ماذا يجري في الحزب الشيوعي الأردني؟ أهي بوادر انشقاق جديد؟ لنقرأ ماذا يقول الرفيق الأمين العام للحزب / سعود قبيلات
الأردن العربي – الخميس 4/4/2024 م …
ندوة في مقرّ الحزب الشيوعي في مادبا تكلّم فيها الرفيق الأمين العام للحزب / سعود قبيلات …
++++++++++
الرفيق سعود قبيلات / الأمين العام للحزب الشيوعي الأردني
الرَّفيقات والرِّفاق الأعزَّاء،
مساء الخير،
ركَّزتُ حديثي في إربد على الخلافِ السِّياسيِّ. وأُركِّز حديثي، في مادبا، اليوم، على الأخلاقِ والثَّقافةِ..
مادبا مدينةُ الثَّقافةِ والوعيِ.. مادبا، الَّتي كان يُنظَرُ إليها في خمسينيَّات القرن الماضي وستِّينيَّاته كمدينةٍ حمراء، ربَّما تكون، قياساً بعددِ سُكِّانها، أكثرَ مدينةٍ أنتجتْ مثقَّفين.. كُتَّاباً وأُدباءَ ومشتغلين في حقولِ الثَّقافةِ المختلفةِ..
بل إنَّ انطلاقةَ المسرحِ الأردنيِّ كانت مِنْ مادبا؛ حيث قُدِّمَ فيها أوَّلُ عرضٍ مسرحيٍّ في العام 1918، وكان بعنوان «الملاك والشَّيطان»، وتولَّى إعدادُه الأب أنطون الحيحيّ.
على أيَّةِ حال..
الأخلاق والثَّقافة مترابطان، وهما ليسا منفصلين عن السِّياسة..
السِّياسةُ، بالنِّسبة للشُّيوعيين، مبادئُ، وقيمٌ، ووعيٌ طبقيٌّ وإنسانيٌّ متقدِّمٌ، وثقافةٌ رفيعةٌ، وأفكارٌ عميقةٌ ونيِّرةٌ تخدمُ الإنسانيَّةَ وتُنتجُ التَّحضُّرَ.
السِّياسة، بالنِّسبة للشُّيوعيين، وسيلةٌ للتَّعبير عن مصالحِ أوسعِ الطَّبقاتِ الشَّعبيَّةِ، وفي مقدِّمتها الطَّبقةُ العاملةُ؛ وهي أيضاً وسيلةٌ لتحقيقِ هذه المصالحِ والدِّفاعِ عنها.
وهكذا، فغاياتُ الشُّيوعيين غاياتٌ إنسانيَّةٌ حقيقيَّةٌ؛ لذلك، من الطَّبيعيّ أنْ يتحلَّوا بقيمٍ إنسانيَّةٍ رفيعةٍ، وأنْ يكون سلوكُهم هو الأرقى والأكثرَ تحضُّراً..
وبما أنَّ الشُّيوعيين صادقون، ولا يعبِّرون عن مصالحَ أنانيَّةٍ ضيِّقةٍ، وغاياتُهم إنسانيَّةٌ، وممارستُهم السِّياسيَّةُ تتطابقُ مع مبادئهم المعلنةِ، ويواجهون خصماً شرساً مراوغاً ويمتلكُ وسائلَ هائلةً لتزييف الوعي، فإنَّهم يتسلَّحون بالوعي، ويحرصون على التَّعامل بالحقائق، وينتصرون دائماً للحقّ والحقيقة.
أمَّا بالنِّسبةِ للبورجوازيين، فالسِّياسةُ تعبيرٌ عن المصالح الأنانيَّةِ، وغيرِ العادلةِ، للشَّرائح البورجوازيَّةِ الضَّيِّقةِ، على حساب الطَّبقات الشَّعبيَّةِ الواسعةِ؛ لذلك، فإنَّ تأمين هذه المصالح غير المشروعة، لا يتحقَّقَ إلَّا بتزييفِ وعيِ أوسعِ قطاعاتِ الشَّعبِ وإلى أبعدِ حدٍّ..
فعن طريقِ تزييفِ الوعيِ وحدِه، يمكنُهم أنْ يجعلوا مصالحَهم الأنانيَّةَ تبدو في، نظر الطَّبقات الشَّعبيَّةِ، مصالحَ طبيعيَّةً ومشروعةً، بل وأيضاً مطابِقَةً لمصالح الشَّعبِ!
