متابعات، نشرة أسبوعية – العدد الثالث والسّبعون / الطاهر المعز


الطاهر المعز  ( تونس ) – السبت 25/5/2024 م …




يتضمن العدد الثالث والسبعون من نشرة “متابعات” الأسبوعية فقرات عن العدوان الصهيوني وتبعاته منها فقرات بعنوان في جبهة الأعداء وتتناول بعض جوانب الدّعم العسكري والمالي الأمريكي، الحكومي والخاص، وفقرتان عن التداعايات على مستوى التجارة الدولية البحرية وارتفاع قيمة الرحلات والشحن، وعلى المستوى الشعبي المتمثل في مقاطعة الشركات الدّاعمة للكيان الصهيوني، وتتناول الفقرة نموذج مجموعة محلات ستاربكس لبيع القهوة والمشروبات، وفقرة بعنوان “الإستعمار الأكاديمي” عن استثمار الجامعات الأمريكية في اقتصاد الكيان الصهيوني وفي صناعة الأسلحة، وفقرة عن الهجرة كانعكاس للعلاقات غير المتكافئة بين البلدان الفقيرة والبلدان الغنية، وأخرى عن ارتفاع أسعار الغذاء على مستوى أسواق الجملة الدّولية، وفقرة عن نموذج من تعدد الإضرابات في ألمانيا، وآخرها تهديد عمال البناء بإضراب  من أجل تجديد عقد العمل الجماعي (الإتفاقية المشتركة) بشروط أفضل من العقد السابق      

 

في جبهة الأعداء – دعم أمريكي – 1

تضمن الولايات المتحدة الأمريكية قُروض الكيان الصهيوني، ما مَكّن الحكومة الصهيونية من جَمْع 42 مليار دولارا من الدّيون بشروط مُيسّرة (بفضل الضمانات الأمريكية) سنة 2023، من بينها 20 مليار دولارا لتغطية نفقات الحرب العدوانية بين السابع من تشرين الأول/اكتوبر وأواخر شهر كانون الأول/ديسمبر 2023، أي في أقل من 3 أشهر، وفق وزارة المالية الصهيونية… 

تُقدّم الإمبريالية الأمريكية الدعم المالي للكيان الصهيوني فضلاً عن الدّعم العسكري السنوي بقيمة 3,8 مليارات دولارا، يتم تجديده كل عشر سنوات، وهو دعم مجاني، وليس في شكل قُروض، وآخرها دعم أقره البيت الأبيض بقيمة 17 مليار دولارا خلال شهر نيسان/ابريل 2024، قبل الدعم الذي أقره الكونغرس بقيمة 26 مليار دولارا، وقبل ذلك أرسلت الولايات المتحدة أسلحة وعتادًا للجيش الصهيوني ومن بينها 25 طائرة مقاتلة من طراز إف 35 التي رفضت الولايات المتحدة بيعها إلى بعض الدّول، بما فيها بعض أعضاء حلف شمال الأطلسي، ووفرت 35 ولاية ومدينة أمريكية 1,7 مليار دولارا لدعم العدوان الصهيوني على فلسطينيي غزة، وفق موقع صحيفة واشنطن بوست بتاريخ الثاني من نيسان/ابريل 2024، وساعدت الهِبات الأمريكية والألمانية حكومة العدو على شراء وصيانة الأسلحة، وتسديد أجور جنود الاحتياط، والتعويضات للمتضرّرين وإيواء النازحين، ودعم القطاعات الاقتصادية التي تضررت من الحرب…

طلبت حكومة الولايات المتحدة من الإحتياطي الإتحادي والمصارف والمؤسسات المالية وصناديق التّحوّط ومن الشركات الأمريكية شراء السندات التي تطرحها الحكومة الصهيونية بواسطة مؤسّسة «إسرائيل بوندز» وهي إحدى الوسائل أو الأَذْرُع المالية التي تقترض عبرها الدولة الصهيونية، من خلال إصدار سندات دين وأوراق مالية، التي تعيدها «الدولة» مع الفوائد المترتبة عليها عند استحقاقها، وهي تابعة لوزارة المالية الصهيونية، لكنها مسجّلة في الولايات المتّحدة باسم «مؤسّسة التنمية لإسرائيل»، وتقوم بإصدار سندات دين حكومية لجمع المال من مستثمري أمريكا الشمالية (كندا والولايات المتحدة والمكسيك ) وأوروبا، وباعت سندات دَيْن بقيمة مليار دولارا خلال شهر تشرين الأول/اكتوبر 2023، وبقيمة ثلاث مليارات دولارا خلال ستة أشهر من العدوان، و 1,7 مليار دولارا من الولايات الأمريكية، وبلغت قيمة السندات الدّولية التي باعها الكيان الصهيوني للمساهمة في تمويل الحرب ثماني مليارات دولارا بين السابع من تشرين الأول/اكتوبر 2023 والواحد والثلاثين من آذار/مارس 2024، وارتفع الدّين الحكومي الصهيوني (الدّاخلي والخارجي) من من 295 مليار دولار سنة 2022 إلى 311 مليار دولارا بنهاية سنة 2023، لكن الضمانات الأمريكية والألمانية والأوروبية تجعل كيان الإحتلال في مأمن من الإفلاس في الفترة الحالية…

 

في جبهة الأعداء – 2

نشطت حركة مقاطعة منتجات الشركات الداعمة للكيان الصهيوني، وتأثّرت العديد من العلامات التجارية مثل ستاربكس وماكدونالدز وكنتاكي وكارفور وغيرها، حيث أغلقت العديد من المحلات وانخفضت قيمة أسهم العديد من الشركات الدّاعمة للكيان الصهيوني ومن بينها شركة مقاهي ستاربكس الأمريكية التي انخفض سهمها منذ 16 تشرين الثاني/نوفمبر ولم يتمكّن من العودة إلى مستواه السابق، بفعل توسّع نطاق المُقاطعة، وأعلنت شركت ماكدونالدز إعادة شراء الامتياز الخاص بمحلاتها من شركة ألونيال في فلسطين المحتلة التي تستغل العلامة التجارية لماكدونالدز وتمتلك 225 مطعما يعمل بها أكثر من خمسة آلاف شخص، كما انخفضت قيمة أسهم العديد من الشركات الدّاعمة للكيان الصهيوني ومن بينها شركة مقاهي ستاربكس الأمريكية التي انخفض سهمها منذ 16 تشرين الثاني/نوفمبر ولم يتمكّن من العودة إلى مستواه السابق، بفعل توسّع نطاق المُقاطعة…

تُعَدُّ شركة “أمريكانا للمطاعم” أكبر مشغل مطاعم الشركات العابرة للقارات في الوطن العربي وبعض بُلْدان آسيا الوسطى، منذ نحو نصف قَرْن، ومن بين هذه العلامات التجارية: دجاج كنتاكي وبيتزا هت وهارديز وكريسبي كريم وتي جي آي فرايدايز، إلى جانب بيتس كوفي ويمبي وتشكن تكا، وكشف تقرير صادر عن الشركة المختصة “فيردكت فود سيرفيس”، انخفاض إجمالي الإيرادات بنسبة 16% خلال الربع الأول من سنة 2024، مقارنة بنفس الفترة من سنة 2023، وتراجعًا كبيرًا في الأداء المالي للمطاعم التي تُشرف على إدارتها “أمريكانا إنترناشيونال” -عملاق مطاعم الخدمة السريعة- خلال الربع الأول من سنة 2024، حيث انخفض صافي الدخل العائد إلى مساهمي الشركة الأم بنسبة 51,8% مقارنة بنفس الفترة من سنة 2023، بفعل انخفاض المبيعات مباشرة إِثْرَ العدوان الصهيوني الهَمَجِي الذي لا يزال مستمرًّا، والذي عَزّز حملة مقاطعة مطاعم أمريكانا وغيرها من الشركات الأخرى، وفق وكالة أسوشيتد برس 07 أيار/مايو 2024

 

في جبهة الأعداء – أمريكا عدو مباشر – 3

يحصل الكيان الصهيوني، منذ تأسيسه، على حصة الأسد من “المساعدات الخارجية” الأميركية، وبلغت هذه الحصة قرابة 160 مليار دولارا، بين سنتَيْ 1948 و 2023، وفق البيانات الرسمية الأميركية، لكن بيانات “الوكالة الأميركية للتنمية الدولية” تُشير إن حجم المساعدات المقدّمة للكيان الصهيوني أكبر بكثير مما جاء في التقديرات الرسمية، وبلغت نحو 260 مليار دولار، ومعظمها مساعدات عسكرية بنحو 125 مليار دولارا خلال نفس الفترة، فضلا عن الدّعم الأمريكي المباشر لقطاعات التعليم والبحث العلمي والصحة والطاقة لدولة الإحتلال الإستيطاني الصهيوني التي تعتبرها الإمبريالية الأمريكية شريكا استراتيجيا في قلب الوطن العربي، خلال فترة الحرب الباردة كما بعد انهيار الإتحاد السوفييتي حيث تغيّرت أولويات الولايات المتحدة، لكن لم يتغير موقع الصّهيوني في الإستراتيجية الأمريكية، بل اتّسعت رقعة العدوان الصهيوني واتّسع نفوذه ليبلغ المُحيط الأطلسي (المغرب) والخليج…

