سورية: فخ أم مستنقع؟ / د.خيام الزعبي
د.خيام الزعبي* ( سورية ) الأربعاء 18/2/2015 م …
*كاتب أكاديمي
في الحقيقة إن سياسة الرئيس الأمريكي أوباما تبدو باحثة عن تعويض لما لحق من خزي في التدخلات الأميركية في منطقة الشرق الأوسط منذ العام 2003 في العراق وأفغانستان، وفي هذا الوقت الضائع يتوافد على سورية جماعات شتى من الإسلاميين والجهاديين وقصدهم ولا شك التحضير لتقويض سورية وهز إستقرارها ونشر الفوضى فيها، في إطار ذلك أرى إن السيناريو يعاد صياغته من جديد تجاه سورية، ولا زال أزلام تدمير العراق هم ذاتهم الذي يتزعمون المسرح السوري، ومن تفاهة الأمر إن السيناريو يعاد صياغته وكأنه “قص ولصق” من تزعم من العرب زعزعة إستقرار العراق وتآمر عليه، ومهد البنية التحتية لغزو العراق هم ذاتهم الذي يمهدون البنية التحتية لتدمير سورية وشطبها وإخراجها من المعادلة الإقليمية التي قد تهدد إسرائيل مستقبلاً.
إن ما يجرى في سورية هو حلقة رهيبة من حلقات التآمر على المنطقة بأسرها، وإعادة تقسيمها على غرار إتفاقية سايكس بيكو التى نجحت فيها بريطانيا وفرنسا فى تقسيم المنطقة، واليوم هناك طبخة أمريكية يجري إعدادها بعنوان عودة القوات الأمريكية الى العراق والدول المجاورة لها، ولكن تحت ذريعة حماية المنطقة من خطر “الدولة الاسلامية”، وفي وقت سابق ترددت أنباء في أكثر من عاصمة غربية، أن هناك خطة مطروحة فعلاً لإرسال أكثر من ثمانين ألف جندي الى المنطقة، وربما لم يكن من قبيل الصدفة تأكيد الرئيس أوباما على أن بلاده ستنتقل الى مرحلة الهجوم في حربها ضد داعش، هذا ما يثير التساؤل التالي: هل نحن أمام إحتلال أمريكي جديد للعراق وسورية أيضا؟ .
تتحمل أمريكا و بعض الدول الإقليمية وزر خلق تنظيم داعش فى سورية على أمل أن يجذب عدداً كبيراً من الأنصار من مختلف دول العالم، وتنتهي الحرب بسرعة ليتحول لحزب إسلامي على غرار الجماعة الإسلامية فى مصر مثلا، ويحكم سورية ويتصل بنظام صديق ومشابه فى مصر ومعاً تستطيع دمشق والقاهرة المتشحتان بسواد التطرف إنهاء القضية الفلسطينية عبر الوطن البديل، لتنتهي القصة وفي نفس الوقت تجد دول الخليج نفسها بين سندان إيران ومطرقة المتأسلمين فى مصر وسورية، وهو ما يعنى الإنتقال لمرحلة تقسيم الخليج، فضلاً عن تدمير سورية والسيطرة عليها وحرمان روسيا من آخر موطئ قدم لها في المنطقة، لذلك وضعت أمريكا يدها في يد داعش كجزء من الخطة لتنفذ مآربها وأهدافها، ولا يمنع ذلك أن تنفذ داعش هى أيضاً مخططها ولن تجد أفضل من الظروف الحالية لتحقق حلمها بالقفز الى المنطقة بأكملها،لكن هذا تنظيم الذي خلقته أمريكا بدعم من بعض الحلفاء، كان كياناً متوحشا ومتعطشاً للدماء لا يعرف السياسة ولا يعترف بها، وبات من الصعب تلجيمه
إن أطراف المؤامرة الحالية تدخل فيها أمريكا، وإسرائيل، وبعض الدول العربية والإسلامية، ذلك أن أمريكا مقتنعة أنها يمكن أن تحقق أحلامها وتنفذ مخططها للمنطقة من خلال نظام “الإسلام”، فإذا كان فشل الإخوان فى مصر، قد أحبط هذا المخطط بشكل كلي كما فشل فى تونس، وسيفشل في سورية إلا أن أصابعهم مازالت تعمل في دول أخرى كالسودان وليبيا وفي المغرب أيضاً، وبهذه الخطوة الأمريكية ندرك بوضوح أن أمريكا تهدف من وراء عدوانها على سورية تركيعها والتخلص من ترسانتها العسكرية وإضعاف مقدرة الجيش العربي السوري ضمن محاولات فك التحالف الإستراتيجي الذي يربط سورية مع إيران وحزب الله ضمن مخطط يضمن لأمريكا تأمين أمن اسرائيل وتأمين مرور الغاز الخليجي عبر الأراضي السورية الى أوروبا وتمرير خط المياه من تركيا الى إسرائيل، مع رغبته بعقد إتفاقية سلام تربط سورية بإسرائيل والتوصل لحلول يضمن بقاء الجولان السوري تحت الهيمنة والقبضة الإسرائيلية، وهو بهذا يضمن أمن حليفه الإستراتيجي إسرائيل ويمكنّها من بسط هيمنتها وسيطرتها على المنطقة، ولا ننسى بأن سورية هي رمانة الميزان الإستراتيجي العربي لموقعها الجغرافي المتميز من جهة، ولرعايتها دعوة القومية العربية، سواء على مستوى الفكر أو الحركة من جهة ثانية، ولرفعها لواء المقاومة والممانعة ضد المشروع الإسرائيلي المدعوم من الغرب من جهة ثالثة.
