متابعات، نشرة أسبوعية – العدد السّابع والسّبعون / الطاهر المعز
الطاهر المعز ( تونس ) – السبت 22/6/2024 م …
يتضمن العدد السّابع والسبعون من نشرة “متابعات” الأسبوعية فقرة عن مشاركة الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وغيرها في عملية “تحرير” أربعة أسرى صهاينة وارتكاب مجزرة إضافية في غزة، وفقرة عن الإرتفاع القياسي لثروة الأثرياء – من يمتلكون ثروة سائلة لا تقل قيمتها عن مليون دولارا وفقرة عن زيادة الإنفاق على الأسلحة النووية، وفقرة عن الدّور الوظيفي للإمارات وفقرة عن أحد مشاريع التطبيع الإقتصادي للعراق المُحتل، من خلال مشروع مَدّ خط أنبوب لنقثل الغاز من البصرة إلى العَقَبَة، وفقرة عن الحجم التقريبي والقيمة التّقريبية للذّهب المُهَرّب من إفريقيا نحو البلدان الغنية، وفقرة عن احتكار الأدوية وتَسْلِيع الصّحة وفقرة تُمثل متابعة لأخبار الحرب التجارية بين الولايات المتحدة وحلفائها من جهة والصين من جهة أخرى، في مجال السيارات الكهربائية وفقرة عن بعض الجوانب السلبية للطاقة المَوصُوفة ب”النّظيفة” والتأثير السلبي لإنتاج المواد الخام على حياة السّكّان
فلسطين
أعلن الجيش الصهيوني يوم السبت 08 حزيران/يونيو 2024 استعادة 4 أسرى إثر عملية عسكرية ضخمة بمخيم النصيرات (وَسَط قطاع غزة)، بمشاركة الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا، مُباشرة أو بواسطة التجسّس وجَمْع المعلومات بوسائل عديدة، ومن ضمنها المنظمات “الخيرية” القليلة، وأسفرت العملية عن استشهاد حوالي 240 فلسطيني وإصابة مئات آخرين، ووصلت قوات كوماندوس أمريكية- صهيونية مُتخفّيةً داخل شاحنة انطلقت من الميناء الأمريكي بغزة، بذريعة توزيع المساعدات الإنسانية، وعادت الشاحنة والأَسْرى الصهاينة إلى الميناء الأمريكي، ما يُؤَكّد إننا في مواجهة ثالوث الأعداء: الصهيونية والإمبريالية والرجعية العربية التي تستمر في التّطبيع مع الكيان الصهوني، دون اكتراث بالشهداء والدّمار.
من أين لهم هذا؟
من يستفيد من “الإنتعاش”؟ وصلت ثروات أثرى أثرياء العالم (الأشخاص الذين يمتلكون أصولًا سائلة تبلغ قيمتها مليون دولار على الأقل ) إلى مستويات غير مسبوقة سنة 2023، “بسبب انتعاش الاقتصاد العالمي”، وفق تقرير الثروة العالمية للعام 2024، الصادر عن معهد كاب جيمني الدولي للأبحاث، وهو “انتعاش” لا يشعر به الأُجراء والفُقراء ولا يستفيد منه سوى أصحاب الثروات الكبيرة، وأظهرت تفاصيل التقرير ارتفاع عدد الأثرياء سنة 2023 بنسبة 5,1% ليصل إلى 22,8 مليون شخص على مستوى العالم، وارتفعت ثرواتهم بنسبة 4,7% لتصل إلى 86,8 تريليون دولار، ويتماشى التوزيع الجغرافي للأثرياء مع تطور الرأسمالية، حيث سجلت أمريكا الشمالية أقوى زيادة للثروة بنسبة 7,2% وأكبر زيادة لعدد الأثرياء بنسبة 7,1%، ولا ترتفع الثروات بالعمل وإنما بالوراثة أو بالمُضاربة في سوق الأسهم، ولذلك انخفض عدد الأثرياء وانخفضت ثروة الأثرياء في إفريقيا بنسبة 1% بسبب انخفاض أسعار المواد الأولية، وتراجع الاستثمار الأجنبي…
أدى ارتفاع مستويات الثروة والزيادة الموازية في فجوة التفاوت الطبقي، خلال السنوات الأخيرة إلى طرح مساهمة أصحاب الثروات المرتفعة في الضرائب بشكل أفضل، وتتلخص إحدى الفرضيات في إقرار حد أدنى عالمي للضريبة على أعلى الأصول، وهو ما قد يجلب 250 مليار دولار إضافية، إذا دفع ثلاثة آلاف ملياردير ما يعادل 2% على الأقل من ثرواتهم في هيئة ضرائب على الدخل.
