متابعات، نشرة أسبوعية – العدد التاسع والسّتّون، بتاريخ السابع والعشرين من نيسان/ابريل 2024 م / الطاهر المعز
الطاهر المعز ( تونس ) – السبت 27/4/2024 م …
يتضمّن العدد التاسع والسّتّون من نشرة “متابعات” الأسبوعية فقرة بعنوان “في جبهة الأعداء” وفقرة بعنوان هجرة – ضحايا الحروب الفقر عن ضحايا الهجرة عبر الصّحراء الكبرى قبل عُبُور البحر الأبيض المتوسط، أملاً في الوصول إلى أوروبا وفقرة عن اتساع الفجوة بينت الدّول الغنية والدول الفقيرة، وفقرة عن مكافأة النظام المصري من قِبَل الإمبريالية الأمريكية والأوروبية، وتيسير حصوله على قروض بعد مساهمته في التّضييق على الفلسطينيين في غزة، وفقرة عن اكتشافات الغاز في سواحل بلدان شرقي إفريقيا، منذ أكثر من عقد، وعدم استفادة المواطنين منها، وفقرة عن ارتفاع حجم دُيُون البلدان الأشد فقرًا، وفقرة عن زَيْف الحياد السويسري المَزْعُوم، وفقرة عن توسيع نطاق الحرب، بمناسبة الذّكرى الخامسة والسّبعين لحلف شمال الأطلسي…
في جبهة الأعداء – عَدُوّ طَبَقِي وقَوْمِي
دعا مجلس الشيوخ الفرنسي، يوم الثاني من آذار/مارس 2024، باتريك دراهي، المؤسس والمساهم المسيطر في شركة الاتصالات والكابلات (Altice) التي تمتلك فروعًا في عدد من البلدان أهمها فرنسا والولايات المتحدة، ومالك شركة الإتصالات الفرنسية ( SFR ) بشراكة مع “فيفندي” العالمية ( Vivendi International )، وهي واحدة من أهم شركة اتصالات في فرنسا وأوروبا، ويمتلك المحطات الإعلامية ( BFM ) و ( RMC ) و وشركة “HOT” للاتصالات، وهي أكبر شركة في فلسطين المحتلة في مجال الاتصالات والإنترنت والشركة الإعلامية الصهيونية (I24News ) في فلسطين المحتلة، وعدد من الصُحُف ومن بينها ( L’Express ) وصحيفة ( ليبراسيون – Libération ) التي أسسها جان بول سارتر، ويمتلك شركة (Hot ) وهي أكبر شركة للإتصالات في فلسطين المحتلة، و “برتغال تيليكوم”، وهي من أكبر شركات الاتصالات في البرتغال، غيرها، وتمتد أصول دراهي إلى شركات النطاق العريض والهواتف المحمولة والإعلام في فرنسا والولايات المتحدة والبرتغال وفلسطين المحتلة، بالإضافة إلى دار مزادات سوثبي وربع ثروة بريتيش تيليكوم (حوالي 14 مليار دولارا)، وتوظّف شركاته نحو خمسين ألف موظف في عشر دول، وتم دعوته للمشاركة في جلسة استماع حول تركز ملكية وسائل الإعلام في البلاد، وذلك بعْدَ نَشْرِ مجموعة من المُقَرْصِنِين الروس ( آب/أغسطس 2023) مئات الآلاف من الوثائق عبر الإنترنت عن “إمبراطورية” باتريك دراحي، وهو ملياردير تقدّر ثروته بنهاية 2023 بنحو 12 مليار دولار، وله نفوذ كبير في فرنسا، فضلا عن استثماراته في الولايات المتحدة وسويسرا والكيان الصهيوني الذي اختار جنسيته بعد تخلّيه عن الجنسية الفرنسية التي اكتسبتها عائلته التي تعاونت مع الإحتلال الفرنسي بالجزائر والمغرب، حيث وُلِدَ وحيث كانت أُسْرَتُهُ تعيش وتُقيم، وتعاونت عدة مواقع فرنسية للتحقيق في هذه التسريبات التي شملت مئات الآلاف من الوثائق المخترقة بعد أن فشلت في ابتزازه، ونشر موقع ( Reflets.info) في بداية شهر أيلول سبتمبر 2023 سلسلة من التحقيقات بعنوان “دراحي ليكس”، ردّ عليها محامو الملياردير الصهيوني بحملة