طبول الحرب التي أخذت تقرع وبقوة هذه الأيام في واشنطن وحلفاؤها ضد سورية، كشفت قبل كل شيء حقيقة إنهيار المجموعات المتطرفة في سورية، وهذه الطبول ما كانت لتقرع لو كانت المجموعات المسلحة في وضع يمكنها على الأقل من الإحتفاظ بما لديها من أراض، فالوقائع تشير الى أن هذه المجموعات أخذت تتراجع و تتهاوي امام تقدم الجيش السوري، وآخر الإنجازات الإستراتيجية لهذا الجيش هو ما تم تحقيقه في جنوب سورية، لذلك لا بديل سوى أن يقرر محور المقاومة الحسم في الجبهة الإسرائيلية من مدخل الجولان، لإرغام الأمريكي على الإستغاثة بالروسي للجلوس على طاولة التفاوض من موقع ضعف لا قوة.
إن تداعيات إختلاط الأجندات في سورية جعل حجم التوقعات يبدو أكبرمما نتصور، ففي المشهد السوري إعتذار بعض البرلمانات الغربية عن المشاركة في حرب ضد سورية، وفي المشهد أيضاً إيران وروسيا وتركيا وإسرائيل وحزب الله وتغوّل الظروف الثورية بالمنطقة، وتلك التنظيمات الإسلامية المتطرفة التي تنتظر بلهفة بدء المعركة في سورية كي تحصل على حصتها في إعلان الإمارة، إنه المستنقع السوري، إذن هذا الذي ينتظر لحظة بدء المعركة كي يشكل طوفانه الخاص الذي سيشعل المنطقة بأكملها، وربما من هنا علينا أن نفهم تلكؤوتردد الرئيس الأمريكي أوباما في إتخاذ قرار الهجوم وبداية الحرب، ومن هنا أيضاَ علينا ان نفهم كل هذا التباطؤ في تسرب السم في جسد الجغرافيا العربية.
وعموماً، فإن المشهد الميداني اليوم في سورية، في ظل الصراع القائم بين النظام من جهة، وداعش وجبهة النصرة من جهة أخرى، وفي غياب ما كان يسمى بالمعارضة المسلحة، لا يمكن أن يفرز حلاً سياسياً بين النظام السوري ومعارضة سياسية لا تمثيل لها في ساحات القتال، هذا معطى ثاني يكشف للدول المتورطة في الحرب على سورية أنها فقدت أوراق قوتها في المفاوضات، وأن مستقبل سورية يحدده المنتصر لا المهزوم، وأن الإرهاب ليس ورقة سياسية رابحة يمكن التعويل عليها، بالتالي تعلم أمريكا تماماً أنها بحاجة لجنود على الأرض لتنتصر على تنظيم داعش، وفى سورية لن تكون قوى ما يعرف بالمعارضة المعتدلة كافية لقهر هذا التنظيم، ولهذا ستكون أمريكا مضطرة أن تعتمد على قوات النظام حتى ولو أعلنت العكس، فأمريكا لا يزال فى طريقها الكثير من الألغام فى منطقة الشرق الأوسط، ولو ظلت تتبع نظرية كل شيء وعكسه فى سياساتها ستنفجر هذه الألغام فى وجه الإدارة الأمريكية.
وأخيراً يمكنني القوا إن سياسة التخبط والتردد التي إتبعتها الولايات المتحدة الأمريكية فشلت في هزيمة الشعب السوري من خلا ل توجيه بوصلة حب الوطن ضد كل ما تقوم به واشنطن ومحاصرة كل مغامرة تؤدي الى ضرب هذه الوحدة وزعزعة السلم الأهلي، فالحل السياسي يبنى على المصالحات الداخلية والحوار الوطني لحقن الدماء وعودة الأمان والمهجرين وقطع الطريق على المؤامرات الخارجية التي تستهدف سورية وشعيها، وبإختصار شديد إن إحتمالات غرق أمريكا في المستنقع الدموي السوري كبيرة جداً، وسيكون تدخلها مكلفا لها ولأهل المنطقة، قلت هذا عندما غزت أمريكا وحلفاؤها العراق عام 2003 وأكرره الآن دون تردد.
التعليقات مغلقة.