بحث هام … الهُويـــة .. من أنا؟ من نحن؟ ومن هم؟

 

علي حتر ( الأردن ) الخميس 1/12/2016 م …

الهوية مسألة دراسة فلسفية أو أكاديمية، وقد لا يفكر المواطن العادي، في أكثر أنحاء العالم، في حياته اليومية بالهوية، ويعيش دون أن يتذكرها إذا لم يُذكره أحد بها، وكنا قبل سنوات لا نهتم بالهوية الدينية للناس الذين نعيش معهم، في منطقتنا، حتى اكتشف أعداؤنا السياسيون والوطنيون أن الهوية في هذه المنطقة، تشكل عاملا يمكن توظيفه لتحريض الناس على الاقتتال، بكل فئاتهم، لتسهل السيطرة عليهم..

المفهوم الفلسفي للهويّة

هنري تاشفيل، وجون تيرنر (باحثان إنجليزيّان في علم النّفس الاجتماعي) استعملا مصطلح الهويّة الشخصية، مقابل الهويّة الاجتماعيّة. وكان القصد من مصطلحهما: الذّاتيّة، الّتي تُعرف الفرد بالمقارنة مع الآخرين.

تعدّدت مفاهيم وتعاريف الهويّة كما أنّ بعض المفكرين قال: إنّ الهويّة هي الإعلاء من شأن الفرد،

كما أنّ آخرين قالوا: إن الهويّة ما هي إلا بطاقة تعريف عن الشّخص وإثبات للشخصيّة،

وغيرهم ينظر للهويّة من منظور وجانب آخر، وذلك باعتقاده أنّها الوعي بالذّات الاجتماعيّة بالإضافة إلى الذّات الثقافيّة،

كما أنّها تعتبر متحوّلة وذلك حسب الواقع ولا تعتبر ثابتة بمنظورٍ أحاديّ،

كما أنّ الهويّة أيضاً اعتبرت أنّها الخصوصيّة الذّاتيّة، كما أنّها تعتبر ثقافةً للفرد، وللغته وعرقه وعقيدته بالإضافة إلى حضارته وتاريخه،

كما أنّ الهويّة هي الّتي يمتلكها الفرد بعد تعدّي سنّ البلوغ المقرّر حسب كلّ دولة؛ فيمكن أن يستحوذ الفرد على هويّة وهي متطلّب إجباري وذلك لإثبات الشخصيّة أيّاً كانت، وبأيّ مكان،

كما أنّ الهويّة تحتوي على العديد من النّقاط التعريفيّة في تذكّر الموقع الجغرافي بالإضافة إلى تاريخ الميلاد والدّيانة، كما أنّها تذكر الاسم والرّقم الوطني وهما أساس التّعريف لدى الشّخص. وهو أساس أمني لا علاقة له بالفكر
الهوية الوطنية هي إلإنتماء للأرض المستقلة المحررة التي تعني الوطن وفقاً للتعريفات التاريخية القديمة والحديثة . الهوية الوطنية هي مجموعة من القيم والأخلاق يجب أن تنعكس أفعالاً بما تعنيه من إستقرار في الوطن والدفاع عنه والتقيد بنظمه وإحترام قوانينه .

الهوية الوطنية تعني الإنتظام العام في المجتمع وفق مبدأ أخلاقي ضمن نسيج مجتمعي متماسك ، قائم على التعاون والمحبة واحترام العادات والتقاليد والإسرة والبيئة والتمسك بالقيم الدينية السائدة واحترام الرأي الآخر ومعتقده ووجهة نظره إن لم تمس القيم والإنتظام العام وسيادة الوطن .

الهوية الوطنية تعني الشعور بالوعي الذي يجب أن نربي عليه أولادنا في حب الوطن والإخلاص له والتضحية في سبيله حفظاً لأهلنا ومستقبل أولادنا ليبقى وطناً منيعاً ضد الفاسدين والمخربين والطامعين والأعداء ، والجهل العدو الأول للوطن .
الهوية الوطنية تعني قيام الدولة بواجياتها نحو المواطن ، التي جاءت نتيجة عقد تاريخي معه .

لذا فإن الإهمال أو التعالي أو الفساد الحكومي والإداري يضعف من نسيج المجتمع ومنْعته ويضع الوطن في خطر التناتش والتناوش والضياع مع تصاعد الرفض والإحتجاح على الممارسات الخاطئة للدولة في تسيب الأعمال الحكومية وإنعدام المسؤولية الوطنية ، التي يقتضيها المنصب أو المركز في الإخلاص والولاء لخدمة المواطن ، التي تعني الولاء للوطن وتحصينه والإخلاص له

في منطقتنا، تجاوزت  الهوية مسألة تعريفها الأكاديمي أو الفلسفي، واستبدلت عمليا بعنوان “توظيف الهوية”!!

في منطقتنا أيضا أصبحت تختلط المفاهيم.. التي يمكن أن تساعد في تحديد الهوية المبنية على الإثنية أو الهوية الوطنية المرتبطة بالجغرافية أو بالعقيدة..

هناك الهوية الفردية والهوية الجماعية.

الهوية الفردية بمعناها القانوني هي مجرد تعريف للشخص، وربما جنسه (ذكر أو أنثى) ووظيفته، لكن بمعناها الفكري والسياسي فإنها تذهب أكثر باتجاه تعريف سلوك الشخص ومواقفه، وهي موضوع البحث هنا.

وهناك عدة تعاريف تتعلق بالوضع الطبي والنفسي والمسلكي من حيث المخالفات والسلوك القانوني وغيرها، وعي خارج بحثنا.

ما سبق يعني أن الهوية الفردية باختصار هي تعريف الإنسان لنفسه وإعطاؤها قيمة في هذا العالم المكتظ بالبشر، بحيث يحقق احترام الذات،

ويضاف إلى ذلك، تعريف الآخرين للفرد، أصلا ونظريا للتعامل معه ولخدمة حاجاته كإنسان يعيش في مجتمع متكامل..

لكن الآخرين  في أكثر الحالات في منطقتنا، يُعرفونه بدقة لأنفسهم، لإتقان محاربته من جهة، ويُعرفونه لنفسه بطريقة تضمن تمزيقه والسيطرة عليه!!!

فهو بالنسبة لنفسه سني عليه أن يصارع الشيعي  وكردي عليه أن يصارع العربي وسعودي يجب أن يقاتل اليمني ولبناني يجب أن بصطدم مع السوري وهكذا..

أما الهوية الجماعية، فهي تتكون من  مجموعة من العناصر …

مثل:

  •        موقع جغرافي ووطن مشترك
  •        ذاكرة تاريخيّة وطنية مشتركة
  •        قومية
  •        ديانة أو عقيدة أفراد مشتركة
  •        ثقافة شعبيّة موحّدة
  •        صفة سياسية  
  •        حقوقٌ وواجباتٌ مشتركة
  •        وظيفة أو منصب
  •        اقتصاد مشترك
  •        لغة مشتركة
  •        اللون
  •        الجنس (حيويا)
  •        الغربة والمنفى
  •        التشابه المهني
  •        عسكري أو مدني
  •        فعال أو سلبي صامت أو الأغلبية الصامتة
  •        أو من بعض من هذه العوامل وغيرها مجتمعة
  •        إلخ….

سيكون الحديث في هذه الورقة عن الهوية الدينية (العقائدية) والسياسية والأخلاقية.

 في كثير من  الدراسات والمقالات الموجهة للفقراء وعامة الناس، يتجنب الرأسماليون التعريف الطبقي، مع أن التخلي عن التعريف الطبقي عند التفكير بالقضايا السياسية والفكرية يؤدي إلى أخطاء خطيرة.. فأجد نفسي انا مصنفا مع أفراد العائلة المالكة السعودية ومن يشبهها، في نفس الفئة كعرب مثلا، أو اجد فقراء المسلمين في نفس التصنيف مع نفس العائلة.

وفي حين يحاول الفرد أن يستعمل هويته للاعتزاز بنفسه وإعطاء قيمة لذاته وللدفاع عنها، يحاول الرأسماليون (خارج بلادهم) جعل الهوية الفردية ترتبط بعنصر واحد قابل للتوظيف أو عنصرين قابلين للاصطدام عند الدفاع عنهما..  

ويقوم هؤلاء الرأسماليون بحملة إعلامية مدروسة ومكثفة للاعتماد على تلك العناصر للعمل وتدمير وتفتيت الدول والدويلات التي صنعوها.  

ويعتمدون على تشجيع المظاهر في الهوية كالحجاب والصليب بطرق تحريضية، لجعلها ذات استفزاز تلقائي وهي لا تتعدى كونها حقوقا بسيطة من حقوق الإنسان البسيطة، الذي يتجاوب مع تحريضهم لجهله أساليبهم. 