ولذلك، تكون ممارستُهم السِّياسيَّةُ على شكلِ مراوغات، ومناورات، وأحابيل، ومكر، وخداع، وأكاذيب..
وهذا ينعكسُ على أخلاقِهم بشدَّة؛ فيجعلُهم مراوغين محترفين، ومزيِّفين للوعي ماهرين، ويتمتعون بقُدرَةٍ كبيرةٍ على تحويل الكذبِ إلى فنٍّ واتقانِه، ويقلِّلون مِنْ شأنِ المبادئ والقيم والثَّقافةِ والفِكرِ.. فلا قيمةَ لشيء، لدى البورجوازيَّة، إلَّا بمقدار ما يُدِرُّه مِنْ نقود.. بما في ذلك الإنسان.
ولقد حَرِصَت الثَّورةُ السُّوفيتيَّةُ، ما إنْ تسلَّمت السُّلطةَ، بقيادةِ لينين، على إعطاءِ مَثَلٍ ساطعٍ للممارسةِ السِّياسيَّةِ المبدئيَّةِ الرَّفيعةِ للشُّيوعيين.. فكان، مِنْ أوائلِ أعمالِها، أنَّها أعلنتْ للعالمِ ما وجَدَتْهُ في أرشيف السُّلطةِ القيصريَّةِ البائدةِ مِنْ وثائقَ عن مؤامراتِ السِّياسيين البورجوازيين الإمبرياليين ودسائسِهم؛ ومِنْ أشهرِ ما أعلَنَتْهُ، آنذاك – كما هو معروف –مؤامرة سايكس بيكو الَّتي شارك في حبكِها السِّياسيّون البورجوازيّون مِنْ الإمبرياليين الإنجليز والفرنسيين.
وإذا كانت أخلاقُ السَّاسةِ البورجوازيين في المراكزِ الرَّأسماليَّةِ الدَّوليَّة منحطَّةً، وأفكارُهم زائفةً، فإنَّ أخلاقَ السَّاسةِ البورجوازيين في هوامشِ النِّظامِ الرَّأسماليِّ الدَّوليِّ أكثرُ انحطاطاً، وأفكارَهم أكثرُ زيفاً.
بيدَ أنَّ أخلاقَ شرائح البورجوازيَّةِ الرَّثَّةِ في الهوامشِ، وأفكارَها، هي الأكثرُ انحطاطاً بين الجميع.
ومع الأسف، فقد كشفت الأشهرُ الماضيةُ عن تسلّل سلوكات وقيم وممارسات، لا علاقة لها بالشُّيوعيين، إلى بعض قطاعات الحزب الشُّيوعيّ الأردنيّ.. سلوكات وقيم وممارسات تثيرُ الكثيرَ مِنْ مشاعر الرَّفضِ، بل والسُّخطِ أيضاً، لدى قطاعاتٍ واسعةٍ من الشُّيوعيين.. خصوصاً لدى أولئك الَّذين عرفوا الحزبَ الشُّيوعيَّ الأردنيَّ عندما كان يجمعُ في صفوفِه الكثيرَ من المناضلين الصّلبين والمبدئيين.. الكثيرَ من الرَّفيقات والرِّفاق الَّذين كانوا لا يتوانون عن التَّضحيةِ بكلِّ شيءٍ مِنْ أجلِ الحزبِ ومبادئه وقيمه وأهدافِه، ولا يسعون، في المقابل، إلى الحصولِ على أيِّ مكسبٍ ماليٍّ أو أيِّ منفعةٍ مادِّيَّةٍ، مكتفين بالسُّمعةِ الطَّيِّبةِ والرِّضا عن النَّفسِ وراحةِ الضَّميرِ.
ما شهدناه، خلال الأشهرِ الماضيةِ، فظيعٌ جدَّاً وصادمٌ ويحتاجُ إلى وقفةٍ جادَّةٍ وحازمةٍ..
لقد كان أوَّلَ مشاهدِ هذا الوضعِ المُريعِ هو ما شهدناه في مؤتمرِ الحزبِ الثَّامنِ التَّوحيديِّ، عندما تمَّ الاعتداءُ بالعنفِ اللفظيِّ والجسديِّ على رئاسةِ المؤتمرِ، لمجرَّدِ أنَّه كان لها اجتهادٌ لم يُعجبهم بشأن إدارةِ المؤتمرِ؛ وبالأصحِّ، لأنَّها أحبطتْ بعضَ خططِهم وترتيباتِهم الفئويَّةِ المبيَّتةِ.
