الياس فاخوري ( الاردن ) – الثلاثاء 9/4/2024 م …
(==) حيثما وردت كلمة ” ديانا ” في مقالات الكاتب، فهي تعني تحديدا زوجته الراحلة الكبيرة والمفكرة القومية ، شهيدة الكلمة الحرة والموقف الوطني ” ديانا فاخوري “… والصورة المرفقة لهما معا …
في ذكرى العرس الأحمر: من “دير ياسين” الى “عمَّان” .. ومن “غزة” الى “صنعاء” ما طال السفر .. والمسافة صفر تجمع كل الساحات وقد غسل جدبها طوفان الأقصى والمطر .. في التاسع من ابريل/نيسان 2023 رحلت “ديانا فاخوري” كي لا ننسى ما حدث في التاسع من ابريل/نيسان 1948 فنتوقف عند قصيدة الشاعر الفلسطيني عبد الرازق البرغوثي بعنوان: “اليوم ذكرى العرس الأحمر في دير ياسين” وقد جاء فيها:
قلبي تفطَر والتاريخ يسرد لي
عن قرية أقفرت من أهلها العربِ
وإن سألت بياناً حول موقعها
فإنها عن عيون (القدس) لم تغبِ
فيها اليهود أقاموا شر مذبحة
للطفل والشيخ والعذراء، واعجبي!!
يقودهم “بيغن” السفاح يرضعهم
حقدا توارثه من أحلك الكتبِ
نعم، أنه العشق التوراتي للدم وما ديانة “يهوه” الا ديانة البطش والارهاب كما هي ديانة “الفوهرر”. وقد أسفر هذا العشق الدموي عن ارتقاء حوالي 360 شهيداً في مذبحة “دير ياسين” (غرب القدس) التي نفّذتها عصابتا الإرجون، وشتيرن (دون استبعاد الهاغاناه ووحدة من البلماح) في التاسع من ابريل/نيسان 1948! ومذبحة “دير ياسين” ليست الا واحدة من عشرات (بل عشرات العشرات من) المجازر التى ارتكبها الصهاينة خلال حرب الـ(48) م .. انهم “أولاد الأفاعي” كما صاح بهم يوماً يوحنا المعمدان!
اكثر من 3 أطفال بالساعة ..
واليوم، يأتيك تقرير لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (أونروا UNRWA)، يتضمّن توثيقاً لمذبحة غزة خلال الأشهر الخمسة الاولى حيث يقوم كيان الاحتلال الصهيوني – بدعم من الإدارات الأميركية والأوروبية (بريطانيا، فرنسا، ألمانيا، إيطاليا) – بقتل اكثر من 3 أطفال كل ساعة، وقد بلغ عدد الأطفال (12,300) الذين ارتقوا خلال 150 يوماً فقط ما يعادل او حتى يزيد قليلاً عن عدد الأطفال (12,192) الذين تمّ قتلهم في الحروب التي شهدها العالم خلال السنوات الأربع (2019/ 2022) .. اما النساء، وكبار السن فقد بلغت نسبتهم 72% من إجمالي الذين ارتقوا حتى تاريخه وعددهم نحو 41 ألف شهيد، وحوالي 80 ألف جريح .. وأما المنازل والمدارس والجامعات والمستشفيات المخابز والمساجد الكنائس .. إلخ فقد بلغت نسبة التهديم والتدمير والإزالة هناك ما بين 60-70% الامر الذي جعل الحياة مستحيلة في هذه البقعة من فلسطين ..
وقد أكّدت مقررة الأمم المتحدة الخاصة المعنية بحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية “فرانشيسكا ألبانيز” أن إسرائيل ترتكب جريمة إبادة جماعية في غزة، وقد اكتملت عناصرها من قتل المدنيين، وتهجيرهم، وتجويعهم، وفرض ظروف تجعل الحياة مستحيلة، واستخدام أسلحة محظورة تؤدي إلى الدمار الشامل والتدمير المنهجي لجميع سكان القطاع!
ومن الشهادات المروعة عن جرائم الاحتلال الإسرائيلي في مجمع الشفاء الذي تم حصَاره لعدة أسابيع : ”أجبروا الشبان على خلع ملابسهم وأعدموهم أمام عوائلهم، ثم دهسوا الناس بالدبابات وهم أحياء واغتصبوا النساء ونكّلوا بهن“ .. كما وصف متحدث منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) “جيمس إلدر” النوم في قطاع غزة بأنه مثل “الرقود في التابوت”!
