الجولاني… على طاولة القرار التركي / د. خيام الزعبي

د. خيام الزعبي ( سورية ) – الثلاثاء 2/7/2024 م … 

إن عودة العلاقات السورية التركية إلى مجاريها الطبيعية بكل تأكيد تمثل في الظروف الحالية حاجة إستراتيجية للطرفين، والتنسيق بينهما سيعيد إلى المنطقة شيئاً من التوازن ومنطلقاً للتأسيس لحالة من الإستقرار في خضم المرحلة المضطربة، كون لهما وزنهما وأهميتهما في المنطقة، وهذا التقارب ما سيتيح على الأرجح تكوين صورة أوضح عن الطريقة التي ستتعامل بها أنقرة مع الوضع في سورية خلال الأيام المقبلة.




 

بعد أن أصبح التقارب بين دمشق وأنقرة وشيكاً أو واقعاً إلى حد ما، يعد ملف إدلب من بين أهم الملفّات التي لا تحتمل تأجيلاً، بالنظر إلى ما يمثّله من أولوية بالنسبة لدمشق و أنقرة التي تسعى إلى استثمار هذا التقارب من الناحية الاقتصادية عبر إعادة تفعيل خطوط تصديرها المعطَّلة إلى سورية وعبرها إلى دول الخليج العربية.

 

ومنذ انطلاق مسار التقارب بين سورية وتركيا، أبدت هيئة تحرير الشام، المعروفة سابقاً بجبهة النصرة، رفضها لأي حوار تركي سوري نظراً إلى أن أنقرة استمرت لوقت طويل على تقديم الدعم لها في القتال، وعلى الطرف الأخر أكد زعيم الهيئة ، الجولاني، إلى أن المقاربة العسكرية هي الخيار الحيوي الوحيد لحسم المعركة في سورية، وذلك في وقت بدأ فيه العديد من الدول العربية بتطبيع علاقاتها مع دمشق في موازاة التقدم الحاصل في مسار العلاقات السورية التركية ما جعل الجولاني يبدو وكأنه يغرد خارج السرب.

 

فالإجراءات التي يتخذها حالياً أردوغان بشأن التقارب مع دمشق ألقى بتداعيات سلبية على صفوف “المعارضة المسلحة” التي كان يدعمها داخل سورية حيث أصبحت هذه الجماعات تعاني من إنتكاسات كبيرة نتيجة تراجع الدور التركي في دعمها، ويتجلى ذلك من خلال قيام تركيا إعادة تشغيل طريق حلب-غازي عنتاب المعروف بـ”طريق الشط”، وافتتاح معبر أبو الزندين، ويُعتبر هذا الطريق صلة الوصل بين الحدود التركية وطريق حلب – دمشق الدول ، فضلاً عن سحب الحكومة التركية كل ضباط مخابراتها الكبار الذين كانوا يعملون وينسقون مع فصائل المعارضة السورية في منطقة حلب وريفها، الأمر الذي يعكس وجود خلافات شديدة بين هذه الحكومة والفصائل المسلحة، وربما كمقدمة لتغيير كبير في الموقف الرسمي التركي تجاه الملف السوري التي قد تظهر مؤشراته ودلالاته في الأيام القليلة المقبلة، كما أن فتور العلاقات التركية الأمريكية الغربية ساهم في إضعاف التحالف الخارجي الذي يدعم صفوف المعارضة المسلحة.

 

ونتيجة لذلك بات مصير هيئة تحرير الشام ومستقبلها على المحك، ربما، فليس من المستبعد أن تتخلص أنقرة من الهيئة أو تحد من نفوذها وتضيق عليها في سبيل إنجاح المحادثات مع دمشق، خاصة أن من أهم مطالب الرئيس الأسد تتمثل في التعاون في القضاء على الإرهاب.

 

وبالتزامن مع الإجراءات التركية الرامية إلى احتواء “الجماعات المسلحة” فأن أمام “الجولاني” عدة سيناريوهات، أحد الخيارات المطروحة له ، القبول بالأمر الواقع، والانسحاب من إدلب إلى مناطق ريف حلب الشمالي، والاعتقاد السائد أن هيئة تحرير الشام ستقوم بتفجير وتدمير أكبر قدر ممكن من البنى التحتية في مدينة إدلب قبل الهروب منها نتيجة الضربات القوية التي يتلقاها من الجيش السوري وحلفاؤه، وذلك لتحقيق سياسة الأرض المحروقة، أما الخيار الثاني إمكانية انخراط “الجولاني” وجماعته في المعارك مع “قسد”، من خلال تشكيل غرفة عمليات موحّدة تجمع كلّ الفصائل، وهو مَنفذ يراه “الجولاني”، مقبولاً، كونه يضمن استمرار وجوده وجماعته، خاصة في ظلّ توسيع الولايات المتحدة نشاطها قي سورية وتغذية “قسد” بأسلحة نوعية ومتطورة، أما السيناريو الثالث هو إمكانية انتقال “الجولاني” إلى المعسكر الأميركي، في ظلّ وجود قنوات اتصال فعلية بينه وبين واشنطن، وهذه الاتصالات ظهرت بوضوح خلال عملية اغتيال قياديَين في “داعش” الإرهابية.

 

بالتالي أنّ أنقرة وضعت “هيئة تحرير الشام” وزعيمها على طاولة القرار التركي، وأنها تقلب السيناريوهات المحتملة في موضوع مستقبل الهيئة وزعيمها في إدلب وعموم شمال غرب سورية، وسط ميل تؤكده وقائع ومجريات الأحداث، إلى أنّ الجولاني سوف يختفي من المشهد السياسي والعسكري فالأمور في ادلب تسير نحو التصعيد والصدام مع الأهالي والمحتجين الذين يطالبون بإسقاط الجولاني بسبب سياسته الإجرامية، وهذا يدق المسمار الأخير في نعش تنظيمه الإجرامي في إدلب .

 

مجملاً… إنه لا مستقبل للجهاديين والغرباء في إدلب أو أي مدينة أو قرية في سورية وأن المعركة سيحسمها عاجلاً أم آجلاً الجيش السوري وحلفاؤه، وبإختصار شديد، إن المهتمين بالشأن الدولي يرون أن الحالة العامة التي تسود المشهد السوري حالياً تسيطر عليها أجواء الإحباط لدى المعارضة وهذا ما يؤكد إنتهاء اللعبة بالنسبة للمعارضة المسلحة، خاصة بعد أن قررت تركيا تغيير إستراتيجيتها بالتخلي عن الدعم المباشر للجماعات المسلحة المعارضة في سورية.

 

 وأختم بالقول، إن سورية عصية على السقوط ولن تكون موطناً وبيئة حاضنة للإرهاب، وعليهم مراجعة حساباتهم ومراهناتهم الخاسرة طالما أن الجيش السوري يفترش الأرض بدماء شهدائه في سبيل ان تبقى راية سورية عالية خفاقة.

 

[email protected]

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.