  •        وهم يجعلون في المكان الذي يستهدفون السيطرة عليه في منطقتنا، من الدين، العنصر الهام في تحديد الهوية.. ليتمكنوا من توظيفه في المعركة التي يخوضونها مع شعوب الأرض ومنهم شعبنا بشكل خاص.
  •        وفي مكان آخر يجعلون من الإثنية ذلك العنصر، ومن القومية وهكذا..
  •        وإذا لم تكن الإثنية موجودة يصنعون عناصر لها ويقنعون إنسان منطقتنا بها ثم  يحرضونه على الاقتتال بدعوى حمايتها!! كما في الهوية في الحالة السورية اللبنانية والأردنية والفلسطينية، وبعد أن يرسموا حدودا سياسية أمنية مصطنعة بأقلام الرصاص، يصطف أُناسنا على  جانبي تلك الحدود ويتبادلون النيران..
  •        كما يحاول أعداؤنا جعل الحرية (المعادية للأنظمة التي تخالف سياساتهم فقط) شعارا من شعارات متطلبات الهوية.

وفي نفس الوقت يدافعون بقوة عن دكتاتورية الأنظمة التي تتحالف معهم.

الطائفية والتعصب الديني في الهوية

تتعدد مفاهيم الطائفية ومجالاتها، ومفاهيم التدين ومجالاته!

وفي المنطقة ، يعتبر الدين هو المجال الأهم، لتوظيفه في الصراعات.

وتتخذ الهوية في منطقتنا نتيجة تحريضه، شكلا من أشكال الرابطة الدينية، يظهر نتيجة تأثير الدين على المجتمع.

وهي في كثير من الأحوال موقف يتبناه حتى الذين لا يفهمون الدين، في مواجهة  طائفة أخرى أو أتباع دين آخر.

ويُعرِّف بعض المفكرين الطائفية أنها: “سلوك التعصب لصالح الطائفة التي ينتمي إليها الشخص، تجاه أتباع الطوائف الأخرى بإظهار التباين معهم”، وتعرف أيضاً أنها تمسك الطائفة بمصالحها ومنظومة طقوسها المشتركة وتعصبها في الحق والباطل مقابل الآخرين.

أما التعصب الديني: هو عدم سماح إنسان ما أو عدم تحمله أن يتدين أخرون بديانة مختلفة عن ديانته، بمشاعر يمكن وصفها أنها ما فوق الحماس.

وإذا تتبعنا التاريخ  من بدايته، نجده مليئا بالعنف الذي نتج عن التدين.

حتى المهاتما غاندي الذي كان يدعو للسلام بين أتباع الديانات، من المسلمين والهندوس، قتله أحد أتباع ديانته بسبب دعوته للسلام، (أي ديانة القاتل هي نفس ديانة غاندي).

الطائفية هي نزعة سياسية لا علاقة لها بالعقائد الدينية أو المذهبية، وإنما استغلت الخلافات المذهبية لأغراض مصلحية بعيدة عن الدين، وتطورت هذه الخلافات لتصبح تعصبا أعمى أشبه بالعصبية القبلية

الدول السنية التي تعاديها أمريكا برهان على ذلك “الجزائر ليبيا روسيا صدام علي عبدالله صالح تونس

وأخذت مؤخرا أبعادا عنصرية لا تختلف عن الفاشية، والنازية بالمعنى الحديث، ولكن بغطاء ديني ومذهبي، يستخدمها سياسيون علمانيون هم أبعد ما يكونوا عن روح الدين والتديُّن الحقيقي، بل يستغلون أبناء طائفتهم لتحقيق أغراضهم السياسية، ومصالحهم الشخصية المادية، والحفاظ على نفوذهم وسلطاتهم في الدولة على حساب أبناء الطوائف الأخرى. ويستثنى من هذا التعريف أتباع الوهابية من التكفيريين. فالوهابية تعتمد على الفقه، المتزمت بآراء ابن تيميه التكفيرية الذي يكاد ينهي كل قول له بعبارة “يستتاب أو يُقتل”، وآراء مؤسس الحركة الشيخ محمد بن عبدالوهاب، في محاربة المختلف عنهم في الدين والمذهب، ويبررون إبادتهم اعتماداً على تفسيرهم التوظيفي للإسلام

ومن المهم الانتباه إلى أن الفاشية والنازية هي أطوار من الرأسمالية في البلدان المتقدمة صناعيا وتجلت في الصراع الإمبريالي على اقتصام العالم. اما الطائفية في محيط النظام العالمي وخاصة في الوطن العربي وتحديدا في فراخها الخليجية فهي في تشكيلات اجتماعية اقتصادية ريعية غير صناعية بعد.

إنها حالة قيام أنظمة هذه البلدان بالتخلص من فائضين :

  • الفائض المالي وذلك بتسخيره للإرهاب في الوطن العربي والعالم
  • والفائض البشري الشبابي الذي تتم تعبئته بالوهابية والتخلص منهم برميه في آتون الصراع الطائفي والمذهبي.

أي ان النازية والفاشية لا ترتكزان على الدين بل على مصالح طبقية راسمالية تحديدا، بينما الطائفية تستغل الدين سياسيا.

لذا دائما أكتب قوى الدين السياسي وليس الإسلام السياسي لأن هذه النظمة والقوى تستخدم الدين كدستور سياسي لها. كما أن هناك قوى دين سياسي في المسيحية أي المحافظين الجدد وكذلك دين سياسي في اليهودية.

أما العنصرية، فهي العداء للبشر والتمييز ضدهم بسبب الاختلاف في الانتماء العرقي، وهو مدان وفق جميع الشرائع والقوانين الدينية والوضعية.

إن العنصرية من جانب  كالدين مسألة ثقافية. ومن جانب آخر هي حصريا أداة للطبقات الحاكمة في تسخير الطبقات الشعبية لتحقيق وتبرير سيطرتها على أمم أخرى، اي ان اساسها مادي. ولكن حين تتم مواجهتها بقوة كما في جنوب افريقيا يتم التخلي عن العنصرية مما يؤكد أنه صنعة لا طبيعة.

العنف الذي أنتجه التدين

الدين اليهودي..

هذا العنف بدأ مع التوراة (كتاب الدين اليهودي)، حيث يقول اليهود إنه بدأ بأمر إلهي مباشر كما في النص التالي في سفر التثنية، الإصحاح 13: 

6 واذا اغواك سرا اخوك ابن امك او ابنك او ابنتك او امراة حضنك او صاحبك الذي مثل نفسك قائلا نذهب ونعبد الهة اخرى لم تعرفها انت ولا اباؤك7من الهة الشعوب الذين حولك القريبين منك او البعيدين عنك من اقصاء الارض الى اقصائها8فلا ترض منه ولا تسمع له ولا تشفق عينك عليه ولا ترق له ولا تستره9بل قتلا تقتله. يدك تكون عليه اولا لقتله ثم ايدي جميع الشعب اخيرا.10 ترجمه بالحجارة حتى يموت.لانه التمس ان يطوحك عن الرب الهك الذي اخرجك من ارض مصر من بيت العبودية .11فيسمع جميع اسرائيل ويخافون ولا يعودون يعملون مثل هذا الامر الشرير في وسطك12ان سمعت عن احدى مدنك التي يعطيك الرب الهك لتسكن فيها قولا13قد خرج اناس بنو لئيم من وسطك وطوحوا سكان مدينتهم قائلين نذهب ونعبد الهة اخرى لم تعرفوها14وفحصت وفتشت وسالت جيدا واذا الامر صحيح واكيد قد عمل ذلك الرجس في وسطك15فضربا تضرب سكان تلك المدينة بحد السيف وتحرمها بكل ما فيها مع بهائمها بحد السيف.16تجمع كل امتعتها الى وسط ساحتها وتحرق بالنار المدينة وكل امتعتها كاملة للرب الهك فتكون تلا الى الابد لا تبنى بعد.17ولا يلتصق بيدك شيء من المحرم.لكي يرجع الرب من حمو غضبه ويعطيك رحمة.يرحمك ويكثرك كما حلف لابائك18اذا سمعت لصوت الرب الهك لتحفظ جميع وصاياه التي انا اوصيك بها اليوم لتعمل الحق في عيني الرب الهك”

وفي سفر الخروج إصحاح 32، يقول الله:

” 10 فَالآنَ اتْرُكْنِي لِيَحْمَى غَضَبِي عَلَيْهِمْ وَأُفْنِيَهُمْ”

وفي سفر الخروج 17: 16 قَالَ الله: “لِلرَّبِّ حَرْبٌ مَعَ عَمَالِيقَ مِنْ دَوْرٍ إِلَى دَوْر” (دور هنا تعني “جيل”)

والعماليق هم نحن..

وفي سفر يشوع 6: 21 يصف قتل أهل أريحا وحتى أنعامهم:

21 وَحَرَّمُوا كُلَّ مَا فِي الْمَدِينَةِ مِنْ رَجُل وَامْرَأَةٍ، مِنْ طِفْل وَشَيْخٍ، حَتَّى الْبَقَرَ وَالْغَنَمَ وَالْحَمِيرَ بِحَدِّ السَّيْفِ”

ورغم أن الدين المسيحي لا يحمل أي دعوة إلى العنف في صفحات الإنجيل.. إلا أن حروبا كثيرة دارت بين المسيحيين الكاثوليك والبروتستانت ، لأسباب قيل للمواطن العادي إنها دينية طائفية، وأهمها حرب الثلاثين سنة في أوروبا في الفترة 1618 ̰ 1648، والتي قتل فيها أكثر من ثمانية ملايين مسيحي، واشتركت فيها كل الدول الأوروبية حتى الدولة العثمانية المسلمة ساندت بعضا منها ضد الآخرين!!