وهذه منظمة إنقاذ الطفولة تكشف ان حوالي 350 ألف طفل بغزة دون الخامسة هم الأكثر عرضة لخطر سوء التغذية وسط التدهور السريع للوضع الكارثي في القطاع!
امريكا تُهدي كل طفل لعبةً للموت عنقودية و30 كيلوغراماً من المتفجرات لكل مواطن في غزة!
نعم خرج المغول من القبور .. وتحولت غزة الى ناجازاكي القرن وهيروشيماه لنستعيد ذاك النوع من البربرية، ونتٓذٓكّر إحراق جثث الهنود الحمر .. كانت، امريكا، وأَضْحَت، وأَصْبَحَت، وأَمْسَت، وبَاتَت، وصَارَت، ومَا زَالَت، وما بَرِحَت، وما انْفَكَّت، وما فَتِئَت، وظلَّت على الأسوار (أسوار غزة، والقدس، وكل فلسطين) تُهدي كل طفل لعبةً للموت عنقودية و30 كيلوغراماً من المتفجرات لكل مواطن في غزة .. ورغم ذلك، وفي غزة وفلسطين فقط، تتدحرج الرؤوس الاسبارطية، وتبدو “اسرائيل” محبطة على حافة الهاوية وكانها تقاتل، على نحوٍ دونكيشوتي، طائر العنقاء وتحارب أشباحاً تخرج من باطن الأرض ورمالها المتحركة. نعم، دخلنا عتبة الأسبوع الاول من الشهر السابع بتوقيت ساعة السابع من أكتوبر/تشرين الاول 2023 وأسطورة المقاومة تتحقق في الميدان على أرض المعركه وأسطورة “إسرائيل” تتحطم وتُستبدل بالتلفيق والتدليس والتزييف والتمويه .. وهنا يبذل نتنياهو جل جهدة بابتذال الإيهام ان الدخول الى رفح هو الانتصار ليسخر منه حتى إعلامه، ويعلم الجمع ممن ضم مجلسه ان “اسرائيل” تحت الركام والى زوال كما نقشت ذلك ديانا فاخوري .. فهل دقت ساعة السابع من أكتوبر/تشرين الاول لتعلن “هذه بداية النهاية” كما تنبأ “فرانز فانون” في “معذبو الأرض” .. ولم يكن “فرانز فانون” نبياً للمعذبين فقط، بل كان نبي المناضلين – رجال الله في الميدان وهم من اسقط السقوطُ، وفلسطين بغزتها وعزتها تعلو فكرةً، ويداً .. عمّاناً، ويمناً، وشاما!
وبالعودة الى “دير ياسين” – وقد كانت مثالاً للتسامح والتآخي تجمع باسمها الكنيسة (دير – بناه راهب مسيحي) والجامع (مسجد القرية – بناه الشيخ ياسين) – نستذكر الشاعر محمد العدناني:
وما ديرُ ياسينِ سوى قِبلَة المُنى |
وجامعَةِ الأحقاد في خافقِ العُربِ |
سَنُرجِعُها بالحَربِ تصهَرُ نارُها |
أساطيلَ أمريكا، ومن ضَلَّ في الغربِ |
ونجعل إسرائيلَ تصْلى جحيمنا |
وتَعرفُ أنّا سادَةُ الطَّعنِ والضَّربِ |
فمنْ شاءَ يوماَ أنْ يرى الجِنَّ والرَّدى |
فإن عليهِ أن يَرى العُربّ في الحَربِ |
ولعل العدناني كان يقصد بالعرب أهل غزة وساحاتها المتحدة حيث “شعبنا الثائر من أجل القضية // يرقب الرجعة في كل صباح وعشيه” كما أخبرنا الشاعر الجزائري عبد الرحمن الزناقي في “دير ياسين بعد المذبحة”!
