ما الفرق بين كرسي الحكم وكرسي المقهى!!! ….د. بسام أبو عبد الله

 

بسام ابو عبدالله ( الجمعة ) 9/12/2016 م …

هذه العبارة أطلقها زعيم حزب وطن التركي السيد دوغو بيرنتشيك الصديق لسورية في رده على تصريح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بتاريخ 30/11/2016،

ومن باب الأمانة فقد استخدمت هذه العبارة الواردة في بيانه المهم المفتوح والذي وجهه إلى أردوغان بعد تصريحه بأن «هدف الدخول إلى سورية هو إنهاء حكم الأسد- وليس أي سبب آخر كما قال»، لكن الوطنيين الأتراك الحقيقيين الحريصين على مصالح بلدهم، وشعبهم ذكروه- كما جاء في بيان حزب وطن- بأنه أيضاً قال بتاريخ 4/9/2012 أمام اجتماع للمجموعة البرلمانية لحزبه الحاكم (إنه سيصلي في الجامع الأموي في الشام في وقت قريب)، وها قد مضى أربع سنوات على هذا التصريح ليسألوه بوضوح أين صلاتكم التي وعدتم أن تقيموها في الجامع الأموي؟ أما نحن كما قال السيد (بيرنتشيك) وبدعوة من الأصدقاء في سورية، وبنيات صادقة فقد ذهبنا أكثر من مرة إلى الجامع الأموي، ولذلك أود أن أقول للسيد أردوغان (والكلام لزعيم حزب وطن) بأنه لا أحد يستطيع أن يدخل الجامع الأموي على دبابة- لا الآن، ولا بعد 44 عاماً.

السيد بيرنتشيك أعاد تذكير أردوغان أنه لا يحق لأحد يحمل صفة رئيس للجمهورية التركية أن يصرح بهذا الكلام، ذلك أن رجل الدولة يختلف عن الشخص العادي، لأن هناك عواقب وخيمة ستدفعها تركيا بسبب هذه التصريحات اللامسؤولة التي لم يشعر أحد بالسعادة بها سوى أعداء تركيا، ويتابع أن الكلام السخيف، وغير المسؤول يمكن أن يتم في أحاديث المقاهي، وليس في مواقع رجال الدولة، والأشخاص الذين يشغلون مناصب فيها لأن هؤلاء يجب أن يعرفوا الفرق بين كرسي الحكم، وكرسي المقهى، فالدستور لا يمنح الرئيس التركي سلطة التصرف برعونة، وبلا مسؤولية، كما أن كل شخص يعمل في مجال السياسة العامة عليه مسؤوليات، كما عليه أن يحافظ على برودة أعصابه، وأن يفكر بكل كلمة يطلقها ثلاث مرات قبل أن تخرج من فمه.

لقد أكد السيد بيرنتشيك أن تصريح أردوغان تسبب في ردود أفعال من موسكو إلى بكين، وأحيا شعور عدم الثقة بأردوغان، ليسأل: لماذا ستضطر تركيا أن تدفع أثمان عدم الثقة هذه؟! وخاصة أنه كما قال: لا الرئيس أردوغان، ولا أي أحد آخر، ولا أي دولة قادرة على إسقاط الرئيس بشار الأسد، فهذه الادعاءات انتهت من التداول، والجميع يبحث عن المخارج، وكيفية العمل مع الرئيس بشار الأسد، وأؤكد كما قال: إنه لا وجود لدى القوات المسلحة التركية لمثل هذا الهدف أبداً، وعلى أردوغان ألا يخلط بين أوهامه الشخصية، وأهداف الدولة.

التصريحات التي أطلقها أردوغان ثم سحبها بسرعة تدل على عقلية من يجلس في المقهى فيطلق ما هب ودب من الكلام، والتحليل، لأنه لن يحاسبه أحد، إذ غالباً ما نقول عن الكلام الفارغ إنه مثل (ثرثرة المقاهي)، على حين أن رجل الدولة الحقيقي يزن كلامه بميزان الذهب كما يقال، لأن هناك دستوراً، وقوانين ومسؤوليات أمام شعبه، وأمام العالم.

عقلية الجالس على كرسي المقهى وجدناها لدى كثيرين ممن تعاطوا مع الأزمة السورية، والحرب العدوانية الإرهابية الفاشية التي تُشن على شعبها منذ ست سنوات، فالمعارضون السوريون أطلقوا تصريحات طوال السنوات الماضية تدل على «مراهقين»، وعلى أشخاص لا يتمتعون بأدنى حس من المسؤولية تجاه شعبهم، وبلدهم إذ أسقطوا الدولة عشرات المرات، وأطلقوا مواعيد لم يتحقق شيء منها، وهددوا بالويل والثبور، وعظائم الأمور، ليتبين لاحقاً أن تهديداتهم لا تعدو أن تكون كلاماً فارغاً منفصلاً عن الواقع، وقدموا مطالب تدل على أنهم يعيشون في المريخ، وأنهم مجرد أبواق، وعملاء يعملون تحت أيدي مشغليهم، أما المهنة الوحيدة التي أتقنوها فهي القتل، والتدمير ونشر الخراب، والحقد، والكراهية، ولا شيء آخر.

أما إذا انتقلنا إلى داعمي هؤلاء فوزير خارجية نظام آل سعود عادل الجبير ظل يعيد كلامه (عن رحيل الرئيس الأسد سلماً، أو حرباً) مئات المرات، من دون أن يخجل من أن تصريحاته لا قيمة ولا وزن ولا تأثير لها سوى أنها تشبه «ثرثرات المقاهي»، لأنه يجلس على «كرسي المقهى» في الخارجية السعودية، وليس كرسي رجل الدولة الذي يزن كلماته، ويعرف مغزاها، وإمكانية حدوثها أم لا… ولكن في الحالة السورية لم نشهد إلا الحمقى الذين غلبوا مشاعرهم، وحقدهم الشخصي على مصالح دولهم، وشعوبهم، واحتمالات تحقق ذلك، ليصل بهم الأمر إلى جر بلدانهم إلى كوارث ستقع عليهم بسبب عنترياتهم، وعقلية من يجلس في المقهى، وليس كرسي الحكم، التي تحدث عنها صديقنا «دوغو بيرنتشيك» في بيانه الموجه لإردوغان.

المشكلة يا صديقي «بيرنتشيك» أن هؤلاء الذين يجلسون على كراسي حكم مثبتة بإرادة خارجية، وبدعم خارجي، لا يقرؤون ولا يريدون أن يفهموا ما قاله «كونفوشيوس» ذات يوم: (كي تصبح حكيماً هناك ثلاثة طرق: التفكير- وهي أنبل الطرق، والتقليد وهي أسهل الطرق، والتجربة وهي أكثر الطرق مذاقاً)- لكن للأسف إذا كانوا لا يفكرون، ولا يقلدون، ولم يتعلموا من التجارب طوال ست سنوات من الحرب في سورية، تنطبق عليهم صفة الحماقة التي أعيت من يداويها.

تحية لكل السوريين، والأصدقاء الذين يتحدثون بمسؤولية، وبعقلية رجل الدولة، وليس بالمياومة السياسية وبعقل إستراتيجي يفكر إلى الأمام ويتطلع للمستقبل، وليس إلى الوراء، ويعيش التاريخ المنقرض في حاضر مختلف تماماً.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.