كما أن المسيحيين في المنطقة وبالتحديد في لبنان (جعجع والكتائب) خلطوا التعصب الديني والموقف السياسي في عملية صبرا وشتيلا1982

واليوم تبني حكومة سايكس بيكو جدارا للفصل حول مخيم عين الحلوة!!

Many factors are responsible for this religious fanaticism and insecurity in the society.

These include; religion itself, differences in interpretation of the doctrine within religions, aggressive evangelisms, the claim to monopoly of religious truth and poverty.

المتدين المتعصب يعتقد أن ديانته هي الصحيحة وغير قابلة للمناقشة ولا يتقبل من أتباع الديانات الأخرى أن يتبعوا غيرها.

حتى أصبح دينه هويته التي تتفوق على وطنيته!!

أسباب التعصب متعددة، وبعد القناعة بتفوق ديانة المتعصب على غيرها، يعتقد أيضا أن أتباع الديانات الأخرى مُقصِّرون في عبادة الإله، وأنهم مخطئون لا  يستحقون الجنة، وأن واجبه الأخلاقي والإيمان يفرض عليه تبشيرهم وتغييرهم بأي وسيلة كانت.

والديانات التوحيدية هي الأكثر تأثيرا في هذه المسألة، حتى أن الحكام في كثير من الأحوال، يلجؤون لاتهام التعصب الديني، بتحميله أسباب المشاكل الاجتماعية  والفقر والبطالة والتقصير بالتعليم، ولا يقتربون من  نصوص الكتب المقدسة كما في التوراة، التي توصي بالعنف والقتل، وتوصي على لسان الله أن عبادة أي إله غير يهوه هي أكبر الخطايا التي يمكن أن يرتكبها إنسان.  

القضايا تؤدي إلى إيقاظ الطائفية وليس العكس

في منطقتنا تتحول الطائفية إلى صراع، بسبب توظيف الأعداء لها سياسيًا، فتقتتل الطوائف المختلفة، بالتجاوب مع التحريض الغربي واليهودي الخفي والعلني، وبسبب تحريض المحليين من وكلاء الغرب واليهود.

ويقول الكاتب عبد اللطيف فاروق، في بحث عنوانه (الطائفية… قراءة فى المفهوم ودلالاته):

“تستخدم الكلمة الإنجليزية ““National في الدراسات الأمنية للتعبير عما يتعلق بالوطن أو الأمة فكلمة “Nationalism” تعني الوطنية والقومية ، فحينما نتحدث عن الوطنية والقومية فإننا نشير إلى ظاهرة طبيعية موجودة عند كل المخلوقات ولكنها تميزت عند الإنسان بضرب من الديمومة والتفلسف، فالقومية أساسها التوحد وبالتالي فهي تأتي على النقيض من الطائفية التي أساسها الإختلاف، فمع تراجع الفكر القومي تبرز الطائفية كظاهرة سياسية تفتت كيان الأمة الواحدة؛ فالطائفية هى كل مجموعة لها خلفية دينية أو عقائدية تختلف عن المجموعة الأساسية، وبالتالي فإنها تكون بداية الانقسام والتشرذم إذا ما تم توظيفها سياسيًا كما في الحالة العراقية والحاله اللبنانية.

والإشكالية هنا لا تكمن في وجود الاختلاف، وإنما في القدرة على إيجاد بيئة وأنظمة وقوانين تدير عملية الاختلاف، بحيث يتحول إلى اختلاف تنوع وإبداع، لا إلى اختلاف صراع ودمار.

المواطنة والطائفية والتعصب الديني:

 يرتبط مصطلح المواطنة موضوعيًا بمصطلحات المواطن وعلاقته بالوطن، فالمواطنة تقوم بالأساس على فكرة الانتماء للوطن والولاء للشعب كله في هذا الوطن، ومصالحه، وهى الإطار الجامع لتفاعل المواطن مع وطنه، والاستمتاع بحقوق الإنسان فيه، وهي على نقيض الطائفية التي تقوم على فكرة تفاعل الفرد مع طائفته و وضع مصالحها فى بعض الأحيان على حساب مصالح الوطن الأم كما في حالة لبنان المقتطع من سورية، وإن حاول كثيرون فيه تغطية الطائفية بغطاء المصلحة العامة التي نتج عنها سابقا قتل عشرات الألوف في لبنان!  

إن المواطنة لو احترمت، وبدون تحريض خارجي، تُمثل الحل لمعضلة الطائفية.

 و الطائفية تمثل عقبة أمام تطبيق المواطنة، فالمواطنة بالأساس تقوم على فكرة المساواة بين الجميع و رفض التمييز بسبب الجنس أو اللون أو العرق أو الدين و تحقيق التنمية الشاملة و العادلة في كافة أرجاء الوطن الواحد وإعلاء دولة القانون أى أن الجميع متساوون أمام القانون بغض النظر عن أى اختلاف وفي كل هذا تأتي الطائفية لتكون بمثابة معول هدم يفتت كل ما يمكن أن تحققه المواطنة من بناء مجتمع عادل فـتمثل النزعات الطائفية و العشائرية الخطر الحقيقى الذى يهدد  الدولة من الداخل.”

ومهما كانت حدة التعصب الديني والطائفية، فمن الضروري معرفة أنه “ليس الاختلاف الديني والمذهبي والطائفي، هو وحده سبب المشاكل  في المجتمات” بل المشاكل الاجتماعية والطبقية والبطالة والفقر وفساد بعض المستفيدين القريبين  من السلطة، عند الفئات أو الطوائف المختلفة، مع التوظيف السياسي الخارجي لها بالادعاء أنها نتجت عن الدين أو عن الطائفية،  والتحريض والإعلام المعادي الذي يُضخِّمها بطريقة تتناسب مع ثقافة المجتمع، هي التي تثير مشاعر الطائفية والاختلاف والتعصب الديني، كما يحصل في بعض بلدان المنطقة!!

في مصر مثلا، التي لا يصل عدد الشيعة فيها إلى عدد كاف لإيقاظ نعرة الطائفية، لكننا نجد الفتنة بين السنة والسنة، وكذلك في تونس وفي ليبيا.. بسبب المشاكل الاجتماعية والطبقية والفقر والحقوق وفساد الحكام، ومحاولة السيطرة على الحكم من فئات مختلفة..

مثل مفهوم الوطني والقومي والعربي والمسلم.. والكردي والعربي والسرياني.. والأمازيغي

واختلاط العدو الوطني مع مفهوم أهل الكتاب.. والخلافات الطائفية والمذهبية الحادة.. التي تجعل العدو الوطني أقرب عند بعض الناس من المُخالف المذهبي.

كما أن كون العدو الوطني ليس عدوا دينيا مثل اليهود مغتصبي فلسطين والأتراك آخذي الإسكندرون المسروق.. هو من أهم أسباب الخلط والإرباك في المفاهيم السائدة، حتى ان بعض المسلمين يصادقونه، وبعضهم ألدُّ أعدائه، ويقاتلونه بشراسه..

إن الطائفية نقيض الوطنية والقومية وحتى الطبقية. وهي كالفاشية تنتعش في الأزمات الاقتصادية المتحولة إلى اجتماعية.

وبما ان الطائفية هي عداء داخل المجتمع الواحد فأتباعها بالضرورة يحملون قابلية التصالح والتحالف مع العدو القومي. أي لديهم جاهزية الخيانة.

طبقات الطائفية:

لا بد من التفريق بين الطائفية كثقافة أو طقوس وبين الطائفية كنعرة تناقضية مع الآخرين.

فالطائفية تقسم المجتمع إلى مجتمعات لتصبح أمام مجتمعات متقاتلة بشكل أعمى. وعليه فإن الطائفية يمكن أن تقود إلى التطهير العرقي وتقسيم الوطن.

ولكن، يجب ان لا يغيب عن بالنا أن الطائفية هي طبقية اساسا، هي اجتزاء طائفة من المجتمع لها تراتبها الطبقي، اي اغنياء الطائفة وفقرائها. وفي النهاية الموت للقاتل والمقتول من الفقراء بينما يظل البيكوات والمشايخ  في حماية.

 حالات في الهوية

لمزيد من توضيح الهوية، نحلل مزيدا من الحالات!!

(((اقترح هنا العناون التالي:

الهوية في المستوطنات الراسمالية البيضاء.

وهي الولايات المتحدة، كندا استراليا، نيوزيلندة جنوب افريقيا  سابقا والكيان الصهيوني الإشكنازي. فهي حالات استيطانية وليست مجرد هجرات.

الولايات المتحدة الأمريكية

الولايات المتحدة الأمريكية تمثل حالة خاصة من حالات الهوية، مثل أوسترالية، وكندا، لأن كلا منها تتكون من خليط من عدد كبير من  المهاجرين،  الذين أبادوا الغالبية الساحقة من الشعب الأصلي وهو ما صار يسمى الهنود  الحمر الذين أصبحوا محجوزين في محميات، عملهم الأساسي فيها القمار والملاهي،

وكما حمل المستوطنون اليهود معهم إمكانات وتقنية إقامة كيان رأسمالي متقدم، كان قد فعل ذلك المستوطنون في مختلف المستوطنات الرأسمالية البيضاء. لقد جاؤوا بنمط الإنتاج الراسمالي وتقنيته وثقافة العرق الأبيض وهو ما برروا به فوقيتهم ليبرروا ذبح أهل البلاد تلك.