اما ديانا فاخوري فقد رحلت في التاسع من ابريل/نيسان 2023 – الذكرى 75 للعرس الأحمر في دير ياسين الذي صادف اسبوع الالام والقيامة – ربما لتتحقق ان المسيح إنما جاء من أجلنا، وصُلب من اجلنا، وقام من أجلنا .. إذن ماذا عن مئات آلاف الهياكل العظمية التي تتكدس في غرف الصقيع، ومن يكترث بذلك!؟ “فأي خلاص ذاك على مدى ألفي عام، سوى أن أدمغتنا، وأحذيتنا، تعمل ليل نهار لتحويل الكرة الأرضية الى… مقبرة”، كما قال الكاتب الألماني “غانتر غراس” (Günter Grass) صاحب (The Tin Drum)!؟
وهنا استعيد جملة أغلى من الشُهداءِ والقُبَلِ: فلسطينياً كان ولم يزل!
فلسطينيٌ، ولد في فلسطين، عاشَ في فلسطين، صُلب واستشهد في فلسطين، قام من بين الأموات، ووطئ الموت بالموت، ووهب الحياة للذين في القبور في فلسطين ليعلن انتصاره ليس على الموت وحسب، بل وعلى قادة اليهود الذين أرادوا قتله في فلسطين ايضاً، لانه المسيح المنقذ الذي لا يلتزم بتعليماتهم ولا يخضع لقوانينهم (John 5:18). وهنا، لا بد ان يحضر “يهوذا الاسخريوطي” الذي خان يسوع وقام بتسليمه لمن كان يطلب موته (Luke 22:3-6).
مثال الفلسطيني وأبناء غزة، اثبت يسوع وظَهَّر انتصار الدم على السيف (صليب، ومسامير، ورمح، ومطرقة، وسوط، وشوك، وحلقات من الحبال، وخل، وثلاثين من الفضة) تماماً كما شق الفلسطينيون والغزٌيون طريقهم الى الأمل بعيدا من اليأس والاحباط .. إذن “نفّذوا” و”اجعلوا”:
■ “نفّذوا”، بل حققوا نبوءة “ديانا”، النبوءة الوشمٌ في الذاكرة: “اسرائيل” الى زوال مهما توحشت وأراقت من دماء .. من المؤكد ان نهايتها قد كُتبت وان دمارها يدنو وان حتفها قد اقترب لتُمحى من الوجود على ساعة السابع من أكتوبر/تشرين الاول 2023: “بَلِ ٱلسَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَٱلسَّاعَةُ أَدْهَىٰ وَأَمَرُّ”(القمر – 46).
■ اجعلوا روح ميلاد النصر الغَزٌي (Gazamas) ملئ الكون .. واجعلوا القدس – عاصمة الجمهورية العربية الفلسطينية – تنبض حقاً، ومقاومةً، وتحريراً، وكرامةً، وعدالةً، وسلاماً، واملاً، ومحبة.
صالبو غزة واهلها هم صالبو المسيح الذين جعلوا بيته مغارة لصوص ..
إذن، “نفذوا” و”اجعلوا” فأنتم “الاعصار الحافي القدمين” كما وصف “باولو بازوليني” السيد المسيح، لدى تقديم فيلمه “الانجيل بحسب متى” .. نفذوا” و”اجعلوا” و”حطموا” أوثان الأزمنة، وأحلّوا محلهم الله، اله المعذبين، والفقراء، والضحايا على هذه الأرض كما فعل السيد المسيح يوم طرد المغتصبين قائلاً “مكتوب بيتي بيت الصلاة يُدعى. وأنتم جعلتموه مغارة لصوص” .. صالبو غزة واهلها هم صالبو المسيح، فاعلنوا (بل مارسوا) وقوفكم إلى جانب الغزّيين والفلسطينيين .. أعلنوا عداءكم لصالبي المسيح وفلسطين واجهروا، كما ارادت “ديانا”، بصوت واحد: “دماؤهم علينا وعلى أولادنا”!
