ألمانيا الشريك في العدوان على غزة والوجه الاّخر لـ “إسرائيل” / م. ميشيل كلاغاصي

م. ميشيل كلاغاصي ( سورية ) – الجمعة 12/4/2024 م …




بات من المعروف, أنه منذ صبيحة 8/تشرين1, اعلنت عشرات الدول الغربية مواقف داعمة ومؤيدة للعدوان الإسرائيلي على غزة, لكن الموقف الألماني أثبت أنه الأكثر حماسةً وتميزاً عن مواقف باقي الدول, وسط إجماع جميع أعضاء البرلمان الألماني من أقصى اليمن إلى أقصى اليسار, على الوقوف إلى جانب “إسرائيل”, وإجماع كافة وسائل الإعلام الألمانية على تبني الرواية الإسرائيلية, والطعن بالرواية الفلسطينية عبر إنحيازٍ كلي مكشوف مدعوم بكيلها الإتهامات لكل من يعارض هذه التوجهات تحت عنوان معاداة السامية وكراهية اليهود.

ولم يقتصر الإنحياز الألماني على المواقف السياسية للحكومة, ومنعت حكومة برلين المظاهرات الشعبية المؤيدة لغزة, وسمحت في الوقت ذاته لشخصياتٍ سياسية بالمشاركة في مظاهراتٍ داعمةٍ لإسرائيل, الأمر الذي تسبب بحالة ذهول أصابت عموم الرافضين هناك للمجازر الإسرائيلية, أمام درجة التحيز التي فاقت كل التوقعات, بعدما سارت برلين في ركب الروايات الأمريكية منذ إنطلاق عملية طوفان الأقصى, ودعم ساستها ما يسمى نفاقاً “حق إسرائيل بالدفاع عن نفسها”, دعمٌ سياسي ترافق بدعمٍ عسكري جعل من برلين شريكةً في الجرائم التي ارتكبتها ولا تزال ترتكبها قوات الإحتلال الإسرائيلي بحق الفلسطينيين.

تبدو أسباب الدعم الألماني لإسرائيل في سياقاتها التاريخية, تختلف تماماً عن باقي الدول الداعمة, ولا تزال ألمانيا تعلق دعمها للكيان على شماعة ذنب الإبادة الجماعية التي تعرض لها اليهود على يد النازيين إبان الحرب العالمية الثانية, ومن وقتها لم تأنوا جهداً لتكون في طليعة الداعمين “لإسرائيل”, وأصبح انتقاد الهولوكوست أو التشكيك بها بعد إتفاقية لوكسمبورغ عام 1952من محرّمات السياسة الألمانية.

في وقتٍ لطالما أكدت فيه الروايات السائدة, مسؤولية بريطانيا والولايات المتحدة في قيام الكيان الصهيوني ودعمه, لكن غاب عن الكثيرين الدورالألماني الكبير والمباشر في إقامة “دولة” للصهاينة على حساب الشعب الفلسطيني صاحب الحق والأرض, من خلال دعمٍ إقتصادي أساسي, تتحمل من خلاله الدولة الألمانية مسؤولية تاريخية في زراعة وإقامة الكيان الغاصب, وبنقل مشكلة اليهود من ألمانيا إلى أرض وشعب فلسطين.

وشهد عام 1949 تقارب ألماني – إسرائيلي حول تعويضات الإبادة النازية, وتم إرساء قواعد للعلاقات الجديدة, رسخها كل من إيزنهاور أول مستشار ألماني بعد الحرب العالمية الثانية, وديفيد بن غوريون أول رئيس وزراء إسرائيلي, وشكلت إتفاقية التعويضات الألمانية حجر الأساس للعلاقات الإقتصادية بينهما, والتي ساهمت بدعم التنمية الإقتصادية للكيان الإسرائيلي, وأثبتت بأنها المساعدات الأكثر أهمية وفعالية بين تلك التي تلقاها الكيان, خصوصاً بعدما اعتبرت ألمانيا مسألة تسليح الكيان واجباً ألمانياً.

وفي أعقاب العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 سعت إسرائيل للحصول على أسلحةٍ ألمانية, وبالفعل نالت مبتغاها, وحصلت على مساعداتٍ كبيرة شملت طائرات عسكرية وعمودية, ومدافع, وصواريخ مضادة للدبابات, بلغت قيمتها اّنذاك حوالي300 مليون مارك ألماني, قُدمت لإسرائيل على أنها هدية سرية.

وبين عامي 1961– 1964 تحركت عجلة التسليح الألماني بوتيرة متسارعة, وأجرى أيزنهاور محادثات سرية مع بن غوريون في نيورك, وتم الاتفاق على تزويد إسرائيل بأسلحة ألمانية كجزء من إتفاقية التعويضات, بما مكنها من الحصول على مئات أطنان الأسلحة والمعدات المختلفة ومواد الخام التي تدخل في الصناعات العسكرية, ووضعت ألمانيا خبراتها وإمكاناتها العسكرية تحت تصرف الإسرئيليين لتطوير صناعاتهم العسكرية, التي أصبحت بدورها مصدراً لدعم الإقتصاد الإسرائيلي, وهذا ما لخصه رئيس وزراء إسرائيل السابق شيمون بيريز تعليقاً على أهمية الدعم الألماني بقوله :” أعطتنا أمريكا المال, وأعطتنا فرنسا السلاح مقابل المال, بينما أعطتنا ألمانيا السلاح والمال”.