أدّت إلى وضع الموقع تحت “الرقابة الوقائية” بذريعة عدم احترامه مبدأ “سِرِّيّة الأعمال” وهو قانون وُضِع للإلتفاف على قانون حرية الصحافة والإعلام، دافع عنه الرئيس إيمانويل ماكرون لحماية الشركات متعدّدة الجنسيّات وكبار الأثرياء ولحَظْر نشر سرقاتهم وفضائحهم، وانضمّت مواقع أخرى من بينها “ستريت برس” و “بلاست” إلى التحقيق في الوثائق المُسَرَّبَة التي تضمنت شراء الذّمم والتهرب الضريبي، وضُعْف رواتب ومكافآت العاملين، والدّعم الذي تلقاة “امبراطورية باتريك دراهي” من قِبَل ذوي النّفوذ السياسي، بفضل شبكات النفوذ والمحسوبية التي أَسَّسَها، ورفضت شبكة التحقيق نشر أي معلومات عن الحياة الخاصة لعائلة الملياردير الصهيوني، واكتفت بتقديمه بصفته “شخصية عامة مُؤثرة على حياة الفرنسيين بفعل امتلاك وسائل الإعلام، وبفعل اعتماد دراهي في تضخيم ثروته، في العديد من البلدان، على القروض والمال العام”، وبلغت الدّيون المُستحقّة على شركة الإتصالات “ألتِيس” 24 مليار دولارا بنهاية سنة 2023، فيما تبلغ قيمة الدّيون المُستحقّة على جميع شركاته ستِّين مليار دولارا.
هاجرت أُسْرة باتريك دراهي من الجزائر عند الإستقلال (لأنها اختارت صف الإحتلال الفرنسي وحملت جنسيته) إلى المغرب ثم إلى فلسطين المحتلة لتشارك في استيطان وطن الشعب الفلسطيني، وهو يحمل أربع جنسيات، من بينها جنسية الكيان الصهيوني، وتم تكريمه في القدس ( 18 آذار/مارس 2015) ودعمته مجموعات الضغط الصهيونية والسياسيون الفرنسيون لتعظيم ثروته بجميع الطرق المشروعة والملتوية، وتمكّن من التحايل والتهرب الضريبي عبر تخصيص مبالغ هامة تحت عنوان “العمل الخيري” المُتمثّل في تحويل هذه المبالغ في شكل هبات وتبرعات للمستوطنات الصهيونية، لأن دراهي يدعم جمعيات المستوطنين والجمعيات الصهيونية في الولايات المتحدة وأوروبا، تحت لواء “العمل الخيري”، بينما قُدِّرت ثروته المُعْلَنَة بأكثر من 12 مليار دولار وهو عاشر أغنى أثرياء فرنسا، وبترتبة الـ18 الأكثر ثراءً في سويسرا وثاني أغنى رجل في فلسطين المحتلة، وهي البلدان التي يحمل جنسياتها، إضافة إلى ثلاث جنسيات أخرى، ويدعم أنشطة بحثية أكاديمية وعلمية ودينية متطرفة وتبرعات لرفاهة الجيش الصهيوني ويُمول أنشطة إعلامية ( بروباغندا) لتحسين صورة الكيان الصهيوني في إفريقيا (ومن بينها المغرب تونس وساحل العاج والسينغال…) والوطن العربي .
تضخّمت ثروة باتريك دراهي من خلال الاقتراض المكثف، في أوروبا وأمريكا الشمالية، ويقول خبراء المال وقطاع الإتصالات – وفق الوثائق المُسَرّبة – أن قيمة أسهم الشركتين القاريتين التابعتين لدراهي ( ألتيس فرنسا وألتيس إنترناشينال) منخفضة أو مُنعدمة، بل تقلصت القيمة السوقية لشركة – Altice USA – مُشَغِّل الكابلات، من عشرين مليار دولارا سنة 2020 ، إلى حوالي مليار دولار بنهاية سنة 2023، فقد ابتلعت أقساط الفائدة الحصة الأكبر من التدفق النقدي التشغيلي الذي تولده أعمال دراهي الأوروبية.، لأن متوسط سعر فائدة قروض الشركتَيْن بلغ 6% من قيمة القروض التي يحين استحقاق قسم كبير منها سنة 2027، وتبحث إدارة الشركتَيْن إعادة التمويل بمعدلات فائدة أعلى بكثير، إن وجدتا من يوافق على إقراضهما.
