مشرد الزرقاء … من هو / ناجي الزعبي
ناجي الزعبي ( الأردن ) الإثنين 5/12/016 م …
** على هامش وفاة مشرد في مدينة الزرقاء الأردنية …
من يذكر مشرد مدينة الزرقاء الذي قضى ملقى على قارعة شرفنا وإنسانيتنا وتاريخنا ومستقبلنا وحاضرناوليس فقط علىً قارعة الطريق ؟
هل شاهدتم جسده المسجى يُبْصق في وجه التاريخ والحضارة .
وأحلامه المبعثرة تتناثر على موائد العهر والزندقة والكفر والانحطاط .
من يذكر ثيابه الرثة وجسده النحيل وبدون شك معدته الخاوية ولون قدميه الأسود وهو تائة في الأزقة والحواري وبصمات الزمن العاهر وجراحه التي أثخنت احلام هذا المقهور الذي غادر وألقي به في حفرة ككومة قمامة دون حضور احد بسبب وفاته معدما جائعا مشردا مبتورا من صلاته الاجتماعية .
لا احد يدرك كنه احلامه وتوقه لأجواء ودفء أسرة ترعاه وتصنع احلامه .
من اغتال انسانيته وأشواقه ونبضات قلبه ، تحت بصر حقوق الانسان والحيوان وعولمة تدفق المال من والى جيوب مرابي الراسمالية وسماسرتها ذوي الياقات البيضاء المنشاة والعطور الباريسية وسيارات الدفع الرباعي وسيجار هافانا الكوبي ، وأحذية السلمندر وبدلات بوغاتي ..والأرصدة المنتفخة في البنوك السويسرية …
وحين أصبحنا نستلهم خلافات علي ومعاوية وننوب عن الله في تصنيف المؤمن والكافر ونقتل على الهوية ونستأصل القلوب و الأكباد ونبيح الزنا بذريعة الجهاد
حين اصبحت دياناتنا وتعليمنا وثقافتنا وإعلامنا أدوات للسلطات لتشكل وعينا الهابط المنحط الاستهلاكي ( ال تيك اوي) .
وهل هناك فارق بين كل منا وبينه ؟
الفارق باعتقادي هو المنزل ودفء الاسرة ولقمة الخبز والحذاء الذي يصون اقدامنا وحتى السيارات الفارهة والقصور وهي على أهميتها لا تصنع فرقاً سوى بمظهر الأشياء .
لكن في الجوهر لا فرق فكلنا نعيش نفس الاغتراب والعزلة وأوهام الود والإخاء والصداقة المزيفة .
كلنا نحيا تبعات السياسات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للحكومات المتعاقبة المرتهنة للرأسمالية والتي كرست الوعي الفردي والنفاق والدجل والكذب والرياء واجتثاث الوعي الجماعي والإحساس بالاخر والمحبة والتظافر والتضامن وحين أصبحنا أقنان عند رب العمل ولم نعد ننتج خيراتنا المادية والفكرية بالضرورة .
اصبحت أفراحنا بفنادق الخمس نجوم واتراحنا بازارات سياسية ومنتديات اجتماعية ، اصبحت قهوتنا ستار بكس ومضافاتنا مطاعم تيك اوي تبيعنا وجباتها المخلوطة باللحم البشري في كنتاكي والبيرغركنغ والماكدونالد.
هل حرك مشاعر احد منا ، وهل تسابقت دور الرعاية والمؤسسات الاجتماعية لتتاجر بمأساته كما تفعل بالعادة حين وفاة ثري او متنفذ او مشهور او حتى مناضل تاريخي حين يتسابق الجميع للاستثمار في اجواء جنازته وموته .
هل تحركت وزارات الدولة وإداراتها ونوابها وأعيانها الذين أتخمتنا أحاديثهم المقززة المعلبة عن الانتماء والولاء والوطنية والإنسانية .
لقد اقتلعت النيوليبرالية اخر صلاتنا الانسانية عندما بتنا نغفو على آلة القتل ونصحو لنتابع ولوغها في دم الانسان على شاشات الفضائيات وبالبث الحي ونحن نحتسي قهوة الصباح او شاي بعد الظهر ونستمع لفيروز تغني ( طريق النحل )
اي طريق البناء والكفاح والنضال والوعي الجمعي وحب الاخر والحرص عليه وفوق ذلك الحس والصلات والمعاني الإنسانية الرفيعة.
أصبحنا روبوتات ، وحوش آلية ، بشرية ، سيان
كائنات مثقلة بالضغائن والاحقاد والزيف والتفاهة والغل والنزعات الفردية
كائنات تحيا في زرائب وليس في اوطان نمارس بها عقدنا وأحقادنا ونتسابق على نهش اللقمة من فم الأخ او الصديق او القريب او الزميل .
أتذكرون الشاعر المناضل مظفرالنواب حين قال :
” اصرخ فيكم
أصرخ أين شهامتكم..؟
إن كنتم عربا.. بشرا.. حيوانات
فالذئبة.. حتى الذئبة تحرس نطفتها
و الكلبة تحرس نطفتها
و النملة تعتز بثقب الأرض
اما أنتم …
اهلا… “
كل منا مشرد الزرقاء لكن بحلة زاهية مزيفة وقصة مختلفة …. كلنا مشرد الزرقاء
التعليقات مغلقة.