فرنسا- أهوَ “انجراف تسلُّطي، استبدادي” أم الوجه الحقيقي للديمقراطية البرجوازية؟ / الطاهر المعز

الطاهر المعز ( تونس ) – الخميس 2/5/2024 م …

منذ الثورة الفرنسية في 14 تموز/يوليو 1789، ضَمن الدّستور حماية البرلمانيين من الشرطة والملاحقة القضائية لضمان حريتهم في التعبير واستقلاليتهم ولحمايتهم من ضغوط السلطة التنفيذية، ورغم ذلك، استدعت الشرطة القضائية في باريس، يوم الثلاثين من نيسان/ابريل 2024، رئيسة المجموعة البرلمانية لائتلاف “فرنسا الأَبِيّة” (“La France Insoumise”) في الجمعية الوطنية بتهمة”الإشادة بالإرهاب”، وذلك بسبب بيان أصدرتها المجموعة البرلمانية التي تنتمي إليها، يُعارض العدوان الصهيوني على غزة، ويندّد كذلك ب”العنف” الفلسطيني وبحماس، وفيما يتعلق بـ “تبرير الإرهاب”، سبق أن أدانت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان الدولة الفرنسية سنة 2022 بسبب الطريقة التي تفرض بها عقوبات على ما يسمى بـ “الإشادة بالإرهاب”…




“شرطة الفكر” الجديدة؟

استجْوَبت الشرطة القضائية النائبة ورئيسة مجموعة “فرنسا الأبية” ماتيلد بانوت وكذلك المرشحة للانتخابات الأوروبية ريما حسن (فرنسية من أصل فلسطيني)، كل على حدة، لعدة ساعات في مركز الشرطة…

إنها مضايقات تهدف إلى تكميم أفواه المعارضة السياسية وتجريم أي مواطن يدعو إلى “السلام في الشرق الأوسط”. إنها الفاشية الزاحفة منذ عدة سنوات، استهدفت حرية التعبير والتظاهر، حيث تم اتهام عشرات الأشخاص بتبرير الإرهاب، ويتم تفتيش منازلهم واستدعائهم للرد على استجوابات الشرطة، بطريقة سخيفة وغير عادلة على الإطلاق، وهو وضع أثار مخاوف الأديب الفرنسي غوستاف فلوبير، رائد تيار الواقعية (1821 – 1880) عندما كتب قبل حوالي 170 سنة: أن الرقابة هي هجوم على الفكر وعلى عقل الإنسان

تحظر الدولة العديد من الأنشطة السلمية أو المظاهرات أو المؤتمرات وتم إلغاء العديد منها، وتمّت مٌقاضاة مسؤولين نقابيين، حُكِمَ على بعضهم بالسجن والغرامة، بالإضافة إلى المضايقات الإعلامية، ومعاملة المُعارضين السياسيين معاملة المجرمين وتطبق أساليب مكافحة الإرهاب على المعارضين لتوجهات الحكومة، حيث يتم استدعاؤهم إلى مكاتب الشرطة القضائية لاستجوابهم بشأن آرائهم ومواقفهم السياسية، واستدعت الشرطة القضائية ما لا يقل عن 385 شخصا خلال الفترة ما بين السابع من تشرين الأول/اكتوبر والواحد والثلاثين من كانون الأول/ديسمبر 2023، بسبب تعبيرهم عن آراء لا تُجارِي مواقف الحكومة الفرنسية التي تدعم الكيان الصهيوني بشكل مُطلق، دون حدود أو ضوابط، مثل بعض الحكومات الأوروبية الأخرى، وأحيلت مئات الملفات إلى القضاء للتحقيق فيها ومعاقبة “المُتّهمين” بالإختلاف في الرأي مع الحكومة، وتُعدّ هذه المُمارسات استغلالًا لجهاز القضاء، قُبيْل الإنتخابات الأوروبية بهدف التّأثير على نتائجها، بدعم من أجهزة الشرطة ووسائل الإعلام التي دعمت الكيان الصهيوني ودعمت الإعتداء على المُتظاهرين والمُضربين والمُحتجّين، كيفما كان شكل الإحتجاج…  

