قبرص، نجمة الهلال الخصيب! .. يا شـام، أيـن هما عـينا “ابن عربي” وأيـن هما أُذنا “معاويةٍ”؟ / الياس فاخوري
الياس فاخوري ( الأردن ) – الثلاثاء 2/7/2024 م …
كان “محي الدين ابن عربي” يرى الله بالعين المجردة من سفح قاسيون في دمشق .. وكاد “معاوية” أن يسمع من الشام صياح الديك في قبرص.
بعض التاريخ لا يُضير فقد كانت قبرص جزءاً من جبال الأمانوس السورية انفصلت عنها بفعل عوامل وظروف جيولوجية تراكمت عبر الزمن لتصبح جزءاً من الساحل السوري .. ولقد حكم العثمانيون الجزيرة كجزء من احتلالهم لبلاد الشام، وتخلى عنها أحد سلاطينهم لبريطانيا الامبراطورية .. هي جزءٌ من سوريا الطبيعية، ومن موقعها الاستراتيجي هذا انطلقت القوى المعادية في حروبها على منطقتنا كحرب السويس – مثلاً!
ومن المعروف ان الطبيعة الجيولوجيه لقبرص هي نفسها الطبيعة الجيولوجيه للساحل السوري أي أنها انفصلت عن الأرض السوريه وهذا جانب يلحظه القانون الدولي إضافة إلى التاريخ ونشوء الحضارة، والأكتشافات الأثريه التي تثبت وبالدليل القاطع أنها سورية حضارياً و تاريخياً.
هي نجمة الهلال الخصيب، وقد حدد الزعيم “انطون سعاده” وجود الأمة (القومية) السورية جغرافياً بأن رسم خارطة أرضها قائلاً: “الوطن السوري هو البيئة الطبيعية التي نشأت فيها الأمة السورية. وهي ذات حدود جغرافية تميزها عما سواها، تمتد من جبال طوروس في الشمال الغربي، وجبال البختياري في الشمال الشرقي، إلى قناة السويس والبحر الأحمر في الجنوب، شاملة شبه جزيرة سيناء وخليج العقبة، ومن البحر السوري في الغرب، شاملة جزيرة قبرص، إلى قوس الصحراء العربية والخليج العربي في الشرق. وتوصف بالهلال السوري الخصيب ونجمته جزيرة قبرص” (المبدأ الأساسي الخامس، المحاضرات العشرة) .. وهكذا حدد “سعادة” الوطن السوري من خلال تحديده لمفهوم الأمة (القومية)، واتباعها بالحدود الجغرافية علماً ان هذه الأمة السورية كانت قد وحدها “سرجون العظيم” منذ آلاف السنين قبل الميلاد كما تشير الآثار والأحافير والرُّقم التي تمتد من قبرص إلى بلاد الرافدين مؤكدة وحدة الثقافة والعادات والحياة والموروث.
وبالعودة الى معاهدة لوزان عام 1923 كتعديل لمعاهدة سيفر، نرى كيف تمّت إعادة ترسيم الحدود من جديد بين تركيا وبريطانيا وفرنسا. ولعل أهم ما ورد في هذه الاتفاقية هو التنازل الصريح عن قبرص لصالح بريطانيا في المادة 20 من بنود الاتفاقية. وبما أن كل الخرائط، وكل المواثيق التاريخية، والكتب، والآثار، والأحافير، وحتى المرويات تؤكد العلاقة ما بين قبرص والأراضي السورية المستلبة، فإن القانون البحري الدولي يؤكد شرعية المطالبة بقبرص كأرض سورية طالما أن تلك الأراضي حكماً هي أراضٍ سورية، وبما أن المادة الخامسة عشر من القانون البحري تؤكد وبشكل قاطع أنه وبوجود سند تاريخي أو ظروف خاصة فإنه يكون من الضروري تعيين حدود البحر الإقليمي لكل من الدولتين بطريقة تخالف هذا الحكم (الـ 12 ميل بحري والمادة 15 من القانون البحري الدولي)!
قليل من التاريخ – كما اسلفت – لا يحجب التفاعلات الجيوسياسية والتفاعلات الجيوستراتيجية، وحتى التفاعلات الايديولوجية في المنطقة التي يُعاد تشكيلها على ساعة السابع من أكتوبر وهذه أوديسة النهاية لأُحادية القطب قد بدأت فعلاً ومعها زوال الكيان الاسرائيلي المؤقت، وكان “ناحوم غولدمان” – أحد آباء هذا الكيان – قد أبدى خشيته من “أن تكون عودتنا من حيث أتينا في التوابيت لا في القطارات”!
وما يجري اليوم في فلسطين المحتلة لا ينفصل عن الأحداث في بحر الصين والعالم، والولايات المتحدة الأميركية أعلنت مشروعها في سياق تنفيذ “وعد بلفور” ومفرزاته .. وهذه الصحيفة الإسرائيلية “يسرائيل هيوم” تذكر يوم 23 أيار الماضي انّ الجيش “الإسرائيلي” يزمع من خلال مناورات “مركبات النار” على تنفيذ محاولات إنزال في عمق الأراضي اللبنانية عبر البحر، وتُضيف انّ الجيش “الإسرائيلي” استأجر سفناً وقوارب إنزال من اليونان وإيطاليا لاستخدامها في المناورة!