يومذاك، تعرَّض رئيسُ المؤتمرِ، الرَّفيقُ أحمد جرادات (أبو ناصر)، وعضوُ هيئةِ رئاسةِ المؤتمرِ، الرَّفيقُ المهندسُ أحمدُ الرُّوسان، إلى إساءةٍ بالغةٍ، مِنْ شُبَّانٍ يُفتَرضُ أنَّهم في مثلِ أعمارِ أبناءِ هذين الرَّفيقين المحترمين.
ومع الأسف، راح البعضُ يبحثُ، آنذاك، عن ذرائعَ واهيةٍ ليبرِّرَ بها هذا السُّلوكَ الذَّميمَ المُشين.
وعندما لجأ الرَّفيقان أحمد جرادات وأحمد الرُّوسان إلى لجنة الرِّقابة لتنصفُهما وتتَّخذَ موقفاً حازماً مِنْ ذلك السُّلوك المستَهجَن، فإنَّهما لم يحصلا – مع الأسف – على أيِّ شيءٍ من الانصاف الَّذي طلباه؛ بل، وأسوأ مِنْ ذلك، جرت مساواةُ اجتهادِهما الإداريِّ (الَّذي لم يعجب البعض، وأعجب سواهم) بفعلِ الاعتداءِ الآثمِ عليهما! وهو، في الحقيقة، كان اعتداءً على المؤتمرِ كلِّه، بل على الشُّيوعيين جميعاً..
وطلبنا، جميعاً، مِن الرَّفيقين جرادات والرّوسان أنْ يَعُضَّا على جراحِهما – كما يليق بشيوعيين حقيقيين..
لكنَّ ذلك فُهِمَ– مع الأسف – على أنَّه بادرةُ ضعفٍ؛ وتمَّ تكرارُ الفعلِ الشَّنيعِ ذاتِه، بل ما هو أشنعُ منه، في اجتماع اللجنةِ المسمَّاةِ، بلا سندٍ من النِّظامِ، «لجنة التَّنظيم»؛ حيث تمَّتْ ممارسةُ العنفِ اللفظيِّ، والتَّلويحُ بالعنفِ الجسديِّ، ضدَّ رفيقاتٍ ورفاقٍ، ممَّن شاركوا في الاجتماع، وتمَّ التَّلفُّظُ بألفاظٍ بذيئةٍ مُخجلةٍ، بل مُشينةٍ، على مسمعِ الرَّفيقاتِ والرِّفاقِ جميعاً، ولم يجرِ ردعُ هؤلاء المسيئين مِنْ رئيسِ الاجتماعِ.
وقد تقدَّمتُ، كأمينٍ عامٍّ للحزب، بشكوىً، إلى لجنة الرِّقابة الحزبيَّة، وطالبتُ بالتَّحقيق في هذه الواقعة المُسيئة ومحاسبة المسؤولين عنها؛ لكن لا حياة لمن تنادي.
وفي اجتماع اللجنة المركزيَّة، الَّذي حاولتُ أنْ أقومَ بواجبي في ترأسه وتقديم تقريري السِّياسيّ فيه، رأى الجميعُ ما اقترفوه مِنْ تصرُّفاتٍ مماثلةٍ مرفوضةٍ، وقد شارك في تلك الممارسات المعيبة، مع الأسفِ، بعضُ الَّذين تجاوزتْ أعمارُهم سنَّ الشَّباب بكثير.
ووسط ذلك المعمعان، رأيتُ وسمعتُ، ورأى وسمع رفاقٌ آخرون، التَّهديداتِ الجبانة الَّتي وُجِّهتْ إلى بعضِ الرِّفاقِ لمجرَّدِ أنَّهم أبدوا اعتراضَهم على هذا المشهدِ المعيبِ وعلى منفِّذيه ومدبِّريه والمسؤولين عنه..