الدّيمقراطية البرجوازية على المحَكّ الفلسطيني

يسلط تقرير فرانشيسكا ألبانيز، المقررة الخاصة للأمم المتحدة، الضوء على مظاهر ودلائل الإبادة الجماعية التي يُمارسها العدو الصهيوني (المدعوم والممول من الإمبريالية الأمريكية والأوروبية) في غزة (وكذلك في الضفة الغربية)، وحذّرت مُذكّرة محكمة العدل الدولية من خطر الإبادة الجماعية، قبل اكتشاف المقابر الجماعية، وارتفاع عدد الأطفال الذين قتلهم الكيان الصهيوني بأسلحة وقنابل وصواريخ ومتفجرات أمريكية وأوروبية، وتعارض الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أي قرار (أو عقوبة) في الأمم المتحدة ضد الكيان الصهيوني الذي يستخدم المجاعة والمَرَض كسلاح حرب، كما ترفض الأمم المتحدة ووكالة فرانس برس ومنظمة العفو الدولية تصنيف المنظمات الفلسطينية على أنها “إرهابية”، لكن الحكومة الفرنسية تُرِيد إجبار المواطنين على دعم دولة “إسرائيل” الإرهابية وتصنيف الفلسطينيين على أنهم “إرهابيون” بينما هم يتعرضون لحرب الإبادة المكثفة منذ سبعة أشهر، ويرفض الاتحاد الأوروبي تعليق اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي والكيان الصهيوني ويحظر الدّعوة إلى المُقاطعة وسحب الإستثمارات، بل تقوم الحكومات الفرنسية أو الألمانية أو الهولندية أو الإنجليزية بزيادة الدّعم المالي والعسكري والسياسي، وتقوم بملاحقة كل من يصف حرب الإبادة هذه بـ “الإبادة الجماعية”، وفي المقابل تَدْعَمُ المنظمات الصهيونية التي تنظم حملات مضايقة في كل بلدان أوروبا وأمريكا الشمالية وتعرض المناضلون السياسيون والنقابيون وأعضاء الجمعيات والطلبة إلى التهديدات والإعتداءات الجسدية، لمجرد تعبيرهم عن  مناهضة الحرب، وليس بالضرورة لأنهم تضامنوا مع الشعب الفلسطيني…  

خيانة القيادات النقابية

تشكل العديد من الإجراءات والسلوكيات التي يتخذها أعضاء الحكومة الفرنسية (وغيرها من حكومات الدول الأوروبية) اعتداءً على الحريات الأساسية وتتطلب الإحتجاج والتنديد وإدانة هذه المظاهر والمُمارسات الإستبدادية، ولم تمنع هذه الإجراءات القَمعية الإحتجاجات بل توسَّعَ مجال المعارضة لسياسات السُّلْطات الفرنسية، وتوسّع نطاق إدانة العدوان الصهيوني في الجامعات النخبوية كما في أحياء الطبقة العاملة، كما الحال في أمريكا الشمالية وبريطانيا، ومن ناحية أخرى، خذلت قيادات الاتحادات النقابية العاملين وحتى المسؤولين الإقليميين الذين تعرّضُوا للقمع والمحاكمات، ولم تتميز قيادات النقابات الأوروبية، وخصوصًا الفرنسية، بدعمها للشعب الفلسطيني، بل على العكس من ذلك، تحتفظ قيادة أكبر نقابة فرنسية (الاتحاد العام للعمال – – CGTالذي دعم الإستعمار) بعلاقات مميزة مع النقابة الصهيونية “الهستدروت التي هي في واقع الأمر نقابة ورب عمل في الآن ذاته، على شاكلة النقابات الفاشية، ومارست العُنف ضد العمال الفلسطينيين منذ تأسيسها في كانون الأول/ديسمبر 1920 لأنها كانت ترفع شعار “العمل اليهودي” أي تشغيل اليهود فقط لإجبار الفلسطينيين على الرحيل من وطنهم… 

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.