أما الحل الأمثل فيتمثل في بناء مجتمع لا يسمح باحتكار الثروة أو بتوسّع الفجوة الطّبقية، أي توزيع الثروات بشكل يجعل كل إنسان قادر على تلبية حاجياته الأساسية، مقابل بذل جَهْدٍ – حسب طاقة كل إنسان – يُفيد المجتمع
أسلحة نووية
قدمت الحملة الدولية للقضاء على الأسلحة النووية (Ican) ، يوم الإثنين 17 حزيران/يونيو 2024، دراسة حول الإنفاق الإجمالي على الأسلحة النووية الذي بلغ 387 مليار دولارا بين سنتَيْ 2028 و 2023، أي أكثر من المبلغ الضروري للقضاء على الجوع في العالم، وارتفع بأكثر من الثلث خلال السنوات الخمس الماضية، وبلغت حصة الولايات المتحدة من الإنفاق على السلاح النووي أكثر من جميع القوى النووية الثمانية الأخرى مجتمعة، مع الإشارة إلى عدم مُصادقة أي من القوى النووية التسع من بين الدول السبعين التي صدقت على معاهدة حظر الأسلحة النووية، التي دخلت حيز التنفيذ في كانون الثاني/يناير 2021، كما أعلن مدير معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام ( سيبري – Sipri ) خلال عَرْض التقرير السنوي للمعهد، يوم 17 حزيران/يونيو 2024، انزعاجه من تزايد عدد الرؤوس الحربية النووية العاملة، الذي بلغ حوالي 9600 من بينها حوالي 2100 في “حالة تأهب قصوى” (مثبتة على صواريخ باليستية وجاهزة للإطلاق)، ورغم شُحّ البيانات فإن الولايات المتحدة وروسيا تمتلكان نحو 90% من هذه الرّؤُوس الحربية النووية، تليها الصين و بريطانيا وفرنسا والهند وباكستان والكيان الصهيوني وكوريا الشمالية، ولاحظ مدير معهد “سيبري” انعدام الشفافية بشأن الأسلحة منذ بداية الحرب في أوكرانيا…
الإمارات، مركز مُضاربة وتجسس وتجارة عابرة للقارات
يتمثل الدور الوظيفي للأمارات في تحويلها إلى وكِرٍ للتّطبيع والتّجسّس، ومركز للعولمة النيوليبرالية في المشرق العربي، ما يفترض “انفتاحًا” على رأس المال مهما كان مأتاه، ولا تُنتج الإمارات أي سلعة، باستثناء المحروقات ( وهي مورد طبيعي تستغله الشركات العابرة للقارات) لكن تم تحويل ميناء دُبَيْ إلى مركز خدمات مالية وإعادة تصدير السّلع القادمة من آسيا نحو أوروبا، وأصبحت الإمارات مَعْبَرًا لحوالي ثلثي الصادرات الصينية الى آسيا الغربية وافريقيا وأوروبا، كما تمر طائرات الدرون واشباه الموصلات المتجهة الى روسيا، عبر الموانىء الإماراتية، مقابل توريد الذّهب والمعادن الثمينة من روسيا، وتُشكّل موانئ الإمارات مُتنفّسًا هامًّا لتجارة إيران، توريدًا وتصديرًا، بقيمة قُدِّرت بنحو 25 مليار دولارا سنويا، ولتجارة المحروقات الروسية، وما يرافق مُجمل هذه العمليات من تهريب وغسيل أموال، فضلاً عن تسعير جميع السلع العابرة لموانئ الإمارات، ومن بينها مبيعات النفط ومشتقاته بالدولار، مع ضخ الإمارات معظم أرباحها في أسواق أوروبا الغربية وأمريكا الشمالية، بما يُعادل 45 مليار دولار سنة 2022 زيادة على الإيداعات المختلفة وإعادة تدوير دولارات النفط والتجارة والتهريب في المصارف الأمريكية، وعهدت إلى شركة “بلاك روك” بإدارة أُصُول جهاز أبو ظبي للإستثمارات، كما تُدِير الإمارات العديد من الموانئ في إفريقيا وآسيا ومناطق أخرى من العالم، وعادة ما تضُمُّ هذه الموانئ مناطق “تجارة حرة” أي مناطق اقتصادية كبيرة غير خاضعة للقوانين المحلية، وبذلك تُوَفِّرُ الإمارات للولايات المتحدة والدّول الرأسمالية المتطورة مساحات لاستيعاب راس المال المُصَدَّر، وزيادة حصتها من التجارة الدّولية، من خلال التبادل التّجاري “الحُر” ( غير الخاضع للقوانين المحلية) مع الصينية وروسيا عبر مناطق التجارة الحُرّة في القرن الافريقي أو في المحيط الهادئ أو المحيط الهندي أو بحر الكاريبي، خدمةً لرأس المال العالمي وتعزيزًا لهيمنة النظام النيوليبرالي الذي تقوده الولايات المتحدة، وفق موقع “نيو لفت ريفيو” بتاريخ 29 أيار/مايو 2024.
إفريقيا – تهريب الذّهب والمعادن الثمينة
نشرت وكالة التنمية السويسرية – Swissaid – دراسة يوم الخميس 30 أيار/مايو 2024، حول إنتاج وتصدير واستيراد الذّهب من البلدان الإفريقية، خلال الفترة من 2021 إلى 2024، وأظهرت البيانات إن أكثر من نصف الذهب المستخرج في أفريقيا يتم تصديره إلى دول غير أفريقية (الإمارات والهند وكندا وأستراليا وسويسرا والصين) وإن الإستخراج غير النّظامي يُمثل خسارة كبيرة تُقدّر بنحو 35 مليار دولارا سنويا (بأسعار السوق الموازية للذهب الخام)، ولا يتم الإعلان سوى عن نسبة لا تزيد عن رُبُع ( 25% ) التعدين الحِرَفي ( خارج الناجم الكبرى المُعترف بها) ويتم تداول ما لا يقل عن 75% من هذا الإنتاج بشكل غير قانوني، أو ما يُعادل 435 طنا ( أرقام سنة 2022) لا يتم الإعلان عنها عند التصدير ( عبر جنوب إفريقيا ومالي والنيجر وغينيا…) ويتم التصريح بها في البلد المُستورِد، لتكتسب هذه الكمية من الذّهب وجودًا قانونيا في الأسواق العالمية حيث تُبارك جمعية سوق السبائك في لندن ( الهيئة المُشْرِفَة على سوق المعادن الثمينة ) تنقِيَتَهُ بواسطة المصافي المعتمدة من جمعية سوق السبائك في لندن، ويتفق المشرفون على هيئة سوق المعادن الثمينة والمُستوردون على الإستغلال الفاحش للعاملين بالمناجم ( بصورة نظامية وغير نظامية) ويتفقون على الحصول على إنتاجهم بأقل من سعر السوق، وبذلك ترعي هذه الهيئة والمصافي والدّول المُسْتَوْرِدَة للذهب والماس وغيرها من المعادن (المُهَرّبَة) الفساد وانتهاكات حقوق الإنسان والتدهور البيئي للسّكّان المَحَلِّيِّين، وهي نفس الأطراف التي ترعى المجموعات الإرهابية والجماعات المسلحة المحلية والدولية…
صناعة الأدوية
حولت شركات الأدوية الكُبْرى دَوْرَ العقاقير التي تنتجها، من خدمة أنظمة الرّعاية الصّحّيّة وتلبية احتياجات النّاس والوقاية من الأمراض ومُعالجتها، إلى سلعة يمكن احتكار إنتاجها وتوزيعها بهدف تحقيق الحدّ الأقصى من الأرباح، وزيادة حجم المبيعات عبر ترويجها بواسطة الأطباء، بغض النّظر عن نجاعة هذه الأدوية، وبذلك تناقضت مصالح هذه الشركات الهادفة تحقيق الأرباح، مع أُسُس الرّعاية الصحية التي يحتاجها المجتمع…
احتكرت الشركات الكُبرى مَجَلَيْ البَحْث والتّصنيع، وأنْشَأت جماعات ضَغْط (لوبيهات) واجتذبت ذوي المُؤَهّلات والخبرات للعمل لديها برواتب مُرتفعة واشترت الشركات الصغيرة التي لم تتمكّن من جمع الأموال الضّرورية لإنجاز البحوث التّطبيقية لابتكاراتها.