تُشير بيانات وزارة المالية الصهيونية ودراسة ميزانية دولة العدو إلى أهمّية الدّعم الأمريكي (والألماني و”الغربي”) وتُشير هذه البيانات إلى توقيع عقود تسليح أمريكي للجيش الصهيوني بقيمة تقارب خمسة مليارات دولارا، خلال الربع الأخير من سنة 2023، أي خلال ثلاثة أشهر من العدوان، فضلا عن عقود أخرى لتوريد معدّات وسلع أمريكية بقيمة 6,7 مليار دولارا، خلال نفس الفترة، وتتوقع وزارة المالية الصهيونية ارتفاع قيمة المساعدات الأمريكية والواردات من الشركات الأمريكية خلال سنة 2024 والسنوات القادمة، وزيادة اعتماد دولة العدو على الدّعم الأمريكي المُباشر، على ضوء ارتفاع التكلفة العسكرية المباشرة للحرب إلى 4,6 مليارات دولار، وارتفاع قيمة الذّخيرة العسكرية المستخدمة إلى نحو 2,8 مليار دولارا، ونفقات استدعاء جنود الاحتياط للخدمة والخدمات اللوجيستية العسكرية، خلال الربع الأخير من سنة 2023، وقَدّر تقرير المحاسب العام لحكومة العدو أن هذه المبالغ لا تعكس الواقع، فالتكلفة الفعلية للنفقات العسكرية أعلى بكثير، وتتجاوز ثمانية مليارات دولارا، خلال الفترة من تشرين الأول/اكتوبر 2023 إلى آذار/مارس 2024، فضلا عن قطع الغيار ومركبات النقل العسكري وسيارات الإسعاف وأنظمة الصواريخ، وبطاريات القُبّة الحديدية وطائرات آلية وغيرها، وتزيد قيمة هذه الذخائر والمعدات عن 14 مليار دولارا، كان بعضها في شكل هدية أمريكية والبعض الآخر في شكل دُيُون بضمانات الحكومة الإتحادية الأمريكية، وأشارت صحيفة وول ستريت جورنال إلى ارتفاع احتياجات الجيش الصهيوني إلى الوقود (البنزين والدِّيزل) ولوازم الجيش الأخرى من ملابس وغذاء الخ…   

تُوفّر الإمبريالية الأمريكية المال والسّلاح وتضمن القُرُوض لجمع المال الذي يحتاجه الكيان الصهيوني لتنفيذ عدوانه ولاستمرار الإبادة والتخريب، وتُشجّع الشركات الأمريكية على الإستثمار في فلسطين المحتلّة وتسمح للمنظمات الصهيونية بجمع التبرعات لصالح الإحتلال، بل يُشارك أقطاب الحكومة الإتحادية في جمع التبرعات مثل نائبة الرئيس، ورئيسة البعثة الأمريكية بالأمم المتحدة، والرئيسة السابقة لمجلس النّوّاب وغيرهم ممن يتحملون مسؤوليات رسمية… 

 

