العرب المسيحيون هم مصدر المأزق المصيري، ومكمن الخطر الاستراتيجي، وأُسٌّ البلاء الوجودي لكيان الاحتلال! / الياس فاخوري
الياس فاخوري ( الاردن ) – الثلاثاء 14/5/2024 م …
أعادني المقال الرائع للاستاذ الدكتور أسعد عبد الرحمن بتاريخ 10/5/2024: “الفلسطينيون المسيحيون: «ملح» الأرض و«سكّر» الشعب”، الى ما كتبته “ديانا فاخوري” من وحي ورشة عمل “المسيحية في الشرق: الى أين؟” التي عقدت في عمان يومي 12 و 13 آذار عام 2012:
اقتبس:
“أنا يا أصدقاء متعبة بعروبتي, وأرى أنه كما فلسطين كذلك العرب .. حيث تكون فلسطين يكون العرب، وحيث يكون العرب المسيحيون تكون العروبة.
يرى البعض أن غياب العرب المسيحيين عن المشهد العربي يعني غياب فكرة الدولة العصرية والتنوع الثقافي والتعددية والديمقراطية .. أما أنا فأرى أن غياب العرب المسيحيين عن المشهد العربي يعني غياب المشهد العربي برمته ..
وهنا لا بد من الاشارة الى فوز اوباما ب 45 جولة من التصفيق احتفالآ بكلمته في الرابع من آذار 2012 مخاطبآ لجنة الشؤون العامة الامريكية الاسرائيلية (AIPAC) وذلك مكافأة له على دعمه “يهودية اسرائيل”!
كنت أرجو أن يكون ل “باراك حسين اوباما” من اسمه نصيب على المستوى الروحي تعظيمآ للجوامع بين اليهودية (باراك) والاسلام (حسين) والمسيحية (اوباما) .. لكن يبدو أن له من اسمه نصيب على مستوى التحالف الاستراتيجي الصهيوامريكي بتموضع “اسلاموي” .. قبعد مجيء اوباما أعلنت وفاة أسامة بن لادن رمزاً لانتهاء التطرف الاسلامي وبدء الترويج لانشاء شبكات عالمية لنوع مخفف ومدجّن ومهجّن من الاسلام على الطريقة الامريكية
(American made light, tamed and hybridized Islam)
لا علاقة له بروح الإسلام ولبُّه وصُلبه وحقيقته وجوهره!
واستكمالآ للصورة كان لابد من استكمال تفريغ المنطقة من مسيحييها سواء من خلال صيغة Islam Light أو بالعودة لصيغة القاعدة و مشتقاتها.
و بالعودة الى تراثنا أقول: “ألا ان الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين, بين السلة أو” اغواء الهجرة .. هيهات منا الهجرة, هيهات منا الهجرة .. ولعلي بهذا أرد على التساؤل الذي تطرحه ورشة العمل “المسيحية في الشرق: الى أين؟” .. فلسنا بالمارين بين الكلمات العابرة .. هنا، على صدوركم (أعني الحلف الصهيواوربيكي بتغطية اسلاموية) باقون كالجدار .. وفي حلوقكم كقطعة الزجاج, كالصبار .. إنّا هنا باقون، فلتشربوا البحرا .. هنا، لنا ماض، وحاضر، ومستقبل .. يا جذرنا الحي تشبث، واضربي في القاع يا أصول .. فنحن نعرف كيف يبني حجر من أرضنا سقف السماء.”
انتهى الاقتباس
واليوم يعود اسم “دين براون” الى الذاكرة بفضل رئيسة المفوضية الأوروبية “أورسولا فون دير لايين” حيث تعرض تسهيل حصول اللبنانيين على تأشيرات عمل وتشريع إقامتهم في أوروبا لإخلاء “وطن الأرز” من سكانه الأصليين وتوطين النازحين السوريين واللاجئين الفلسطينين، سيما وان العرض اقترن بحزمة مساعدات بلغت مليار يورو “مقسطة” على أربع سنوات .. و”دين براون” هو المبعوث الأميركي الذي جاء إلى بيروت عام 1976، إبان الحرب الأهلية اللبنانية، ليقدّم “عرضه السخي” بترحيل المسيحيين بحراً إلى كندا كوجهة رئيسية فضلًا عن بلدان أخرى بغية توطين الفلسطينيين في لبنان .. يومها، أنهى الرئيس فرنجية اللقاء طالبا من ذاك المبعوث حمل أوراقه والمغادرة حيث قرّر المسيحيون، حينها، المواجهة العسكرية فخسروا الحرب ليأتي الرئيس الفرنسي ساركوزي، بعد عقود أربعة، عارضًا هجرة من تبقّى من مسيحيين في لبنان إلى أوروپا.