أدّى الإحتكار إلى اقتصار البحث والتّطوير على الأدوية التي تُحقّق نسبة عالية من الأرباح ( مثل أمراض القلب والشرايين وبعض أنواع السّرطان) وإهمال أمراض شائعة في إفريقيا وآسيا مثل الملاريا والسّلّ، لأنها “أمراض الفُقراء”، فضلا عن إقرار الحماية من المنافسة بواسطة “براءة الإختراع”، ما جعل الشركات لا تُطوّر أدوية جديدة ما دامت تضمن الربح الوفير طيلة 15 أو 20 سنة، من خلال “المِلْكِيّة الفِكْرِيّة” (براءة الإبتكار) ولا تمثل سوى نحو 3% من الأدوية الجديدة في العالم تطورًا أو تقدّما أو قيمة إضافية، فيما بيّنت دراسة أوروبية (سنة 2021) إن قرابة 60% من الأدوية “الجديدة” هي في الواقع أدوية قديمة تم تغيير شكل تقديمها، ولا تُضيف أي قيمة علاجية، وحصلت شركات الأدوية العملاقة على مبالغ ضخمة من المال العام، خلال انتشار جائحة كوفيد-19 ومع ذلك احتفظت بحقوق مِلْكِيّة اللقاحات التي بلغت كلفتها أقل من ثلاثة دولارات للجرعة الواحدة وباعتها للدُّوَل بحوالي 25 دولارا، وتمكّنت ثلاث من الشركات الكبرى من توزيع 26 مليار دولارا على مالكي أسْهُمِها، سنة 2021…
تتعارض قواعد “المِلْكِيّة الفِكْرِيّة” – التي تضمنها وترعاها منظمة التجارة العالمية – مع حق البشر في الرعاية الصّحّيّة، وتُساهم مؤسسات بريتن وودز ( البنك العالمي وصندوق النقد الدّولي) في استمرار حماية “براءة الإختراع” وفي إجبار الدّول المُقْتَرِضَة على خصخصة قطاع الصحة العمومية لتصبح سوقًا خاضعة للتنافس بين الشركات التي تُفضّل الربح السريع والوفير، من خلال الإستثمار في مَصَحّات انتقائية خاصة بالأثرياء…
الحرب التجارية – السيارات الكهربائية 1
منذ أربعة عُقُود، اجتاحت شركات السيارات الأوروبية السوق الصينية وباعت ملايين السيارات قبل أن تتطور صناعة السيارات الصينية، لكن أوروبا تحاول إغلاق حدودها ( أُسْوَةً بالولايات المتحدة) أمام الإنتاج الصيني للسيارات الكهربائية من شركتَيْ بي واي دي (BYD ) وشيري (CHERY.UL ) الصينِيّتَيْن اللَّتَيْن تُخطّطان لإطلاق نحو عشرين صنفًا من السيارات الكهربائية، قبل حلول سنة 2025، ومعظمها مُعَدٌّ للأسواق الخارجية، بعد اكتساح السُّوق الداخلية الصينية، أي