من تداعيات العدوان – 1

أدت الهجمات التي تشنها المقاومة اليَمَنِيّة، دعمًا للشعب الفلسطيني إلى تعطيل حركة السّفن التجارية التي تعبر البحر الأحمر وقناة السويس، فيما غَيّرت العديد من الشركات مسار السفن بين آسيا وأوروبا، عبر الطرف الجنوبي لأفريقيا ( رأس الرّجاء الصالح) وإضافة مئات الكيلومترات والعديد من أيام السّفر، وأعلنت شركة “ميرسك” الدنماركية العملاقة يوم الإثنين 06 أيار/مايو 2024 (وفق برقية وكالة رويترز بنفس التاريخ) “إن تعطل شحن الحاويات في البحر الأحمر آخذ في الارتفاع”، وتتوقّع الشركة أن يؤدي ذلك إلى “خفض قدرة الصناعة بين آسيا وأوروبا بنسبة تصل إلى 20% خلال الربع الثاني من سنة 2024″، بفعل تحويل مَسار السفن حول رأس الرجاء الصالح منذ كانون الأول/ديسمبر 2023 لتجنب قصف المقاومة اليمنية للسفن المرتبطة بالكيان الصهيوني في البحر الأحمر، ثم توسع القصف ليشمل مناطق أبْعَدَ من البحر الأحمر، وليستهدف سفن الدّول التي تدعم الكيان الصهيوني وتعتدي على الشعبَيْن الفلسطيني واليمني”، وأدّى ذلك إلى إطالة رحلة السّفن وارتفاع قيمة التكاليف الإضافية والوقود بنسبة 40% لتوصيل البضائع إلى وجهتها، في كل رحلة، وقدّرت شركتا ميرسك الدنماركية وشركة “هاباغ لويد” الألمانية “إن توجيه حركة المرور بعيدا عن قناة السويس، ستنخفض حجم نشاط التجارة البحرية وطاقة الحاويات بين آسيا وشمال أوروبا والبحر الأبيض المتوسط وحتى السواحل الشرقية والغربية لأمريكا الجنوبية، بنسبة تتراوح بين 15% و20% خلال الربع الثاني من سنة 2024…

 

من تداعيات العدوان – 2

أدّت مُقاطعة الشركات الدّاعمة للعدوان الحالي للكيان الصهيوني، منذ السابع من تشرين الأول/اكتوبر 2023 إلى إزعاج العديد من الشركات الرأسمالية العابرة للقارات، من بينها كوكا كولا وماكدونالدز وبيتزا هت وبابا جونز وعديد العلامات التجارية الأميركية والغربية مثل شركة ستاربكس الأميركية للمقاهي التي تم اتهامها ( على حَقّ) منذ أكثر من 20 عاما بدعم الكيان الصهيوني، وعلى سبيل المثال كرّم الإحتلال سنة 2014 رئيس الشركة في حينها هوارد شولتز، خلال الإحتفالات بالذكرى الخمسين لتأسيس صندوق القدس، وافتتحت ستاربكس أول فروعها في فلسطين المحتلة بالشراكة مع الشركة الصهيونية للطاقة “ديلك” في أيلول/سبتمبر 2001، وارتفع عدد فروعها إلى ثمانين فرعًا سنة 2005…

ارتفعت أرباح شركة ستاربكس خلال الربع الثالث من سنة 2023 ( نهاية أيلول/سبتمبر 2023) وارتفعت إيراداتها بنسبة 11% على أساس سنوي، إلى 9,4 مليارات دولار، وواصل سعر أسهمها ارتفاعه في بورصة وول ستريت حتى منتصف تشرين الثاني/نوفمبر 2023، بحسب بيانات الشركة، وأدّت حملة المقاطعة التي تكثفت منذ عدوان السابع من تشرين الأول/اكتوبر 2023، وشملت العديد من الشركات إلى انخفاض قيمة سهمِ الشركة واتخاذها مسارًا نُزُزليا وتراجع بنسبة 10,3% مقارنة مع ذروة 2023  وتراجع خلال الربع الأول لسنة 2024 بنسبة 4% مقارنة مع نهاية 2023، وتراجع مبيعات ستاربكس لأول مرة منذ 2020 وأعلنت شركة ستاربكس يوم الثلاثين من نيسان/ابريل 2024 عن أرباح وإيرادات ربع سنوية أضعف من المتوقع، “بفعل الضغوط التي نواجهها في  الشرق الأوسط وبعض البلدان الإسلامية في آسيا”…

 