واذ رأى حاملة الطائرات “جيرالد فورد”، ومعها الغواصات النووية، والبوارج الهائلة، تتجه الى شرق المتوسط، استحضر بنيامين نتنياهو، وبإصرار متزايد، تعهده المتكرر بخصوص “تغيير الشرق الأوسط” متَّكئاً على تصريح يهوشوا ساغي، رئيس الاستخبارات العسكرية “الاسرائيلية” صيف 1982، “بيروت طريقنا الى سائر العواصم العربية”…. هنا الطريق الى دمشق وطهران، مروراً ببغداد وصنعاء .. فبوابة غزة مقفلة، ولان لبنان يُمثِّل صيغة العيش المشترك، النموذج النقيض ليهودية الدولة بثقافة الغيتو والانغلاق .. وهذا وزير المالية “الاسرائيليّ” بتسلئيل سموتريش يصرخ بوجعٍ وفاشستيةٍ معاً: “يجب أنْ نسحق أعداءنا تحت أقدامنا كما قرأنا في التوراة. علينا تدمير رفح ودير البلح والنصيرات. لا مكانَ تحت السماء لهذه الأرواح الشريرة. لا وجود لها ولا يمكن لها أنْ تستمرّ في الوجود، اُقتلوهم جميعًا، سنقضي عليهم جميعًا” لكأن النصوص التوراتية تتقيأالدم والبغضاء!
كما أعادني مقال الاستاذ الدكتور اسعد عَبْد الرحمن المشار اليه أعلاه لمقالي العام الماضي: 15 ايار والمأزق الوجودي لكيان الاحتلال – من “حسان بن ثابت” الى “انطون سعادة” ف”ديانا فاخوري” حيث كنت قد استعنت بما علّمتنا “ديانا” أنْ “كلنا مسلمون لرب العالمين، منا من أسلم لله بالإنجيل ومنا من أسلم لله بالقرآن ومنا من أسلم لله بالحكمة”، كما أكّد سعادة، لتؤكد هي بدورها انه كما العرب المسيحيون كذلك العروبة .. انهم أُسٌّ البلاء الوجودي للكيان الغاصب .. فلا تفرغوا الشرق من مسيحييه .. وبالتالي من عروبته .. تبريراً ليهودية الدولة (دولة يهودية تقابلها دولة إسلامية!!!)!
بالعرب المسيحيين ، وقنبلة اصحاب الارض الديموغرافية/سلاح الإنجاب الفلسطيني، ورجال الله في الميدان تخلق المقاومة اختلالاً مستداماً في التوازن الاستراتيجي لمصلحة فلسطين وأهلها .. فمن آيات الله – من صنعاء، وبغداد، ودمشق الى بيروت، وعمَّان والقدس فغزة – ان يستعيد الصهاينة وأذنابهم مكمن مأزقهم الاستراتيجي إِذَ غَشِيَهُم مَّوْجٌ المسيحيين كَالظُّلَلِ وهم جاحدون ليدركوا موعد مٓهْلِكِهِم، ويهرعوا بكل هلع وارتياع للنص التوراتي من سفر إشعياء النبي: “ولولي ايتها الأبواب، اصرخي أيتها المدينة”!
نعم، الأبواب تولول، والمدينة تصرخ: انه المأزق الوجودي ذاته من أينشتاين الى نتنياهو الى عامي أيالون مثلا (ضع عشرات الخطوط تحت كلمة “مثلاً” – أضف ناحوم غولدمان، دافيد بن غوريون، إفيغدور ليبرمان، جدعون ليفي، شلومو ساند، يوڤال ديسكين، مئير دوغان، أمنون ابراموڤيتش، افراييم هليفي، كارمي غيلو، روني دانييل، بيتي موريس – مثلاً أيضاً)، كما بيّنتُ في عدد من مقالاتي السابقة؛ يؤَرقهم غياب الأصل والدم الواحد، وكذلك انعدام التقاليد والعادات المُمَيِّزة واللغة والثقافة المشتركة وأسلوب الحياة الجامع – لا قومية تؤكد ارتباط الناس بأرضهم، وولائهم وانتمائهم إليها، بل شتات لا يجمعهم سوى “اليهودية” او “التهود”!