مشهدُ اجتماعِ اللجنةِ المركزيَّةِ المغدورِ، ذاك، إنَّما هو نموذجٌ مصغَّرٌ لمشاهدِ اجتماعات المكتب السِّياسيّ، منذ بداياتِها، عندما كانت تُعقَدُ برئاستي؛ فما إنْ أتكلَّم برأيٍ لا يُعجبُهم، حتَّى يشرعُ بعضُهم بالخبط أمامه على الطَّاولةِ بقبضتيه كُلتيهما، ويشرع سواه بالصّراخِ على نحوٍ هستيريّ، ويشرع ثالث بالتَّطاولِ الفظِّ وكيلِ الشَّتائمِ بلا حساب.. الخ. ولكم أنْ تتخيَّلوا هذا المشهدَ، وتختاروا له الاسمَ الَّذي ينسجمُ مع ما تخيَّلتموه.
وبالنَّتيجةِ، عجزنا، طوال الأشهر الَّتي كنتُ أترأسُ فيها اجتماعات المكتب السِّياسيّ، عن اتِّخاذِ أيِّ قرارٍ يمكِّنُنا مِنْ تسييرِ عَمَلِ الحزبِ بالحدِّ الأدنى، أو حَلِّ شيءٍ من المشاكلِ التَّنظيميَّةِ المستفحلةِ.
لقد كان، ذاك، مشهداً مريضاً لا يُطاق، تكرَّرَ مرَّاتٍ عديدةٍ. وأنا أتحدَّى أنْ يتحمَّلَ أحدٌ تكرارَ المشارَكةِ، في مثلِ تلك الاجتماعاتِ، حتَّى لو لمرَّتين فقط. ولقد تحمّلتُ ذلك، لأشهرٍ طوال، معتقداً أنَّه، بالصَّبر والتَّروِّي والتَّغاضي عن الإساءات والمسيئين، يمكنُ أنْ يتغيَّرَ البعضُ، ويمكن أنْ يفهموا أنَّه ما مِنْ أحدٍ يكسبُ مِنْ مثلِ هذا السُّلوكِ الرَّديءِ، وأنَّه أصلاً ما مِنْ أحدٍ يُريد أنْ ينتقصَ مِنْ دورِهم أو يقصيهم.. لكن، بلا فائدة..
ولقد أُسيء فهمُ صبري، هذا، وتجاوزي عن الإساءات والمسيئين..
وراح أعضاءٌ في المكتب السِّياسيِّ واللجنةِ المركزيَّةِ يجولون على قيادات المناطقِ.. في الكرك، والبلقاء، وإربد، طالبين موافقتَها على خِطَّةٍ جاهزةٍ لديهم للإطاحةِ بالأمينِ العامِّ والانقلابِ على نتائجِ المؤتمرِ الثَّامنِ التَّوحيديِّ بمجملِها..
وما ممارساتُهم الانفراديَّةُ، خلالَ الأشهرِ الماضيةِ، وخطواتُهم التَّصعيديَّةُ المتواترةُ، واتِّجاهُهم غيرُ المسؤولِ نحوَ الحسمِ، إلَّا استمراراً في السَّيرِ على ذلك الطَّريقِ الانقلابيِّ نفسِه..
وبلغ سلوكُهم، ذات مرَّةٍ، مستوىً غيرَ مسبوقٍ من الوقاحةِ والفضاضةِ؛ لقد بلغ حدَّ أنَّهم تواصلوا بالتّلفون مع رفاقٍ شبابٍ كانوا موجودين معي في مقرِّ الحزبِ في عمَّان، طالبين منهم الخروجَ فوراً؛ لأنَّهم لا يريدونهم أنْ يجلسوا معي!
كان الرَّفيقُ، الَّذي تلقَّى الاتِّصالَ ذاك، موجوداً معي ضمنَ ثلاثةِ رفاقٍ آخرين؛ وعندما، رفض الخروجَ من المكتبِ، راحوا يهدِّدونه؛ لكنَّه رفضَ تهديدَهم له بحزمٍ، وواصلَ الجلوسَ معي.
وإنَّني لأستغربُ، وأتساءلُ باستنكارٍ: مِنْ أيِّ خلفيَّةٍ جاءت هذه السُّلوكات المرفوضةُ إلى الحزبِ؟!
مِنْ أين جاء ميلُ البعضِ إلى استخدامِ العنفِ اللفظيِّ والجسديِّ، لحسمِ خلافاتِه مع الآخرين، بدلَ محاورتِهم؟!
