تأثير الحراك الطلابي في الجامعات الأمريكية على المجتمع الأمريكي والعالم / محمد عبد الشكور
إن ما يحدث الآن في جامعة كولومبيا بمدينة نيويورك الأمريكية، والجامعات الأمريكية الأخرى تضامنًا مع أهلنا في غزة ضد الوحشية الإسرائيلية؛ يجعلنا نستغرب حالنا، وما وصلنا إليه من خُنوع وذل، وعدم إحساس بإسلامنا وعروبتنا؛ بل جيراننا.
فما يفعله طلاب جامعة كولومبيا هناك من اعتصام وتظاهر يجعلنا نسأل أنفسنا: أين ذهبت الحركة الطلابية العربية والإسلامية، وأين دورها فيما يحدث في غزة من حرب إبادة جماعية، وتهجير قسري؟
فنحن أَولى بغزة وأهلها من جميع مناطق العالم؛ حيث الدِّين الواحد، والعروبة، والتاريخ والجغرافيا؛ ولكن سبق طلاب جامعة كولومبيا الجميع، وفعلوها بالاعتصام والاحتجاج على ما يحدث، مطالبين الإدارة الأمريكية بوقف المساعدات لإسرائيل، والحرب على غزة.
فقد قاموا -ولأول مرة في الجامعات الأمريكية- بعمل لم يسبق من قبل؛ حيث نصبوا الخيام في الجامعة، واعتصموا فيها، وقد شاركهم بعض الفنانين، وقادة الرأي، وحضروا إليهم في مركز الاعتصام؛ للتضامن معهم.
ويقف معهم في نفس الموقف آلاف الطلاب الأمريكيين؛ حيث وصل الحراك لجامعات مماثلة، من بينها جامعة كاليفورنيا، وبوليتكنك في مدينة هومبولت، ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا في كمبريدج، وجامعة براون في مدينة بروفيدنس، وجامعة ميشيغان في مدينة آن أربور.
الديمقراطية الأمريكية
لم يحدث هذا الحراك الطلابي الأمريكي منذ حرب فيتنام؛ ولكن أعتقد أن هذا الحراك أكبر في الحجم والعدد، والتضامن؛ حيث امتد الحراك إلى أكثر من جامعة أمريكية غير كولومبيا، ووصل لفضّ الاعتصام، واعتقال الطلاب بعد تدخل الشرطة؛ بل تم اعتقال أساتذة في الجامعات، لأنهم تضامنوا مع الطلاب في مطالبهم.
وقد تم اعتقال نويل مكافي، رئيسة قسم الفلسفة بجامعة إيموري، وكانت تصرخ لمن يصورها وهي تقول: “أرجوك اتصل بقسم الفلسفة أخبرهم أنه تم اعتقالي”، بل وجدنا الشرطة تطرح أستاذة أرضًا وهي تقوم بتقييد يديها، وتصرخ “أنا بروفيسور”، وهكذا رأينا الديمقراطية الأمريكية على حقيقتها.
وقد زار رئيس مجلس النواب الأمريكي، مايك جونسون، جامعة كولومبيا بوصفها الجامعة التي انطلقت منها شرارة المظاهرات والاعتصامات، وقال “إن هدف زيارته هو دعم الطلاب اليهود الذين يتعرّضون للترهيب” -على حد قوله- وقابله الطلاب بالرفض، وهتفوا ضده، ووصفوه بـ”المقزز”.
ولم يترك الرئيس الأمريكي الموقف يمرّ دون أن يتحفنا بأقواله الغريبة؛ حيث ألبس الباطل بالحق عندما قال: “لكل أمريكي حق في الاحتجاج السلمي؛ لكن الدعوة للعنف والترهيب الجسدي للطلاب اليهود معادة للسامية”.
وهذا لم يحدث إطلاقًا من طلاب جامعة كولومبيا، والجامعات الأخرى؛ حيث اعتصامهم ومظاهراتهم سلمية، ولم يتبنوا أي دعاوى للعنف؛ ولكن تظل تهمة معاداة السامية سيفا مسلّطًا على رقاب المعارضين للسياسات والجرائم الإسرائيلية.
