الضربة الجوية المصرية في ليبيا: عملية انتقامية.. أم معركة مفتوحة؟ / مصطفى بسيوني
مصطفى بسيوني ( مصر ) الثلاثاء 17/2/2015 م …
طوال الأشهر الماضية، ظلت مصر تنفي رسمياً القيام بأي عمليات عسكرية داخل الأراضي الليبية، وكان ردها حاسماً على كل ما صدر عن وزارة الدفاع الأميركية «البنتاغون»، بالتعاون مع الإمارات في شن ضربات جوية على مواقع تابعة للجماعات المسلحة في الداخل الليبي.
هذه المرة جاء الإعلان المصري عن ضربات جوية داخل ليبية سريعاً وقوياً، كما ورد في بيان المتحدث العسكري المصري في ساعة مبكرة من صباح أمس، بعد صدمة شريط الفيديو الذي نشره تنظيم «داعش» حول إعدام 21 عاملاً خُطفوا مؤخراً في مدينة سرت الساحلية.
وجاء في بيان القوات المسلحة المصرية أنه «تنفيذاً للقرارات الصادرة عن مجلس الدفاع الوطني، وارتباطاً بحق مصر في الدفاع عن أمن واستقرار شعبها العظيم، والقصاص والرد على الأعمال الإجرامية للعناصر والتنظيمات الإرهابية داخل البلاد وخارجها، قامت قواتكم المسلحة فجر الاثنين، الموافق 16 شباط العام 2015، بتوجيه ضربة جوية مركزة ضد معسكرات ومناطق تمركز وتدريب ومخازن أسلحة وذخائر تنظيم داعش الإرهابى في الأراضى الليبية. وقد حققت الضربة أهدافها بدقة، وعادت نسور قواتنا الجوية إلى قواعدها سالمة بحمد الله».
وأضاف المتحدث العسكري «إذ نؤكد أن الثأر للدماء المصرية والقصاص من القتلة والمجرمين حق علينا واجب النفاذ، فليعلم القاصي والداني أن للمصريين درعاً يحمي ويصون أمن البلاد، وسيفاً يبتر الإرهاب والتطرف». تفاصيل الضربة الجوية ظهرت لاحقاً، فقد نفذتها ست طائرات من المقاتلات المصرية الحديثة، وتركزت على مدينة درنا، التي تبعد 60 كيلومتراً عن الحدود المصرية، وهي نفسها المدينة التي شهدت إعلان إحدى الجماعات المسلحة الليبية انضمامها الى تنظيم «داعش».
وتوالت الأنباء عن سقوط ما بين 40 و50 مسلحاً من «داعش» في الغارات الجوية، التي تمت بالتنسيق بين الجانبين المصري والليبي، وكانت معدة سلفاً، كأحد السيناريوهات المحتملة، منذ الإعلان عن اختطاف العمال المصريين في ليبيا.
وأخذت الأحداث تتطوّر تطوراً سريعاً ومتلاحقاً فور بث تنظيم «داعش» الشريط المصور لقتل 21 مصرياً من أقباط الصعيد في ليبيا، وذلك بعد ثلاثة أيام من الجدل بشأن مصيرهم، وتضارب الأنباء حول موتهم أو بقائهم أحياء.
وما إن بث «داعش» الشريط المصوّر حتى سارع مجلس الدفاع الوطني الى الانعقاد، فيما أعلن السيسي، عقب الاجتماع، في كلمة متلفزة، أن مصر تحتقظ بالحق في الرد بالأسلوب وفي الوقت المناسبين.
وكان الوقت قد حان بالفعل، فبعد ساعات قليلة من كلمة السيسي كانت الطائرات المصرية تحلق فوق درنة، فيما كان وزير الخارجية سامح شكري يتوجه الى نيويورك لبحث الترتيبات الدولية لمواجهة الإرهاب في ليبيا، ضمن إجراءات أخرى على المستويين المحلي والإقليمي.
الكثير من الأسئلة تطرحها الغارات المصرية على «داعش» في الأراضي الليبية، أولها مصير المصريين في ليبيا والخسائر المحتملة نتيجة تعرضهم لأعمال انتقامية، خصوصاً أن جماعة «فجر ليبيا» أصدرت، يوم أمس، بياناً يمهل المصريين 48 ساعة لمغادرة الأراضي الليبية.
كذلك تثير التطورات المتلاحقة تساؤلات حول ما إذا كانت الضربات المصرية قد تمت ضمن خطة ممتدة لمواجهة «داعش» في ليبيا، أم مجرد عملية انتقامية خاطفة.
كذلك، فإن تساؤلات اخرى يثيرها رد الفعل المصري بشأن التعاون مع أطراف إقليمية ودولية يطرح نفسه بقوة، وبخاصة بعد دعوة إيطاليا أمس الأول الى تشكيل تحالف تحت قيادتها لمواجهة الإرهاب في ليبيا، أو بشأن مهمة وزير الخارجية المصري في نيويورك، مع الأخذ في الحسبان التباين في وجهات النظر والمصالح بين أطراف المجتمع الدولي، ومصالح الدول الاقليمية، وهو ما لمّح إليه السيسي في كلمته أمس الأول، حين دعا الى مواجهة الإرهاب بعيداً عن «ازدواجية المعايير».