اما نحت الزمن اليهودي وتزييف الحقائق وفقا للمصالح والأهداف السياسية والأغراض الاستراتيجية فحرفة مزوري التاريخ المعتمدين من الحركة الصهيونية الذين دأبوا على اختراع وعي جديد لليهود، بكل ما يتطلبه ذلك من رموز قومية مثل: العلم، النشيد القومي، لباس، وأبطال، ولغة والطوابع البريدية باعتبارها أدوات مهمة “لاختراع الشعب” .. وفي استجابة للهواجس التوراتية التلمودية تراهم مغالون في تشكيل الشخصية اليهودية لاهوتيا لتبلغ أرض الميعاد وتغطي الكرة الأرضية بكافة زواياها متجاوزة “كلاسيكية الفرات والنيل” تمثلا بيهوة ونفيا للآخر .. وهكذا برز مفهوم جديد هو “الشعب الإسرائيلي” ليصبح “شعب يهودي” في سياق التحولات التي تحرص الصهيونية على استكمالها نحو “دولة يهودية” تجسد إلغاء الأغيار والاستيلاء والاستعباد خرقا للمعاهدات وتوسلا لضغوطات مالية واعلامية وعسكرية – حتى البحر الأحمر يريدونه “بحيرة يهودية”!
من هنا خشيتهم، بل ذعرهم ورعبهم من “العرب المسيحيين” و”قنبلة اصحاب ألأرض الديموغرافية” على المستويين الاستراتيجي والتكتيكي .. وبالتجربة تبيّن أن الوجود المسيحي في لبنان يرتبط بشكل واضح بفاعلية هذا الوجود ودوره في السلطة والاقتصاد. فهل جاء الحصار الاقتصادي وتفجير المرفأ، مثلاً، لاستهداف المسيحيين بشكل أساسي فتُحشر غالبيتهم في زاوية العوز والفقر والحاجة – تجويع فتهجير فتطبيع؟ وها هي المبادرات الأوروبية من الرئيس “ماكرون” الى “أورسولا فون دير لايين” لا تخرج عن مسار انهاء الوجود المسيحي في لبنان سواء تم ذلك في فرن الاقتصاد، او في ثلاجة الاقصاء السياسي والإداري .. ليس في لبنان وحسب، اذ يحاول بعض سفهاء تقديم أوراق الاعتماد اللحاق بقيصر التطبيع مع الكيان الصهيوني نسخاً ولصقاً فيحاصرون مشرقياً من هنا ويستبعدون مشرقيةً من هناك، ولا اصحاب لديهم يبكون والدرب دونهم، وكل الخوف عليهم وسيحزنون!
اما “حارس القدس _ المطران هيلاريون كبوجي” فقد أعاد “ديانا” لبعضٍ من كتاباتها: “العرب المسيحيون في صفقة القرن.. وتوطين مقابل توطين”، مثلا .. وان ننسى فلن ننسى وِقفة “ام عطا” – بشموخ المقاومين وقَفت تحمي المنزل القدسي ولم تنحني لعروض البيع .. طردت السمسار من هيكل البيت الصغير واهدت مفتاحه لذاك المقاوم، الطالب الكهنوتي من حلب، تعبيرا عن امتنانها وليذكُر أن في القدس له بيتا يحرسه!
قالتها مرارآ: “كما العرب المسيحيون كذلك العروبة! يرى البعض في غياب المسيحيين العرب عن المشهد العربي غيابآ لفكرة الدولة العصرية والتنوع الثقافي والتعددية والديمقراطية .. أما أنا فما زلت أكرر أن غياب العرب المسيحيين عن المشهد العربي يعني غياب المشهد العربي برمته .. فلا تفرغوا الشرق من مسيحييه، وبالتالي من عروبته، تبريرآ ليهودية الدولة!”
ولكم دعتنا لمراجعة مراسلات ديفيد بن غوريون (David Ben-Gurion) / موشية شاريت (Moshe Sharett) حيث يبدو التخوف من النموذج اللبناني بصناعته العربية المسيحية .. وحيث تتمثل لعنة العرب المسيحيين في دورهم البناء نحو الدولة الحديثة و تكريسآ لعبقرية التنوع .. فلا بد اذن من اقتلاع هذا النموذج (التنوع في الوحدة) ولا باس باقامة دولة مسيحية صرفة تحرس حدود اسرائيل الى جانب دويلات مذهبية سنية و شيعية وربما درزية صافية!
المسيحيون هم أبناء المنطقة ولدوا وعاشوا فيها منذ أكثر من ألفي سنة وعروبتهم لا جدال فيها .. في القدس بدأت المسيحية، والسيد المسيح هو ابن مدينة الناصرة .. وفي حلب و حوران وانطاكية بنيت أولى الكنائس .. المسيحيون هم العرب الغساسنة في حوران والمناذرة في العراق .. منهم جاءت قبائل تنوخ وبكر وربيعة وبنو تميم وطي وبنو كلب .. ساهموا باقامة الدولة العربية الأولى (الدولة الأموية) كما كان لهم دورهم في عصور النهضة العربية .. نبغوا في الشعر والحكمة والخطابة، ونقلوا علوم اليونان وحكمتهم الى العربية .. وكان لهم شأن كبير في العصر الحديث ولا سيما في الصحافة والأدب والفكر والشعر ..أصدروا اوائل الصحف باللغة العربية في الأستانة ومصر وبلاد الاغتراب .. وهم من أسس حركات التحرر الوطني في سوريا ولبنان وفلسطين، وساهموا في بلورة الفكر القومي العربي ونشره ..