بايدن يكذب.. ونعمت شفيق تشعلها
وقد دعا الرئيس الأمريكي إلى مواجهة تفشي الخطاب المعادي للسامية؛ لأن الصمت تواطؤ -على حد قوله- وتناسى بايدن أن أمريكا هي مَن تقف مع الكيان المحتل في حرب الإبادة، وتمدّه بالسلاح والأموال، والمعلومات المخابراتية، ولولاه لكان الكيان الصهيوني قد زال منذ زمن، وهو مَن يقف معه في مجلس الأمن، والأمم المتحدة، ويستخدم حق الفيتو أكثر من 80 مرة لصالح الكيان، و34 مرة ضد قوانين تساند الحق الفلسطيني.
والغريب أن رئيسة جامعة كولومبيا مصرية الأصل، وتدعَى نعمت شفيق، وقامت باستدعاء الشرطة، وفصْلِ العشرات من الطلاب في سابقة خطيرة، وكأنها أخذت من الشرق الذي تنتمي إليه الديكتاتورية الحمقاء، والوقوف ضد الرأي الآخر؛ ما جعل البعض ينتقد تصرفها هذا، ويتهمها بالعنصرية، والوقوف ضد غزة عِرفانًا منها بالجميل لمَن مهد لها الطريق لتلك النجاحات حتى وصلت لمركزها، ووظيفتها تلك.
ولكن رغم ذلك حمّلها اللوبي الصهيوني المسؤولية عما حدث في الجامعة، وهناك توقعات كبيرة بعزلها من منصبها، وإجبارها على الاستقالة، وإجراء تحقيقات معها.
جامعة كولومبيا وجامعة القاهرة
وقارن البعض ما يحدث في جامعة كولومبيا بالولايات المتحدة وجامعة القاهرة بمصر، مؤكدًا أن رئيس جامعة القاهرة كان -أيضًا- سيمنع تلك المظاهرات والاعتصامات، سواء للوقوف مع أهلنا في غزة، أو للمطالبة بأي حقوق أخرى.
وتحسّر آخرون على وصول الحركة الطلابية في مصر والدول العربية لمثل هذا الوضع من الخنوع، وعدم الإحساس بالمسؤولية التضامنية مع إخوتنا في غزة، وقارنوا الحال والوضع الآن في الجامعات المصرية بالوضع في أزمنة قريبة؛ حيث كانت تخرج المظاهرات من جامعة القاهرة والجامعات الأخرى في حالة حدوث أي حدث يمسّ الوطن العربي، خاصة الإخوة في فلسطين، وذلك عندما كانت القضية الفلسطينية الشغل الشاغل للطلاب العرب والمصريين ليل نهار من خلال جميع الأنشطة التي يقومون بها في الجامعات طوال العام.
أما ما حدث منذ معركة “طوفان الأقصى”، وحدوث حرب إبادة ومجازر لأهلنا في غزة لم تحدث من قبلُ، ويشاهدها الجميع على الهواء مباشرة عبر الفضائيات؛ فلم نرَ ساكنا يتحرك من طلاب الجامعات العربية، وكأن الأمر لا يهمهم.
ليبقى السؤال: هل ذلك مرجعه إلى القبضة الأمنية الشديدة في تلك الدول، أم إلى تأثير عملية تجريف العقل العربي، خاصة الطلاب، وإبعادهم عن قضايا أمتهم المهمة، وفي نفس الوقت إشغالهم بقضايا فرعية، وتوافه الأمور، مثل الحديث في أمور الفنانين، وأمور لاعبي الكرة في أخبار ما يسمى بـ”الترند”؛ لتظل اهتماماتهم بعيدة عن قضايا وطنهم وأمتهم؟
وهكذا جاء حراك الطلاب في أمريكا ليحدِث تأثيرًا قويًا وكبيرًا على المجتمع الأمريكي كله، وتتدحرج كرة الثلج لتشمل معظم الجامعات الأمريكية؛ بل وصل الأمر لجامعات ومدن أوروبية كثيرة، ليؤكد الطلاب بما لديهم من حماس وبُعد عن السياسة الحق الفلسطيني، ويُرسلوا رسائل لصانع القرار أنهم يرفضون ما يحدث.
التعليقات مغلقة.