يمكن للقضاء الأوروبي، وخصوصًا الفرنسي، أن يقرر أن الملياردير دراهي قد ارتكب “عملية الاستغلال الاجتماعي”، أي إساءة استخدام أصول الشركة، غير إن هذا الرجل الثري يحظى بدعم من أعلى هرم السّلطة في فرنسا وفي الكيان الصهيوني ومجموعات الضغط المُقربة من التيارات الصهيونية لكي يتجنّب عملية إعادة الهيكلة بإشراف القضاء، في صورة فشل الإتفاق بين شركات دراهي والمُقْرِضِين، وفق موقع “بريكنغفِيُوز” ( Breakingviews )
هجرة – ضحايا الحروب الفقر
على مدى العقد الماضي، قامت المنظمة الدولية للهجرة التابعة للأمم المتحدة، على مدى العقد الماضي، بجمع بيانات عن وفيات المهاجرين غير النّظاميين، ونشرت أحدث أرقامها في بداية شهر نيسان/ابريل 2024، وعلى مدى السنوات العشر الماضية، لقي ما لا يقل عن 64371 امرأة ورجلاً وطفلاً حتفهم أثناء التنقل، توفي نصفهم في البحر الأبيض المتوسط، وتوفي سنة 2023 حوالي ثمانية آلاف، وفي المتوسط، يموت واحد من كل ثلاثة مهاجرين يفرون من مناطق النزاعات المُسلّحة، وتشير منظمة الهجرة الدّولية إن هذه الأرقام أقل بكثير من الأرقام الحقيقية، نظرًا لصعوبة إحصاء عدد القتلى والمفقودين، خصوصًا في الصحراء الكبرى إذ “يعتقد بعض الخبراء أن عدد المهاجرين الذين يموتون أثناء عبور الصحراء الكبرى أكبر من عددهم في البحر الأبيض المتوسط” وفق تقرير منظمة الهجرة الدّولية الذي أشار إلى العواصف الرملية التي تخفي أي أثر لعبور البشر والعربات، وإلى استغلال منظمات الإجرام تدمير الدّولة الليبية من قِبَل حلف شمال الأطلسي منذ سنة 2011، لتستخدم المنطقة الواقعة بين النيجر وليبيا والجزائر ممرًّا للعصابات التي تتاجر بالمخدّرات والأسلحة والدّخان وتهريب البشر، ويختفي الكثير من عابري الصحراء، بسبب منهم العواصف الرملية أو اللصوص والمجرمين، ولا يمكن لأحد أن يتتبع حالات الاختفاء هذه، حيث لا أحد يعلم حتى بحدوثها.
يُشير التقرير كذلك إلى تَذَمُّر أوروبا من ارتفاع أعداد المهاجرين، وتحاول الدول الأوروبية بناء حصن في منطقة الصحراء لمنع الهجرة باتجاه الشمال، ووقعت اتفاقيات مع بلدان المغرب العربي لبناء سجون كبيرة واستقبال من تُرَحّلهم دول الإتحاد الأوروبي، وفي الواقع لا تتجاوز نسبة الواصلين إلى أوروبا 10% من العدد الإجمالي للاّجئين والمهاجرين في العالم، ويُهاجر معظم الأفارقة داخل القارة إذْ يعيش 21 مليون أفريقي في بلدان لم يُولدوا فيها، ويعش ما لا يقل عن مليونَيْ أفغاني في إيران، وخلال احتلال الجيش الأمريكي وحلفائه العراق، عاش مليونا عراقي في سوريا التي لم تتلقَّ أي مساعدة خارجية…
قبل عقد من الزمن، حاولت الدول الأوروبية بناء “جدار” أوروبي في الصحراء ضد المهاجرين، واعتقالهم أو صَدّهِمْ قبل وصولهم إلى البحر الأبيض المتوسط، وكانت فرنسا، الرائدة في هذا المجال، قد جمعت، سنة 2014 خمساً من دول الساحل (بوركينا فاسو وتشاد ومالي وموريتانيا والنيجر) لإنشاء مجموعة الساحل الخمس التي موّل الإتحاد الأوروبي حصولها على تقنيات المراقبة (وهي غير قانونية في أوروبا ) لاستخدامها ضد المهاجرين ، وأصدرت حكومة النّيجر، سنة 2015، يجرم الهجرة عبر البلاد، زتزامن ذلك مع اتفاق حكومة النيجر مع الولايات المتحدة لبناء أكبر قاعدة للطائرات بدون طيار في العالم، تم إنجازها في مدينة أغاديز بالنيجر سنة 2016، كجزء من البرنامج العسكري الأمريكي “أفريكوم” وكجزء من هذا البرنامج المناهض للمهاجرين وأصدرت مجموعة “الطب الشرعي الحدودي” دراسة خلال شهر أيار/مايو 2023، عن مسارات المهاجرين واستخلصت إن الصحراء أصبحت مقبرة ضخمة في الهواء الطّلق، بسبب مجمل هذه الإجراءات والآليات…
