المنطقة على وقع الرد الايراني / د. رامي عياصرة

د. رامي عياصرة ( الأردن ) – الإثنين 8/4/2024 م …



في كل مرة كانت تهاجم فيها اسرائيل هدفاً لشخصية قيادية أو عسكرية ايرانية في العراق أو سوريا تقول ايران بأنها سترد في الزمان والمكان المناسبين، ثم يأتي الرد عبر أذرعها في المنطقة بمهاجمة القواعد الأمريكية خاصة في العراق أو سوريا، وغالباً يأتي الرد دون المتوقع خاصّة أنّ ايران لديها القدرة وتمتلك صواريخ باليستية ومسيرات بقوة تدمير ليست بالقليلة.
ولكن ثمة ميزتان للهجوم الاسرائيلي هذه المرة : الأولى: أنها استهدفت الشخصيات الايرانية بملحقية دبلوماسية وليست في احدى ساحات وميادين القتال، وهذا بحد ذاته فيه إمعان في العدوان من قبل الجانب الاسرائيلي من جهة ، وأقصى درجات الاهانة للجانب الإيراني من جانب آخر .
اعتقد أنه من الصعوبة بمكان على ايران أن تبتلع هذا الاستهداف بهذا الشكل المهين، الأمر الذي يستوجب الرد القوي ومن قبل ايران نفسها وليس من قبل الوكلاء والأذرع في المنطقة.
بغير ذلك الرد المتوقع فان ايران ستكون قد فقدت قوة ردعها تماما أمام الجانب الاسرائيلي بشكل كامل وستكون ” حيط واطي ” في المنطقة بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى.
الميزة الثانية لهذا الهجوم أنه جاء في خضم الحرب الدائرة رحاها في غزة، والعدوان الاسرائيلي المستمر عليها بطريقة إجرامية. وتأتي ايران ضمن مشهد الحرب في موقع الداعم الإقليمي الوحيد للمقاومة الفلسطينية في هذه الحرب، ومن يرى غير ذلك عليه بأن يأتي بالدليل بعيدا عن القراءة الرغائبية او ذات البعد الطائفي .
ايران دعمت القوة العسكرية لقوى المقاومة قبل الحرب وهذا ليس سرّا ، وفي اثناء الحرب تحركت أذرعها في المنطقة عسكرياً لمساندة قوى المقاومة في غزة. صحيح أنها لم تنخرط في حرب شاملة لأسباب ولكنها عملت على مشاغلة وايذاء العدو الاسرائيلي في جنوب لبنان عن طريق حزب الله، والأبلغ منه ما قام به الحوثيون من أعمال عسكرية في باب المندب الأكثر أهمية واستراتيجية بالاضافة للصوايخ والمسيرات الحوثية التي وصل بعضها ايلات عبر البحر الأحمر، الأمر الذي استدعى تدخلاً عسكرياً امريكياً بريطانياً لقصف مواقع الحوثيين دون جدوى في انهاء قدرتهم على المضي قدما في مواصلة أعمالهم وتحقيق أهدافهم. بالاضافة لفعل المجاميع والميليشيات الايرانية المسلحة في العراق ومهاجمتها لقواعد عسكرية أمريكية في العراق وسوريا وأقصى شمال شرق الأردن.
منذ اللحظة الأولى لبدء معركة طوفان الأقصى أحضرت امريكا بوارجها لتحط قرب سواحل شرق المتوسط لهدف واضح ومعلن وهو مساندة اسرائيل من خلال ردع ايران من الدخول في الحرب و حتى لا تتحول المعركة في غزة الى حرب اقليمية شاملة في المنطقة. بمعنى أن اسرائيل تتكفل بقوى المقاومة الفلسطينية في غزة ، وأمريكا تتكفل بردع ايران عن التدخل . وهذا ما جرى بالفعل ، بالرغم من عدم القدرة على منع اذرع ايران من الاشتباك والتدخل حسب الممكن والمتاح.
لا يخفي القادة الاسرائيليون طوال ستة شهور الحرب انزعاجهم مما فعله حزب الله في شمال فلسطين ، وفي كل مرة كانوا يرغبون بتوسيع الرد الاسرائيلي كانت واشنطن تتدخل لمنع ذلك حتى لا تتورط هي بدخول حرب إقليمية هي في غنى عنها في ظل تنافسها المحموم مع المحور الصيني – الروسي .