إن المال (أو المصلحة الفردية) يلعب فيها دورا خاصا، وإن بقي مهزوزا، ببقاء الانتماء إلى الأصل، حتى  أن المهاجرين من مناطق مختلفة يقيمون في أمريكا مناطق يسمونها باسم بلادهم التي جاؤوا منها كالمدينة الصينية، وحي السود والإسبان والمكسيكيين. . تجدر الإشارة إلى ان ولايات تكساس وكاليفورنيا وأريزونا هي اراض مكسيكية انضمت إلى الولايات المتحدة، وفيها حركات انفصالية منذ سنين. ومعظم سكانها مكسيكيون.

وهنا يجب ملاحظة أن بعض المفكرين وساسة الولايات المتحدة يخشون من تفكك الولايات المتحدة وخصوصا في تكساس، بسبب سعي اللاجئين المكسيكيين لتركيز تواجدهم في ولاية تكساس التي التحقت بالولايات المتحدة عام 1845.. وبلغ الأمر من الأهمية أن بعض السياسيين يدعون اليوم لإنشاء جدار لمنع المكسيكيين من التسرب إلى تكساس. وقد بني جزء كبير منه من سنوات قرب مدينة سان دييغو في الجانب الأمريكي ليفصل عن المكسيك وهو شبيه بالجدار الذي اقامه شارون في الضفة الغربية.

الهوية العبرية في أمريكا

كتاب نيو انجلش كنعان New English Canaan, 1637 by Thomas Morton والهوية العبرية.

ويمكن ترجمة عنوان الكتاب اعتمادا على محتوياته، (الكنعانيون الجدد للانجليز)، أو (كنعانيو الإنجليز الجدد) لأنه يُشَبِّه الهنود الحمر بالكنعانيين كما يراهم الانجليز غزاة أمريكا وهم العبرانيون.

الكتاب كتب عام 1637، ووضع ملامح هوية الغزاة ونوع العلاقة التناقضية التي تفرض عليهم قتل الهنود الحمر. وما زالوا يعاملون سكان البلاد الأصليين كما يعامل اليهود أهل فلسطين.

 الهنود الحمر )خمسة ملايين اليوم) منحوا الجنسية الأمريكية عام 1924، ومع بقائهم يحملون هوية الغرباء المطلوب سحقهم، ويعيش ربعهم ظروف العالم الثالث في المحميات reservations، وفي أغلبها يعاني أغلب السكان من الازدحام والبطالة كما يقول موقع Native American Aid.. وإن صدرت قوانين بالسماح فيها بإنشاء كازينوهات اللعب للقمار التي تدر بلايين الدولارات على الحكومة.

If you thought these conditions didn’t exist in America today, you are sadly mistaken. In fact, 14,500 enrolled tribal members of the Sioux tribe live on thePine Ridge Reservationin South Dakota, which includes the two poorest counties in the U.S.

حتى التعليم، اضطر  الهنود الحمر لتشكيل الجمعية الوطنية لتعليم الهنود، ليحصلوا على بعض حقوق التعليم  National Indian Education Association(NIEA)

وقبل 1924 كان الهنود الحمر ممنوعين من كثير من حقوق الإنسان، التي حصلوا على بعض منها بعد منحهم الجنسية، مع تحديد مناطق  خاصة لهم للصيد، ومنعهم من التنقل إلا بتصريح، ولمرات معدودة في السنة، رغم هويتهم الرسمية كأمريكيين! تماما كما يفعل  اليهود مع الفلسطينيين..!

.

في كتابه “من نحن؟ التحديات للهوية الوطنية الأمريكية”، يسمي المفكر الأمريكي صموئيل همنجتون  Samuel Phillips Huntington، سكان أمريكا “أمة من المهاجرين”  nation of immigrants

ويقول إن العقيدة البروتستانتية تركز على وعي الفرد الذي يعتمد على الكتاب المقدس، وهي مصدر التزام الأمريكيين بالفردية individualism!!

ويقول إن الفكر البروتستانتي يركز على أخلاق الفرد وعلى مسؤولية الفرد عن نجاحه أو فشله في الحياة.

وأن الفكر البروتستانتي يعزز المعارضة للتنظيم والتسلسل الهرمي hierarchy

ولافتراض أشكال مشابهة من الديموقراطية يجب تطبيقها في الحكومة.

هذا التشابه يؤكد افضلية مصطلح الدين السياسي او تسييس الدين بدل الإسلام السياسي لأن كل الديان قابلة للتسييس.

ويقول همنجتون، إن انهيار الاتحاد السوفييتي ترك أمريكا بلا أعداء، والعولمة، والنخب الأكاديمية والمحترفين وتأثير المغتربين، أفقدت أمريكا القدرة على تعريف ذاتها، ويستمر قائلا إن العولمة أضعفت الأمركة، وجعلت الأمريكيين يشعرون أنهم مواطنون عالميون وليسوا أمريكيين.    

ويكتشف همنجتون  أن عقيدة الانتماء الأمريكا لا تكفي لتعزيز الهوية الأمريكية،  وأن أمريكا يمكن أن تنهار إذا لم يساهم الأمريكيون في تعلم نمط الحياة الأمريكية واللغة الإنجليزية والثقافة البروتستانتية والانتماء لأمريكا أولا قبل هوياتهم الوطنية الأصلية!!

التحول إلى البروتستانتية!!

ويصف هوية أمريكا أنها دولة تمتاز أنها متدينة قامت على أساس أنها بروتستانتية.

الفردية عمادها..

الهوية الأمريكية تعيش أزمة..

وخروجها منها يتطلب خلق الأعداء لتوحيد  أمة المهاجرين ضد الأعداء الخارجيين.. ..(هنا بيت القصيد، الراسمالية تخلق الأعداء، اولا العداء لكل شعب واستغلاله، العداء للآشتراكية ثم اختلاق العداء للإسلام، واليوم ضد البريكس)

الهوية الأمريكية تعيش أزمة الألوان: أصفر أحمر أسود أبيض وربما تصدر لها أوسترالي الأخضر يوما ما!! وفي كل أسبوع تقريبا، يقتل شرطي أبيض ديموقراطي مواطنا أسود في شوارعها.

الهوية الأمريكية تعيش أزمة الدين.

الهوية الأمريكية تعيش أزمة فقدان الإنسان إحساسه بقيمة غير القيمة المالية.

الهوية الأمريكية تعاني من أزمة ديموقراطية الحزبين.

الهوية الأمريكية تعاني من أزمة المخدرات.

الهوية الأمريكية تعاني من أزمة أختيار حلفائها الفاسدين.

ألهوية الأمريكية تعاني من كثرة أعدائها.. لكنها بالقوة مستمرة.. وبالإعلام.. وبضعفنا أمامها..

مع ملاحظة أن الصراع فيها، صراع نابع من التناحر بين الهويات الداخلية، وليس ناتجا عن تحريض خارجي كما في منطقتنا.

الهوية في حالة الهند:

الهند ثارت سلميا على بريطانيا بقيادة المهاتما غاندي، وعندما دخل الدين، قُتل غاندي!! أي أن بريطانيا عملت بمبدأ فرق تسد، حين انتصر غاندي عليها، عملت على التحريض على  قتله، وإدخال الدين الإسلامي في الصراع، رغم أن الهند فيها ديانات عديدة، ورغم أن قاتله غودس Godse ليس مسلما، وغاندي نفسه ليس مسلما، قتله بتهمة انحيازه للمسلمين عام 1948.. (هذه قابلية الدين حين يتم تسييسه وطوفنته ليسمح بالخيانة، هذا ما حصل في الهند، فانفصلت باكستان بجزئيها شرقي وغربي ثم انفصلتا عن بعضهما والآن الشيعة والسنة في باكستان في مذابح طائفية بدعم السعودية. لننتبه هنا: الاستعمار يحرك الطائفية لكن هناك قابلية محلية لذلك)

أفضل ما قرأت عن هوية المغتربين الهنود في بريطانيا، قول كاتب منهم هو سلمان رشدي: نحن رجال مترجَمون we are  translated men!!، ويكمل قائلا: إنه من الطبيعي أن تضيع بعض الأشياء خلال الترجمة.

تلك العبارة تعبر فعلا عن الضياع والنقص الذي يعاني منه، الذين يغتربون قسرا عن أوطانهم، بفعل الظلم السياسي، طبعا يختلف الوضع عن الذين يشردون جماعيا بسبب اغتصاب أوطانهم كاللاجئين من فلسطين!!

الهوية في حالة ألمانيا

ربما تكون ألمانيا أكثر الدول الأوروبية معاناة من مسألة تعريف الهوية منذ أكثر من قرن، حين كانت تعادي الأرمن وتؤيد الأتراك في عملية إبادتهم،   

أيام هتلر اشتدت جذوة العنصرية النازية ضد كل ما هو غير ألماني، وخصوصا اليهود الذين لم يكونوا يعترفون بوطن، وكانوا يعلنون أنهم لن يدافعوا عن  ألمانيا، وأن اليهودي الفرنسي أقرب لهم من الألماني غير اليهودي، وعمل الألمان على تدريبهم على الزراعة وإرسالهم إلى فلسطين، للتخلص منهم.