أدت الانقلابات في غينيا ومالي (2021) وبوركينا فاسو (2022) والنيجر (2023) إلى تفكيك مجموعة الساحل الخَمْس، فضلاً عن المطالبة بسحب القوات الفرنسية والأمريكية، وألغت حكومة النيجر، في نوفمبر/تشرين الثاني 2023، قانون 2015 وأطلقت سراح أولئك الذين اتُهموا بأنهم مهرِّبون، لأن الحكومة تعتبر “إن النيجر منطقة عبور منذ القرن السادس عشر، قبل ولادة أوروبا الحديثة، وإن الأشخاص الذين يأتون هم إخوتنا وأخواتنا، يستريحون هنا ثم يغادرون، دون أن يُسبّبوا مشاكل…” وفق أحد أعيان مدينة أغاديز.
فوارق
تَكْشِفُ البيانات الواردة في تقرير نَشَرَهُ البنك العالمي يوم الإثنين 15 نيسان/ابريل 2024 بيانات تكشف تراجعًا تاريخيًّا للتنمية في الدول الأكثر فقراً، واتساعًا قياسيًّا لفجوة الدخل بين الدول الغنية والفقيرة، واتّساعًا تاريخيا للفارق بين نمو دخل الفرد في 75 دولة من الدول الأكثر فقراً وبين الدول الأكثر ثراء، طيلة السنوات الخمس الماضية، حيث بلغت معدّلات التنمية أضعف مستوى لها منذ 35 سنة، وتتعرض البلدان الفقيرة لخطر ضياع عشر سنوات من التنمية…
يقع أكثر من نصف البلدان المؤهلة للاقتراض من المؤسسة الدولية للتنمية في منطقة جنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا، و14 منها في شرق آسيا وثمانية في أمريكا الجنوبية ومنطقة البحر الكاريبي، ويبلغ دخل الفرد في 31 منها أقل من 1315 دولارًا سنويًا، وتشمل هذه الدول جمهورية الكونغو الديمقراطية ( وهي دولة غنية بالمعادن) وأفغانستان وهايتي، وأصبح واحد من كل ثلاثة من البلدان المؤهلة للاقتراض من المؤسسة الدولية للتنمية ( إحدى مؤسسات البنك العالمي) أفقر الآن مما كان عليه سنة 2019 حيث ارتفعت نسبة السكان الذين يفتقرون إلى القدرة على الحصول على كمية كافية من الأغذية الصّحّية بأسعار معقولة، ويعاني نصف البلدان من ارتفاع خدمة الديون ومن خفض الإنفاق على القطاعات والخدمات الأساسية الضّرورية، إذ ارتفعت حصة سداد الدّيون من ميزانية أربعين دولة سنة 2022، ومن المرجح أن تتفاقم التدفقات الخارجة من هذه البلدان سنتَيْ 2023 و2024، في شكل سداد الدّيون أو تهريب الأموال من قِبَل الأثرياء المَحَلِّيّين ومن قِبَل الشركات العابرة للقارت…
نشرت البرجوازية الكُمْبْرادورية الحاكمة في الدّول الفقيرة أوْهامًا وخطابًا مخادعا مفاده إن البلدان الفقيرة يمكنها “الإقلاع” و”التّطوّر” ويُمكنها “اللحاق بالدّول الغنية” من خلال تبنِّي نمط الإنتاج الرأسمالي، وهو أمر غير واقعي لأن الدّول الرأسمالية المتقدّمة حدّدت قواعد اللُّعبة وجعلت المُستعمرات وأشْباه المُستعمرات في حالة تَبَعِيّة مزمنة، وبالتّالي لا يمكنها التّطور دون القطع مع النّمط الرأسمالي، وتؤكّد بيانات تقرير البنك العالمي ذلك، إذْ ” لا يوجد تقارب، بل تباعد… وتراجع هيكلي خطيرا للغاية، وتحول في العالم… ” وفق تصريح أحد مُعِدِّي التقرير لوكالة رويترز يوم 16 نيسان/ابريل 2024
