اجتماع عُقد عبر الفيديو بين مستشار الأمن القومي بالبيت الأبيض، جيك سوليفان، ووزير الخارجية، أنتوني بلينكن، وكبار المسؤولين الإسرائيليين لبحث بدائل الاجتياح البري لمدينة رفح الفلسطينية.
وفي هذا السياق قال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي جون كيربي في تصريحات لصحافيين: “لا علاقة لنا بالضربة في دمشق، لم نكن ضالعين فيها بأي شكل من الأشكال”، وفق فرانس برس.
يأتي الهجوم الإسرائيلي على القنصلية الإيرانية في سياق تصعيد عسكري إسرائيلي ضد حلفاء طهران في المنطقة، على خلفية العدوان المستمر على قطاع غزة ، فيما كثفت إسرائيل غاراتها الجوية في سورية ضد حزب الله اللبناني والحرس الثوري الإيراني.
ومن جهة أخرى، وصفت إيران الهجوم الإسرائيلي بأنه “انتهاك صارخ لميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي”، كما حذرت طهران من أن الضربة تشكل “تهديداً كبيراً للسلم والأمن الإقليميين”، محتفظة بحقها في “اتخاذ رد حاسم” على الحادث.
إن واشنطن خائفة على قواعدها من الاستهداف من قبل محور المقاومة لذلك سارعت لتبرئة نفسها من الضلوع بالعدوان، من خلال زعمها بالتصريحات المختلفة بأنه ليس لها أي علاقة بالضربة الاسرائيلية على القنصلية الإيرانية في دمشق، خاصة بعد أن نفذت فصائل المقاومة هجمات ضد المصالح الأمريكية في العراق وسورية، في وقت واصل الحرس الثوري التحشيد ضد إسرائيل والولايات المتحدة، إعلامياً وعسكرياً. بمعنى أن أمريكا تمتلك من “الوقاحة” ما يجعلها تبرئ نفسها وذلك خوفاً من تصعيد عسكري تكون هي الواجهة فيه.
في الوقت نفسه، بدأت ترتفع وتيرة تفاعل حركات المقاومة “العراقية والسورية واللبنانية مع الحدث معلنة أن “كل القواعد الأمريكية في العراق وسورية باتت هدفاً مشروعاً” لها، وبالفعل استهدفت “المقاومة الإسلامية  العراقية بعض المواقع الحيوية في” إيلات”، كما استهدفت قاعدتي الاحتلال الأميركي في حقل العمر النفطي في سورية.
في ظل ما يحدث الآن ، فصائل المقاومة بصدد تشكيل ما يسمى بغرفة عمليات مشتركة مع المقاومة الفلسطينية نفسها وهذه الغرفة تضم 3 دول هي إيران ولبنان وسورية والتي تعمل على تعزيز و تفعيل خيار “وحدة الساحات” لاسيما مع طول أمد العدوان الإسرائيلي، وهذا يعنى تفعيلاً لمحور المقاومة والممانعة، ومؤشر إلى تزايد رقعة الصراع الإقليمي، وأن دولاً مثل إيران والعراق ولبنان وسورية ليست ببعيدة عن هذا الصراع.
مع ملاحظة التصريحات التي أدلى بها وزير الخارجية الإيراني في معرض إجابته عن تساؤلات بشأن “ساعة الصفر” التي ستقوم فيها المقاومة بالرد على أفعال إسرائيل ، قال إن حالة التنسيق بين الفصائل في أكمل صورها، وأن كافة السيناريوهات والاحتمالات بشأن تفاعلها مع الكيان الإسرائيلي محسوبة بدقة، وأن الرد على الاحتلال سيكون قوياً وسيغير ليس فقط من خريطة الأراضي المحتلة، ولكن أيضاً من قواعد التفاعل الإقليمي ككل.
بالتأكيد إن إسرائيل بارتكاب حماقتها باستهداف القنصلية تكون قد فتحت جبهة مباشرة مع محور المقاومة، وعليها أن تتحمل تبعات ذلك، ويبقى أمام واشنطن وحلفائها فرصة أخيرة قد تلجأ إليها لتحقيق مكسب إيجابي يتمثل في إمكانية تغيير سياستها في المنطقة من خلال اجبار الصهاينة على ايقاف الحرب على غزة، خاصة بعد فشل استراتيجيتها التي اتبعتها لإسقاط غزة، وهي لم تحقق ما كانت أمريكا وإسرائيل وغيرهما تأمل بتحقيقه، وسقط الرهان على إسقاطها بفضل شجاعة وسمود رجال المقاومة الفلسطينية.
فالأحداث التي تشهدها المنطقة لعبت الإدارة الأمريكية دوراً رئيسياً في صناعتها وتطويعها لصالحها ولصالح حليفتها إسرائيل، بالتالي فإن واشنطن لم تكن في يوم من الأيام تعمل لصالح المنطقة العربية عامة والقضية الفلسطينية بشكل خاص، وأنها ذات طبيعة مشتركة مع دولة الاحتلال في سياسة الاستيطان والقتل والابادة، وهي منحازة بشكل واضح لإسرائيل على حساب الحق الفلسطيني وتقف سداً منيعاً أمام أي ضغوط عليها من أجل تنفيذ قرارات الشرعية الدولية.
في هذا  الإطار ومنذ الإعلان عن قصف اسرائيل للقنصلية الايرانية، تعيش إسرائيل وذيولها حالة متنامية من القلق والخشية غير المسبوقين، فالكيان الصهيوني متيقن من أن الرد آت لا محالة، ومفتقر في الوقت نفسه إلى معلومات حسية تقوده إلى تحديد مكان الرد وزمانه وحجمه وأسلوبه، الأمر الذي يطلق العنان لتقديرات وتنبؤات استخبارات واسعة، وهي في أغلبها تقديرات تشاؤمية مقلقة. وهذا يطرح مجموعة من الأسئلة المفتوحة التي تستحق التوقف عندها: هل ستقرر أن تدخل الحرب مباشرة، ما يؤدي لتوسعة كبيرة للأعمال العسكرية في المنطقة، أم تقوم بتهدئة الأمور من خلال رد ضعيف من أحد وكلائها؟

 

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.