جذور تاريخية للتآمر الامبريالي / محمد جبر الريفي

 

محمد جبر الريفي ( السبت ) 10/12/2016 م …

يشهد القرن الواحد والعشرين في سنواته الأولى تعاظم معالم التآمر الأمريكي والغربي بصورة عامة على النطاق الدولي فيوما بعد يوم تتسع فرص المواجهة بين الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة وبين الأنظمة الوطنية وحركات التحرر في بلدان العالم الثالث والسبب الرئيسي وراء هذه المواجهة التي تتخذ أشكالا متنوعة بداية بالعقوبات السياسية والاقتصادية وانتهاء بتدخل العسكري السافر تحت مبرر الإرهاب الدولي أو حماية حقوق الإنسان ، هو انه كلما ازدادت هذه البلدان قطع شوطا في عملية التحرر وإغلاق الأبواب أمام مظاهر هيمنة النظام الرأسمالي العالمي قارب المشهد على النطاق الإقليمي والدولي من صورة التدخل العسكري والعدوان ..

حدث هذا في الماضي في المنطقة العربية وغيرها من مناطق العالم في قارات آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية حيث خاضت شعوب هذه المناطق معارك وطنية قاسية ضد الاستعمار الكولنيالي الغربي ومؤامراته المستمرة ويحدث الآن في السنوات الأولى من القرن الواحد والعشرين حيث شنت الولايات المتحدة حربها التدميرية ضد أفغانستان تحت عنوان محاربة الإرهاب الدولي وضد العراق البلد العربي النامي تحت مبرر امتلاكه لأسلحة الدمار الشامل وهي تهدف من وراء ذلك كبح جماح تقدمه العلمي والتكنولوجي والوقوف ضد مشروعه النهضوي القومي ومنعه من أن يصبح قوة إقليمية قادرة على تهديد المصالح الغربية وامن الكيان الصهيوني

في الماضي قبل ذلك وقفت الولايات المتحدة والدول الغربية ضد ثورة يوليو المجيدة في مصر تواجهها بالتآمر في ساحة المشرق العربي باعتبارها عنوان للظاهرة القومية حيث كان المد القومي الوحدوي المعادي للاستعمار الغربي جارفا في تلك المنطقة فحاول الغرب الامبريالي بقيادة أمريكا فرض سياسة الأحلاف العسكرية بهدف قطع الطريق على توجه الثورة الوطني والقومي وكان العدوان الثلاثي الذي اشتركت به بريطانيا وفرنسا الدولتين الاستعماريتين وبمشاركة الكيان الصهيوني واستمر بعد ذلك التآمر الامبريالي على مصر إلى أن كان العدوان الصهيوني عام 67 والذي كان قمة التآمر على الأمة العربية ..

أما على مستوى المناطق الأخرى في العالم فقد شهدت القارة الآسيوية حروبا طاحنة ضد الاحتلال العسكري الأمريكي في كوريا وفيتنام وبعض مناطق جنوب شرقي آسيا التي كانت ساحة كبيرة تمارس فيها وكالة المخابرات المركزية الأمريكية مخططاتها ومؤامراتها وقد تتوجت هذه الحروب وآلت هذه المخططات والمؤامرات إلى الاندحار بانتصار الثورات الوطنية وكذلك التآمر على الثورة الكوبية في أمريكا اللاتينية بقيادة الزعيم الثوري الأممي فيدل كاسترو الذي رحل قبل أيام باعتباره آخر القادة العظام تلك الثورة الاشتراكية الكوبية العظيمة التي مازالت صامدة حتى اليوم ضد السياسة الأمريكية بقيادة الرئيس راؤول كاسترو وكذلك تدبير الانقلاب على ثورة تشيلي وغيرها من ثورات أمريكا اللاتينية ..

وفي البلقان لعبت الولايات المتحدة وحلف الأطلسي الاستعماري دورا مؤثرا في تفكيك الدولة اليوغوسلافية التي كانت شوكة في قلب أوروبا فهي الكيان الوحيد الذي بقي في قلب القارة في ذلك الوقت الذي لم يخضع لهيمنة الغرب ولم يعف السياسة الأمريكية انهيار الاتحاد السوفيتي واختفاء المنظومة الاشتراكية من البحث عن دور تآمري في تلك المنطقة من اجل توسيع نفوذها العسكري شرقا والمزيد من السيطرة على السياسة الأوروبية .