مِنْ أين تسلَّلتْ هذه اللغة السُّوقيَّة المنحطَّة في الرَّدِّ على الرَّأي المخالِف أو المختلف؟!
مِنْ أين جاءت مبادلةُ المنافعِ الماليَّةِ، وسواها من المنافعِ الشَّخصيَّة، بالمواقفِ والمبادئِ؟
والآن، آتي إلى قضيَّة المخالفات الماليَّة..
لقد حاول البعضُ التَّهوينَ مِنْ هذه المخالفات، وراح آخرون يُفتون فيها على هواهم، وثمَّة مَنْ يتكلَّم بشأنِها وهو لا يعرف بما تكلَّم عنه.. ولذلك، أجدُ مِنْ واجبي، أنْ أضعَ المسألةَ أمامَكم كما هي؛ لكن باختصار. ولكم، بعد ذلك، أنْ تتَّخذوا بشأنها الموقِفَ الَّذي ترونه مناسباً..
أوَّلاً: لقد استفادَ نائبُ الأمين العامّ مِنْ منصبه الحزبيّ للحصولِ على حِصَّةٍ شهريَّةٍ مِنْ مال الحزب، مِنْ دون عِلمي كأمين عامّ، ومِنْ دون عِلم اللجنة المركزيَّة وموافقتِها؛ واستولى على هذه المبالغِ بالخفيةِ عن الجميعِ وبطُرُقٍ ملتويةٍ..
فهل هذا مجرَّد فوضى إداريَّة؟!
وحصل نائبُ الأمين العامّ على هذه الجُعالة مقابل عملِه في الحزب، في حين أنَّ الأغلبيَّةَ العظمى من الرَّفيقات والرِّفاق الآخرين يعملون أكثرَ منه بلا مقابل، بل كمتطوِّعين؛ وبعضُهم يدفعُ مِنْ جيبِه.. ومن المُعيبِ أنَّه يُصرِّ في نهاية كُلِّ شهرٍ، على أرسال شيكٍّ إليَّ، بجُعالتِه، تلك، لأوقِّعه له. وآخرُ شيكٍّ أرسله إليَّ اليوم.
فهل هذا مجرَّد فوضى إداريَّة؟!
ثانياً: بعد المؤتمر، وانتخاب القيادة الجديدة، عَرَضَ عليَّ نائبُ الأمين العامّ استدانةَ مبالغ ماليَّة لتسيير أعمال الحزب، قائلاً إنَّ القيادةَ الجديدةَ لم تُثبَّت تواقيعُها بعد، في حين أنَّ القيادةَ القديمةَ انتهتْ صلاحيَّاتُها بانتهاءِ أعمالِ المؤتمرِ الثَّامنِ وانتخابِ القيادةِ الجديدة يوم 12 أيَّار 2024.
لكن، تبيَّن مؤخَّراً أنَّ المخوَّلين بالسَّحبِ من أعضاء القيادة القديمةِ (ومِنهم نائبُ الأمين العامّ نفسُه)، استمرّوا بالسَّحبِ مِنْ رصيدِ الحزبِ في البنكِ بانتظامٍ، ابتداء مِنْ شهر أيَّار (بعد المؤتمر) وحتَّى شهر أيلول 2023، بما مجموعه تسعةُ آلافٍ وتسعمائة وخمسةُ دنانير، مِنْ دون عِلمي، ومِنْ دون عِلم أحد..
فهل هذا مجرَّد فوضى إداريَّة؟!
وسوى هذين البندين، العديدُ من البنودِ الماليَّةِ الَّتي لا يتَّسعُ المجالُ هنا للحديث عنها.
وخلال الأيَّام الماضية، راح الكلامُ ينزُّ مثل القيح على جروب اللجنة المركزيَّة على واتس أب، ما إنْ فتحناه للتَّعليقات.. قيحٌ تمادى وراح يُلوِّثُ الجروبَ كُلَّه. إنَّها صفاتُهم يُسقِطونها على الأخرين. وهذا سلوكٌ نمطيٌّ معروف. وإنَّه ليكشفُ الدَّركَ الَّذي وصل إليه البعضُ ويُريدُ أنْ يَجُرَّ الحزبَ كُلَّه إليه.