مع بداية العدوان على غزة, ومن خلال زيارة المستشار شولتز إلى أنقرة, طالب الرئيس إردغان بمساعدة إسرائيل للدفاع إسرائيل عن نفسها, فيما سارعت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك منذ صبيحة 8/تشرين1 لتبرئة إسرائيل, واتهمت حماس بتصعيد العنف و”بشن عمليات إرهابية ضد إسرائيل”, وأكدت “تضامن بلادها مع إسرائيل، وحقها في الدفاع عن نفسها ضد الإرهاب وفقا للقانون الدولي”, وفي 10/تشرين1 وبعد مقتل مئات الفلسطينيين جراء الهجمات الإسرائيلية، بررت بيربوك وحشية قوات الإحتلال بأن: “حماس تختبئ وراء المدنيين”, وبأن: “أوروبا بكاملها تقف إلى جانب إسرائيل”.

لقد وقفت ألمانيا ضد دعوى جنوب أفريقيا في محكمة العدل الدولية في لاهاي, وأعلنت حكومتها دخولها كطرف ثالث في الدعوى دفاعاُ عن “إسرائيل”, وواصلت فتح  مخازنها العسكرية وبتزويد الجيش الإسرائيلي بالأسلحة, وضاعفت توريداتها بشكل غير مسبوق, وسط تأييد عديد الدول لحل الدولتين في الولايات المتحدة وأوروبا، والصين وروسيا، لا يزال الموقف الألماني غامضاً ملتبساً, رفضت فيه الوزيرة بيربوك مؤخراً الإفصاح عنه أمام وسائل الإعلام, واكتفت بالحديث عن “حتمية التفاوض بين حكومة تل أبيب وبين السلطة الفلسطينية بعد القضاء على الخطر الذي تشكله حماس, والإنتهاء من مسألة تهديد أمن إسرائيل”, وطالبت في لقائها مع نظيرها اللبناني ” الدول العربية بدعوة حماس إلى إلقاء سلاحها والتفاوض لإطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين”.

وفي سياق دفاعها عن السياسة الألمانية تجاه الكيان الإسرائيلي, أكدت في نهاية عام 2023, أمام مؤتمر بلديات المجلس المركزي لليهود في ألمانيا, اهتمامها بحضور مؤتمر المناخ العالمي في دبي, و”بالذهاب إلى أي مكان تجرى فيه نقاشات ساخنة” حول ما تقوم به القوات الإسرائيلية في قطاع غزة, في محاولة منها لكسب المزيد من الود اليهودي, وإظهار حجم دفاع حكومتها عن الكيان, الأمر الذي شكل جوهر امتناع بلادها عن التصويت على قرار وقف إطلاق النار في الجمعية العمومية للأمم المتحدة.

إن رفض الحكومة الألمانية دعوى جنوب أفريقيا أمام محكمة العدل وإتهام “إسرائيل” بارتكاب “إبادة جماعية” في غزة، وإعلان عزمها التدخل كطرف ثالث أمام المحكمة اّثار تساؤلات أخلاقية وقانونية وسياسية، الأمر الذي دفع ممثل ناميبيا في المحكمة لإنتقاد الدعم الألماني, ولإعادة التذكير بتاريخ ألمانيا الاستعماري في أفريقيا, وارتكابها في مطلع القرن الماضي مجازر وإبادة جماعية في بلاده, راح ضحيتها عشرات الآلاف من الناميبيين الأبرياء”, وطالب الحكومة الألمانية بإعادة النظر في قرارها بدعم “إسرائيل” أمام محكمة العدل الدولية..

كذلك, تقدمت نيكاراغوا بدعوى لمقاضاة ألمانيا في محكمة العدل الدولية, بتهمة مساعدة “إسرائيل” وتسهيل إرتكابها إبادة جماعية بحق أهالي غزة, وطالبت محكمة العدل الدولية بإلزام ألمانيا بوقف دعمها لإسرائيل, ناهيك عن معارضة ألمانيا مؤخراً لقرارٍ أممي يحظر بيع السلاح إلى “إسرائيل”, بما يشكل فضيحة العصر, التي تعري الدولة الألمانية, وتُسقط كل ما حاولت بيربوك فعله لحماية وتبرئة الكيان الغاصب, وبأن برلين وتل أبيب يشكلان معاً وجهاً واحداً لعملةٍ نازية إرهابية رفضها العالم منذ عقود, وسيبقى يرفضها دائماً وأبداً. 

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.