ماذا ستفعل الشعوب العربية مع تطبيع  الانظمة مع اسرائيل ؟ / أحمد الحباسى

أحمد الحباسى* – الخميس 27/6/2024 م …



* كاتب و ناشط سياسي  …

حين تضع الخريطة أمامك ستنتبه حينها أن  إسرائيل قد باتت جزء من حقيقة قائلة أن التطبيع قد عمّ أغلب الأنظمة العربية و أن السلع الصهيونية قد باتت تتواجد و لو بشكل محتشم في بعض الأسواق العربية و أن أغلب وسائل الإعلام لم تعد تهتم بمناهضة التطبيع و لا بالحديث عن مقاومته أو رفضه رفضا كليا و أن هناك حالة تعتيم كبرى  حول حقيقة الاختراق الصهيوني للأمن القومي  لكل البلدان العربية بالجملة أو التفصيل  .  اليوم أصبح هناك واقع فرضته الأنظمة على الشعوب قسرا و هناك حالة هرولة غير طبيعية نحو التطبيع مع الكيان الذي نشاهد بأم العين كيف يقوم يوميا  بارتكاب مجازر مرعبة و حملات تطهير عرقية عنصرية ضد الشعب الفلسطيني الأعزل .مقابل هذا التطبيع المعلن هناك حرب  معلنة أيضا ضد كل ساكن يتحرك لمواجهة إسرائيل و حلفاءها و كل صوت معارض للتطبيع  و هناك  حالة غليان شعبية مقابل حالة استعمال مفرط للقوة من الأنظمة لقمع هذه الحالة حتى لو أدى ذلك إلى حمامات دم .

 قاطعوا  المنتج الفلاني ، قاطعوا الذهاب إلى فلسطين المحتلة ، قاطعوا أية علاقة مع اليهود،  ضمنوا خطب الجمعة ما تيسر من الأدعية ضد الصهاينة ، رددوا شعارات خيبر خيبر يا يهود جيش محمد سيعود،  ارفعوا أياديكم بالدعاء  لهزم  جيش الاحتلال الصهيوني  هكذا يفكر البعض و هكذا يظنون أن النصر سيتحقق على  الصهاينة العنصريين القتلة  . لا أحد من الأنظمة العربية يريد منا أن نضع صورة الشهيد محمد الدرّة و لا الأسير مروان البرغوثى و لا البنت الشجاعة عهد التميمى  كما أنه لا أحد منهم يريد منا أن نرفع السلاح و نعد العدة ما استطعنا لاسترداد الحقوق العربية التي تم سلبها منذ نشأة هذا الكيان اللعين بموجب وعد بلفور المشئوم و بطبيعة الحال لا أحد يقبل منا مجرد التغني بأغنيات المقاومة أو كتابة سطر عن هؤلاء  الشهداء الذين يسقطون في غزة دون أن يتم مواراتهم التراب من باب إكرام الميت دفنه على الأقل . كل شيء في مساحة الأرض العربية يدعوك إلى القبول بواقع كريه و بسم زعاف اسمه إسرائيل بل هناك من الكتاب الخليجيين من تجرأ بالقول أن إسرائيل لم تعد العدو.

  ربما يظن البعض أن رفض التطبيع  مع الكيان الغاصب سهل  و يكفى أن نقاطع المنتجات و الزيارات للكيان الصهيوني و أن نكتفي  بالدعاء لتحرير فلسطين كما  صرح أحد عمائم الفتاوى   لكن في الواقع الأمر معقد و يحتاج إلى تفصيل لان مشروع الصهاينة كما جاء على  لسان الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات هو  إنشاء  دولة إسرائيل على كامل المنطقة العربية  و هذا الحلم  يتحقق يوميا دون أن ننتبه إلى ذلك لان الظن ذهب بنا إلى أنه يستحيل على العدو احتلال مساحة الأرض العربية لإنشاء دولة إسرائيل  و الحال أن قصد العقل الصهيوني  ليس الاحتلال المادي بل الاحتلال المعنوي و الثقافي الذي يعتبر أكبر معركة تشنها إسرائيل منذ نشأتها و لعل علامات نجاح الخطة الصهيونية هو هذا العدد المتصاعد من الكتاب و المحللين و المنظرين العرب الذين يؤثثون مساحات البث الإعلامية و الذين يتكلمون بلسان و غايات  الكيان الصهيوني  و لا يتحرجون إطلاقا من دعوة كبار القيادات الصهيونية في مختلف الاختصاصات و المجالات تحت يافطة قبيحة لمناقشة مواضيع حساسة اسمها الرأي و الرأي الآخر .

 التطبيع يأخذ أشكالا متعددة  تصل حدّ استقدام عناصر  من مخابرات العدو لحماية بعض الحكام العرب  و مجرد حصول ذلك يعطى الانطباع بأن إسرائيل  تسعى إلى ضمان استقرار المنطقة و الحال أن العكس هو الصحيح لان تلك الحماية تعطى الكيان حق التدخل في القرار العربي و العمل على تمرير كل ما يساهم في تقوية الحضور  الصهيوني في كل المجالات  و بالطبع فان كل نظام تتم حمايته لا يحق له اتخاذ أي قرار يتعارض مع المصالح الصهيونية الأمريكية المتشابكة في المنطقة . إن كشف أعداد العملاء الصهاينة في لبنان و فلسطين مثلا يؤكد أن العدو الصهيوني لا يتردد في استقطاب النفوس الضعيفة للقيام بأعمال تعقب و رصد و تبليغ عن قيادات المقاومة كما أن محاولة اغتيال القيادي في حماس خالد مشعل في الأردن بالذات و رغم إمضاء معاهدة صلح بين الطرفين لم يمنع القيادة الصهيونية من إعطاء الأمر بالاغتيال في تجاهل تام لكل الأعراف الدولية  كما أن العلاقات المعلنة بين الإمارات و إسرائيل لم تمنع الموساد من اغتيال القيادي الفلسطيني  محمود المبحوح في قلب العاصمة الإماراتية .

لا شك و لا خلاف أن لإسرائيل يد في تعاظم تجارة المخدرات و السلاح و بيع الأعضاء البشرية داخل البلدان العربية  و التدخل الصهيوني يأخذ أشكالا متعددة و من بينها توفير الحماية لكبار المهربين أو المتاجرين في هذا السوق الكبرى التي تدر أموالا خيالية و بقدر ما تتزايد تجارة المخدرات في بلد عربي فان إسرائيل تفرك يديها نشوة و سعادة  لان المدمن يسهل استقطابه من الجماعات التكفيرية  ليقوم بدور قذر اصطلح على تسميته بالجهاد و بنصرة المستضعفين في سوريا أو بعض الدول العربية الأخرى . اليوم  تقوم الدعاية الإعلامية و أذرعها في المنطقة العربية و أوروبا و أمريكا بدور مشبوه  لتضليل الرأي العام العربي و دفعه إلى ارتكاب أعمال الفوضى  و إسرائيل ليست بعيدة إطلاقا عن أغلب أعمال الفوضى التي ضربت الاقتصاد التو نسى في مقتل و التي ثبت أن مرتكبيها قد تسلموا أموالا طائلة من دولة خليجية بإيعاز من الكيان الصهيوني . لقد كشفت الحرب العدوانية الصهيونية على غزة أن إسرائيل و رغم كل هذه الجهود القذرة لم تستطع المسّ من المشاعر العربية الملتهبة التي ترى في القضية الفلسطينية القضية الأم و فئ الكيان الصهيوني الكيان الذي يجب مواصلة مواجهته مهما كانت التضحيات و التكاليف .

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.