الإستعمار الأكاديمي

يُعتَبَر الحراك الطّلابي المُناهض للعدوان الصهيوني بالجامعات الأمريكية استمرارًا للإحتجاجات على ارتفاع حجم وقيمة دُيُون الطّلبة، وضد رفع رُسُوم التعليم الجامعي ( التي تستثمر الجامعات جزءًا منها في صناعة الأسلحة وفي اقتصاد الكيان الصهيوني) والتخفيضات المقترحة في أعداد الطّلاب التي من شأنها إقصاء ثلث عدد الطلاب والعديد من الدورات الدراسية، وقد أثارت هذه التخفيضات غضبًا واسع النطاق، وكانت تلك الإحتجاجات مناسبة لعقد اجتماعات عامة جماهيرية مفتوحة واتخاذ القرارات بشكل جماعي، وبقي هذا الشكل من الدّيمقراطية القاعدية المُباشرة سائدًا خلال الحركة الحالية التي يقودها الطلاب ضد الإبادة الجماعية في غزة والتي تجتاح الجامعات في جميع أنحاء الولايات المتحدة، وتطورت المطالب لتصبح بمقاطعة الجامعات ومؤسسات البحث الصهيونية وسحب استثمارات الجامعات الأمريكية من فلسطين المحتلة، مطلبا مركزيا وعدت بعض الجامعات بطرحه في مجالس الإدارة، وصوتت جمعيات عمومية مفتوحة في بعض الجامعات على تقديم أربعة مطالب لإدارة الجامعة، مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بمطالب المعسكرات الأخرى في جميع أنحاء البلاد: الكشف عن الروابط المالية واستثمارات الجامعات في المؤسسات الصهيونية وآلة الحرب، وسحب تلك الأموال، والدفاع عن حقوق التعبير والعمل السياسي. في الحرم الجامعي، وإصدار إدارة الجامعات بيانًا رسميًّا ضد الإبادة الجماعية…

استلهم الطلبة الأمريكيون من أساليب الحركة المناهضة للميز العنصري في جنوب إفريقيا بخصوص مطالب المُقاطعة وسحب الإستثمارات ونجحوا في الربط بين رفع رسوم التعليم واستثمار جزء منها في اقتصاد الكيان الصهيوني، ووافقت بعض الجامعات ومن بينها جامعة براون التي وافقت على بحث سحب الاستثمارات استجابة لمطالب الطلاب، ما يعني إنهاء تواطؤ مؤسسات التعليم العالي الأميركية التي تُعَد قوى اقتصادية ذات ثروات هائلة، شبيهة بالشركات الكبرى، وأظْهرت بيانات طلبة جامعة هارفارد إن جامعتهم تمتلك وَقْفًا (صندوقًا) بقيمة أربعين مليار دولارا، سنة 2020، استثمرت منها ما يقرب من مائتَيْ مليون دولارا في شركات لها علاقات بالاحتلال الصهيوني لفلسطين، وسبق أن كشف طُلاّب هذه الجامعة – سنة 1985 – استثماراتها في جنوب إفريقيا أثناء سيادة نظام الفصل العنصري، وأدّى الحراك – الذي بدأ منذ حوالي عقْدَيْن – من أجل المُقاطعة إلى سحب استثمارات جامعات كورنيل ومعهد ماساشوتس للتكنولوجيا وجامعة سنترال فلوريدا وجامعة ميشيغان وجامعة نورث وسترن، وجامعة مينيسوتا وغيرها، من اقتصاد الكيان الصهيوني، ويمكن لنشاط حركة المقاطعة أن يُثْنِيَ بعض مؤسسات التعليم أو الشركات عن الإستثمار في اقتصاد الإحتلال، رغم إصدار مجلس النواب الأمريكي، سنة 2019، قرارًا يدين حركة المقاطعة…

 

هجرة

نشرت منظمة التعاون الإقتصادي والتنمية (Organization for Economic Cooperation and Development )، يوم الثاني من أيار/مايو 2024، تقريرًا يتضمن بيانات عن دَوْر الهجرة  الإيجابي في بعض اقتصادات الدّول المُنْتَمِية لها (أي 34 من الدّول الغنية ) واختار التقرير نماذج من بينها الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا وأستراليا حيث عَوّضت الهجرة النقص الحاد في اليد العاملة ودعمت النمو سنة 2023، وسَجَّلَت المُنظّمة أكبر مُساهمة للهجرة في نمو الناتج المحلي الإجمالي ونمو القوى العاملة في البرتغال وأيرلندا وكندا وإسبانيا وأستراليا، وقُدِّرت مُساهمة العمالة المولودة في الخارج في نمو الناتج المحلي الفرنسي بنحو 0,5%

