تحرير حلب..هدية القائد والجيش السوري إلى العالم / المهندس ميشيل كلاغاصي

المهندس  ميشيل كلاغاصي ( الإثنين ) 12/12/2016 م … مع اقتراب إنتهاء العام 2016، لا يزال ضباب الحرب الكونية في سورية وعلى سورية , يفرض الغموض على غالبية الرؤى الدولية والإقليمية لحل الأزمة وفض الإشتباك الدولي, ويؤكد غياب كافة آفاق الحلول – قصيرة المدى – في العام القادم الجديد , وسط حقيقة وحيدة وواحدة يرى السوريون من خلالها فرصتهم عبر الحل العسكري و تقدم الجيش العربي السوري وحلفائه بهدف الحفاظ على الدولة والهوية وتحرير الأرض والمواطن, وإخراجهم من تحت براثن الإرهاب, بغية تمهيد وتعبيد الطريق نحو السلام و الحوار السوري – السوري. وسط استمرار التآمر الدولي على الدولة السورية , وتعنت أعدائها و رفضهم الإعتراف بالهزيمة , واستمرار مراهنتهم ودعمهم الإرهاب والإرهابيين.  وعلى الرغم من ضراوة المعركة وشدة تعقيد المشهد , إلاّ أن الجيش السوري الوطني استطاع خوض المواجهة الكبرى في مدينة حلب وسط معارك لم تشهدها مدينة قط حول العالم , وتمكن من محاصرة الإرهابيين ومشغليهم سياسيا ًوميدانيا ً, على الرغم من عشرات الهجمات الإرهابية على مواقع الجيش وبيوت المدنيين الاّمنين والبنى التحتية , وخاض عشرات المعارك السياسية في الأروقة الأممية , وسط تاّمر أممي مفضوح وانحياز دولي حاقد , واستطاع دخول أحيائها الشرقية بقوة وسرعة ودقة فائقتين , بعد أن مارس صبرا ًوضبطا ً للنفس لا يمكن تصوره , حفاظا ً منه على حياة المدنيين اللذين تمترست المجاميع الإرهابية وراء أجسادهم كدروع بشرية , لكن التكتيكات العسكرية المذهلة سمحت للجيش بالتقدم وسط إنيهار الإرهابيين وتمكن من تحقيق المعجزة , وها هي حلب قاب قوسين أو أدنى من إعلانها مدينة ً خالية ً من الإرهاب تماما ً , إن خروج حلب من ميدان الصراع العسكري أحرج البعض و دفعهم نحو الجنون , فقد قلبت خارطة الحرب وحتى نتائجها , وفرضت على أصحاب الأجندات واقعا ً سياسيا ًوعسكريا ً ميدانيا ًجديدا ً يصب مباشرة ً في حسابات الهزيمة والنصر, وأغلقت باب المراهنة على هزيمة سورية للأبد , و ينظر السوريون و كل شرفاء العالم على أن تحرير حلب هو هدية القائد و الجيش العربي السوري إلى العالم الحر. وفي وقت ٍ تزداد سرعة الأحداث وترتفع وتيرة التصعيد والمواجهة السياسية والعسكرية والإقتصادية  وربما الوجودية لبعض الدول والشعوب (الكيان الغاصب), فقد فتح العالم كافة ملفاته , ودخل الجميع دوامة الصراع , تحت عناوين خاصة بكل ٍ منهم كالخوف والجشع والحقد والإنتقام والغطرسة و الولاء , والتي تصب جميعها في خدمة المشاريع الكبرى والمخططات والخرائط الجديدة التي يسعى الأخطبوط الأمريكي لتسويقها و تحويلها واقعا ً, وأصبح الدفاع عن النفس يُعد هجوما ً و”خطيئة ً” , ومُضرا ً بمصالح الوحوش والغزاة , ولا بد من معاقبة أصحاب الحق والهوية والأرض .. وبات من المستحيل قراءة ما سيكون عليه الحال في المستقبل القريب والبعيد, في خضم الكم الهائل من التداعيات والتبعات على المستوى الداخلي في سورية والمنطقة والعالم , سواء لمن شاركوا مع هذا الطرف أو ذاك , أو من طالهم الإرهاب قصدا ً أوعمدا ًوكانوا من ضحاياه . فالحرب لا تزال مستمرة , ولم تبح بكل أسرارها , ولم تتبلور بعد أيا ً من نتائجها و أقله لم يتمكن أي طرف ٍ من تحقيق كل أهدافه وغاياته , ونستطيع القول أن درجة التعقيد والغموض تلف الزمان والمكان , وتبقى من الثوابت الواضحة والمعول بها أن الإرهاب والفوضى لا زالت تضرب في سورية و اليمن والعراق وليبيا وغالبية دول المنطقة , وبات من الحتمي إنعكاس نتائجها المرحلية – أكثر فأكثر – على كامل مساحة الكرة الأرضية. إن صمود سورية