ما طفح به جروب اللجنةِ المركزيَّةِ، مِنْ كلامٍ معيبٍ لا علاقة له بالشُّيوعيين أو بحزبِهم، إنَّما هو عيِّنةٌ ممّا حدث في اجتماعِ اللجنةِ المركزيَّةِ الموؤدِ واستمرارٌ له، وعيِّنةٌ ممَّا حدث في اللجنةِ المسمَّاةِ لجنةُ التَّنظيمِ واستمرارٌ له، وعيِّنةٌ ممَّا كان يحدثُ في المكتبِ السِّياسيِّ واستمرارٌ له، وعيِّنة ممَّا حدث في المؤتمرِ الثَّامنِ واستمرارٌ له..
ولا يمكن، بأيِّ حالٍ من الأحوال، أنْ يظلَّ الشُّيوعيون رهائنَ لهذه الحالة غير السَّويَّة وأصحابِها..
وأنا، كأمين عامّ للحزب، أجدُ مِنْ واجبي أنْ أعتذرَ، شديدَ الاعتذارِ، لكلِّ رفيقةٍ ورفيق، من الرَّفيقات والرِّفاق الَّذين أُسيء إليهم بهذا الكلام الرَّديء الجهول، أو الَّذين وجدوا أنفسَهم في مثلِ هذا المناخِ الهابطِ المسيء..
ولن أقتصرَ إلى ما لا نهاية على الاعتذار فقط.
إنَّ كُلَّ واحدٍ مِنْ أولئك الرِّفيقاتِ والرِّفاقِ، الَّذين أُسيء إليهم في المؤتمرِ، أو في اللجنةِ المسمَّاةِ «لجنة التَّنظيم»، أو في المكتبِ السِّياسيِّ، أو في اجتماعِ اللجنةِ المركزيَّةِ الموؤد، أو في جروب اللجنةِ المركزيَّةِ على الواتس أب، ليملكُ من الشِّجاعةِ ما لا يحلمُ بالوصولِ إلى شيءٍ منه أيُّ واحدٍ مِنْ أولئك الَّذين أساءوا إليهم بلا أخلاق ولا شجاعة.
وأعرفُ، ويعرفُ الجميعُ، أنَّ أولئكَ الرِّفاقَ، الَّذين تحمَّلوا الإساءاتِ بالكثيرِ من الصَّبر والرَّويَّةِ، ليسوا عاجزين عن الرَّدِّ بما يلزم من القوّة والحزم، وبالأسلوب المناسب، على تلك الإساءاتِ الَّتي وُجِّهَتْ إليهم؛ لكنَّ أخلاقَهم الشُّيوعيَّةَ، وشعورَهم العالي بالمسؤوليَّةِ تجاه الحزب، هي ما منعهم ويمنعهم من ذلك..
وهذا – مع الأسف – أُسيءَ ويُساءُ فهمه، بدلَ أنْ يُحتَرمَ ويُقدَّرَ ويُقتدى به.
ولا يقتصرُ الأمرُ على هذا النَّمطِ مِنْ نماذجِ السّلوكِ المُسِفِّ.. فقد أغرَقَنَا البعضُ، خلالَ الأشهرِ الماضيةِ، في سيلٍ لا ينتهي من المراوغات والمناورات والأحابيل والدَّسائس والخِدَع وتزييف الحقائق وتقلُّب المواقف.. الخ..
وما ذلك إلَّا لأنَّه ليست لديهم قضيَّة عادلة يستطيعون تقديمَها بصدقٍ ووضوحٍ إلى الشُّيوعيين، والدِّفاعَ عنها وإقناعَ الآخرين بها؛ فقضيَّتُهم، في الواقع، هي أنَّهم يُريدون أنْ يستمرّوا في الهيمنة على الحزب منفردين، وأنْ يتعاملوا معه كملكيَّة خاصَّة لا يجب أنْ يُشارَكهم فيها أحدٌ، وأنْ يُقصوا كلَّ مَنْ يحاولَ ذلك ويُشيطنوه. وهذا في حين أنَّ حجمَ وجودِهم في الحزب لا يسمح لهم بذلك.
وسعيُهم غيرُ المشروع، هذا، إلى الهيمنةِ والاستفرادِ، يقوم في الأساسِ على جذرٍ سياسيّ..