في الحرب العالمية الثانية، مات كثير من رجال ألمانيا واختل الميزان الاجتماعي، وازداد عدد النساء عن الرجال مئات المرات مما أحدث خللا في معاملة المرأة، وأصبح لدى ألمانيا عجز في عدد الأيدي العاملة، فانهمر الأتراك عليها، ثم  قُسمت ألمانيا إلى شرقية اشتراكية وغربية رأسمالية، مما أنتج فروقا اجتماعية وثقافية واقتصادية بين الألمان أنفسهم، ظهرت حدتها بعد توحيد ألمانيا عند انهيار الاتحاد السوفييتي، وظهر النازيون المتعصبون  لألمانيا، ثم ذهب اللاجئون من مختلف الأنحاء ألى ألمانيا، من سوريا وإفريقيا وانضمول إلى الأت اك وتجاوزوا المليون في بعض المدن، لتشتد حدة الانقسامات في ألمانيا. ويضاف إلى كل ذلك النخر اليهودي الذي يحاول أن يبقي الألمان تحت  وطأة الشعور بالذنب الذي نشره اليهود بينهم حول تهمة المحرقة الكاذبة.

ومن كل ما سبق، أصبحت الهوية بكل مقاييسها تنخر في المجتمع الألماني:

فهذا عامل أجنبي يسرق المال الألماني بدون مجهود كافِ.

وهذا لاجئ مسلم يرفض الثقافة الألمانية ويرفض حقوق المرأة كما تطالب بها نساء ألمانيا اللواتي كثرت حوادث الاغتصاب بينهن مع توجيه التهم للاجئين.

وفي بعض المناطق انتشر الحجاب والنقاب الغريبان على المجتمع الألماني.

وهذا لاجئ يقبض التأمينات الاجتماعية دون أن يعمل، رغم أن بعض العاملين أنفسهم لا يقبضون مثله، وهذا الألماني الشرقي لا يتمكن من تحقيق مستوى الحياة للألماني الغربي وكلاهما يعيش في برلين نفسها، وهذا اللاجئ المسلم يرفض في ظل حرية العقيدة، أن يغير ثقافته وقناعاته، مما جعل المفكر والكاتب الألماني سكوت جلمور Scott Gilmore يقول:

“بينما يكون من السخف انتقاد الأعراق، لكن من المنطق المبرر انتقاد الثقافة.”

وحتى رئيسة البلاد المنتخبة أصبحت معرضة الآن للمشاكل بسبب الاختلافات في المجتمع الألماني حول استقبال اللاجئين.

ولم يعد من المستغرب أن يتقدم إليك ألماني أصيل (من النازيين الجدد) في القطار أو في البار أو حتى في موقف الباص ليقول لك: “أنت تسرق ألمانيا، وسوف يأتيك يوم للانتقام منك”

 الهوية في حالة إيرلندا

الكاثوليك والبروتستانت في بريطانيا وإيرلندا

الهوية في حالة إيرلندا هي من الحالات الأوروبية التي تُكذب الادعاءات الغربية، حول حرية الفكر  والعقيدة والقتل على الهوية عند الأوروبيين، كما يجب تذكر محاكم التفتيش وأحداث كوسوفو وصربيا أيضا.

وقبل إيرلندا، كانت الطائفية موجودة في سكوتلنداـ لكن بطريقة ليست عنيفة، وإن كانت بين نفس الطائفتين، لكنها تحولت إلى تحديات نوادي كرة قدم وليس إلى عنف مسلح.

سبق وأرسلَتْ إنجلترا البروتستانتية مجموعات من رعاياها البروتستانت ليستملكوا في أيرلندا تمهيدا لضمها، لأن الكاثوليك، وهم سكان إيرلندا، كانوا يرفضون سياسة بريطانيا التي تحررت من تسلط الكنيسة الكاثوليكية التي تمنع الطلاق والإجهاض!!

واشتدت المعارك بين الإيرلنديين البروتستانت والكاثوليك، وبين كاثوليك إيرلندا والبريطانيين، وبدأت المعارك والاضطهاد،  وعاش الإيرلنديون الكاثوليك حياة الفقر، وحاول الكتّاب الادعاء لأن الدين والمذهبية لا شأن لهما بما يحصل، ولكن هولاء كانوا يقولون لا شأن للبروتستانت بما يحصل  لفقراء “الكاثوليك”، واشتعلت ثورة جيش التحرير الإيرلندي IRA الكاثوليكي، واعترفت بريطانيا بانتشار البطالة بين الكاثوليك، واستعملت مصطلحات الهوية المذهبية والطائفية في تعريف أطراف الصراع..

مع ملاحظة أن الصراع فيها كما في أمريكا، صراع نابع من تناحر الهويات الداخلية، وليس ناتجا عن تحريض خارجي كما في منطقتنا.

 صحيح ان الطرفين يستخدمان الدين، ولكن اساس افشكالية اولا قومي وثانيا استعماري انجليزي.

الهوية الشاملة والجزئية في الحالة السورية وحالة فلسطين المقتطعة منها

تنتعش الهويات الجزئية والجهوية والطائفية في حالات/ منها ضعف الدولة المركزية. لنأخذ مثالا عربيا عاما على ذلك، حينما كانت مصر الناصرية تقود المد العروبي لم تظهر كل هذه الفيروسات. وبعد هزيمة 1967 وصعود النفطيات بدأت تهر الطائفية.

وكذلك حين تهدأ المدافع عندما يكون جزء من الوطن مغتصبا، كما في سورية، كانت هناك طوائف ولم تكن هناك طائفية رغم مجاورتها للبنان.

إن القطريات النفطية وهي ايضا طائفية قد كرست القناعة بجاهزية الطائفية لخيانة القُطر وجاهزية القطرية لخيانة الوطنية والقومية.

الحالة السورية هي الأهم في هذه الورقة.. وهي الدافع لكتابتها.

والسبب أن الهوية على أرض سورية الطبيعية هدف غير برئء من أهداف قوى كثيرة غير قابلة للحصر.. من كل القوميات والوطنيات والإثنيات والقوى الرأسمالية والدينية والمجاورة والبعيدة، وحتى الداخلية..

والحالة الفلسطينية ناتجة عن اقتطاع فلسطين من سورية وتقديمها لليهود وتشريد أهلها وخلق هوية اللاجئ المشرد.

إن الحديث عن الهوية السورية خلال اشتعال النار في سورية، بينما القوى تتصارع بعنف والدماء تسيل، ليس سهلا، لأن ما يحدث يستفز العواطف قسرا، ورغم حاجة الإنسان للهدوء عند التحليل، إلا أن ما يحصل في سورية وما يحصل في فلسطين المقتطعة منها، وفي العراق كذلك، يخلط الأمور بشكل يتجاوز القدرة على بناء لحظات من الهدوء المطلوب. والتفكير في مثل هذه الحالات يُشْبه القدرة المطلوبة من قائد عسكري لا يملك إلا أن يفكر خلال  اشتداد المعارك.

الأولوية هنا هي لمناقشة الهويات السورية التي توظفها الإمبريالية واليهودية للتحريض على الاقتتال الدائر اليوم على الأرض السورية.

الهويات في سورية الطبيعية تتعدد بين:

  1. a.     وفي هذا التعريف، لا أرفض علاقة التحالف السياسية أو الطبقية والقومية والثقافية والحقوق التي تربطنا ربطا متينا استراتيجيا مع مُضطَهَدي مصر والبحرين واليمن، تلك العلاقة التي تحتاج لتعريف أدقّ، خصوصا تعريف موقف الحكام والموقف الشعبي من الحكام، بعد أحداث سورية والعراق وسيناء الدموية، ومساهمة السعودية وقطر في إشعال نارها.. وضمت آخرين، لصالح الأعداء بالتحالف معهم، ضمن مفاهيم التغير  الذي أدى إلى تدمير الحجر وقلع الشجر وإبادة البشر.. ولم يلعب  فيها التاريخ المسمى مشتركا، دور دفاعيا بل لعب دورا تدميريا.
  2. b.    وهذا هو الكردي والعربي والسرياني والتركماني يقاتلون بهوية سورية معا متجاوزين هوياتهم الجزئية، لتستمر سورية رغم كل القوى المعادية وحتى العربية منها. ولا ينكر أي منا حق هؤلاء بالاعتراف بأصولهم الإثنية، ويمكن أن تفرض الوطنية فالكردي السوري سوري لكنه ليس عربيا، وإن كان سوريا، إلا  إذا اتفق أن تكون العروبة تسمية وطنية سياسية لا عرقية..  
  3. c.     وكذلك يعيش في سورية السني والعلوي والشيعي والدرزي والمسيحي والآشوري بسلام وحب خالصين..
  4. وفي العراق يقول المحرضون: (الأكراد والمسلمون) في مجال ما ليوحدوا الشيعة والسُنة ضد الأكراد بسنتهم وشيعتهم، لضمان وحدة الطائفتين ضد الأكراد، ثم يقولون (العرب والأكراد)، لضمان الاقتتال الإثني
  5. الفساد.. والفاسدون يعتبرون وكلاء هامين للرأسماليين في الصراع والفتنن فيحمونهم ويدعمونهم
  6. البدون في الكويت:  رغم أن أمريكا جندت ربع مليون من جنودها للدفاع عن العائلة الحاكمة في الكويت، إلا أن الكويت فيها مواطنون ترفض الاعتراف بهم وتسميهم البدون، أي بدون هوية، مخالفة بذلك أبسط حقوق الإنسان. 