كما أظهرت أرقام منظمة التعاون والتنمية أنّ الاقتصاد العالمي تأثّر بقوة منذ تفشّي جائحة كوفيد -19 بسبب ارتفاع معدلات نقص اليد العاملة في كلّ من منطقة اليورو والولايات المتحدة واليابان، واحتدّ الجدل بشأن المساهمة الإيجابية أو السلبية للهجرة في الاقتصاد، وأصبح الموضوع محل مُزايدات أثناء الحملات الإنتخابية، وتدّعي القُوى الرجعية في أوروبا وأمريكا الشمالية إن تدهور ظروف عيش العاملين والفقراء وتدهور أمن الأشخاص وارتفاع حجم الإجرام مرتبط بوجود المهاجرين في هذه البلدان، وليس نتيجة فرض نمط الإنتاج الرأسمالي النيوليبرالي، وبذلك نجحت قوى اليمين “المعتدل” والمتطرف في رَفْع عدد نوابها في البرلمانات وفي تقسيم الطبقة العاملة والفُقراء، في حين تُشير أرقام البنك العالمي في “تقرير عن التنمية في العالم: المهاجرون واللاّجئون والمُجتمعات” الذي يدرس بيانات سنة 2023، وقَدَّرَ مُعِدُّو التقرير عدد المهاجرين في العالم بنحو 184 مليون، من بينهم 37 مليون لاجئ، ويمثل هؤلاء المهاجرون نسبة 2,3% من إجمالي سكان العالم، وتستوعب الدّول مرتفعة الدّخل نحو%40  من إجمالي المهاجرين منهم 64 مليون مهاجر لأسباب اقتصادية، ونحو 10 ملايين لاجئ، فيما يُقَدّر عدد المهاجرين بالخليج بنحو 31 مليون ونسبتهم بنحو 17% من إجمالي المهاجرين على مستوى العالم، وتُقدّر نسبتهم بنحو 90% من العدد الإجمالي لسكان دُوَيْلات مثل الإمارات أو قَطَر، وتستقبل الدول المنخفضة والمتوسطة الدخل نحو 43% من إجمالي المهاجرين على مستوى العالم أي أكثر من الدّول الغنية، وغالبًا ما تكون الهجرة قَسْرِيّة بسبب الفقر وشُحّ الوظائف أو بسبب الحُروب والنزاعات – التي تُطْلِقُها الدّول الغنية في معظمها – وهي ليست عبئًا على الدّول الغنية بل تُؤكّد جميع البيانات إن مَرْدُودَها إيجابي على مشاريع التنمية وعلى اقتصاد الدول المُضَيّفَة وارتفع خلال السنوات الأخيرة عدد المهاجرين من ذوي الخبرات والمؤهلات إلى الدول المتقدمة التي انخفض بها معدل الإنجاب وارتفع عدد المُسنِّين بالهرم السكاني، وعلى سبيل المثال فإن دول الإتحاد الأوروبي لديها أقل معدل خصوبة ( 1,5% ) مقارنة بباقي دول العالم (2,3%) وفق بيانات سنة 2021 ويتقدّم الإتحاد الأوروبي كافة مناطق العالم بخصوص عدد السكان الذين تتجاوز أعمارهم 65 عاما بنسبة 21% بينما يبلغ المتوسط لعالمي 10% ويبلغ 3% في البلدان الفقيرة المثقلة بالديون، ويبلغ 5% في الوطن العربي…

تمارس الدول المرتفعة الدخل -الدول الأوروبية ودول الخليج- الهجرة الانتقائية التي تتوافق مع احتياجاتها للكفاءات التي يتمتع بها المهاجرون من الدول الفقيرة، وخصوصًا تلك التي تعاني من نزاعات مسلحة، ليتمتع اقتصاد الدّول الغنية بكفاءات جاهزة أنفقت على تعليمها وتأهيلها شُعُوب وأُسَر فقيرة، وتساهم هذه الخبرات في تحقيق التنمية والرخاء بالدّول الغنية، وبخصوص اللاجئين لا تستقبل الدّول الغنية (التي تُشعل الحروب وتنهب ثروات البلدان الفقيرة) سوى عشرة ملايين لاجئ بينما تستوعب الدول المنخفضة والمتوسطة الدخل 27 مليون لاجئ…

تعكس حركة واتجاهات الهجرة نوعية العلاقة بين الدّول الإمبريالية والدول الواقعة تحت الهيمنة الإقتصادية والسياسية والعسكرية وتعكس التبادل غير المتكافئ كجزء من العلاقات غير متكافئة بين الدول الغنية والدول الفقيرة التي تُؤَبِّدُ علاقات التّبَعِية، ولذا لن تتطور الدّول الفقيرة دون القَطْع من هذا النمط من العلاقات. 