الخطُّ السِّياسيُّ، الَّذي يتبنَّونه والَّذي يُريدون فرضَه على الحزب، مرفوضٌ مِنْ أغلبيَّة الحزب. وهم لا يملكون الحُجَّةً المقنعةَ ولا الشَّجاعةَ الكافيةَ لتقديمه إلى الآخرين عبر الحوار والأفكار الواضحة الصَّادقة؛ لذلك، يُنكِرونَ الجذرَ السِّياسيَّ للخلاف، هذا، تماماً، ويلجؤون إلى الشَّخصنة؛ فيختزلون أزمةَ الحزب إلى مجرَّدِ مشكلةٍ شخصيَّةٍ مزعومةٍ بينهم وبين الأمين العامّ.
ولأنَّهم يعرفون أنَّهم أقلِّيَّةٌ قليلةٌ في الحزب، وأنَّهم يأخذون فيه أكثرَ مِنْ حقِّهم بكثير، فإنَّهم يقفون باستماتةٍ ضدَّ التَّوسُّع في إشراك الرَّفيقات والرِّفاق في عمليَّة اتِّخاذ القرار وتحمُّل المسؤوليَّات..
ولقد تحدَّثتُ، خلال الأشهر الماضية، مراراً، عن ضرورةِ إشراكِ أكبرِ عددٍ من الرَّفيقات والرِّفاق في القرار والمسؤوليَّات والصَّلاحيَّات؛ لكنَّهم تجاهلوا ذلك كُلَّه، وركَّزوا على تعزيزِ هيمنتِهم واستفرادِهم، هم وحدهم، مِنْ دون يعيروا التفاتاً إلى حقوق الرَّفيقات والرِّفاق الآخرين.
وفي هذا السِّياق نفسِه، ها هم يسعون الآن، بكلِّ ما يستطيعون، إلى إبعاد الغالبيَّة العُظمى من الرَّفيقاتِ والرِّفاقِ، بل أكثرِهم حضوراً ونشاطاً، عن المشاركةِ في المؤتمر الاستثنائيِّ الَّذي أصبحوا يتَّفقون معنا على ضرورة عقدِه لانتخابِ قيادةٍ جديدة..
إنَّهم يسعون إلى أنْ يُعْقَدَ هذا المؤتمر بمندوبين (أي بتمثيل مفبرك ومتَحَكَّم به منهم)؛ وفي سبيل الوصول إلى هذه الغاية، يتجاهلون النَّصَّ الواضحَ والصَّريحَ في النِّظامِ الأساسيِّ، الَّذي يقول إنَّ «أعضاء المؤتمر الاستثنائيّ هم أنفسهم أعضاء المؤتمر العاديّ».
هذا النَّصُّ، كما هو واضحٌ، يتكلَّمُ عن «أعضاءِ» مؤتمرٍ وليس عن «مندوبين». ولا يوجد، هنا، أيُّ لبسٍ مِنْ أيّ نوع.
وسأتكلَّمُ، تالياً، في البديهيَّات، وباستخدام ألف باء اللغة..
المندوبون شيءٌ، وأعضاءُ المؤتمرِ شيءٌ آخر. المندوب لا يُصبحُ عضوَ مؤتمرٍ بمجرَّد انتدابه للمشاركةِ في المؤتمرِ؛ بل هو مرشَّحٌ فقط لأنْ يُصبح كذلك بعد حضورِه المؤتمر ومشاركتِه فيه؛ لكنَّه قد لا يحضرُ المؤتمرَ، لسببٍ من الأسباب، وفي هذه الحالة، فإنَّه لا يُصبح عضواً فيه.
وهكذا، فالمندوبون ليسوا هم أعضاءَ المؤتمر الاستثنائيّ العتيد المنصوص عليهم في النِّظام الأساسيّ. وفي الحقيقةِ، لا يوجدُ لدينا أعضاءُ مؤتمرٍ جاهزون سوى أعضاء المؤتمر الثَّامن التَّوحيديّ..
البعضُ يخشى الاحتكامَ إلى أعضاءِ المؤتمرِ هؤلاء؛ لأنَّه متأكِّدٌ أنَّ إشراك عددٍ كبيرٍ من الشُّيوعيين في انتخاب قيادةٍ جديدةٍ للحزب ليس في مصلحته..