ورغم عدم إنكار حقيقة الجذور المشتركة التي تعود بمجموعات كبيرة منا إلى  الجزيرة العربية، إلا أن كثيرين من  أبناء جذورنا اصطفوا مع أعدائنا، بمعرفة ونوايا مسبقة أو بدون معرفة، ومارسوا أسوأ أنواع التخريب والتآمر بحجج مختلفة أهمها الاختلاف المذهبي أو الطائفي،  مما يدفع إلى تقييم  ممارساتهم واتخاذ مواقف منهم مبنية عليها، ومن هذه الممارسات:

–         الوقوف ضد المقاومة

–         التنازل عن الأراضي المغتصبة

–         وعن حق عودة المشردين منها

–         إرسال المخربين إلى سورية

–         تمويل هؤلاء المخربين

–         إستبعاد سورية في الجامعة العربية

–         التنسيق  مع العدو الذي اغتصب فلسطين والجولان  ولواء الإسكندرون

مع ملاحظة هامة، وهي أنه رغم طول مدة الصراع في حالتي سورية وفلسطين، أجرؤ أن أرفع صوتي وأقول إنه من غير  المبرر ولا المقبول صمت الشعوب عن ممارسات حكومات بلادهم، وخصوصا أن المصريين الذين لا تختلف هويتهم عن الباقين قدموا مثالا صارخا في قدرة الشعب على إسقاط الحكومة الطاغية..

مع ملاحظة هامة جدا، هي أن معظم الحكام العرب غير مثقفين ولا يقرؤون الأفكار ولا الفلسفة التي تشكل أساسا في وضع البرامج للوطن وفهم الصراع والأعداء.

ملك السعودية الأسبق خالد كان لا يقرأ ولا يكتب قطعياً، ومبارك لم يقرأ غير كتب الكلية العسكرية!!    

ما يدور في سورية الطبيعية اليوم، من أحداث يجعل اختيار الهويات التي يجب إعطاؤها الأولوية في التحليل والدراسة في غاية التعقيد بسبب التغيُّر الذي تفرضه المواقف مع تصاعد الأحداث وتغيرها.. لأن لون الدم يدفع كثيرين أن ينسوا خلافاتهم وحتى تناقضاتهم، ليتحدوا في وجه من يعمل على إراقة الدم، مما يجعل من الصعب الاستدلال والبرهان..

ولكن يجب وبقوة العمل على  مواجهة الحملات الإعلامية الساعية لتبرير تدمير سورية، وفي فلسطين، بحملة إعلامية مركزة تبين وتشرح أن هذه المعارك تدور على الأرض السورية لكن نيابة عن فقراء العالم.. الذي يهدده نفس الأعداء

وربما يتبين أنه حتى بعض من جعلوا سايكس بيكو بوصلة لهم، دون أن يقبلوا تدمير بلادهم، غيروا مواقفهم جزئيا لأنهم رأوا أن ما يحصل في سورية قد يصيبهم!! وقد دفعهم ذلك إلى مراجعة الذات واتخاذ مواقف تتناسب مع الأحداث..

وفي حين تتصارع الهويات في دول العالم لأسباب ذاتية داخلية، يشترك العالم في تشتيت وتفتيت وتشويه الهويات في سورية.. واستفزازها لتتصارع.. بالتحريض الخارجي وحتى بأدوات قتالية خارجية! وكأن القوى المختلفة ترى في سورية عدوا مشتركا يجب ألا يتمتع بفرصة للبناء والتطور.. وخصوصا أنه يدعم المقاومة ولا يتقبل وجود الكيان المغتصب ولا يتفاوض حول الجولان الذي ورد 62 مرة في التوراة، مرتين باسم الجولان وستين مرة باسم أرض باشان! ولا  حتى يعترف بولاية تركيا على الإسكندرون..

الهويات الجزئية في سورية كثيرة.. لكنها ما كانت تتصارع صراعا دمويا.. كما هي في السنوات الأخيرة التي أوشكت أن تطوي ست سنوات..!

والصراع في أسوأ أحواله تُرجم إلى صراع سياسي بقبول إملاءات سايكس بيكو 1916 ومؤتمر سان ريمو 1920 ومعاهدة لوزان 1923.. في كل الصُعُد. وتمزقت الهوية السورية الشاملة رسميا وعمليا، حتى مع بقاء مجموعات ترفضها نظريا.

الرسالة الدينية لا وطن ولا حدود لها.. في حين أن الرسالة القومية أو الوطنية مربوطة بحدود ووطن..!

المعارضة الداخلية

هذه الفقرة لا تتكلم عن ولا تتعلق بهوية الذين يوصفون بالإرهابيين والمخربين أو عن المستوردين أو المرتزقة

وهؤلاء يتحالفون مع أمريكا وتدعمهم إسرائيل وتركيا.. وكل مكونات الناتو والسعودية وقطر لأسباب يزعمون أنها دينية، وطائفية.

لكن هناك المعارضة الوطنية الداخلية، التي لا تخلو منها إلا الشعوب الخاملة، والشعب السوري ليس خاملا..!  

بالنسبة لهؤلاء الذين يحملون هوية المعارضة الوطنية الداخلية، من الطبيعي أن يتحالفوا  مع بعضهم،  وأن يكون لهم مطالب! لكنهم لا يتحالفون مع العدو.. ولا يخربون وطنهم..

القبلية والعشائرية والإقليمية

التنمية والتقدم الاقتصادي ومن ثم الثقافي والاجتماعي، وهدوء الصراع والمواجهات المسلحة، تقود إلى الأمن والهدوء اللذين يلعبان دورا في إرساء علاقة قبول الآخر، إذا كان الآخر لا يُضمِر نوايا عدائية.. كالتي يضمرها العدو القابع في فلسطين والجولان والإسكندرون.. إن أحد أهم أسباب توازن المجتمعات الأوروبية كامن في أن لديهم ما يخسرونه إذا ما تورطوا في صراعات جانبية محلية..

لكن الأمن والهدوء في حالة طالت مدتهما، يؤديان إلى الاعتياد عليهما، وهو ما يشكل خطر نسيان الأراضي المغتصبة، كما في لواء الإسكندرون، وفي الجولان، أو نسيان المواطن العادي أن هناك أراضي مقتطعة، مثل لبنان والأردن وفلسطين، ويؤدي إلى إخراجها من التفكير بها في حياته اليومية..

كما يؤديان إلى عودة الحياة الطبيعية التي يمكن أن تؤدي إلى نشوء مجموعات ثراء فاحش فاسدة متنفذة أو مجموعات تدعو إلى تثبيت التمزيق مثل دعاة الأردن أولا ولبنان أولا.. وهؤلاء بعض الأطراف الداخلية السورية (من سورية الطبيعية) التي من المفروض أن تشملها الهوية الجغرافية.. لكنهم جعلوا من سايكس بيكو مرجعية تُوجِّه بوصلة قياداتهم توجيها حاسما.. فافترضوا فيها شرعية مُلزمة:

– إما لأسباب تتعلق بالهوية الدينية مثل ميشيل عون وسمير جعجع وأنصارهما (رغم التناقض السياسي بين مواقف الطرفين) والمتطرفين الإسلاميين!!

– أو لأسباب مصلحية مثل الحريري ووليد جنبلاط والعائلة الهاشمية ورجال السلطة في رام الله..

– أو لأسباب يحاولون إخفاءها لكنها قد لا تخلو من علاقات مشبوهة، مثل مجموعة محمود عباس (ابو مازن) وصائب عريقات الذين تحرسهم قوات دايتون والموساد في رام الله..

– أو للأسباب السابقة مجتمعة

حتى أصبحت سايكس بيكو دمغة أو وشما tattoo على جباههم.. عندما تُقرأ  مواقفهم.

الخطوة الأولى في توظيف المخدوعين والحكومات للهوية الجزئية:

– هي الحديث عن الاستقلال والحرية وحق تقرير المصير

– والحديث عن الشخصية الإقليمية، الأكثر خطورة في منطقتنا

– ثم اختيار نبذات من التاريخ  السوري ونسبتها إلى الإقليم، التي، رغم أنها تكون قد حدثت في الإقليم فعلا، لكن حدثت أيام  كان جزءا من سورية.. أي أنه تاريخ سورية.. وليس تاريخ الإقليم!! وخير مثال على ذلك، القائد المقدام “عودة أبو تايه”، الذي يعتبره حاملو شعار الأردن أولا، أردنيا بينما هو مارس بطولاته  قبل أن يصبح الأردن إمارة، وتوفي عام 1924 في حين أن البريطانيين اعترفوا بالإمارة عام 1923..!  أي أن “عودة أبو تايه” ذو هوية سورية وليست شرق أردنية، لأن بطولاته وحياتة كانت قبل  تطبيق سايكس بيكو ونشوء الإمارة..!