ووقوفها سدا ً منيعا ً في وجه تلك المشاريع , خصوصا  إنتصاراتها المتراكمة والمتلاحقة , و تحريرها مدينة حلب وتحويلها إلى مدينة  خالية  من الإرهاب , و إخراجها من ساحة الحرب في الداخل السوري بمواجهة الأدوات والوكلاء , ووضعها في خندق الدفاع و المواجهة الأول في ساحة الحرب الخارجية شمال سورية و بمواجهة العدو والعدوان التركي صاحب اليد الطولى في العدوان المباشر وغير المباشر عليها, بما سيعيد خلط الأوراق بإتجاه زيادة القوة والمنعة السورية , وسيدفع إلى خلط أدوات الصدام والصراع وتغيير أسس “اللعبة” الدولية, فالإنتصار في حلب هزّ العالم , وعلى الجميع الإستعداد لما هو قادم سوريا ً ما بعد تحرير حلب. وفي وقت  أصبح النصر السوري مطلبا ً وضرورة ً ملحة لكافة ساكني الأرض , بات معه من المخيف النظر إلى خارطة العالم في ظل الحرب الكونية المتأججة في الشرق الأوسط – قلب العالم – , والتي تطال غالبية دول العالم , وسط مشاريع وأحلام و إحتمالية ظهور دول جديدة وإختفاء أخرى, نتيجة ظهور مفاجئ لجماعات عرقية وطائفية تطالب “بحقوقها” فجأة  .. في بيئة الصراع الدولي المتغيرة , وفي عالم ٍ يزداد فيه العنف و يتضاءل فيه منسوب السلام.. يتأكد تقاعس أو ضعف و فشل العالم في قدرته على إنتاج الحلول في الماضي والحاضر و ربما المستقبل. فالروس والأمريكان كقطبان وراعيان للأمن والسلام الدوليين , لم يتمكنا من الحفاظ على علاقتهما كحلفاء و منتصرين بعد الحرب العالمية الثانية , وانتقلا إلى حالة ٍ تكاد تكون أشبه بالتنافس القريب من العداء و بما يتخطى الخصومة .. كذلك الحلول التي أنتجها العالم لحل الصراع العربي – الإسرائيلي عموما ً و الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي تحديدا ً. وعليه فقد تجد الدول نفسها مجبرة ً على تبديل أدواتها و تغيير مواقفها في مختلف أشكال الصراع, و قد يتحول أعداء اليوم إلى أصدقاء الغد و العكس صحيح , بهدف تبرير السياسات الخاطئة في الحل واللجوء إلى القوة العسكرية .. دون الإكتراث بعدد الضحايا و المنكوبين و التكلفة الباهظة للحروب , وبما يحرف الأنظار عن الأسباب الحقيقية لما يجري , وتحميل الإرهاب مسؤولية ما يحدث , ويستمر طرح الحلول الخاطئة حول ضرورة إطالة زمن الحرب وباستمرار دعم الإرهابيين, وتتحول الأنظار نحو هدف ٍ مزور غير حقيقي وتحريفا ً مقصودا ً, فيعود التركيز على رحيل الرئيس السوري بشار الأسد , دون التدقيق في دوره الأساسي و الذي ظل وحيدا ً لخمس سنوات ٍ يواجه الإرهاب و يحاربه نيابة ً عن العالم أجمع و الإنسانية كلها. وبتنا نرى تداعى داعمي الإرهاب والإرهابيين نحو مجلس الأمن ليستمدوا منه دفعا ً يُعوض خسائرهم وهزائمهم الميدانية والسياسية , ويتحول مجلس الأمن إلى مأدبة يومية لنهش الجسد السوري , ولكن الفيتو الصيني – الروسي المزدوج -يوم أمس الأول- كان كافيا ً لهروبهم نحو الأمم المتحدة و قراراتها غير الملزمة تحت العناوين الإنسانية المزيفة , من أجل البحث عن أدنى فرصة لحماية ما تبّقى من إرهابيين في أحياء حلب الشرقية , لكن وكما يُقال فقد سبق السيف العذل , فالدولة السورية تستعيد السيطرة على 93% من المساحة التي كان يسيطر عليها الإرهابيون , و أن “اللعبة الدموية في حلب تلفظ أنفاسها الأخيرة” – بحسب مندوب سورية الدكتور بشار الجعفري. أصبح واضحا ً أن إنتصارات الجيش و تحرير حلب يستدعي تحرير جنيف , فالحرب في حلب انتهت عسكريا ً والنصر السياسي يبدو نتيجة ً طبيعية , بعد أن أسقط الإنتصار البنود الحاقدة و أسقط معها عشرات الساسة و قادة الحرب الظالمة , ولن يكون الرئيس باراك أوباما اّخر “الساقطين” , فالبيت الأبيض رفع العلم الأبيض وطالب روسيا بتحمل مسؤولية خاصة في