لذلك، يُجهِدون أنفسَهم كثيراً في محاولاتِ ليِّ أعناقِ كلماتِ ونصوصِ النِّظامِ الأساسيِّ، محاولين اصطناعَ شيءٍ يتيحُ لهم تفصيلَ المؤتمرِ الاستثنائيّ على مقاسِهم، وتزييفَ إرادة الشُّيوعيين، كي يبقوا «بالَّتي هي» رازحين على صدر الحزب ومنفردين بالقرار فيه.
الحزب الشُّيوعيّ الأردنيّ ليس ملكيَّةً خاصَّةً لهم. هذا الحزب ساهم في صُنعِ تاريخِه المجيدِ أُلوفُ الشُّيوعيين، بل وأيضاً أُلوفُ المواطنين الأردنيين.. بتضحياتِهم ومواقفِهم المشرِّفةِ. أمَّا الممسكون بخناقه الآن، فهم الأقلُّ مساهمةً في صُنْعِ ذلك التَّاريخ المجيد.
وإنَّ مشكلةَ الحزب الحقيقيَّةَ الآن، بل مأساتِه، هي، بالتَّحديد، هذه المجموعةُ الَّتي تُريدُ أنْ تحتكرَه، وتظلَّ تتحكَّمُ بقرارِه وتهيمنُ عليه وتسخِّرُ اسمَه وسمعتَه لأغراضِها الخاصَّةِ (أفراداً وجماعة)؛ ويظلَّ دورُه رهنَ مصالِحِها الصَّغيرة، ويظلَّ حجمُه محدوداً بشرطِ قدرتِها على الهيمنةِ والاستفراد.
ومشكلةُ هذه المجموعة أنَّ حجمَ وجودِها الآن في الحزب لا يؤهِّلُها لذلك؛ ولهذا السَّبب، فإنَّها تبتزُّ الجميعَ كي يسمحوا لها بتقليصِ حجم مشاركة الشُّيوعيين في اتِّخاذ القرار، وكي يُتاحَ لها أنْ تفبركَ مؤتمراً زائفاً على مقاسِها، لتُعيدَ إنتاج نفسِها مِنْ خلالِه، بخلافِ إرادة الشُّيوعيين..
إذا كانوا يُنكرون كلامي هذا، فأنا أتحدَّاهم أنْ يأتوا إلى الاتِّفاق على مؤتمرٍ استثنائيٍّ بأوسعِ مشاركةٍ من الرَّفيقات والرِّفاق.. مؤتمرٍ يُعْقَدُ بما يتطابقُ مع نصِّ النِّظام الأساسيّ الَّذي سبقت الإشارةُ إليه.. مؤتمرٍ يكون أعضاؤه هم أنفسُهم أعضاءُ المؤتمرِ العاديِّ الخمسمائة وتسعة وثمانون.
بل إنَّني أُرحِّبُ بأنْ يُدعى إلى المشارَكةِ في المؤتمرِ الاستثنائيِّ، في حالِ الاتِّفاقِ على عقده، جميعُ أعضاءِ الحزبِ، ليمارسوا حقَّهم الدِّيمقراطيَّ في انتخابِ قيادةٍ جديدةٍ..
وبالمقابلِ، أؤكِّدُ، هنا، أنَّ أيَّ مسعىً خلافَ ذلك، لن يمرَّ.. لن نسمحَ، مهما كانت الحيل والأحابيل، بنجاحِ تزييفِ إرادةِ الشُّيوعيين.
إنَّ الذِّهابَ في أعمالِ التَّصعيد، الَّتي دأبوا عليها طوالَ الأشهُرِ الماضيةِ، إلى هذا المستوى الخطيرِ، هو أمرٌ لا يمكنُ السُّكوتُ عليه، أو التَّساهلُ معه، مطلقاً.
وأنا أُعلن، هنا، مِنْ مقرِّ الحزبِ هذا، بأنَّنا سنتعاملُ مع أيِّ مسعىً انفراديٍّ لعقدِ مؤتمرٍ مفبركٍ غيرِ متَّفقٍ عليه، على أنَّه عملٌ انشقاقيٌّ، وسنحاصرُ هذا الانشقاقَ ونُحبِطُه ونتغلَّبُ عليه.
أشكُركم على حُسنِ استماعكم.
ووافر الاحترام والتَّقدير لكم.
سعود قبيلات
الأمين العامّ للحزب الشُّيوعيّ الأردنيّ
2 نيسان 2024
التعليقات مغلقة.