إن الفائض عن السّوق الدّاخلية سوف يتم تصديره إلى الأسواق الخارجية (أمريكا الشمالية وأوروبا) ومُوَاجَهَةِ الشركات المحلية الأوروبية والأمريكية، مثل تسلا الأمريكية أو فولكساغن الألمانية، وتمكنت شركة ( BYD ) من بيع 15 ألف سيارة في أوروبا سنة 2023، ولها عِدّة تكتيكات، من بينها بناء مصانع في أوروبا وإطلاق ستة نماذج كهربائية في عشرين بلد أوروبي، بأسعار مدروسة للأسواق الأوروبية، فضلا عن المُعِدّات الإضافية “المجانية” (المقاعد القابلة للتدفئة والتبريد، والكاميرات بزاوية 360 درجة، ولوحات المعلومات الرقمية ) التي تكلف مبالغ إضافية في سيارات الشركات الأمريكية والأوروبية، وذلك لزيادة جاذبيتها للزبائن الأوروبيين والأمريكيين، كما تتضمن هذه التكتيكات رعاية الأحداث الرياضية الهامة، مثل رعاية شركة – BYD – بطولة كأس الأمم الأوروبية لكرة القدم 2024، التي كانت ترعاها شركة فولكس فاغن وعرض سياراتها في مواقع المباريات فضلا عن الإشهار الذي يشاهده مائة مليون شخص خلال المباراة الواحدة، وتتضمن التكتيكات كذلك إنشاء الشبكات الخاصة بها ( أو المُشتركة مع شركات أوروبية) في مجالات البيع والصيانة والخدمات، كما سوف تُطلق شركة “شيري” الصينية للسيارات الكهربائية ثمانية طرازات من سيارات الدفع الرباعي تحت علامتين تجاريتين، خلال سنتَيْن، وتُعزّز حضورَها في أوروبا بشبكة تجارية متخصصة في التمويل ( قروض شراء السيارات) والصيانة وتوفير قطع الغيار خلال 24 ساعة على أقصى تقدير، والخدمات، وبدأت الشركتان الصينيتان تُجربان تكتيكاتهما لاستهداف الزبائن الأوروبيين، في النرويج باعتبارها رائدة عالميًا في اعتماد السيارات الكهربائية، وأثارت الأسعار “المنخفضة” نسبيا- تتراوح بين عشرة آلاف وثلاثين ألف دولارا – للسيارات الكهربائية الصينية قلق المُشرفين على صناعة السيارات الكهربائية الأمريكية والأوروبية واليابانية وغيرها، ودعمت الحكومة الأمريكية شركة تسلا من خلال زيادة التعريفات الجمركية على المركبات الكهربائية الصينية أربع مرات لتصل إلى 100%، خلال شهر أيار/مايو 2024، ويدرس الإتحاد الأوروبي ويحقق الاتحاد الأوروبي رفع الرسوم الجمركية على السيارات الصّينية.
