ناعوم شومسكي أو “التقدمية الحرْباوِيّة” / الطاهر المعز




الطاهر المعز ( تونس ) – الثلاثاء 25/6/2024 م …  

أفرام ناحوم ( أو نوعام ) شومسكي مُختص في الألْسُنِيّة، ومَكّنه اختصاصُه وتَضَلُّعُهُ في علوم الألسُنِيّة واللُّغة من تغليف جوهر أفكاره بغلاف تقدّمي، فَبَرَعَ في مجال عُلُوم الإتصالات والبروباغندا، وتمكن بذلك من خداع معظم التّقدّميين في العالم، وصَرّح بدون مُواربة ولا لَفّ أو دَوَران إنه صهيوني، وإنه ضد دولة للعرب واليهود (فوق أرض عربية !!!) لأن اليهود سوف يكونون أقلية مظلومة، ولذلك يُعارض احتلال الضفة الغربية وغزة، لأن اليهود سوف يصبحون أقلية في فلسطين التاريخية

إن اختصاص شومسكي في الألسنية لم يَرْدَعْهُ عن خداع قُرّائه وطلبته باستخدام عبارة “هولوكوست” بما يخدم الدّعاية الصهيونية، وحَصْرِ مفهومها في الزمان ( فترة الحرب العالمية الثانية ) والمكان ( المُحتشدات التي أنشأتها سلطات ألمانيا النّازية في أوروبا) وفي فئة واحدة من ضحايا النّازية (اليهود الأوروبيين ) وهي في الحقيقة كلمة إغريقية تعني “ما لم يتبق منه شيء” أو “ما تم حَرْقُهُ كُلِّيًّا”، غير إن الصهيونية استخدمت هذه العبارة للتغطية على ما رَافَقَ احتلال فلسطين من المذابح الجماعية وتدمير مئات القُرى الفلسطينية وتهجير 850 ألف من سُكّان البلاد الأصليين  autochtones )  ) واستُخْدمت كلمة “هولوكوست” لاستبعاد المجازر التي تعرض لها ملايين الروس والغجر وشعوب أخرى على يد النازية، لأن عدد الضحايا الرّوس والغجر والشيوعيين أكبر بكثير من الضّحايا اليهود، لكن المسألة ليست مسألة عَدَد، بل الإعتراف بالجرائم التي تعرضت لها الشعوب ومعاملة الضّحايا على قدم المُساواة، بدل استخدام الإبادة التي تعرّض لها يهود أوروبا لتبرير اغتصاب وطن الفلسطينيين الواقع خارج أوروبا، ولتبرير ضرورة إنشاء “وطن آمن لليهود”، وتمويل إنجاز المشروع الصّهيوني من قِبَل المال العام المُتأتِّي من ضرائب سُكّان أمريكا الشمالية وأوروبا

اشتهر نوعام شومسكي بنقده للعدوان الأمريكي على شعب فيتنام، ولكنه شارك في تصميم “منظومة لُغَوية” الكترونية تَزيد من فاعلية ودِقّة القَصْف الذي تُنفّذُهُ طائرات “الفانتوم” الحربية الأمريكية بشكل يومي ضد شعب وأرض وزراعة وحيوانات وغابات فيتنام، وساهم طيلة حياته في “تثقيف” ضُبّاط الجيش الأمريكي بشأن حضارة ولُغة وعادات وتقاليد الشعوب التي يعتدي عليها الجيش الأمريكي، وبالمناسبة فإن جيلبير أشقر يقوم بنفس المُهِمّة لدى الجيش البريطاني، كما أكّدَ نوعام شومسكي مِرارًا وتكْرارًا صهيونيّته وأَصَرَّ طيلة حياته على رَفْضِ “دولة العرب واليهود” لان ذلك ظلما لليهود، بحسب رأْيِهِ، ونَقَدَ احتلال الضفة الغربية وغزّة لأن احتلال هذه الأراضي يمكن أن يُشكّل خطرًا على الكيان الصهيوني الذي يُسيطر على ثلاثة أرباع فلسطين، منذ 1949، وفضح نوح كوهين نفاق ناعوم شومسكي في مقال نُشِرَ يوم 23 آب/أغسطس 2003 بعنوان “اعتذاريات اليسار تفند مواقف ناحوم تشومسكي من الصراع العربي الصهيوني