هل قصدت اسرائيل هذا الاستهداف بهذا الشكل في هذا التوقيت للتحرش في ايران واستدعاء الرد؟
هذا وارد جدا ، نظرا لرؤية نتنياهو في التعامل مع فشله المستمر عن تحقيق أهدافه المعلنة في غزة، ولم يبقَ له من ورقه يلوح بها لإطالة أمد الحرب سوى ورقة رفح، بعدها سيصل الى الحائط.
لذلك ربما قرر هذا الاعتداء على السفارة الايرانية لخلق واقع اقليمي جديد يدخل فيه الحرب في مرحلة مستجدة من الصراع العسكري يتم الزج فيها بايران نفسها في حالة حرب لاجبار امريكا الدخول في هذه الحرب نظراً لضعف بايدن أمام نتنياهو الذي انزعج جداً من عدم استخدام ادارة بايدن حق النقض الفيتو في قرار مجلس الأمن الأخير.
اعتقد أن نتنياهو والقادة الاسرائيليون يريدون توسيع دائرة الحرب بتوريط امريكا بالمشاركة فيها ولتحقيق حلمهم في إنهاء الملف النووي الإيراني وتدميره، وضمان وضع حد للدعم العسكري الايراني لفصائل وقوى المقاومة في غزة.
السؤال اليوم في ظل هذا المشهد بكل معطياته وتعقيداته هو كيف سيكون الرد الايراني ؟ وهل سيؤدي الى حرب شاملة في المنطقة فعلاً ؟ وماذا سيكون الموقف الامريكي منه ؟
كل هذه التساؤلات وغيرها ستحمل مجريات الأحداث في الأيام القادمة الاجابة عليها. فبالرغم من أنّ كل السيناريوهات واردة ومحتملة، ولكن أعتقد بأنّ السيناريو الأرجح هو قيام ايران نفسها في الرد المباشر هذه المرة ولكنه سيكون مدروساً ومحدوداً مع زيادة جرعة الفعل العسكري من أذرعها في جنوب لبنان واليمن .
فليس من مصلحة ايران دخول حرب اقليمية شاملة تكون الولايات المتحدة بالمقابل طرفا فيها .
قد يقول قائل : ايران لها أجندة توسعية وتعمل لمصتلحها ولمشروعها حتى في مسألة دعمها لقوى المقاومة في غزة. أقول: نعم بكل تأكيد ، فالمصالح هي التي تحدد حركة الدول ضمن رؤيتها سلماً وحرباً، وهذا يقع ضمن الف باء السياسة.
ولكن هل ايران وحدها تتحرك من وحي المصالح ؟ وهل ايران وحدها كنفردة لها مشروع وتعمل لتحقيقه في المنطقة ؟ ماذا عن المشروع الصهيوني الذي يقتل ويدمر ويحتل ويقوم بكل الموبقات أمام سمع دول المنطقة والعالم وبصره، ويريد أن يحكم سيطرته على المنطقة باسرها وليس على فلسطين وحدها ؟!
انا لست في وارد اعطاء المبررات لإيران بقدر ما أحاول تقديم قراءة وتحليل لما يجري، وعليه فأن مَنْ يريد أن يعلي الصوت في التحذير من خطر المشروع الايراني عليه أن يعلي الصوت أكثر ازاء المشروع الصهيوني المدعوم من امريكا والغرب ويحذر منه ويتحدث عن مخاطره.
أقولها وللأسف ، بأنه وضمن هذا المشهد الإقليمي بات العالم العربي هشا وضعيفا بل ومستباحا، وبات اللامشروع هو مشروعنا الواقعي في العالم العربي، أو بأحسن الأحوال مشروعهم مشروع عنوانه التبعية والاحتماء خلف إما المشروع الايراني او المشروع الصهيوني والغربي.
ظنّت بعض الأنظمة العربية في لحظة ما أنها قادرة على تحقيق مستويات من التنمية والازدهار وتحقيق قفزات اقتصادية نوعية بمعزل عن حلٍّ عادل للقضية الفلسطينية وانصاف الشعب الفلسطيني وتأييده في الحصول على حقه.
وتناست تلك الأنظمة أن أهم شرط لبناء تنمية وازدهار مستدام يحتاج الى أمن اقليمي شامل ، ولا أمن في المنطقة في ظل استمرار الاحتلال الإسرائيلي وإنكار حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.