مُصْطلحات شائعة … الشمولية، مفهوم ضبابي / الطاهر المعز

الطاهر المعز ( تونس ) – الخميس 25/4/2024 م …  

اخترع أو ابتكر الباحثون في العلوم السياسية مفهوم الشمولية لتحديد طبيعة وشكل ونوع الأنظمة أو القوى السياسية التي توصف بأنها دكتاتورية أو استبدادية أو تَسَلُّطِيّة، وانتشر استخدام هذا المُصْطَلَح بواسطة المنظمات “غير الحكومية” التي تُمَوّلها مؤسسات الدّول الإمبريالية أو شركاتها العابرة للقارات وأثرياؤها مثل جورج سوروس وبيل غيتس ووارن بافيت، وتكمن الغرابة في استخدام هذا المفهوم من قِبَل مفكرين يمينيين بارزين مثل ريموند آرون أو أكاديميون وسياسيون مثل زبيغنيو بريجنسكي، مستشار الأمن القومي الأمريكي الأسبق، وكذلك مؤلفون ومفكرون مصنفون على أنهم “يساريون” مثل إنزو ترافيرسو أو حنا أرندت، ومع ذلك، يظل تعريف الشمولية مجردًا وسطحيًا وغامضًا، ويضع إيديولوجيات مُتنافرة في نفس الخانة، فيصف كلا من النازية والشيوعية كأيديولوجيات وأنظمة “شمولية”، متجاهلاً الاختلافات العميقة في الأصل والتطور والمحتوى الاجتماعي لهذين النوعين من الأنظمة السياسية.




إن الشيوعية نقيض للنازية، وهما نظامان سياسيان متعارضان، وكانت الصّراعُ بينهما عنيفًا، بل مُمِيتًا أثناء الحرب العالمية الثانية، حيث احتلت ألمانيا النازية أجزاء من الإتحاد السوفييتي، الذي حَرّر أراضيه بعد حوالي سنتَيْن من الإحتلال، وتمكن من هزيمة النازية ومن تحرير الأسْرى الأوروبيين من المُحْتَشَدات النازية، ولم تتضامن الأنظمة الرأسمالية المُشاركة في الحرب العالمية الثانية الإتحاد السوفييتي ولم تدعم جُهوده لتحرير أراضيه وأراضي أوروبا الشرقية من ستالينغراد إلى برلين…

تُرَوِّجُ النازية نظريات عُنصُرِية تدّعي تَفَوُّقَ فئة من السكان الأوروبيين أطلقت عليها إسم “العِرْق الآري” بِهدف استعباد الشعوب التي تعتبر في مرتبة دُنْيَا، ومارست ضدّها الإبادة ومنها الشعوب السلافية وفئات أخرى من السكان الأوروبيين مثل اليونانيين والغجر واليهود، بينما تدعو الشيوعية إلى المُساواة بين شُعُوب الكوكب، وأقامت ألمانيا النازية معسكرات إبادة للقضاء جسديًا على الأشخاص (الألمان أو “الأجانب”) من غيْر “الجنس الآري” الذي تَدّعي السلطات الألمانية تَفَوُّقَه على كافة الأجناس الأخرى، وتم تحرير أسرى هذه المعسكرات بنهاية الحرب، من قِبَلِ الجيش السوفييتي، وليس من قِبَلِ جيوش الدول الرأسمالية كالولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وغيرها من الدّول التي كانت تُراقب عن بُعْد احتلال الإتحاد السوفييتي وتدمير بُنْيَتِهِ التّحتِيّة، وأدّت الحرب إلى قتْل حوالي 25 مليون من جنود ومواطني الإتحاد السوفييتي، ولذا لا يُمْكن المُساواة بين الشيوعية والنازية…  

يتعلّل بعض الباحثين بلجوء الإتحاد السوفييتي إلى سجن المُعارضين للإشتراكية، ويعدّون ذلك ضمن مُقومات النظام “الشّمولي” في الاتحاد السوفييتي، غير إن هؤلاء الباحثين يتجاهلون أو يُغَيِّبُون بعض الحقائق، فقد كان السجن أداةً ل”إعادة تثقيف” المساجين ويُؤَدِّي السجناء أعمالا ذات منفعة عامة، مثل إنشاء مراكز حضرية جديدة، وإزالة الشجيرات والأعشاب الطّفَيْلِية في بعض المناطق، أو يعملون في مناجم استخراج المعادن، وبناء السكك الحديدية وخطوط الكهرباء، وفتح مناطق مثل سيبيريا، وتحديث البلاد.

خلاصة القول: لا يوجد أي شبه بين الشيوعية والنازية. أما أولئك الذين وضعوا الشيوعية والنازية في نفس فئة ما أسموه “الشمولية” فإنهم ضد فكرة المساواة بين البشر وهم ضد انْعِتَاق الشعوب المُضْطَهَدَة والفئات الكادحة والمُسْتَغَلّة التي تدافع عنها الاشتراكية والشيوعية.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.