 

غذاء

تَنْشُر منظمة الأغذية والزراعة ( فاو) التابعة للأمم المتحدة، بنهاية كل شهر مؤشر ارتفاع الغذاء في أسواق الجملة الدّولية (وهي لا تعكس أسعار البيع بالتجزئة، أو حتى أسعار الجملة بالأسواق المَحَلِّية) اعتمادًا على أسعار مجموعة مواد اختارتها المنظمة (الحبوب ومشتقاتها والزيوت النباتية والسّكّر واللحوم والألبان ومشتقاتها) وأعلنت المنظمة انخفاضات قياسية لم يستفد منها أي مواطن في العالم، بل استفادت منها شركات المُضاربة بالغذاء، وبنهاية شهر آذار/مارس 2024، ارتفع مؤشر المنظمة ( فاو) للأغذية من أدنى مستوياته خلال ثلاث سنوات مدفوعا بارتفاع أسعار الزيوت النباتية واللحوم ومنتجات الألبان، وذكرت وكالة رويترز يوم الجمعة 05 نيسان/ابريل 2024، نقلا عن المنظمة أن مؤشر الأسعار -الذي يقيس التغيرات في أسعار السلع الغذائية الأولية الأكثر تداولا عالميا- سجل ارتفاعا عن مستوى أسعار شهر شباط/فبراير 2024 التي كانت الأدنى منذ شباط/فبراير 2021، وكان انخفاض شهر شباط هو السابع على التوالي، وهو ما لم يشعر به مواطنو العالم حيث بقيت أسعار التجزئة مرتفعة جدًّا، وقدّرت منظمة فاو ارتفاع أسعار الزيوت النباتية مارس/آذار بنحو 8% على أساس شهري، ومنتجات الألبان بنحو 2,9 %، واللحوم بنسبة 1,7 %، فيما انخفض مؤشر فاو للحبوب بنسبة 2,6% على أساس شهري ومؤشر السكر بنسبة 5,4%…

من جهة أخرى قدّرت منظمة الأغذية والزراعة إنتاج الحبوب خلال موسم 2023-2024 بنحو 2,841 مليار طن، ويتضمن إنتاج القمح الذي يُعادل 796 مليون طن، بانخفاض طفيف عن التوقعات السابقة بفعل توقعات انخفاض محاصيل الاتحاد الأوروبي وبريطانيا بعد هطول أمطار أضرت بالمحاصيل، وكذلك بسبب ظروف الجفاف في بعض المناطق الأخرى من العالم، فيما تتوقع المنظمة انخفاض إنتاج الذّرّة لكنه سوف يظل أعلى من متوسط السنوات الخمس الماضية

ارتفعت أسعار المواد الغذائية العالمية خلال فترة انتشار وباء كوفيد 19، ثم مرّة أخرى في بداية الحرب في أوكرانيا لتصل إلى أعلى مستوى لها سنة 2022، وارتفعت أسعار المواد الغذائية بأسرع من ارتفاع أسعار المنتجات الأخرى، حيث تضاعف بين عامي 2021 و2022، وتضاعف مؤشّر أسعار المستهلك للغذاء ثلاث مرات، بحسب مؤشّر أسعار الغذاء الصادر عن منظّمة الأغذية العالمية الذي يُشير إلى انخفاض أسعار الغذاء في أسواق الجملة الدّولية، سنة 2023 وهو أمر لا ينعكس على أسعار الغذاء في محلات التجزئة، وتُشير هذه البيانات إلى إن الأزمة لا تتعلق بانخفاض الإنتاج الغذائي، فالعام ينتج أكثر مما يستهلك، لكنها مسألة احتكار، فعلى مدى السنوات العشرين الماضية، تجاوز إنتاج الحبوب العالمي المخزونات المتاحة، وأدّت زيادات أسعار المواد الغذائية إلى ارتفاع نسبة الفَقْر حيث كان نحو 9,2% من سكّان العالم يعانون من الجوع سنة 2022، بزيادة قدرها 122 مليون شخص منذ العام 2019، ولكن كما توضح احتجاجات المزارعين سنتي 2023 و 2024، لم يستفد صغار الفلاحين من الزيادة في أسعار المواد الغذائية، وعزت منظمة الأغذية والزراعة (فاو) والمسؤولون التنفيذيون في الشركات الزيادات الأخيرة في أسعار المواد الغذائية إلى اضطراب سلاسل توريد النفط والغاز والأسمدة والسلع الأساسية، ولكن هذه التبريرات خَادعة لأنها لا تأتي على ذكر أسباب أخرى منها سياسات “التّكيّف الهيكلي” الذي فرضه البنك العالمي وصندوق النقد الدّولي، وتقنيات “الثورة الخضراء” (البذور المهجّنة والمبيدات الكيماوية والأسمدة) في جميع أنحاء العالم