كانت “ديانا” تعلم ان “لا دارٌ للمرءِ بعد الموت يسكُنها // إلا التي كانَ قبـل الموتِ بانيـها .. فبنتها بخير عربي اردني فلسطيني غزّي ليطيب مسكنُها لأحْسنَ خَلق الله شيماً وفعلاً ولمن تسعى اقدامهم الى القدس .. في التاسع من ابريل/نيسان 2023 رحلت “ديانا فاخوري” كي لا ننسى ما حدث في التاسع من ابريل/نيسان 1948 – يوم ذكرى العرس الأحمر في “دير ياسين”، وهنا تُقَصِّرُ عَن وَصفِ “الأَميرةِ” المَدائِحُ فاستعين بالمتنبي: فَإِن تَفُقِ الأَنامَ وَأَنتِ مِنهُم// فَإِنَّ المِسكَ بَعضُ دَمِ الغَزالِ .. راقبتُكِ فشهدتُ أنَ الله أْجزَلَ في الهبةَ// وأرومُ سِنَّكِ ضاحكاً، حتَّى يلوحَ وأرْقُبَه!
صحيح ان البيداء دونكِ، لكنّك تسمعينني جيدا وأنا أسمعك جيدا — وكيف لا اسمع وكيف لا نسمع من قالت وأصرّت وعلى ظهر الدهر نقشت ان اسرائيل الى زوال مستحضرةً التقاطع بين جدلية الجغرافيا، وهي جدلية الأمكنة، وجدلية التاريخ، وهي جدلية الأزمنة ! انت الثريا ورفاقك يملئون ساحات المقاومة المتحدة قي خير البلاد كالجبل الرَّاسَي بهِ أَنَفٌ منَ الرّضوخِ ومِن أن يَنحنِي شَمَمُ .. فقد أمّنت لك نبوئتك تلك داراً في الفردوس من “ذهب والمسك طينتها، والزعفران نابتٌ فيــها” يُعٓمِّرُها العمل الجاري لتحقيقها بتوقيت ساعة السابع من أكتوبر/تشرين الاول 2023، و”بركعةٍ في ظلام الليل تُحييها” .. وقد “أبلى الهوى أسفا يوم النوى بدني// وفرق الهجر بين الجفن والوسن” .. عبثاً أَستنجدُ بِصَبرٍ، وَكَيفَ بِمِثلِ صَبرِي لِلجِبالِ .. ف”يا قِمَّةً تتهاوَى عِندَها القِمَمُ // لم يبقَ عنديَ ما يبتزّهُ الألمُ”!
وختاماً أُكرر: لك ان تأثم ظناً ان النجوم نارٌ، وان الشمس تتأرجح، وان الحق كذبٌ – لكن لا يراودنّك الشك لحظةً ان فلسطين لنا من النهر الى البحر، ومن الناقورة الى ام الرشراش (27,009 كيلو متراً مربّعاً – متر ينطح مترا) .. فقوى الشر لن تسود، وقوى البغي والموت لن تتمكن من هزيمة “غزة” و”الجمهورية العربية الفلسطينية” .. كما بنى المسيح على صخر كنيسته، على صخرة فلسطينية نبني دولتنا .. وأبواب الجحيم لن تقوى عليها .. وها هي البحار والأنهار والاشجار تشدو: “لبلادنا، وَهِيَ القريبةُ من كلام اللهِ، سَقْفٌ من سحاب” .. هذا هو اليوم الذي صنعه الرب على ايدي رجاله في الميدان، فلنفرح ولنتهلل به .. انهم رجالٌ قد باعوا أنفسا تموت غدا بأنفس لا تموت أبدا وقرأوا “نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ ۗ(الصف – 13)
وها نحنُ – ديانا – في حضرة الجواهري: ننأى ونفترقُ، والليلُ يمكثُ والتسهيدُ والحرقُ // والصبحُ يمكثُ لا وجهٌ يُصَبحُني، به، ولا بسماتٌ منكِ تنطلقُ// مني عليكِ سلامٌ لا يقومُ به، سن اليراعِ ولا يقوى به الورقُ// .. ولكن لوّح من جنان الخلد باب “فمن وطني الى وطني رجوعٌ // وعن وطني الى وطني ايابُ”!
ومع محمود درويش في حضرة الغياب وبه نختم: “الله أَكبرْ .. هذه آياتنا، فاقرأُ .. باسم الفدائيَّ الذي خَلَقَا .. من جٓزمةٍ افقا (مِن جُرْحِهِ شَفَقا)”!
الدائم هو الله، ودائمة هي فلسطين ..
نصركم دائم .. الا أنكم أنتم المفلحون الغالبون ..
* الياس فاخوري
كاتب عربي أردني
التعليقات مغلقة.