يتلو ذلك الهجوم الإعلامي لتعزيز الموقف الانقسامي، بنشر مجموعة من الشعارات، مثل شعار الإقليم أولا، وضرورة حكاية الهوية الإقليمية وحق تقرير المصير (في الساحة الفلسطينية بشكل خاص) وما حك ظهرك مثل ظفرك، وغيرها، وهي تهدف إلى عزل السوريين والتآمر عليهم بدعم رسمي عربي، وعزل الفلسطينيين والاستفراد بهم! وتحرير الآخرين وإخلاء مسؤوليتهم من مشاركتهم الصراع، رغم أن الفلسطيني المستقل أبو مازن  قاوم المقاومة قبل غيره!! والمستقل أبو عمار واجه القتل بلا رحمة.. والمستقل خالد  مشعل وقف ضد الذين أصروا على المشاركة في الصراع والتجأ إلى أعداء الصراع وأصدقاء الأعداء في قطر..! والمستقلة السعودية تقيم العلاقات الطيبة مع إسرائيل..

المزج بين سورية الإقليم وفلسطين الإقليم، مطلوب لأنهما قضية واحدة تشكل الجزء الرئيسي في الصراع، وهما معركة واحدة، لا يدرك أهميتها إلا من يضع كل التاريخ الإنساني أمامه، ويحلل بعمق..

وفي هذا الصراع، فإن القضية الفلسطينية ليست قضية مركزية بل قضية ذات أولوية..

وبالتالي تصبح شخصية من يؤمن بذلك هوية قائمة بذاتها في المنطقة.

ولشرح الاندماج بين قضية سورية الإقليم وفلسطين المقتطعة منها، أذكر أنني نشرت في عمودي الأسبوعي الذي كان لي في جريدة السبيل في عمان، بتاريخ 24 آب سنة 2008، محضر اجتماع دار في نيويورك، بين الخارجيتين الأمريكية والإسرائيلية، اتفقتا فيه على ضرورة الإطاحة ببشار الأسد لأنه يرفض تمرير خط نفط من كركوك إلى حيفا، وهذا قبل ان يبدأ ما سمي بالربيع العربي.. واتفقتا ان تعهدا للأردن أن يمدد الخط عبر أراضيه!!

حالة فلسطين.. المقتطعة من سورية

حالة الهوية الفلسطينية ليست سهلة، حتى في نظر  أكثر المخلصين والمنتمين لفكرة تحريرها.

العناصر التي تدخل أو تُدخَّل في تحليل الهوية الفلسطينية والقوى والأطراف الفاعلة فيها والمتناقضة مع بعضها غير قابلة للحصر عمليا..

والعاملان الأساسيان في خلق هذه العناصر هما:

أولا: وجود شعب بلا أرض يستند إليها، بعد أن شُرِّد منها، غير قابل للفناء كالهنود الحمر وقربه دولة تدعم فعله في مواصلة الحياة، وهي سورية، وبعض المواطنين الذين يؤمنون بحقوقه وبارتباط مستقبلهم بحياته، ويقاومون فناءه بدمائه وهم جماعة حزب الله!!

ثانيا: وجود عملي على الأرض لدولة إسرائيل المصنوعة على أرضه وهي قوية وإن كانت غير شرعية إنسانيا، والناس فيها ليسوا من دولة أُخرى، وليسوا مجرد جيش بل مجتمع كامل محتل، ومع كل جيل من أجياله يزداد التصاقا بها ووحشية في الدفاع عن اغتصابه لها .

ويترتب على هذين العاملين، عالم كامل من العوامل..

  1. مجموعة الهُويات التي تفرض أو يوصف بها هذا الشعب حسب الجغرافيا، فهو مقاوم أو لاجئ،أو مخرب أو إرهابي أو معارض أو غريب أو بديل.. حامل بطاقة صفراء أوبطاقة خضراء.. منظم مع فتح أوحماس.. سلطة أوحماس.. جهاد أوحماس.. إلخ.. وردود فعله وردود فعل الآخرين على كل هوية من هذه الهويات..
  2. لا يُميز في الهويات تمييزا طبقيا وتفترض الوحدة الطبقية رغم أن كثيرين من أغنيائه في الشتات وفي الداخل لا يصطفون إلى جانب فقرائه، ومنهم قيادات السلطة
  3. الإجراءات التي يتخذها مغتصبو الأرض ضده وضد من يدعمه
  4. اغتصاب الجولان بعد فلسطين في إطار ضمان ديمومة الدول المغتصبة.

المغتصبة    

  1. اغتصاب مياه الدول المحيطة
  2. عقد معاهدات مع الدول المحيطة
  3. الدعوة للقرار الفلسطيني المستقل وتسليم صلاحياته لباعة فلسطين مثل عباس وعريقات.. وإجراء المفاوضات العبثية
  4. تحويل المقاومة إلى قضية  جنائية تناقض في أروقة المخابرات بدل قضية إنسانية حقوقية وطنية
  5. حرمان اللاجئين الفلسطينيين من حقوق اللاجئين في القوانين الدولية وتعليمات المفوضية العليا للاجئين بمعرفة الأمم المتحدة والدول المسماة عربية.
  6. إلهاء الناس بجدار الفصل العنصري
  7. تحريض اليسار اليهودي وبعض اليسار العربي علا طرح شعارات غير قابلة للتطبيق
  8. التشجيع على إنشاء فصائل غير فاعلة واختراق بعض الفصائل الفاعلة لعرقلة مشاريعها المقاومة..
  9. 13.اختراق وإفساد القيادات وحمايتها بقوات دايتون، واستخدام الجنس كمت صرحت تسيفي ليفني مع  مسؤول المفوضات صائب عريقات
  10. عمليات  الإبادة التي تستعمل ضد فلسطينيي الشتات كما في أيلول وصبرا وشاتيلا وتل الزعتر
  11. تنازُل بعض الدول المحيطة عن الأراضي التي كانت في عهدتها من وطن هذا الشعب، مثل الضفة الغربية وغزة وتخليها عن مسؤوليتها في تحريرها
  12. محاولة تخريب سورية لدعمها إرادة الحياة لهذا الشعب (وقبلها العراق) ودعم تركيا لتقوم بذلك
  13. محاولة تخريب لبنان عسكريا وسياسيا لوجود حزب الله المقاوم فيه.
  14. نشر شعار الوطن البديل الوهمي في الأردن المقتطع من سورية لبث الفتنة في الضفة الشرقية وما ينتج عن ذلك الشعار
  15. معاداة إيران ودعم السعودية وقطر
  16. تنشيط البنك الدولي وزيادة الديون للسيكرة الاقتصادية على دول المنظقة وتخزين أرصدة الدول الغنية في أمريكا، سورية فقط بريئة من ذلك..
  17. السيطرة على الحكومات والأنظمة الوكيلة وتجنيدها لمحاربة الأنظمة العصية..
  18. التحريض الخارجي والإعلامي المعادي لكل المنطقة بكل هوياتها، الهادفان لتحقيق الفتن والاقتتال
  19. نشر شعارات الإحباط مثل أن الانقسام وعدم المصالحة تعرقلان القضية، بدل الوقوف إلى جانب المقاومة ضد المتخاذلين، وعدم استخدام مصطلح المصالحة!!
  20. القيام بدراسات اجتماعية وإنشاء مجموعات تتمول من منظمات التمويل الأجنبي بل حتى ترشيح بعض المُموَّلين لمناصب مسؤولة، تتمتع بصلاحيات التوقيع
  21. إنشاء تنظيمات إرهابية تخريبية وحثها على القتل على  الهوية
  22. تحويل القضية من قضية وطن كامل بدأت مع سايكس بيكو إلى قضية أرض احتلت عام 1967 ومفاوضات عبثية وتسليم مسؤولياتها إلى رجال يتلقون تعليماتهم من العدو..

27 وغير ذلك…

يضاف إلى ذلك الحجر المفروض (عمليا) على التفكير والفكر الذي يحد من القدرة على التفكير والتحليل لأسباب ظاهرها ديني.

وجود العدو المغتصب وتأثيره

يقول مفكرو اليمين اليهودي..”إنهم لم يعودوا قادرين عمليا على تحقيق وعد الله لهم باغتصاب أرض الميعاد من النيل إلى الفرات.. ولكنهم لإرضاء الله يجب أن يسيطروا عليها سياسيا وعسكريا واقتصاديا وثقافيا، مع أخذ ما يمكنهم منها فقط لضمان اكتمال إسرائيل وضمان ديمومتها.. ويقولون إن ما بقي منها، عليهم أن يغتصبوه منها لضمان ذلك، وهو:

– نصف الأردن حتى خط سكة الحديد الحجازي في عمان

– وبقية أرض بيسان (الجولان إلى السويداء )

– ومياه الليطاني جنوب لبنان.

وبهذا يكونون قادرين على إقناع الله بالرضا عليهم.. إذا حققوا السيطرة على أرض الميعاد.. بدل الاستيلاء عليها.. لأن السيط ة تعادل الاستيلاء وسيفم الله ذلك ويرضى عنهم!!! لأن والسيطرة على سورية إذا تحققت لهم.. هي أساس السيطرة على أرض الميعاد.. التي هي أرض ما بين النهرين المطبوعة بخطين أزرقين على العلم اليهودي..!!!

وأي سيطرة تتحقق بطرق أفضل من التمزيق والتفتيت وإيقاظ الفتن والاقتتال؟..