الحرب التكنولوجية – 2
تُسيطر الشركة التايوانية – TSMC – على سوق الشرائح الإلكترونية وأشباه المواصلات، ولمّا احتدّت الحرب التجارية والإقتصادية بين الولايات المتحدة والصين، قرّرت الولايات المتحدة تخصيص 300 مليار دولارا للتكنولوجيا وأشباه المواصلات والرّقائق، خلال سنتَيْ 2022 و 2023، واستفادت شركتا – TSMC – و – Intel – وبعض الشركات الأخرى من “حوافز الحكومة الإتحادية وحكومات الولايات الأمريكية، وأنشأت “تي إس إ مسي” (TSMC ) ثلاث مُنشآت في ولاية أريزونا بما يُعادل 65 مليار دولار، كجزء من الخطّة الأمريكية لدعم قطاع الرقائق الإلكترونية والتي جسّدها قانون الرقائق ( شيبس) الهادف “لاستعادة مكانة الولايات المتحدة كقوة صناعية وتكنولوجية وفي مجال البحوث والابتكارات…”
يتطلب التّطور التكنولوجي وبناء اقتصاد مُستدام، الإستثمار في مجالات التعليم والتّدريب المُستمر لمتابعة التّطورات ولاكتساب المهارات، وهو ما فعلته الصين منذ ما لا يقل عن ثلاثة عُقُود حتى أصبحت رائدة في مجال التكنولوجيات والطاقات الخضراء أو المُتجدّدة التي سوف تمثل نحو 25% من استهلاك الصين للطاقة سنة 2030، وهي جزء من الحرب التكنولوجية الباردة التي تشمل صناعة البطاريات والسيارات الكهربائية التي تهدف الصين تصنيع خمسة ملايين منها سنة 2025، في إطار خطّة “صنع في الصين 2025” وفق وكالة بلومبرغ التي قدّرت ارتفاع حصة الصين في إنتاج الألواح الشمسية من 55% سنة 2012 إلى 84% سنة 2023، وارتفاع حصة الصين من صادرات السيارات الكهربائية في العالم من 400 مليون دولارا سنة 2019 إلى 34 مليار دولارا سنة 2023، وساعد الدّعم الحكومي واتساع السوق المحلية هذا القطاع حيث أصبحت ثلاث شركات صينية من أكبر أربع شركات عالمية للسيارات الكهربائية في العالم، سنة 2023، وتحتل شركة ( BYD ) صدارة ترتيب شركات صناعة وتسويق السيارات الكهربائية، وتستوعب السوق الدّاخلية الصينية حوالي 60 % من السيارات الكهربائية في العالم في الصين التي أصبحت أكبر سوق عالمية للسيارات الكهربائية، وتمكّنت شركة ( BYD ) من خفض السّعر ( نصف سعر السيارات الأمريكية) مع المحافظة على الجَوْدَة، كما ارتفعت حصّة الصين من الطاقة الشمسية ومن طاقة الرياح لتتجاوز نصف حجم الطاقات المتجددة في العالم، بفعل الدعم الحكومي والإستثمار في تطوير البنية التحتية ( أكبر شبكة عالمية لمحطّات الشّحن) وتشجيع وتمويل الابتكار التكنولوجي (تكنولوجيا البطاريات وإعادة التدوير وسُرعة الشّحن…)، فيما تعتمد الولايات المتحدة على استيراد مكونات المركبات الكهربائية والبطاريات، واعتاد المواطنون الأمريكيون وشركات صناعة السيارات على وفرة البنزين وانخفاض سعره، ما مَكّن شركات صناعة السيارات الصينية من الرّيادة في هذا المجال، حيث أصبحت السيارات الكهربائية تُشكل ركيزة سياسات تقليل الإنبعاثات وبديلاً للسيارات التقليدية، وتمكّنت الصين من خلال صناعة الرقائق والألواح الشمسية والبطاريات والسيارات الكهربائية من كسب بعض معارك الحرب التكنولوجية ومن تعزيز مكانتها كقوة اقتصادية وتكنولوجية عالمية…
الجانب المُظْلِم والخَفِي للطاقة “النظيفة”
في البحث عن التوازن بين التقدّم العلمي والتكنولوجي ورفاهة الإنسان: هل السيارات الكهربائية صديقة للبيئة أم عَدُوّة الشُّعوب الأصلية ؟
يُنظر على نطاق واسع إلى السيّارات الكهربائية على أنها مفتاح التحوّل إلى الطاقات البديلة، والصين عملاق في هذه السوق. لكنّ المعادن الخطيرة، التي تزوّد بطاريات السيارات الكهربائية بالطاقة، تمثّل تهديدًا للشعوب الأصلية وبيئتها، كما يحذّر كريستوف فيدمر، من جمعية “الشعوب المهدّدة بالانقراض“.