مصر – مكافأة هزيلة
كافأت الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي نظام مصر الذي شارك في حصار الشعب الفلسطيني، لدعمه لدى صندوق النقد الدولي الذي أعلن يوم السادس من آذار/مارس 2024 توقيع اتفاق قرض مالي بقيمة ثماني مليارات دولارا، بدل ثلاثة مليارات دولارا تم الإتفاق عليها في كانون الأول/ديسمبر 2022، وأعلن المصرف المركزي المصري يوم الثالث من نيسان 2024 ، ارتفاع احتياطات النقد الأجنبي للدولة من 35,31 مليار دولارا بنهاية شهر شباط/فبراير 2024 إلى 40,36 مليار دولار بنهاية شهر آذار/مارس 2024،، شَرْطَ تنْفِيذ برنامج إصلاحات اقتصادي، بالتزامن مع تحرير سعر صرف الجنيه الذي تراجع سعره في السوق الرسمية إلى خمسين جنيه مقابل الدّولار، وأعلن الإتحاد الأوروبي، يوم الجمعة 12 نيسان/ابريل 2024، تقديم “مُساعدات” ( وهي قُروض وليست مُساعدة) مالية قصيرة الأجل بقيمة مليار يورو (1,07 مليار دولار) لدعم استقرار اقتصاد البلاد، وهي جزء من قروض أوروبية بقيمة خمس مليارات دولارا خلال الفترة من سنة 2024 إلى 2027، لِمعالجة وضع المالية العامة المتدهور لمصر ولتلبية احتياجاتها المالية من العملات الأجنبية إثر انخفاض إيرادات قناة السويس، وقَدّم الإتحاد الأوروبي قائمة من الشّروط السّياسية، ومن بينها “اتخاذ خطوات ملموسة وذات مصداقية باتجاه احترام الآليات الديمقراطية وسيادة القانون وإرْساء نظام برلماني متعدد الأحزاب، وضمان احترام حقوق الإنسان…”، وورد في بيان سابق للإتحاد الأوروبي إنه اتفق مع نظام مصر على تعزيز التعاون من أجل خفض تدفق المهاجرين المَحَلِّيِّين أو القادمين من مناطق النزاعات المُسلّحة في إفريقيا، فيما يُعاني الشعب المصري من ارتفاع نسبة الفقر ومن ارتفاع أسعار السلع والخدمات الأساسية ونسبة التّضخّم إلى أكثر من 36% ويُتوقّع أن تظل نسبة التّضخّم مرتفعة حتى أخر السنة، بفعل رَفْع الدّعم وارتفاع أسعار الوقود تطبيقًا لشروط صندوق النقد الدولي الذي اشترط منذ سنة 2023 رفع الأسعار المحلية إلى المستويات الدولية، وأدّى ارتفاع الأسعار وضُعْف قيمة الجُنيه إلى ارتفاع نسبة الفُقراء والمُعرّضين للفقر بأكثر من 60% من المواطنين، أو حوالي 31 مليون مصري ومصرية سنة 2021، وفق بيانات البنك العالمي التي أشارت إلى انخفاض مُدّخَرَاتِ الأسر، نتيجة انخفاض قيمة العملة وارتفاع الأسعار…
الغاز في سواحل شرقي إفريقيا
تمتلك العديد من البلدان الإفريقية احتياطيات ضخمة من النفط والغاز الطبيعي واليورانيوم والذهب والفحم وغيرها من المعادن، وبدأت شركات صغيرة التنقيب عن الغاز والنفط في سواحل إفريقيا، ولما اكتشفت كيات ضخمة اشترت الشركات الكُبْرى حقوق التنقيب والإستخراج والتّسويق، وأعلنت شركات الطاقة منذ 2012 اكتشاف كميات كبيرة من المحروقات في سواحل المحيط الأطلسي بين خليج غينيا وموريتانيا، ويقدر احتياطي نيجيريا من الغاز بنحو 186 تريليون ثدم مكعبة، وكذلك في سواحل إفريقيا الشرقية، ولو تم استغلال كميات الغاز المُكتشَفة من قِبَل هذه