ورغم نفي المسؤولين القبارصة ايّ نيّة بالسماح ان تكون قبرص منصّة للهجوم على لبنان، الا انّه لا ُُُيُمكن تجاهل المناورات المشتركة مع الجيش “الاسرائيلي” في قبرص، سيّما تلك التي جرت منذ عامين بين الجانبَين وحاكت عمليّة برّية “اسرائيلية” في لبنان، والتي اعتُبرت الأكبر خارج حدود الكيان “الاسرائيلي”، حيث شاركت فيها اكثر من 50 سفينة حربية وقوّات إنزال ومروحيات والاف المقاتلات!
وجاء بعض الرد من خلال فيديو “الهدهد” في حلقته الاولى: حيفا ومجمعاتها العسكرية والاقتصادية والسكانية أهدافاً .. يتحدث الشريط المنشور عن حلقة أولى لما أرسله أو عاد به الهدهد اثناء غيابه “وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ” (النمل – 20) .. فَمَكَثَ (الهدهد) غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ (النمل – 22) .. بِنَبَإٍ يَقِينٍ تجاوز قبرص الى”من يعنيهم الأمر”،خصوصا بعدما أُدخل “البحر” ساحة جديدة في وجه “اسرائيل” اذا شنّت حربا على لبنان. فرسالة حقل “كاريش” ومنصّات النّفط والغاز قد وصلت — ليس فقط الى تل ابيب بل ايضا الى أروقة الدول الاوروبية التي تعتمد على خطّ إمداد الطّاقة القادم من المتوسط!
نعم تم كشف المراكز العسكرية والحيوية الإستراتيجية في الكيان ونُشرت الصور الجوية الدقيقة والتفصيلية لكل الأهداف المعنية مع إحداثيّاتها .. وتضمّنت كشف مجمّع “هكريا” الذي يضمّ مقارّ وزارة الحرب وهيئة الأركان، وقيادات الاركان العسكرية العليا، والاهداف الاستراتيجية في حيفا، بما فيها المرفأ ومصافي النفط، وايضا مطار بن غوريون وقاعدة اقمار صناعية عسكرية حيث علّقت وسائل اعلام عبرية بالقول” إنّ كلّ المراكز والقواعد والمنشآت العسكرية والحيوية الاستراتيجية في اسرائيل مع إحداثيّاتها، بحوزة حزب الله”!
وهكذا تنجح قوى المقاومة بإعادة رسم المشهد الإقليمي من خلال تغيير قواعد الاشتباك الاستراتيجية وموازين القوى الدولية والإقليمية شاء من شاء وأنكر من انكر .. أما على صعيد جبهات الإسناد، فلم يتمكن الأميركيون من احتواء “أنصار الله” في البحار العربي والأحمر والمتوسط والهندي وها هم الحوثيون يتوسّعون تجاه السودان ومصر والمغرب حيث نقلت قناة “i24NEWS” “الإسرائيلية” أن الرقابة العسكرية سمحت بنشر خبر يفيد بأن “أنصار الله” بدأوا “بتوسيع نفوذهم في منطقة شمال أفريقيا بغرض استهداف إسرائيل، وأن مؤشرات وردت عن أنشطة لهم في السودان ومصر والمغرب، وأنهم يريدون العمل من هذه المناطق ضد إسرائيل، ويتوقع أن ينقلوا مقاتلين بالإضافة إلى تعاونهم مع مجموعات عراقية” .. وبدورها أعلنت “تنسيقية المقاومة العراقية” عن عزمها ضرب الأميركيين إذا ضُرب لبنان: “إثر تهديدات العدو الصهيو-أميركي بشن حرب شاملة على لبنان ومقاومته الباسلة، قرّرت التنسيقية أنه إذا ما نفّذ الصهاينة تهديدهم، فإن وتيرة ونوعية العمليات سوف تتصاعدان ضدهم، وستكون مصالح العدو الأميركي في العراق والمنطقة أهدافاً مشروعة لرجال المقاومة”!
ف”النصير ات”ى باتحاد الساحات والجبهات، والنصر آت تغييراً كيفياً نوعياً بفعل التراكمات الكمية كما تشهد الوقائع وعلوم الديالكتيك والتاريخ!
قبرص، نجمة الهلال الخصيب! .. يا شـام، لا تسألي أيـن هما عـينا “ابن عربي” وأيـن هما أُذنا “معاويةٍ” فقد جاء من زحموا بالمنكـب الشهبا لترقص خيول بني حمدان زهواً، وليملأ المتنبي حلبا، وليطالعنا وجه “ديانا” والسماء ببسمة لكأنها بسمة انبياء، فنعود لسميح القاسم:
“هنا سِفرُ تكوينهم ينتهي
هنا .. سفر تكويننا .. في ابتداء!”
|
|
الدائم هو الله، ودائم هو الأردن العربي، ودائمة هي فلسطين ..
نصركم دائم .. الا أنكم أنتم المفلحون الغالبون ..
الياس فاخوري
كاتب عربي أردني
التعليقات مغلقة.