اليهود من الإثنيات  والأعراق والطوائف والجنسيات المتعددة والمختلفة، يعانون من مشاكل تهدد وحدتهم، لكنها الآن ليست فعالة ولا يُفعّلها أعداؤهم المحيطون بهم والمشغولون بتفعيل الفتن بينهم في سورية ومصر ولبنان والعراق.. واليمن والبحرين وتونس وليبيا..

فهناك يوجد في الأرض المغتصبة ، وفي مناطق مختلفة من العالم، اليهود الشرقيون والغربيون السفارديم والشكناز والأفارقة والآسيويون والعرب المصريون والعرب العراقيون والعرب اليمنيون والسوريون والخزر والناتورة كارتا والسومريون والمتطرفون مثل جماعة غوش أمونيم وكاخ وحراس الهيكل وأكثر من ثلاثين فرقة أخرى دينية وقومية، وهم قادمون من أعراق ومنابت وأصول متعددة ومتناقضة، واليهود المتحولون إلى المسيحية في الخفاء، دون نسيان تعدد لغاتهم وثقافاتهم وعاداتهم.

وتدرك العصابات  الصهيونية واليهودية، أن هذا الخليط من الهويات الذي يحول حتى اليوم دون الوصول إلى تعريف من هو اليهودي، يهدد ديمومتها لو تحركت الفتن فيه، ولا أوضح من عملية قتل  أبا إيبان ومظاهرات اليهود السود على المسألة، ولهذا فهي تقوم يعمليات اسنباقية لإضعاف أعدائها بإثارة الفتن بينهم قبل أن تعاني بدورها من تلك الفتن المدمرة لها إذا تحركت عندها، وما يحصل في العراق وسورية ومصر من أوضح البراهين…

مع معرفة أن  كثيرين من اليهود لا يؤمنون بالانتماء إلى عرق واحد، لأن توراتهم تقول أصلا، إنه  قبل بداية الدين اليهودي، الناس جميعا من رجل واحد وامرأة واحدة هما آدم وحواء!!!! وإن كانوا يتكلمون سياسيا ودعائيا عن السامية..!

في نفس الوقت، لا بد من تحليل الوضع الاجتماعي والطبقات الاقتصادية في مجتمع الاغتصاب الإسرائيلي، ليتبين أن الشكناز يتفوقون بدرجات على الشرقيين اقتصاديا وبالدخل والمساكن.. مع معرفة أن الشكناز أنفسهم يتكونون من طبقات  متصارعة، ككل التجمعات الإنسانية..

ولكل هذا يسعون كل يوم لتعزيز وتأجيج الفتن في سورية.. ذات الهويات المتعددة التي كان أغلبها  متآخيا.. قبل توظيف الدين في الصراع..

 الديموقراطية الغربية الكاذبة  وخطر الانخداع بها

وهوية الذين تحميهم..

هل هي حقيقية، الديموقراطية التي أنشأت القاعدة ثم داعش باعتراف هيلاري كلينتون مرشحة الرئاسة الأمريكية!! والتي أعلنت ندمها لأنها لم تتدخل في الانتخابات التي نجحت فيها حماس..

هل هي حقيقية،  الديموقراطية التي تُنجح جورج بوش مرتين، وهو قاتل أطفال العراق وممزق أفغانستان ومزور نتائج انتخابات ميامي لينجح بفارق بسيط!! والذي اعترف بنفسه بكذب تهمة أمريكا حول وجود أسلحة دمار شامل لدى الشهيد صدام حسين!!

ومثلها ديموقراطية توني بلير في بريطانيا..

وفي نفس الوقت يدعم كلاهما أسلحة الدمار الشامل لدى إسرائيل..!

ويتعهد كل زعمائها ونوابهم بحماية غير محدودة لإسرائيل.!

هل هي حقيقية، الديموقراطية التي تفرض بها ألولايات المتحدة على العالم ألا يحاسب جنودها على أي جريمة حرب يرتكبونها في أي مكان..

هل هي حقيقية،  ديموقراطية الغرب التي يفرضون بها على شعوب العالم تغيير قياداتها وزعمائها ما دامت هذه القيادات لا تخضع لأمريكا وبنوكها.. ويدافعون بها عن الأنظمة الفاسدة..!

ولا يمكن نسيان أليندي في التشيلي وشافيز فنزويلا وعبد  الناصر ولومومبا الكونغو، قبل وبعد صدام حسين.. ومحاولاتهم مع كاسترو عشرات السنين.. ومارتن لوثر كنغ في أمريكا نفسها، وغير هؤلاء..!

ولا ترشيح الأمريكيين للمجرمة هيلاري كلنتون فاسدة الأخلاق لقيادتهم هذه الأيام..

إنها الديموقراطية التي وهبت فلسطين لليهود ووهبت خليج الإسكندرون لتركيا..

الديموقراطية التي صنعت سجن أبو غريب وغوانتانامو وحجزت أموال حلفائها الخليجيين بسبب الخلافات معهم نظريا، وبالأحرى سرقة هذه الأموال!!

الديموقراطية التي تدعم العائلة السعودية وحكام البحرين وقطر.. وكلهم من أعداء حقوق الإنسان..!

والسؤال الأن، مع كل المخالفات التي يرتكبها الغرب ضد حرية الإنسان وحقوقه، هل يمكن احترام هذا النوع من الديموقراطية؟.

 في كتاب “DEMOCRACY: Can’t We Do Better Than That?

وبالعربية: (الديموقراطية: ألا نستطيع أن نفعل أفضل من ذلك) يسأل كاتب الكتاب بوب أفاكيان Bob Avakian، عضو قيادة الحزب الشيوعي الثوري الأمريكي RCP، الذي قضى سنوات في سجون الديموقراطية الأمريكية، هل هي ديموقراطية تلك التي تعمل على أن يكون الناتج القومي الإجمالي GNP Gross National Product  لسكان أمريكا وحلفائها الغربيين أكثر من 10000 دولار في حين يتدنى في المكسيك وأفغانستان وموزامبيق والسنغال ليصبح حتى أقل بخمس وعشرين مرة من ذلك!    

في بريطانيا يزيد عن 35 مرة عنه في الهند..!!

هذا مع الاعتراف أن العامل في هذه الدول الديموقراطية لا يكدح زيادة عن العامل في الدول الفقيرة، الذي يعمل ساعات أكثر..  ليحصل على هذا الدخل الصغير..!!

وبالإضافة إلى ارتفاع الدخل، يرتفع معدل ألأسرة في المستشفيات في الدول الغربية عن 29 سرير لكل 10000 مواطن، في حين ينخفض عن 9 لكل 10000 أو أقل في الدول حتى الحليفة للدول الغربية، مع زيادة الأمراض فيها وانخفاضها في الدول الغربية.

بالإضافة إلى ذلك، وإلى ما ينكشف من فساد الرؤساء الغربيين، مثل فضائح الرشوة الأمريكية المتكررة وفساد ساركوزي فرنسا، الذي كان يرتشي من القذافي.

الديموقراطية الغربية تثق بالفاسدين ليرئسوها..!!

وهذا ما يفسر قبولهم بالفاسدين حلفاء لهم.. وهذا أيضا  تحذير هام جدا من مسايرتهم في معاداة اي زعيم يدعون لمعاداته!! ومن مفاهيمهم وتحديدهم لهوية الزعماء، الذين يعادونهم أو يحالفونهم..

ولا يجب نسيان أن طريقة الترشيح في أمريكا وطريقة تمويل المرشحين من الحزبين الرئيسيين بالملايين، الجمهوري والديموقراطي، لا تتيح فرصة منافسة فعلية لمنافستهما من خارج الحزبين..!! أي ديموقراطية تلك؟؟؟

الديموقراطية التي يخيفها الإعلام أكثر مما تخيفها الصواريخ، والتي تضع حظرا على الفضائيات الصادقة كالمنار وروسيا اليوم وتدعم الفضائيات التي ينفضح كذبها على الهواء مباشرة كالجزيرة، كيف يمكن تصديقها والثقة بها؟

وليس من حق الحاكم الذي يؤمن بصحة برنامجه في الدفاع عن وطنه، وعن قضايا وطنه، أن يقبل بخدعة هذه الديموقراطية ويخوض معركة في صناديق الانتخابات القابلة للتزوير، أو التي يمكن فيها حتى ترشيح من يمكن أن يساعدهم الأعداء على الوصول، بما يملك هؤلاء الأعداء  من أموال وتقنيات تزوير.. فتسقط البرامج الوطنية وينجح الأعداء بالشرعية الدولية التي وضع الأعداء أسسها!!  

Contents

الهُويـــة

المفهوم الفلسفي للهويّة

الطائفية والتعصب الديني في الهوية

العنف الذي أنتجه التدين

المواطنة والطائفية والتعصب الديني:

حالات في الهوية

الولايات المتحدة الأمريكية

الهوية العبرية في أمريكا

الهوية في حالة الهند:

الهوية في حالة ألمانيا

الهوية في حالة إيرلندا

الهوية الشاملة والجزئية في الحالة السورية وحالة فلسطين المقتطعة منها

المعارضة الداخلية

القبلية والعشائرية والإقليمية

حالة فلسطين.. المقتطعة من سورية

وجود العدو المغتصب وتأثيره

الديموقراطية الغربية الكاذبة  وخطر الانخداع بها

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.