الدّول وإنفاق إيراداتها على برامج النّمو لتحولت من أفقر دول العالم إلى أثْراها، وقدّر تحليل نشرته وكالة رويترز (20 أيار/مايو 2012) حجم الاكتشافات الجديدة التي أُعْلِنَتْ منتصف أيار/مايو 2012، قبالة سواحل تنزانيا وموزمبيق بما يعادل استهلاك فرنسا وألمانيا وبريطانيا وايطاليا من الغاز لمدة عام على الاقل، واكتشافات أقل حجما في أوغندا وكينيا، غير إن فساد طبقة البرجوازية الكمبرادورية الحاكمة في هذه البلدان جعلت موارد المعادن والطاقة تُساهم في تفاقم الفساد، بدل تحسين مستوى معيشة المواطنين، فيما استفادت شركات “غربية”، من بينها مجموعة بي.غي البريطانية المنتجة للغاز واناداركو بتروليوم الامريكية للتنقيب عن النفط ومجموعة ايني الايطالية للمحروقات، وقدّرت المجموعة الأمريكية “انداركو بتروليوم” احتياطيات الغاز قبالة سواحل موزمبيق بنحو مائة تريليون قدم مكعبة (2,8 تريليون متر مكعب) أو ما يعادل احتياطي ليبيا المؤكد، وقدّرت شركة إيني الإيطالية احتياطيات منطقة تنقيب مُجاورة بأكثر من 52 تريليون قدم مكعبة من الغاز، وتستغل شركتا بي.غي واكسون موبيل وشتات اويل منطقة ثالثة بها نحو عشرين تريليون قدم مكعبة، وقدّرت هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية إجمالي احتياطي سواحل كينيا وتنزانيا وموزمبيق بنحو 253 تريليون قدم مكعبة من الغاز قبالة سواحل كينيا وتنزانيا وموزمبيق حسب تقديرات هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية.
لا تتجاوز الميزانية السّنوية لدولة كينيا ثلاثة عشر مليار دولارا وتنزانيا ثمانية مليارات دولارا وموزمبيق أربعة مليارات دولارا، وتطمح موزمبيق أن تصبح من اكبر ثلاث دول مصدرة للغاز الطبيعي المسال في العالم، لتنافس الجزائر بعد عقدَيْن أو ثلاثة، بفعل انخفاض تكلفة بناء مصانع التّسْيِيل، مقارنة بدول أخرى مثل استراليا، وقد ترتفع إيراداتها من صادرات الغاز من نحو أربعة مليارات دولارا سنة 2015 إلى نحو ثلاثين مليار دولارا سنويا، في بلد لا يتجاوز معدل الدّخل الفردي السّنوي لسُكّانه أربعمائة دولارا، غير إن البلدان الإفريقية عمومًا لا تحصل سوى على فُتات تستفيد منه بعض الشركات المَحَلِّيّة المتعاقدة من الباطن…
أدّى اكتشاف كميات كبيرة من الغاز في موزمبيق إلى ارتفاع الإستثمارات الأجنبية، غير إن هذه الإستثمارات بقيت محصورة في قطاع الطاقة، بفعل ارتفاع حجم احتياطات الغاز الطبيعي، ولم يتم الإستثمار في تطوير البنية التحتية والموانئ ووسائل نقل السّلع وشبكة الكهرباء والطاقات البديلة، رغم وفرة الشمس والمياه والرياح، وبقي الإقتصاد تقليديا يعتمد على الزراعة وصيد الأسماك والتعدين، ولم يُؤَدِّ الإستثمار في الطّاقة إلى توفير الشُّغْل وتطوير التّدريب والمهارات أو تحفيز النُّمُوّ والحَدّ من الفقر…
يتم استغلال مصادر الطاقة في موزمبيق من قِبَل شركات عابرة للقارات مثل توتال إنيرجي، وهي شركة طاقة فرنسية متعددة الجنسيات استثمرت عشرين مليار دولار، وشركة إيني الإيطالية، وشركة إكسون موبيل الأميركية، وشركة النفط الوطنية الصينية، وقالب وكوغاز الكورية، وتركزت استثمارات هذه الشركات في حوض روفوما قبالة سواحل موزمبيق، لإنتاج وتسييل وتسويق الغاز الطبيعي إلى أوروبا منذ تشرين الثاني/ نوفمبر 2022، بعد تطبيق أوامر الولايات المتحدة لحظر شراء الغاز من روسيا، لتبلغ قيمة مبيعات موزمبيق من الغاز الطبيعي سنة 2023، أكثر من 1,7 مليار دولارا، وهو مبلغ صغير غير إنه يفوق ثلاثة أضعاف قيمة مبيعات 2022…