وفي رد على تلك التساؤلات، قال الوكيل الأسبق للجنة الدفاع والأمن القومي في مجلس الشعب المصري اللواء محمد عبد الفتاح عمر لـ «السفير»: «لا أتصور أن الغارة الجوية مجرد عملية خاطفة، فمجلس الدفاع الوطني والسيسي يعرفون جيداً ما يقومون به. ومن المؤكد أن تلك الغارة تأتي ضمن خطة لمطاردة داعش داخل الأراضي الليبية، ولا أستبعد أن تشارك فيها قوات برية لاحقاً».
وأشار اللواء عمر الى أن «الضربة الجوية في حد ذاتها عملية ثأرية مطلوبة، ويمكن بعد ذلك أن تتم المواجهة الممتدة من خلال تحالف دولي أو إقليمي».
وعن تعدد خطوط المواجهة مع الإرهاب وإمكانية إنهاك القوات المصرية، يضيف عمر «هذا يحدث في المواجهات مع الجيوش النظامية، وليس مع الجماعات المسلحة. ولا مقارنة بين قدرات الجيش المصري وقدرات تلك الجماعات».
التخوف من الانجرار الى مستنقع مواجهات مع الإرهاب خارج الحدود كان هاجساً دائماً، ليس فقط بالنسبة الى الجيش المصري بل لكل جيوش العالم، ومن الطبيعي أن يتزايد هذا الهاجس بعد بدء العمليات العسكرية في ليبيا بالفعل.
وفي هذا الإطار، يقول الخبير في مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية عمرو هاشم ربيع إن «هناك يقظة مصرية وموقفاً مسبقاً من جر الجيش المصري الى مستنقع حرب إقليمية».
وعن تقديره للضربات الجوية وأثرها، وما إذا كانت متعجلة يقول ربيع «لو ترددنا فستكون العواقب وخيمة»، موضحاً ان «التردد بسبب وجود المصريين في ليبيا ستكون نتيجته المزيد من الضحايا، بدلاً من حمايتهم»، في حين ان «الرد السريع كرّس الثقة لدى المواطن المصري في جيشه، وكرّس الثقة لدى الجيش في قدراته وفي قيادته، وبعث برسالة واضحة للعالم أجمع».
ويضيف ربيع «من الوارد إقامة تحالف دولي أو إقليمي للتعامل مع الوضع في ليبيا، ومواجهة الإرهاب هناك. ولعلّ حديث إيطاليا عن تحالف تحت قيادتها مهم في هذا السياق، ومصر لن تتركه يمر. أما أطراف هذا التحالف، بالإضافة الى مصر وإيطاليا، فيمكن أن تشمل الجزائر ودولاً أفريقية مثل تشاد والنيجر ونيجيريا، التي تخوض معركة أيضا ضد جماعة بوكو حرام».
ربما كانت ضربة سريعة وخاطفة ضرورية للرد على ذبح المصريين في ليبيا. ولكن استكمال المواجهة سيحتاج بالتأكيد الى تنسيق أوسع إقليمياً ودولياً.
وفي هذا الإطار، يقول مساعد وزير الخارجية الأسبق للشؤون العربية السفير هاني خلاف لـ «السفير» إنّ «الرد الفوري كان مطلوباً لأسباب كثيرة، ولكن المواجهة تحتاج الى العمل ضمن إطــار دولي وإقليمي»، مشيراً الى أن «الجامعة العربية يجـــب أن تقــوم بدورهــــا»، ومشــدداً على أن «دول الجوار مدعوة الى التنسـيق في مواجهــة خــطر يتهــــدد الجميع».
ويضيف «الضربة السريعة كانت رسالة للداخل والخارج وكان يجب توجيهها، وأما المواجهة فيجب أن تكون ضمن تحالف يعرف أهدافه بدقة وكيف ينفذها»، موضحاً أن «مصر وإيطاليا والجزائر وتونس مدعوة للتنسيق والعمل معا ضد خطر الإرهاب في ليبيا».
ويتابع خلاف «أرجو أن تكون الضربة قد سبقها تقدير دقيق للخسائر المحتملة في صفوف المصريين في ليبيا».
وعن اتساع خطوط المواجهة مع الإرهاب يرى خلاف أن «من حق مصر أن تحمي حدودها، ونحن لم نبادر الى العدوان، ولا يمكن أن نقف صامتين أمام ذبح أبنائنا في ليبيا».
الطائرات المصرية عبرت الحـــدود عند الفجـــر، في رد حاسم للحفاظ على هيبة الدولة المصرية والثأر لضحـــايا الجريمة «الداعشية»… ولكن عند عودتها كان الكثير من الأسئلة تتزاحم حول ما سيحدث في اليوم التالي.
التعليقات مغلقة.