في خضم عملية الحراك السياسي الذي تشهده المنطقة العربية يتزايد التآمر الامبريالي في هذه المرحلة تحت مبرر المساعدة في القضاء على الأنظمة الاستبدادية وتعميم نهج الديمقراطية وهي أهداف مشروعة ومهمة لمستقبل المنطقة الحضاري بل للوجود القومي العربي ذاته إذ لا يمكن تصور إمكان وجود تقدم حقيقي في المجتمعات العربية التي تعاني من واقع التخلف طالما يظل طغيان الاستبداد يمارس بطشه وقمعه على الجماهير يمنع تقدمها اجتماعيا واقتصاديا وثقافيا لكن التآمر الامبريالي يقوم بالاعتراض على هذه الأهداف الثورية المشروعة خشية أن ينال التقدم العربي من مصالحه الحيوية التي لا تجد حمايتها إلا في ظل استمرار الواقع الركودي على ما هو عليه فيتم التدخل من الدول الغربية الاستعمارية ودول الجوار ودول عربية تحكمها أنظمة وراثية مستبدة تربطها علاقة التبعية الكاملة بدول الغرب وفي المقدمة منها الولايات المتحدة ..

وفي ظل المقبول عربيا على نطاق الدبلوماسي الرسمي مارس حلف الناتو الاستعماري مهمته العسكرية في ليبيا وفي مواجهة الحلول الأمنية التي يمارسها النظام السوري ضد ما يحدث على أرضه من معارضة مسلحة شوهت برامجها واهدافها قوى التنظيمات التكفيرية الارهابية يتم فرض العقوبات المتتالية عليه ويتم الان تدخل عسكري تلعب تركيا اردوغان باعتبارها عراب آخر بدور تآمري فيه لكونها أداة من أدوات حلف الناتو وإشباعا لنزعة قومية طورانية تحاول من خلالها إحياء الماضي الإمبراطوري العثماني ولكن هذه المرة بارتداء عباءة الإسلام السياسي ..

وقد يكون مفهوما لدى المواطن العربي أن يتزايد لديه شعور الكراهية وعدم الرضا من هذا التدخل الأجنبي الذي حدث قبل أعوام قليلة في ثورات ما سمي بالربيع العربي حتى لو كان هذا التدخل بطلب من القائمين على هذه الثورات لان الغرب الامبريالي لم يكن في يوم من الأيام حليف للشعوب التي تناضل من اجل حريتها واستقلالها وانه لا إمكانية لتغيير هذه العلاقة الصدامية بينهما وهكذا فانه من المؤكد أن هذا التدخل عمل بلا شك على تشويه هذه الثورات وحرفها عن الهدف الذي انطلقت من اجله ودفعها باتجاه واحد لا رجعة فيه وهو إعادة إنتاج أنظمة الاستبداد والتبعية في المنطقة وفي وقت يستمر فيه الكيان الصهيوني تنمية قدراته العسكرية والنووية منها بشكل خاص وجاهزيته الدائمة في التهديد بشن حروب جديدة خاصة على قطاع غزة المحاصر …ولعله من الطبيعي في ظل هذه الأوضاع آن يستمر موقف التعنت الإسرائيلي تجاه عملية السلام بسبب ضعف الإدارة الأمريكية في مواجهة اللوبي اليهودي وعدم قدرتها على ممارسة أي ضغط ملموس من ناحية وانشغال شعوب المنطقة من ناحية اخرى بمسألة الديمقراطية و إجراء مزيدا من الانتخابات البرلمانية وكل هذه الأشياء لا تساوي شيئا ولا تقدم حلا في إصلاح الوضع العربي الغارق في الانقسام والتشرذم والتخلف طالما كان الغرب الامبريالي وربيبته دولة الكيان الصهيوني إضافة إلى أنظمة الحكم العربية التي تربطها علاقة التبعية به في مأمن من أن يهدد الحراك السياسي الشعبي العربي مصالحهم جميعا .

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.