استحوذت الشركة الصينية “بيلد يور دريمز” (BYD) على اهتمام الزائرين والزائرات للمعارض الأوروبية للسيارات، بفضل أفلامها الإشهارية وصورها الجميلة العملاقة ل”سيارة المستقبل”، ولكن، خلف هذا الكمال اللاّمع، تختفي حقائق مقلقة، إذْ تُخطّط هذه الشركة الصينية لرفع التحدي أمام منافستيْها، تسلا (Tesla) الأمريكية وفولكس فاغن (Volkswagen)الألمانية، من خلال إقناع المستهلكين بأن المنتجات الصينية أفْضَل وأقل سعرًا من منتجات العلامات التجارية الأوروبية والأمريكية، وأكثر كفاءة في استهلاك الطاقة بحوالي أربعة أضعاف مقارنة بالسيارات التي تعمل بمحركات الوقود الأحفوري…
إن دور شركات تصنيع السيارات الكهربائية هام وإيجابي ضمن جهود تقليص الانبعاثات وتخفيف الأضرار البيئية، وتعتمد “نظافة” السيارات الكهربائية على التطور التكنولوجي في مجال صناعة البطاريات التي تستهلك كميات هائلة من “المعادن الحَرِجَة” أو “العناصر الإنتقالية” (النيكل والليثيوم والنحاس والكوبالت وغيرها) ويؤدّي استخراج هذه المواد الخامّ إلى تلويث المحيط (أو ما يُسمّى تَرْك “بصمة بيئية سلبية”) وإلحاق الضّرر بشعوب أمريكا الجنوبية وإفريقيا وآسيا التي تعيش على أرض أسْلافها قبل اكتشاف هذه المعادن، ما يخلق تناقضًا بين الطموح إلى “نظافة البيئة” من جهة ومصالح وصحة “الشعوب الأصلية” والمجتمعات المحلية المُتضرّرة من مناجم التعدين، فقد أظهرت دراسة أُجريت في عام 2023، أن أكثر من نصف مشاريع استخراج المعادن الحرجة تقع ضمن أراضي الشعوب الأصلية أو في محيطها، ولكن لا تتم استشارة هؤلاء السّكّان قبل إقرار مشاريع التعدين أي عدم الاعتراف بحقوقها، رغم التّأثير السّلبي لهذه المشاريع الضّخمة على حياة السّكّان وسبل عيشهم ومناخهم وثقافتهم في داكوتا بالولايات المتحدة والبرازيل وسكان بعض مناطق التّعدين في أستراليا وبوليفيا وتشيلي والكونغو والمُسْتعمَرَة الفرنسية “كاناكي” ( تُسميها الإمبرالية الفرنسية كاليدونيا الجديدة) والصّين وغيرها…
كيف يمكن للتطوّر والتّقدم العلمي والتكنولوجي ( الطاقات المتجددة أو السيارات الكهربائية، على سبيل المثال) أن يُشكّل فرصة لتطوير وتحسين ظروف حياة مناطق الإنتاج والتّصنيع ومجمل سُكّان البلدان المنتجة والمُصنّعة للمعادن؟
نشرت شبكة “قيادة الادعاء” (Lead The Charge ) يوم 27 شباط/فبراير 2024، بحثًا يعتمد على التقارير المنشورة من قِبَلِ 18 شركة رائدة في تصنيع السيارات الكهربائية في العالم، وأظْهرت البيانات إن شركات تسلا أو فولكفاغن أو فورد أو الشركات الصينية تقوم بجهود للتخلّص من الانبعاثات والأضرار البيئية، لكنها تمارس انتهاكات حقوق الإنسان، وخصوصًا حُقُوق السّكّان المحليين والشعوب الأصلية، ويدعو تقرير (Lead The Charge ) المستهلكين من أصحاب السيارات الكهربائية ( ومعظمهم من الفئات المَيْسُورة والشرائح العُليا من البرجوازية الصغيرة والمتوسطة) الذين ينطلقون من النوايا حسنة، ومن الإهتمام بقضايا البيئة، إلى الضغط على الشركات لإجبارها على الإهتمام بمصير السّكّان المُقيمين قرب المناجم وبذل الجهود اللاّزمة حتى لا تتحوّل أحلام البعض من الفئات المَيْسُورة في أوروبا وأمريكا إلى كوابيس للشعوب الأصلية والسكان المحليين.
التعليقات مغلقة.