غزة :  سبعة أشهر من الكرامة / أحمد الحباسى

أحمد الحباسى  – الأحد 19/5/2024 م …




 ليس سهلا بالمرة أن تصمد بعض فصائل المقاومة في غزة و في بيئة عسكرية غير مناسبة و أمام أعتى قوة عسكرية في منطقة الشرق الأوسط و في ظل أنظمة عربية  متخاذلة و  انعدام تام للدعم العسكري و الغذائي و الصحي و الإعلامي ، ليس سهلا أن تظل الحرب مفتوحة و البنادق صامدة و العزائم القتالية ثابتة و الخطاب موحد طيلة ما يزيد عن السبعة أشهر من تاريخ العملية العسكرية الاعجازية  التي أطلقت عليها المقاومة الفلسطينية اسم ” طوفان الأقصى ” .ليس سهلا أن تصر المقاومة  على مواجهة غير متكافئة خاصة و قد سخرت أمريكا و بريطانيا و فرنسا و ألمانيا  كل قوتها العسكرية و الاستخبارية المتقدمة  لمساعدة كيان الاحتلال الصهيوني لانتزاع نصر أقسم رئيس الحكومة الصهيونية بنيامين ناتنياهو  بمنتهى الغرور و الوقاحة على انتزاعه و لو بارتكاب أكبر مجازر بشرية عرفها التاريخ .  ليس سهلا أن تواجه المقاومة  حالة عجز مصطنعة من كثير من الأنظمة العربية على إدخال المساعدات الغذائية و الطبية إلى غزة التي تحولت إلى مساحة صهيونية للقتل و ارتكاب المذابح   المروعة الوحشية و التصفية بدم بارد  . ليس سهلا  أن تحقق المقاومة  انتصارا بائنا على الأرض كبد جيش الاحتلال خسائر دفعت  عائلات  هذا الجيش إلى تنظيم الاعتصامات و المظاهرات اليومية للمطالبة بوقف هذه الحرب المجنونة .

 لقد استطاعت بعض القلوب المؤمنة  بالقضية الفلسطينية أن تشكل قوة قتالية عالية التنظيم قادرة على أن تكون  الذراع العسكرية القادرة على لطخ تاريخ جيش الاحتلال في الأرض بالقيام بعمليات نوعية أربكت هذا العدو ارتباكا  ميدانيا و إعلاميا  مفضوحا و أوقعت في صفوفه مئات القتلى من بين كوادر النخبة فيه  . استطاعت كتائب المقاومة  أن تسجل اسمها فى التاريخ العسكري من أوسع أبوابه و يكفى أن يكون عنوان انتصارها أن تعجز أكبر قوة عسكرية و مخابراتية  على استرجاع أسراها  المحتجزين  رغم تدمير كامل مساحة غزة و استعمال كل وسائل الاستطلاع التقنية العالية . هذا الإعجاز العسكري لم تحققه أية قوة عسكرية عربية منذ بداية الصراع العربي الصهيوني   كما أن هذا الإعجاز قد مكن  من وضع القضية الفلسطينية على  منصات الإعلام العالمي و جعل  عدة شعوب غربية تعبر عن غضبها الساخط ضد أنظمتها المتخاذلة في نصرة الشعب الفلسطيني . لقد تمكنت المقاومة  من خلق مناخ سياسي ملائم دفع بدولة جنوب إفريقيا إلى مطالبة محكمة العدل الدولية بإيقاف العدوان و محاكمة القيادات الصهيونية المشاركة في عملية التطهير العرقي  و الإبادة الجماعية الأمر الذي يحصل لأول مرة  منذ تاريخ نشأة هذا الكيان الدموي.

لا أحد يصدق اليوم  تصريحات المسئولين العرب و لا بيانات الجامعة العربية التي تميزت بصمتها منذ بداية العدوان على غزة  و لا قرارات الاجتماعات العربية و لا  تلك الخطب الحماسية للقيادة التركية  المرتبطة بمعاهدة إستراتيجية  بل ما تصدقه الشعوب العربية فعلا هو أن المقاومة الفلسطينية و من وقف معها من فصائل المقاومة في لبنان و اليمن و العراق قد استطاعت أن تكون البديل الحقيقي لكل الجيوش العربية النظامية التي كان من المفروض أن تقوم بواجب استرجاع الأرض الفلسطينية و العربية المغتصبة  . لعله لأول مرة يتم نقل المعركة عسكريا و إعلاميا و اقتصاديا و سياسيا إلى قلب الكيان المحتل و تنتقل هذه المقاومة الذكية من الدفاع إلى الهجوم حتى باتت القيادات الصهيونية عاجزة تماما عن إيجاد حل  ناجز يوقف الصواريخ المتهاطلة  التي تدفع آلاف الصهاينة إلى الاختباء كالفئران المذعورة في الملاجئ بما يعنى ذلك من شعور بالإحباط و الهزيمة و الانكسار  واستحالة إعادة الحياة الاجتماعية و الاقتصادية إلى مجراها الطبيعي . لقد سقطت أسطورة جيش إسرائيل الذي لا يقهر كما سقطت أسطورة القبة الحديدية التي تحمى الكيان من الصواريخ و أسطورة المخابرات الصهيونية القادرة على  تنفيذ عمليات نوعية  و ظلت أغلب قيادات المقاومة في مأمن تام من الغدر الصهيوني الأمريكي العربي المتآمر .

اليوم ،  يلوح الكيان بالعدوان على رفح و يسخر كل إمكانياته العسكرية في محاولة يائسة و بائسة للقضاء على المقاومة نهائيا و بطبيعة الحال فتحت الإدارة الأمريكية كل مستودعات ذخيرتها لتزويد حليفتها الصهيونية بكل ما تحتاجه هذه المعركة المرتقبة  في حين لا تزال عديد الأنظمة العربية المتواطئة مع الكيان  تزاول نفس الخطاب العبثي البائس و تسعى للأسف و دون حمرة خجل إلى تحميل المقاومة الفلسطينية وزر ما يحصل من قتل و دمار معبرة بأن إسرائيل تدافع عن نفسها في موجهة  ما تصفه بسلطة حماس  . على الجانب الآخر لا تزال المقاومة  تقاتل بنفس عزيمة الأيام الأولى لعملية طوفان الأقصى و لعل عملية تفخيخ أحد المنازل منذ ساعات و موت ما لا يقل عن  عشرين جنديا صهيونيا  هو  فاتحة مزيد من الانتصارات  و صفعة جديدة موجهة الى كيان الطغيان النازي و إلى كل من يقف معه من  بعض مرتزقة الإعلام العربي  و من نزعوا ثوب العفة  و تحولوا إلى عملاء خونة سيبصق عليهم التاريخ يوما ما .

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.