لم يتراجع أفرام ناحوم ( أو نوعام) شومسكي عن ابتهاجه بانهيار الإتحاد السوفييتي ولا عن تبرير احتلال فلسطين ( الجزء المُحتل سنة 1948) وهو ابن كاتب صهيوني ملتزم ومختص في اللغة العبرية، وعاش نوعام شومسكي مع زوجته التي تحمل الجنسية “الإسرائيلية” خلال عقد الخمسينيّات من القرن العشرين في مُسْتَوْطَنة صهيونية (كيبوتس) في فلسطين المحتلة، وصرّح “إني أحبَبْتُ الحياة في إسرائيل وفي الكيبوتس، ولكني لم أستطع تحمل المناخ الأيدولوجي والحماسة القومية… رغم العديد من العناصر الإيجابية في مجتمع الكيبوتس حيث كان الآباء والأطفال يعيشون سوية في منازل منفصلة، مما جعلهم أقْرَبَ للأناركية المثالية أكثر من أي محاولة أخرى، فقد كان الناس هناك جذابين وناجحين للغاية ولو صرفنا النظر عن الحوادث الشخصية فلربما كنت سأعيش هناك .. إلى متى؟ من الصعب تخمين ذلك”، وتجاهل شومسكي إن هذا “المجتمع النموذجي” هو مُجتمع مُستعمِرِين على أرض تم افتكاكها من أصحابها وطردهم من وطنهم…

لا يُعارض شومسكي احتلال الضفة الغربية وغزة من منطق مناهض للصهيونية أو للإستعمار، بل خوفًا من “ذوبان اليهود ضمن أغلبية عربية”، وانتقد بشدّة “اختيار إسرائيل التوسع بدلاً من الأمنن ما سيؤدي بالتأكيد إلى دمارها النهائي ، ودعم أو بَرّرَ العدوان الأمريكي على سوريا واحتلال جزء منها، بذريعة “ردع هجوم النظام السوري على المناطق الكردية”، كما تَبَنّى شومسكي الرّواية الأمريكية الرّسمية بشأن أحداث 11 أيلول/سبتمبر 2001،  وهو موظف يعمل في مؤسسة مموّلة من وزارة الحرب والمخابرات الأميركية، ويتلقى راتبه منهما ويتمثل عمله في تدريب ضباط الجيش – قبل غزو أو قبل العدوان على بلدان “المُحيط” – بحكم اختصاصه في ابتكار نظريات هامة عن نشوء اللغة، وفي دراسة تطويع اللّغة لتكنولوجيا المعلومات، وتحليل خطاب وسائل الإعلام الجماهيرية… إنه ينقد الهيمنة الإمبريالية بينما تمول وزارة الحرب دراساته لخدمة الأبحاث العسكرية للجيش الأميركي، حيث تتمثل مهمته في تطويع علوم اللسانيات لخدمة تكنولوجيا مختبرات وزارة الحرب الأميركية من خلال العمل في أهم مركز للأبحاث التكنولوجية (معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا ) لتصميم أدوات الحرب والأسلحة، مقابل راتب ضخم، ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا هو مؤسسة بحث تكنولوجي في خدمة وزارة الحرب الأميركية، وتنتج هذه المؤسسة أدوات توجيه الصواريخ النووية وغيرها من أسلحة الدّمار الشامل، ولا يُخْفِي تشومسكي علاقاته العَلَنِيّة والمعروفة مع ضباط الجيش والإستخبارات ومن بينها علاقته الشخصية ب”جون دويتش” مدير المخابرات المركزية الأميركية “سي آي إيه” من 1995 إلى  1996 وفق الباحث البريطاني “كريس نايت” الذي نشر كتابا، بعنوان “تفكيك تشومسكي: العالم والثوري السياسي”  (Decoding Chomsky: science and revolutionary politics  ) أيلول/سبتمبر 2016 – مطبعة جامعة ييل الأمريكية، كما عمل مع الجيش الأمريكي لتطوير ما يُسمى “ نموذج شومسكي” أو “تَسَلْسُل شومسكي الهرمِي” الذي استَخْدَمَهُ الجيش  كأساس نظري في مجالات علوم الحاسب الإلكتروني، وتطوير عُلماء الرياضيات “لُغة” الحاسوب اعتمادًا على دراسة “اكتساب اللغة للحيوان” وكذلك للطفل الرّضيع وعلى ما كتبه شومسكي في مؤل”فه بعنوان “البُنَى التّرْكِيبِيّة”التي اعتبرها عالم الكومبيوتر دونالد كانوث “نظرية رياضية لِلُّغَة ومن الممكن من خلالها أن أستخدم حدس مبرمج الكومبيوتر “…

 