التوصل إلى حل دبلوماسي , واحتاج بعض الوقت ليعلن دعمه النوعي الجديد للإرهابيين , فيما وجد المبعوث الأممي نفسه مضطرا ً للتخلي عن تقاعسه و بطالته منذ أيار الماضي و بات عليه دفع عجلة الحوار وإعلان خشيته من “تكرار مشهد حلب في إدلب” , وقد آن الأوان لتخاطب حلب مؤتمر جنيف لتقول حان وقت الوداع, فليرحل و ليصطحب معه نصف المعارضات , ونصف من صاغوا قراراته , وأن يترّحم على نصف ساسة ِ العالم , و من سيرحلون.. وتقول وداعا ً أوباما و كيري , فسورية تُرحب بالأذكى والعبقري الجديد وسيد البيت الأبيض الجديد , إذ رأى ما لم ترون , وعرف كيف يغسل عاركم وغبائكم , فبعض كلماته كانت كافية لتقفز أوروبا من اليسار نحو اليمين , بكل الخوف والفزع من عقارب أنتجوها و دغدغت أحلامهم و أطماعهم , وتحولت إلى حبل ٍ إلتف حول أعناقهم , فلا ” إتحاد” ولا ” أطلسي ” ينفعهم , وأتراك ينعقون و ينتظرون مصيرا ً مجهولا ً, وإسرائيليون يتمنون العودة إلى زمن ما قبل الحرب , وعربا ً يستغيثون و سيدفعون كي يعيشون . أرادوا هدم و تمزيق ودفن الدولة السورية , لكنها زلزلت الأرض تحت أقدامهم , أرادوا تمزيق هويتها , فأصبحوا بلا هوية , هربوا نحو اليمين عساه يحفظ أعلامهم و أناشيدهم الوطنية !.. ولم يسمعوها تقول لا تخافوا انتصرت لأجلي ولأجلكم, إن كنتم تعلمون أو لا تعلمون. هيّا اجمعوا خيباتكم , وارجعوا عن طريق جهنم واكذبوا للمرة الأخيرة .. لا باس , وقولوا فرشناها بحجارة ٍ و نوايا “حسنة” , و راقبوا الحل العسكري السوري يُمهد طريق السلام والحل السياسي الحقيقي , و تقبلوا الهزيمة , و ادخلوا زمان الأسد وفلكه. كان من الأجدر لبعض حكام و ملوك العرب أن يلجئوا إلى القراءة المتأنية لملف الصراع العربي – الإسرائيلي والعودة إلى البدايات وتحليلها وإنتاج الحلول المناسبة من خلال الثوابت العربية والقومية والحق العربي والفلسطيني بعيدا ًعن التسرع والتهور واليأس والإستسلام والخنوع والعمالة العمياء.. وكان الأجدر بهم تحليل ومعالجة أسباب ظهور وانتشار الإرهاب في صفوف مواطنيهم , والعمل على وقف هذه المهزلة , والإقلاع عن العناد والغطرسة والمرواغة والسمات الشخصية كالحقد والكراهية ودوافع الإنتقام الشخصي, وهذا ما بات يدركه القاصي والداني في عالمنا العربي حول اعتمادها أسبابا ً رئيسية لقبولهم التآمر على سورية و لخدمة المشروع الصهيو- أمريكي. و قد يسأل سائل كيف استطاعت الدولة السورية و الرئيس الأسد الصمود والبقاء بعد ست سنوات من الحرب الدولية – المركبة عليها و في أرضها ,  فلا بد لنا من معرفة أن الرئيس الأسد أدرك منذ اللحظات الأولى حجم المعركة و نوعيتها و لجأ إلى حساب مصلحة الدولة والشعب السوري بميزان التكلفة والعنفوان والشجاعة , وإتخذ قرار المواجهة ليقينه أن ثمن المواجهة أقل بكثير من ثمن الإستسلام , و مضت الدولة بقيادته نحو التعايش مع الصراع لحين الحل , إذ طرح منذ اليوم الأول الحوار وتعديل وتغيير الدستور و المصالحات الوطنية و الشعبية و سلسلة ً واسعة من الطروحات التي تشكل حلا ً مناسبا ً لما يسميه البعض ” الأزمة السورية ” , و انتظرت سورية إنصاف العالم ووعيه وإدراكه خطر تفشي الإرهاب و إرتداده على صانعيه ونحو الكثير من الأبرياء حول العالم , واتجهت نحو محاربة الإرهاب و الإصلاح و محاربة الفساد و المصالحات , في الوقت الذي حرصت على استمرار حياة الدولة بكافة مؤسساتها , و إنطلقت نحو إعادة الإعمار الذاتي بأيدي السوريين , وضربت مثلا ً رائعا ً لكافة دول وشعوب العالم حول كيفية إدارة الصراع والتعايش معه والتقدم نحو النصر السياسي والعسكري بما يضمن إنكفاء المشروع المهزوم برمته.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.