يتمحور إنتاج السلع الغذائية (القمح والأرز والذرة وفول الصويا وزيت النخيل) في مناطق قليلة من العالم مُكرّسة بالكامل للإنتاج الصناعي الضخم للزراعات الأحادية المعتمدة على توريد المدخلات، وتتركّز في يد عدد قليل من الشركات التي تتحكّم في غذاء مليارات الناس، واعتماد معظم الدول الفقيرة على الواردات الغذائية بسبب السياسات المفروضة عليها من قِبَل صندوق النقد الدّولي والبنك العالمي ومنظمة التجارة العالمية واتفاقيات التجارة الحرة، ومُضاربة الشركات العابرة للقارات بالغذاء، وهي المسؤول الأول عن تقلّبات وارتفاع أسعار المواد الغذائية بنسبة 54% خلال تسعة أيام بعد بداية الحرب في أوكرانيا، وارتفعت الإستثمارات في العقود الآجلة للسلع الأساسية والمضاربة في سوق القمح في باريس من 35 مليون يورو في كانون الأول/يناير 2021 إلى 1 مليار يورو في آذار/مارس 2022 فارتفعت أرباح شركات تجارة الأغذية العالمية التي تسيطر على 73% من تجارة الحبوب والبذور الزيتية العالمية بالإضافة إلى 1 مليون هكتار من الأراضي الزراعية، وهي شركات لا تخضع للقيود أو اللوائح المفروضة على عمل الجهات المالية في أسواق تجارة السلع، ما يجعلها تتحكم في الأسعار ومسؤولة عن ارتفاع نسبة التّضخّم، وتُسيطر أربع شركات احتكارية ( باير وكورتيفا وسينجينتا وباسف ) على نصف سوق البذور وعلى 75% من سوق الكيماويات الزراعية العالمية وتضاعفت أرباحها بأكثر من ثلاثة أضْعاف بين سنتَيْ 2018 و 2022 فيما انخفضت إيرادات صِغار الفلاحين

شجّع البنك العالمي ووكالات دولية أخرى “تحرير الأسواق الزراعية” وحَظْرَ سياسات حماية المزارعين على الدّول المُقْتَرِضة، فيما واصلت دول أمريكا الشمالية وأوروبا واليابان وأستراليا دَعْم الإنتاج الفلاحي والصناعي وقطاع الخدمات وغيرها، وارتفعت استثمارات بنوك الإستثمار وشركات تداول السلع الأساسية في تسويق السلع الأساسية، وسعى كبار المستثمرين المؤسسيين (كصناديق المعاشات التقاعدية) إلى تنويع استثماراتهم في السلع الأساسية ومشتقاتها، ما زاد من المضاربة على أسعار المواد الغذائية، وتضاعفت عمليات الاندماج والاستحواذ، ما أرسى الأسس لاحتكار قُوت النّاس والمُضاربة بالغذاء.

 

ألمانيا

قبل أكثر من عِقْدَيْن شن عُمال البناء (حزيران 2002) في كافة الولايات الألمانية ( 16 ولاية) إضرابا طويلا، من أجل زيادة الرواتب بنسبة 4,5% فيما عَرَضَ اتحاد أرباب العمل زيادة بنسبة 3% مُوزّعة على أقساط، وتحتوي شروطا تجعل الزيادة الفعلية بنسبة 1,7% وهو ما رفضه اتحاد عمال البناء آنذاك، ويتكرر الأمر سنة 2024، بعد إضرابات وسائل النقل وموظفي القطاع العام، رفضت جمعية أرباب العمل اتفاقية الأجور التي تقدّمت بها نقابة عُمّال البناء (IG BAU ) وتضم حوالي مليون عامل، ما أفضى إلى اتخاذ قرار الإضراب غير المسبوق منذ 2002، وسبق أن تم تلافي الإضراب سنة 2021، وَيَنُصُّ اتفاق الرواتب الذي قدّمته النقابات – بعد مُصادقة العُمّال، خلال نيسان/ابريل 2024 – على زيادة شهرية قدرها 250 يورو ابتداء من 1 أيار/مايو 2024 وزيادة بنسبة تتراوح بين 4,15% و 4,96% ابتداء من أول نيسان/ابريل 2025 وتحسين أجور العُمّال المُتَدَرّبين وقد يُؤَدِّي الإضراب إلى تأخير مشاريع الإسكان والطرقات السريعة والبناء الصناعي.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.