ديون
ارتفع حجم الدَّيْن العالمي إلى مستوى قياسي بلغ 226 تريليون دولار وارتفعت قيمة الديون الخارجية للدول الفقيرة ومتوسطة الدخل، منتصف سنة 2023 إلى ثماني 8,7 تريليونات دولارا، وهو أعلى مستوى لها على الإطلاق، وفق تقديرات البنك العالمي الذي أشار تقريره إلى عجز العديد من الدول الفقيرة عن سداد ديونها، ما اضطرها إلى خفض الإنفاق على الرعاية الصحية والتعليم والمرافق الأساسية، واضطرت 91 دولة من الدول الأشدّ فَقْرًا إلى تخصيص 16% من إيراداتها لسداد جزء من ديونها، بسبب الارتفاع الحاد في تكاليف القروض الخارجية، وارتفاع أسعار الفائدة، وذكَّر البنك العالمي بما حصل لدولة سريلانكا التي عجزت عن سداد ديونها سنة 2023، وتُخصص 75% من الإيرادات الحكومية لسداد الدّيون سنة 2024، كما تخلفت زامبيا عن سداد ديونها الخارجية سنة 2020، وغانا سنة 2022، وواجهت باكستان نفس خطر عدم الوفاء بالتزاماتها المالية، قبل اقتراض ثلاثة مليارات دولارا من صندوق النقد الدولي، وما يصحبها من شروط مُجحفة…
أدّى تعدّد حالات التعثر عن سداد الديون إلى مطالبة الدّائنين، من قِبَل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، بتخفيض الديون الخارجية ل52 دولة من الدول “الفقيرة والنامية ” بنسبة 30%، “لتَجنُّبِ أزمة تنمية واسعة النطاق”.
سويسرا، حياد كاذب
بعد انضمام السويد وفنلندا إلى حلف شمال الأطلسي، قرّرت سويسرا – التي تدّعي “الحياد” منذ سنة 1815 – استضافة مكتب للحلف في جنيف بإشراف ضابط عسكري، وقدّم حلف شمال الأطلسي هذا المكتب باعتباره “جهة اتصال متعددة الأطراف مع المنظمات الدولية” وللحلف مكاتب مماثلة في فيينا ونيويورك…
أظهرت سويسرا – التي تضم حكوماتها اليمين المتطرف في مناصب سيادية – إنها ليست محايدة، رغم تضمين الحياد في الدّستور، بل تلعب دورها كاملا كدولة رأسمالية تصطف وراء مواقف الولايات المتحدة، زعيمة الصّف الرّأسمالي وحلف شمال الأطلسي، بخصوص القضايا الدّولية، ومن بينها قضايا العرب، ويُعْتبر الموقف الحكومي والإعلامي – الذي يخلق “الرّأي العام” – منحازًا إلى التّشدّد ضد طالبي اللجوء ويؤيد الانضمام إلى منظمة حلف شمال الأطلسي بنسبة 53% وفق استطلاع حديث…
استفادت سويسرا من إعلان حيادها السياسي والعسكري في أعقاب حُروب وهزيمة نابليون ( 1815) حيث تم اختيارها مَقَرًّا للعديد من المنظمات، ووكالات الأمم المتحدة المتخصصة، وموظفي الخدمة المدنية الدولية في جنيف، منذ تأسيس عصبة الأمم بنهاية الحرب العالمية الأولى، وتحولت سويسرا، وخصوصًا مدينة جنيف، إلى مركز هام للتّجسُّس، بفعل وجود 180 بعثة دبلوماسية، وأكثر من أربعين منظمة دولية و750 منظمة غير حكومية، وكانت سويسرا ميدانا مفتوحا لنشاط الإستخبارات الأمريكية، من مكتب الخدمات الاستراتيجية (OSS)إلى خَلَفِه وكالة الإستخبارات المركزية، أما بالنسبة للتعاون العلني مع حلف الناتو فإن سويسرا عضو في الشراكة من أجل السلام التابعة لحلف شمال الأطلسي منذ 1996، وتتضمن هذه الشراكة “تطوير التعاون في مجالات جديدة كالتكنولوجيا والابتكار والقدرة على الصمود والدفاع السيبراني وتعزيز التنسيق بين القوات الجوية وأنظمة الاتصالات…”
