تحليل سياسي … بين تدمر وحلب الصراع على مستقبل سوريا
الأربعاء 14/12/2016 م …
الأردن العربي …
هجوم “داعش” الواسع على تدمر والبادية، هو نتيجة دفع أميركي وتركي لمحاولة الحدّ من تأثير انتصار حلب على نهاية الحرب في سوريا. لكن التحوّل الأعظم في حلب ربما يشير إلى إمكانية استعادة تدمر سريعاً، في مسار قطع الطريق على آمال تمزيق سوريا.
تصرّ واشنطن في مباحثات سيرغي لافروف ــ جون كيري على وقف اطلاق النار في كل الأراضي السورية
تصرّ واشنطن في مباحثات سيرغي لافروف ــ جون كيري على وقف اطلاق النار في كل الأراضي السورية
توغّل “داعش” في تدمر بعد ثمانية أشهر من طرده، يثير أسئلة نقدية بشأن مواجهة تكتيك “داعش” الذي ينقل عناصره من مكان إلى آخر متنكّرين بثياب نساء ومدنيين بحسب الخبير العسكري الروسي “ألكسندر بيرنيجيف”. لكن الرئيس السابق للأركان العامة الروسية “يوري بالوينسكي” يذهب أبعد من ذلك في توجيه اللوم إلى تخطيط العمليات العسكرية، في إشارة نقدية إلى التخطيط العسكري الروسي الذي يقع في أخطاء تتيح لـ”داعش” حرية الحركة والانتشار بحسب تعبيره.
لعلّ سرعة التوغّل بهجوم واسع في تدمر والبادية، تدلّ إلى أن ما يمكن تسميته “أخطاء العمليات العسكرية” تعود ربما إلى تعويل موسكو على التفاهمات الروسية ــ الأميركية بشأن مواجهة “داعش” في سوريا. وهو ما أشار إليه الناطق باسم الكرملين “ديمتري بيسكوف” إذ يتهم واشنطن برفض التعاون مع موسكو أو التنسيق الذي من شأنه مواجهة “داعش” ومحاصرته أو منعه من التمدد على الأقل.
وفق معطيات مركز حميميم الروسي المشرف على الوقائع اللوجستية في تدمر، قام “داعش” باقتحام المنطقة من معاقله في الرقة ودير الزور مستخدماً آليات مدرعة وحوالي 5000 آلاف من عناصره. وقد تكون هذه العناصر هي نفسها التي انسحبت من الموصل باتجاه الرقة في بداية معركة تحرير نينوى. وفي هذه المعركة المستمرة لهزيمة “داعش” في الموصل، لم تخفِ الإدارة الأميركية عزمها على دفع “داعش” للإنكفاء نحو الرقة ودير الزور. ولهذا السبب راعها توجه الحشد الشعبي العراقي لقطع الطريق على “داعش” في معركة تلعفر.
على وقائع انتصار الجيش السوري وحلفائه في حلب، أوقفت الإدارة الأميركية ما بدا استعداداً لدعم قوات “غضب الفرات” من عرب وكرد في معركة الرقة. وفي محاولة لدعم الجماعات المسلّحة ورفع معنوياتها بعد هزيمة حلب، تصرّ واشنطن في مباحثات سيرغي لافروف ــ جون كيري على وقف اطلاق النار في كل الأراضي السورية أملاً بإعادة تنظيم هذه المجموعات ودعمها بالعديد والعتاد. وفي هذا السياق تراهن واشنطن على إجهاض انتصار حلب مضحية بما تبقى من مدنيين وجماعات مسلّحة محاصرة يمكن توظيفها في إذكاء نار “الثأر لحلب”. لكن هذه المناورة تخدم رفع معنويات “داعش” في انتقاله من الدفاع في الموصل إلى التمدد من الرقة ودير الزور. وفي خلفية هذا التمدد تعويل على متغيرات أميركية في سوريا أكثر تأثيراً في دعم المسلحين والرعاية بالسلاح الذي يصل إلى “داعش” مواربة أو مباشرة.
بموازاة المساعي الأميركية لتقليل حجم الخسائر في حلب بما يصب في طاحونة النصرة و”داعش”، تسعى أنقرة من جهتها إلى الدفع في المجرى نفسه. وذلك عبر محاولة تجاوز الخطوط الحمراء الروسية والسورية في مدينة الباب. ومن غير المستبعد انسحاب “داعش” من الباب كما انسحب من جرابلس التي دخلتها القوات التركية من دون قتال. وقد لا يكون انسحاب “داعش” من دون مقابل في المراهنة على عودة الأمور بينه وبين أنقرة إلى سابق عهدها في اطمئنانه إلى التمدد محمي الظهر، بينما تحتل تركيا خاصرة حلب في الباب وريفها الشرقي وهي أكثر من حجز مقعد على طاولات المفاوضات المزمعة أن ترسم مستقبل سوريا.
تحرير تدمر في27 آذار/ مارس الماضي ودحر “داعش”، أرسى أول تحوّل في مجرى الصراع لرؤية الضوء في آخر النفق. وتحرير حلب في هزيمة النصرة والجماعات المتآلفة معها، يبني على التحوّل الأول تحوّلاً أكبر على وسع آمال نهاية الحرب في سوريا. لكن واشنطن وحلفائها تزداد تمسكاً بالرمق الأخير حيث يبدو أنها لم تتخلص من فشل فصائلها الخاصة بالدخول من الأردن إلى البوكمال السورية على الحدود مع العراق. ولم تتجاوز ما تسميه استراتيجية احتواء “داعش” لاستخدامه في الوقت العصيب. فحين تعجز النصرة التي تتمسك بها واشنطن للإستناد عليها في تفتيت الجغرافيا السياسية السورية، يمكن توظيف “داعش” الأصيل محل نسخة طبق الأصل.
التعليقات مغلقة.