الشمال السوري يحبس أنفاسه / د. خيام الزعبي

د. خيام الزعبي ( سورية ) – الجمعة 12/7/2024 م …  

دخلت تركيا وسورية في مرحلة التقارب وتطبيع العلاقات وحل الخلافات والتوصل إلى اتفاق يزيل العقبات والمشاكل بينهما، لم تتوقف اللقاءات الاستخبارية وتبادل المعلومات الأمنية بين البلدين، بل هي مستمرة حتى هذه اللحظة، وهذا التقارب حمل عدة انطباعات جعلت الشمال السوري يحبس أنفاسه خلال الأمتار الأخيرة التي تسبق الإعلان عن مصير العلاقات بين دمشق وأنقرة.  




الرئيس التركي أردوغان جدد دعوته للرئيس الأسد لزيارة تركيا، دعوة جاءت بعد وساطات قامت بها كل من روسيا والعراق في الأشهر الأخيرة، قائلاً: “سنوجه دعوتنا إلى الأسد… بهذه الدعوة نريد إعادة العلاقات التركية السورية إلى نفس المستوى الذي كانت عليه في الماضي، دعوتنا قد توجه في أي وقت”.

في تركيا هناك أوضاع داخلية ضاغطة على الرئيس أردوغان من قبل أحزاب المعارضة التركية، لإعادة العلاقات مع سورية وحل مشكلة أربعة ملايين لاجئ سوري على الأراضي التركية وتعتبر هذه القضية حساسة في السياسة التركية، وسعي أنقرة لحل مشكلة التواجد المسلح للمنظمات الكردية في شمال سورية التي ترى فيها أنقرة خطراً على أمنها القومي، وبذات الوقت تشكل “قسد” تحدياً لا بد من التعامل معه، ويحرم سورية من الوصول إلى موارد الطاقة وخاصة النفط، وبالتالي، من حيث المبدأ، قد تشترك تركيا وسورية في محاربة “قسد”. 

يبدو أن تصريحات إردوغان بشأن التقارب مع سورية قد أثارت مخاوف كثير من أوساط المعارضة السورية المسلحة، مثل الائتلاف الوطني والإدارة الذاتية الكردية التي تسيطر على مناطق واسعة من البلاد، بالإضافة الى بعض التنظيمات المتطرفة. 

بالمقابل تمثل تركيا المرتكز الخارجي الأساسي للمعارضة السورية بشقيها السياسي والعسكري ، وهذه الوضعية دفعت بالمعارضة، على مدى السنوات الماضية، إلى تسليم أغلبية أوراقها لتركيا، وتفويضها بالتفاوض مع روسيا وإيران، والقتال تحت قيادتها متى ما أرادت، واستخدامها حتى في ساحات خارجية، كما حصل في ليبيا. 

وتُمسك تركيا بزمام المعارضة السورية بدرجة كبيرة، حيث يقيم فيها غالبية أعضاء الائتلاف الوطني، بالإضافة إلى وجود جميع مؤسسات المعارضة، السياسية والإعلامية، في إسطنبول وغازي عنتاب، كما تتلقى الفصائل العسكرية الدعم اللوجستي والمالي من تركيا، حتى إنها باتت مرتبطة مباشرة بالمؤسسة العسكرية والأمنية التركية،وهذا الوضع يعقّد خيارات المعارضة ويجعلها تُواجه وضعاً مستجداً يمكن وصفه بالمصيري، جراء تحولات السياسة التركية في الملف السوري، والانتقال بالعلاقات من حالة الصراع إلى السلم والتعاون، كل ذلك يعني نهايتها وربما تفجرها من الداخل. 

بالمقابل فإن تركيا تريد التخلص من الأعباء التي أثقلت كاهل علاقاتها الخارجية، والبحث عن فرص جديدة للتخلص من عبء الأزمة السورية وأثمانها التي لم تعد تركيا قادرة على سدادها ومواجهتها، بالإضافة الى تطور الأحداث في الشمال السوري بعد إحراق العلم التركي وإنزاله من أسطح المؤسسات الرسمية وحرق شاحنات تركية ، فضلاً عن المواجهات بين المسلحين من جهة والقوات التركية من جهة أخرى، والتي أسفرت عن سقوط قتلى وجرحى، وعلى الطرف الأخر أبلغت الاستخبارات التركية لقيادات المعارضة عن نية تسليم سلاح المقاتلين في الفصائل المسلحة لكن الأخيرة رفضت ذلك، كما أنها أغلقت الممرات البرية في وجه الشاحنات التركية المارة بمنطقة إعزاز بريف حلب، وهذا الوضع سيدفع تركيا إلى تبني إجراءات لترتيب الأوضاع في شمال سورية لضمان سير خطتها.

يبدو الوضع في الشمال السوري وبالتحديد في المناطق التي تسيطر عليها فصائل المعارضة المسلحة أشبه بـ “النار تحت الرماد” وهذا ما يجعل المواطنين على المحك في تحدي البقاء إما الاستمرار بالاحتجاج الشعبي في وجه التركي وسلاحه أو تأييد ما يحدث من مجريات سياسية وأمنية، وفي كل الأحوال من المتوقع أن يبقى الشمال على كف عفريت ومعرضاً للانفجار في أي لحظة. 

وأختم بالقول، إن المعارضة التي راهنت على أردوغان منقذاً أو حليفاً لها، عليها أن تستعد للمشهد الجديد، فأنقرة أدركت حجم المغامرة في سورية، بالإضافة الى إتساع رقعة الإرهاب الذي يضرب قلب تركيا، وبادرت الى مراجعة حساباتها، لتجنب التورط قدر الإمكان بالمستنقع  السوري، لذلك من المرجح إن المرحلة المقبلة ستشهد تشظيات في بنى المعارضة سياسياً وعسكرياً التي تعاني بالأصل من التشتت وضعف الانسجام والافتقار إلى قيادة موحدة، ومن المحتمل حصول تدخل دولي، بدرجة معينة، لعرقلة مشروع المصالحة التركي-السوري، إلا أن تركيا لا تملك خياراً سوى أن تتعاون مع دمشق  لضرب الإرهاب لاجتثاثه من جذوره، وإعادة ترتيب الأوراق من جديد نحو تحقيق المصالحات مع دول المنطقة.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.