هل انتهت صلاحية الجولاني ؟! / د. خيام الزعبي

د. خيام الزعبي ( سورية ) – الأحد 19/5/2024 م …

تستمر المظاهرات الحاشدة المعارضة لهيئة تحرير الشام التي تطالب بإسقاط زعيمها أبو محمد الجولاني في إطار الانتفاضة المستمرة لإسقاطه منذ 4 أشهر، وذلك على الرغم من قيام الهيئة بفرض طوق أمني ضخم لمنع التظاهر في المدن والقرى والبلدات في شمال غرب سورية، وهذا يدل بوضوح على حجم الاحتقان الشعبي والرغبة في التخلص من الجولاني وزمرته مهما كلف الثمن.




في هذا السياق تتوسع رقعة الاحتجاجات ضد الجولاني وترتفع وتيرتها لتضم مناطق مختلفة، حيث دخلت هذه الاحتجاجات مرحلة جديدة تُنذر بمخاطر عدة بعد أن فرّقت الوحدات الأمنية وموالين تابعين لهيئة تحرير الشام باستخدام المدرعات والأسلحة النارية، وبالمقابل تراهن هيئة التحرير على الحل الأمني لإنهاء المظاهرات والاحتجاجات، معلقة الآمال على الجهاز الأمني وقوته، ويطالب المتظاهرون المعارضون للجولاني، القيام بإصلاحات حقيقية، والإفراج عن المعتقلين المظلومين ، وإسقاط  الجولاني وتفكيك جهاز الأمن العام بشكله الحالي،

كما أنّ قيادة تحرير الشام تعمل بشكل متوازٍ بإصدار تعليمات تنص على تطويق المظاهرات ومنع تجوالها بين القرى والبلدات مع التأكيد على منع المظاهرات من الوصول إلى مدينة إدلب باستخدام القوة بشكل تدريجي، بداية من إغلاق الطرق بالوحدات العسكرية والمدرعات إلى إطلاق النار بشكل عشوائي لترهيب المتظاهرين وتفريقهم بالغازات المسيلة للدموع، وصولاً للاعتقال التعسفي.

مما لا شك فيه أن  لجوء الجولاني لاستخدام العنف ضد المتظاهرين هو نتيجة فشله في تحقيق المطالب الشعبية و عدم قدرته على الإصلاح هذا مما دفعه لنشر قواته في المناطق المدنية وتقطيع أوصالها لمنع اتساع الحراك الشعبي، ونتيجة ذلك ستفقد تحرير الشام إدارتها المركزية للمنطقة مع استمرار المظاهرات، ما سيضطرها إلى تدعيم بنية حكومة الإنقاذ (الذراع المدنية لها) على حساب ذراعها العسكري، لتواصل فرض سيطرتها في إدلب ..

لذلك لن ينجح الجولاني في مساعيه لوأد تلك الاحتجاجات الشعبية أو في إسكات هذا الحراك مهما بلغت شدة العنف الذي قد يلجأ له، فالأمور في الشمال السوري تسير نحو التصعيد والصدام مع الأهالي والمحتجين لتضم مناطق وشرائح مجتمعية مختلفة بالرغم من وعيد الجولاني، وهذا يدق المسمار الأخير في نعش تنظيمه الإجرامي في إدلب.

واليوم فإن الرهان على الشعب السوري ووعيه للمخاطر أولاً وعلى بسالته ومقاومته للقوى المتطرفة ثانياً يكسب عدة جولات حاسمة حتى الآن في صراع الرهانات الخاسرة في سورية ويبدو جلياً أن الدولة ممثلة في الجيش والشرطة قد عقدوا العزم على تأكيد سطوة الدولة وقدرتها على فرض الأمن وحصار جماعات العنف”تحرير الشام”، ومن هذا المنطلق إضطرت الأطراف الدولية إلى مراجعة مواقفها، تقودها مصالحها وتصنع سياساتها الحقائق على الأرض خاصة بعد ما تجلى فشل “تحرير الشام” في توفير أي غطاء شعبي لمخططها، وأدى عنفها إلى إرتفاع درجة الكراهية معها وتلطيخ سمعتها بالإرهاب وتعالت المطالبات الشعبية بالقضاء على المليشيات والتنظيمات المسلحة  وإعلانها جماعات إرهابية .

ومن هنا فإن خريطة الطريق الوحيدة الممكنة إلى الوصول الى الأمن والإستقرار في سورية هي تلك التي تنطلق من التعامل مع التحديات الراهنة ببُعد نظر ورهان على المستقبل، بعيداً عن الإرتهان للماضي، وتصفية حساباته الصغيرة، والعمل تحت سقف مشروع سياسي جامع لكل مفردات سورية الجديدة المنشودة، ومن هنا فإن أول هدف ينبغي تركيز الجهود لتحقيقه هو المصالحة بين كافة أطياف وأطراف المشهد السوري، والعمل على إيجاد أهداف ومعان مشتركة جامعة قادرة على إستقطاب كافة السوريين تحت سقف واحد.

وأخيراً أختم مقالتي بالقول لقد راهنت التنظيمات المسلحة على حلفاؤها وخسرت رهاناتها الكبيرة بعد فقدانها التعاطف الشعبي وإرتكابها المجازر بحق المواطنين، وراهنت الإدارة الأمريكية والتركية على المليشيات والجماعات المتطرفة فخسروا جوادهم الذي بدا أنه غير قادر على كسب السباق مع الملايين التي خرجت ترفض إستمرار وجودهم في سورية، لذلك  ثمة حاجة إلى بقاء سورية موضع إحتضان عربي، من دون سورية يبدو أن التوازن الإقليمي مهدداً  أكثر من أي وقت، لذلك يجب عليهم أن يراهنوا على إستمرار حضورها الداعم للأمن والإستقرار الإقليمي في ظل الأوضاع الدولية المعقدة في هذه المنطقة .

وأختم قولي بأن ادلب ستشهد أياماً مقبلة مليئة بالتطورات والإنتصارات، وسيرتفع علم سورية عالياً فوق أرض إدلب وسيمزق الشعب السوري تلك الرايات السوداء للغرباء الذين حالوا إختطاف مدينة ادلب، وإن الصفعة المؤلمة التي ستتلقاها هذه المجموعات ستترك تأثيراتها المباشرة على الأزمة السورية وستعمل على تغيير الكثير من المواقف في الساحتين الإقليمية والدولية.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.