في الذكرى السادسة والسبعين للنكبة الفلسطينية / فيحاء عبد الهادي




فيحاء عبد الهادي ( فلسطين ) – الأربعاء 29/5/2024 م …

تروي المرأة الفلسطينية حكايتها الشخصية، وحكاية شعبها التاريخية، دون كلل أو ملل؛ منذ عام 1948.
تروي بعين مبصرة ناقدة، وقلب مكلوم، ومرارة كبيرة، من جانب، وبثقة عالية بنفسها، وبشعبها، وبعدالة قضيتها، من جانب آخر.
تروي لا لتتحسَّر على الماضي الجميل فحسب؛ بل كي تضع يدها على الجرح، لتحدِّد بوضوح الأطراف المسؤولة عن النكبة الأولى: الإنجليز والعرب، وقبلهم وبعدهم القوات الصهيونية.
تروي وفي بالها الوطن الذي كان، والذي ما زال، والذي سوف يكون.
*****
روت «فاطمة الصالح شمالي»، – مواليد عام 1925، والمهجّرة من العلمانية (شرق صفد)، والتي تقيم في مخيم برج البراجنة  – عن مسؤولية سلطات الانتداب البريطاني عن احتلال فلسطين، ودورها في دعم الصهاينة عسكرياً، حيث أمدّتهم بالمعدّات الثقيلة، التي ساعدتهم على احتلالها، وتهجير الفلسطينيين من أراضيهم عام 1948:
«على دور ما كُنا كان الانكليز، وكنّا أطفال مكيّفين، كانت الانكليز محتلة فلسطين، إجا الانكليز أنطا للصهاينة المعدّات الكبيرة، كان بين الإنكليز وبين الصهاينة شرط إذا احتلينا 30 سنة، عقب 30 سنة بنسلّمكم فلسطين، سلَّموا لليهود المعدات الكبيرة».
وبيَّنت تحيّز الإنجليز الصارخ للصهاينة، حيث سلّموا القوات الصهيونية الأسلحة الثقيلة، بينما اعتقلوا وحاكموا ونسفوا بيت كل فلسطيني يحمل أي قطعة من السلاح، مهما كانت بدائية، وهذا ما جعل النتيجة تكاد تكون محسومة: «بارودة ما تناطح دبابة».
ورغم عدم تكافؤ السلاح بين يدي المقاومة الفلسطينية، والقوات الصهيونية «الشعب كان يقاتل إسرائيل ببارودة»؛ إلاّ أنها تحدثت عن شجاعة الشباب الفلسطينيين، الذين تصدوا بقوة للاعتداءات المتوالية والعدوان المستمرّ من القوات الصهيونية، واعتبرت أن المقاومة الباسلة جعلت الشعب الفلسطيني منتصرًا: «كانوا يِجوا المسلحين يوقفوا لهم ع الطرقات. كسروهم ألف مرة.  كنا منتصرين، وكل الشعب كان منتصر».
وبالإضافة إلى مسؤولية سلطات الانتداب البريطاني؛ ألقت «فاطمة شمالي» اللوم على العرب، الذين مهّدوا الطريق للقوات الصهيونية، حين أصدروا الأوامر لجيش الإنقاذ بالانسحاب من فلسطين، واعتبرت أن الشعب الفلسطيني لم ينكسر أبدًا، وأن بيع فلسطين لليهود، وليس قوة وبأس القوات الصهيونية؛ هو ما تسبّب في نكبة الفلسطينيين، وبالتحديد حين صدرت الأوامر إلى جيش الإنقاذ أن يغادر المدن التي يتواجد فيها: «إللي كسر فلسطين مش اليهود، إللي كسرتها العرب، كان جيش التحرير الفلسطيني منتصر (جيش الإنقاذ الفلسطيني)، بسّ إجا الأمر يطلعوا من المغافر، منين الأمر إجا؟ من العرب إجا، لمَّن طلع الجيش استلموا اليهود، لمّا استلمت اليهود إحنا بلدنا طلعت».
ومنذ بداية روايتها حتى نهايتها لم تغفل فاطمة عن مسؤولية القوات الصهيونية، التي طهّرت بلدها العلمانية (14كم شمال شرق صفد) عرقيًا يوم 20 نيسان، 1948، واقترفت العديد من المجازر؛ التي ساهمت بشكل رئيس في تهجير شعبها الفلسطيني.
تحدثت عن مجزرة دير ياسين (غرب القدس)، ومجزرة الحسينية (11كم شمال شرق صفد): «فاتوا عليها ديرياسين، فاتوا عليهم ببيوتهم دبحوهم، وبلد اسمها الحسينية حدّينا، فاتوا عليهم بالسر دبّحوهم كلها، خافت العالم طلعت».
*****
وتروي فاطمة رحلة تهجيرها القاسية من العلمانية، إلى عترون (قضاء بنت جبيل في لبنان حيث بقيت مدة سنتين، إلى برج الشمالي).
أقفلت فاطمة وعائلتها باب بيتهم، على أمل العودة القريبة، ومشوا عشر ساعات في طريقهم، دون طعام أو شراب «بالجوع والعطش والخوف»، وشاهدوا مقتل امرأة اسمها «علياء» أمام أعينهم «تقوّصت على الطريق، هي وفرس وحمير تنين»، إلى أن وصلوا عِترون (قضاء بنت جبيل في لبنان)، وتمكنوا من دفن الشهيدة فيها، ثم توجّهوا إلى برج الشمالي، حيث استلمتهم الأونروا؛ لتوفر لهم شوادر للسكن، وبعض الطعام والشراب، وليعيشوا قسوة وبؤس وعذاب التهجير «حياة كلها مرار بمرار وعذاب بعذاب».
ووصفت فاطمة حياتها وحياة النساء الفلسطينيات القاسية، بعد التهجير؛ استخدمت البطانيات لعمل عباءات كي تلبسها، واضطرّت إلى العمل الشاق لتدبّر أمور حياتها اليومية، وتساهم في تعليم أولادها أو أشقائها؛ حيث عملت العديد من النساء منذ مطلع النهار في الحليشة (الحصاد)، منذ مطلع الشمس إلى غروبها: «تطلع النسوان الصبح، ونضلّ نشتغل، حليشة عدس، حليشة حمص، حليشة لوبيا، والصبح يخدونا بهالسيارات ونضلّ للمغرب، ناخد ليرتين، الزلمة بـ 75، نروح نجيب سكر، بِـ فرنك شاي وبِـ فرنك سكر، عيشة فقر وعيشة عذاب، متل بلادك يعني؟!».
*****
اهتم المهجرون/ات بتعليم أولادهم بالدرجة الأولى، مهما كلّفهم ذلك، كما اهتموا بالمحافظة على هويتهم، وبقيت رؤوسهم مرتفعة حدّ السماء: «حافظنا على الهوية، حافظنا على كيانّا، بعدنا واقفين، وبعد روسنا مرفوعة للسما. شو بحلم؟ بَحلَم إنه فلسطين مش راح تنكسر لأنها على حق».

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.