تعود بعض مؤشرات زَيْف الحياد السويسري إلى الحرب العالمية الأولى، هناك عدة مؤشرات واضحة منذ 1985، أي ما قبل انهيار الإتحاد السوفييتي، وخصوصًا منذ انضمام سويسرا إلى الأمم المتحدة سنة 2002، وهي عضو غير دائم في مجلس الأمن، فضلا عن تنديد بعض المنظمات بوجود أسلحة سويسرية في مناطق النزاعات المسلحة، وباعت سويسرا سنة 2023 خمسة وعشرين دبابة ليوبارد إلى أوكرانيا وعدد من الدّبّابات إلى ألمانيا، لتُسَلِّمَها بدورها إلى أوكرانيا، وانضمت سويسرا إلى عقوبات الاتحاد الأوروبي ضد روسيا وضد حماس وضد حزب الله…
عززت حكومة سويسرا “المحايدة” التعاون العسكري مع الإمبريالية الأمريكية، واشترت سويسرا طائرات مقاتلة أمريكية من طراز F-25 ، وشاركت وزيرة الحرب السويسرية، فيولا أمهيرد، في اجتماع حلف شمال الأطلسي خلال شهر آذار/مارس 2023 كما أصبحت الحكومة السويسرية تدرس مسألة الإنضمام إلى الشراكة الأوروبية عبر الأطلسي، ما يجعل مفهوم الحياد فاقدًا لمَعْناه…
توسيع نطاق الحرب
ارتفع الإنفاق العسكري بدول حلف شمال الأطلسي الذي احتفل في بروكسل بالذكرى الخامسة والسبعين لتأسيسه، وأَقَرَّ تخصيص المزيد من الدّعم العسكري للكيان الصهيوني ولأوكرانيا وتعزيز دور دول أوروبا الشّرقية المُنْتَمِيَة لحلف شمال الأطلسي، ومن بينها رومانيا والمجر وسلوفاكيا وبولندا وليتوانيا ولاتفيا، في الحرب المفتوحة على روسيا منذ سنة 2014، واستخدام أوكرانيا والدّول المحاذية ساحة للصراع…
تزامن ارتفاع الإنفاق العسكري الأوروبي ( أغلبية أعضاء حلف شمال الأطلسي) وتخصيص مبالغ مُتزايدة لدعم أوكرانيا والكيان الصهيوني ماليا وعسكريا، وزيادة الإنفاق على القواعد الأمريكية في أوروبا، مع خفض الإنفاق الإجتماعي، غير إن إعلام (أو دعاية) نقابات الأُجَراء وأحزاب اليسار الأوروبي لا تَرْبُط بين عدد من الأحداث، مثل: عَسْكَرَة أوروبا وتعزيز حلف شمال الأطلسي وإبادة الشعب الفلسطيني وتدَهْوُر وضع الكادحين والفُقراء في بلدان الإتحاد الأوروبي…
من جهة أخرى، أعدّت الولايات المتحدة استاراتيجيات مشتركة مع النّرويج، قبل انضمام دول شمال أوروبا التي كانت تَدّعي الحياد (فنلندا والسّويد) إلى حلف شمال الأطلسي لتُصبح مِنَصّات جديدة لاستفزاز روسيا، ومستودعات أسلحة وقاعدة لتعزيز الوجود العسكري الأمريكي في القطب الشمالي لعزل روسيا وتطويقها على حدودها، وفق تصريح قائد العتاد الأمريكي كريستوفر موهان الذي أَوْرَدَهُ موقع – Breaking Defense – بتاريخ 05 نيسان/ابريل 2024
تعتبر روسيا إن القطب الشمالي نقطة حيوية في بيئتها الاستراتيجية، ويُشكل وجودها العسكري في المنطقة جزءًا من الدّفاع عن أمنها القومي، فيما تعتبر الولايات المتحدة ودول حلف شمال الأطلسي القطب الشمالي قاعدة للهجوم ضد روسيا وإلحاق أكبر قدر ممكن من الضرر بها، اعتمادًا على الموقع الاستراتيجي للأعضاء الجدد في حلف شمال الأطلسي…
التعليقات مغلقة.