وفيهم قال شاعر الرسول، “حسان بن ثابت”:
لله در عصابة نادمتهم يومآ // بجلق في الزمان الأول ..
والخالطون فقيرهم بغنيهم // والمنعمون على الضعيف المرمل ..
أولاد جفنة حول قبر أبيهم // قبر بن مارية الكريم المفضل ..
بيض الوجوه كريمة أحسابهم // شم الأنوف من الطراز الأول ..
واذكروا ما قاله أمنون كابيليوك (Amnon Kapeliouk): “في ضوء ما حدث عام 2000، لم يعد هاجس الأنبياء باسرائيل ازالة حزب الله فقط وانما ازالة لبنان بكليته”! واستكمالآ للصورة كان لابد من استكمال تفريغ المنطقة من مسيحييها سواء من خلال صيغة Islam Light أو بالعودة لصيغة القاعدة و مشتقاتها .. و ها هم يستميتون تسويقا لصفقة او طبخة او صفعة القرن عارضين – مقابل إلغاء حق العودة بتوطين الأخوة الفلسطينيين – مئات المليارات من “دولاراتنا” و استعداد أوروبي ـ أميركي لاستقبال مسيحيي المشرق العربي .. فهل هو توطين مقابل توطين؟!
وبالعودة الى تراثنا أكرر مع ديانا: “ألا ان الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين، بين السلة أو” اغواء الهجرة .. هيهات منا الهجرة، هيهات منا الهجرة .. ولعلي بهذا أرد على التساؤل الذي يطرحه البعض بخصوص مصير المسيحية والمسيحيين في الشرق .. فلسنا بالمارين بين الكلمات العابرة .. هنا، على صدوركم (أعني الحلف الصهيواوروبيكي بتغطية “اسلاموية”) باقون كالجدار .. وفي حلوقكم كقطعة الزجاج، كالصبار .. انا هنا باقون، فلتشربوا البحرا .. هنا، لنا ماض، وحاضر، ومستقبل .. يا جذرنا الحي تشبث، واضربي في القاع يا أصول .. فنحن نعرف كيف يبني حجر من أرضنا سقف السماء.
أما فقه المقاومة والتحرير فبالضرورة ينصر العرب المسيحيين في معركتهم الوجودية، وهو بالضرورة يكمل مكارم المقاومة الشيوعية/القومية/الوطنية بكل معانيها و أبعادها .. بالفقه وبالفعل .. بفقه المقاومة والتحرير، وبفعل المقاومة والتحرير ينتعش ويزدهر الوجود المسيحي الذي يعطي العروبة معناها وماهية وجودها ويشكل بذلك مأزق “اسرائيل” الوجودي، ويسقط صفقة القرن!
وإني اذ “فَهِمْتُ الكِتابَ أبَرَّ الكُتُبْ”، اشكر للاستاذ الدكتور أسعد عبد الرحمن مقاله الرائع بتاريخ 10/5/2024: “الفلسطينيون المسيحيون: «ملح» الأرض و«سكّر» الشعب”، وأُصغى لصدى خطواتِ “ديانا” فى أرض فلسطين لأختم مردداً مٓعٓها:
نحن محكومون بالنصر – نحن امام احد خيارين لا ثالث لهما: فأما النصر وأما النصر .. كما العرب المسيحيون كذلك العروبة .. انهم أُسٌّ وأصل، ومكمن، ومصدر الخطر والارتياع والقلق والمأزق والبلاء الوجودي والمصيري والاستراتيجي للكيان الغاصب، فلا تفرغوا الشرق من مسيحييه، وبالتالي من عروبته، تبريراً ليهودية الدولة! والقدس بهم اقرب.. “فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا ( 5) إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا (6) وَنَرَاهُ قَرِيبًا (7)” – سورة المعارج ..
صححوا البوصلة لتصححوا التاريخ على نبض ساعة السابع من اكتوبر/تشرين الاول 2023 (طوفان الأقصى بغزته والقدس ترفده ساحات المقاومة المتحدة، وينصره طوفان البحر بيمنِه، وطوفان السماء بطير أبابيل) .. وباسم الله اقرأوا: “نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ”!
الدائم هو الله، ودائمة هي فلسطين!
نصركم دائم .. الا أنكم أنتم المفلحون الغالبون ..
الياس فاخوري
كاتب عربي اردني
التعليقات مغلقة.