الخلل في نظريات شومسكي اللغوية والسياسية

ينتمي ناعوم شومسكي الى المدرسة الفكرية التي تُركّز على الجانب المُتَوارَث في أفكارنا والمَبْنِيّة على فَرَضِيّة “البُنْيَة اللُّغَوِيّة الموجودة بالسليقة في عقل الطفل عند الولادة”، بدل التّركيز على العالم المادي كَمَصْدَرٍ للمعرفة ولمعظم أفكار الإنسان التي تتطور بالتجربة واستخدام المَنْطِق والممارسة التي تتضمّن الخطأ والصّواب، وتتلخّص أطروحة شومسكي اللُّغَوِيّة في تغليب الجانب “الجِيني” (الوِراثي) وفي وُجُود “قواعد لغوية عالمية” ( النّحْو الكُلِّي –   Universal Grammar ) وإن بُنْيَة اللغة موجودة بشكل فِطْرِي في عقل الطّفل عند الولادة، ولكن الوقائع أثبتت إن اللغة كائن حي يتطور مع تطور المجتمعات ومع تطور الفرد وفق مُحيطه العائلي والمادّي (الطّبقي) وتُمثل اللغة أداة تواصل، وتمثل كذلك وعاء ثقافيا يتطور وفق حاجة الإنسان للتعبير عن الواقع والمُحيط، وكذلك المفاهيم والأفكار المُجَرَّدَة وتحديد الأخطاء وتصويبها وتُساهم الكتابة في تنمية القدرة على نقد الأفكار بهدف تعديلها، وعلى حل المشكلات التي تختلف من شخص إلى آخر ومن مجتمع إلى آخر، لذا فإن اللغة ليست فِطْرِيّة وراثية، وإنما هي كلمات (مَنْطُوقة أو مكتوبة) تعكس الأفكار وفق نموذج ذِهْنِي يتطور مع نمو الإنسان في مُحيط أو مناخ يُساعد أو يُعَرْقل هذا التّطوّر…    

يُعْتَبَرُ العالم السوفييتي “ليف فيغوتسكي” من الباحثين الماركسيين في علم اللغة واللسانيات، وساهم في تطويره بنظرية نشوء اللغة وتطورها بالتوازي مع أبحاثه في علم النفس والتربية، وهو على خط يتعارض مع استخلاصات نوعام شومسكي بشأن “المَوْرُوث اللُّغوي الفِطْرِي” وكذلك بشأن ما يُسميه شومسكي أو حنّا آرندت ب”الشّمولية” التي تُساوي بين النظام الإشتراكي والنظام الفاشي، أما نقد شومسكي للامبريالية الأمريكية فهو نابع من نظرية (السلطوية) الخالية من التحليل الطبقيٍ لتطور الرأسمالية من الليبرالية التنافُسية (دَعْهُ يعمل، دَعْهُ يَمُرّ) إلى الإحتكار الذي وَلّد الإمبريالية ونظرًا للعداء المَرَضِي الذي يكنّه شومسكي للثورة البلشفية وبالأخص لفلاديمير لينين، فإنه توصّل إلى استنتاجات لا تنطلق من أُسُس مادّية تاريخية، وكانت لهذا التناقض نتائج كارثية، فقد كان شومسكي، في فترة المكارثية عضواً في هيئة تدريس معهد ماساتشوستس للتقنية ( MIT)، الذي كان رائدًا في عداء الحركة الشيوعية والاتحاد السوفييتي، وفق كتاب المفكر الأمريكي مايكل بارنتي (Blackshirts and Reds, Michael Parenti, City Lights Books, 1997  ) وكذلك كتاب الشيوعي السوفييتي ايغور ناليتوف “بدائل الوَضْعِيّة” الذي نقد النّظرية الوضْعِية من مُنطلقات اشتراكية (  Alternatives to Positivism, Igor Naletov, Translated by Vladimir Stankevich, Progress Publishers, Moscow, 1984.  )
يرجى كذلك مراجعة ما كتبه نوح كوهين سنة 2004: “نعوم تشومسكي واعتذاريات اليسار عن الظلم في فلسطين”:

Axis of Logic. Noah Cohen, “Noam Chomsky and ‘Left’ Apologetics for Injustice in Palestine”, August 23 august 2004 – http://www.axisoflogic.com/…/artivle_11169.shtm12004)

وذلك ردّا على ما تصريحات نوعام شومسكي في مقابلة أجراها معه جستين بدور و ستيفن شالوم :

Noam Chomsky interviewed by Justin Pdour and Stephen Shalom. March. 3, 2004 –

 


 

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.