الإرهاب التكفيري يفتك بوحدة مصر / محمد جبر الريفي

 

محمد جبر الريفي ( مصر ) الخميس 15/12/2016 م …

خصوصية فريدة تمتاز بها الشقيقة العربية الكبرى مصر عن غيرها من دول المنطقة العربية هي أنها عرفت نظام الحكم في اطار الدولة المركزية منذ أقدم العصور وظل شعبها طيلة هذه المدة يحكمه نسيج اجتماعي واحد متماسك خال من النزعة الطائفية والعرقية كما هو حال الكثير من شعوب المنطقة وذلك بصرف النظر عن الديانة السائدة فيه ولهذا السيب فشلت كل المحاولات لتفتيت وتجزئة الخارطة السياسية المصرية إلى كيانات سياسية انفصالية مستقلة كما حصل في بلاد الشام (سورية الطبيعية )حيث وجود التنوع الديني والطائفي والعرقي فيها وبذلك نجح الاستعمار الأوروبي بعد انهيار الدولة العثمانية في تقسيم بلاد الشام من خلال اتفاقية سايكس بيكو الذي يحاول الغرب الاستعماري الآن وفق مخطط تقسيمي جديد إعادة إنتاجها في سورية والعراق تساعده في هذه المرة التنظيمات التكفيرية والصراع الطائفي بين السنة والشيعة وذلك لأحداث المزيد من التجزئة الممنهجة للمنطقة العربية ..

ظلت مصر الدولة والشعب موحدا على مر العصور التاريخية رغم الفتح الإسلامي لمصر على يد القائد عمرو بن العاص واعتناق الدين الإسلامي من قبل غالبية المصريين الذين كانوا في غالبيتهم القبطية يدينون بالمسيحية ورغم هذا التحول الكبير في العقيدة الدينية إلا أن الوحدة الوطنية المصرية ظلت راسخة بين الغالبية المسلمة والأقلية القبطية وقد عبرت ثورة 19 19 بقيادة سعد زغلول على هذه الوحدة الوطنية بين عنصري الأمة المصرية كما هو شائع هذا التعريف في الفكر السياسي الوطني المصري حيث تعانق الهلال والصليب في مواجهة الاستعمار البريطاني الذي حاول أضعاف الحركة الوطنية المصرية من خلال توظيف العامل الديني كما عملت ثورة 23 يوليو 52 المجيدة على ترسيخ هذه الوحدة الوطنية بنهجها القومي العربي البعيد عن التعصب الديني الأمر الذي عرضها للصدام مع حركة الإخوان المسلمين وباقي تنظيمات التيار الأصولي الإسلامي ..

في ظل انتشار الفوضى السياسية والأمنية في المنطقة وتمدد التنظيمات التكفيرية الارهابية عبر الحدود حاملة معها فكرها الظلامي المعادي للتقدم الاجتماعي و لفكر الحداثة حيث تشهد سيناء منذ فترة طويلة تحديات أمنية كبيرة للنظام المصري بهدف زعزعة استقراره والعمل على تغييره بعيدا عن العملية الديموقراطية من خلال القيام بعمليات إجرامية إرهابية تستهدف قوات الجيش والشرطة كما تشهد بعض المدن المصرية عمليات اغتيال لضباط وقتل لجنود وأفراد شرطة كما حصل قبل أيام على حاجز أمني في شارع الهرم بمحافظة الجيزة ..

في ظل هذا الوضع السياسي والامني والاقتصادي المازوم الذي تعيشه مصر الان تاتي العملية الإجرامية التي استهدفت مؤخرا الكاتدرائية القبطية في العباسية بالقاهرة والتي راح ضحيتها العديد من الأبرياء من الأطفال والنساء والرجال كعقاب للموقف المصري الحالي من الأزمة السورية والعلاقة مع روسيا السلافية الأرثوذكسية و كحزء من مخطط ضرب الوحدة الوطنية ضمن إطار واسع تقسيمي كبير في المنطقة لتفتيت الدول المركزية فيها كمصر وسورية والعراق لأن في تفتيت هذه الدول وضرب الوحدة الوطنية في كل منها هو خلق شرق أوسط جديد تتفكك فيه الرابطة القومية العربية وتتلاشى فكرة الوحدة القومية بين شعوبها وحتى يحافظ هذا الشرق الأوسط الجديد من خلال كياناته السياسية الدينية والعرقية والطائفية على المصالح الغربية حيث استمرار علاقات التبعية بكل أشكالها مع النظام الرأسمالي العالمي لأن هذه الكيانات في طبيعتها البنيوية ستبقى كيانات صغيرة ضعيفة لا تستطيع بحكم نشوئها القصري غير الطبيعي الذي جاء عبر تدخل خارجي بعيد عن الإرادة السياسية الشعبية احداث أي عمليات تنموية حقيقية على طريق التحرر الوطني والاستقلال الكامل ..اما الكيان الصهيوني العنصري فيضفي عليه الشرق الأوسط الجديد شرعية كاملة لأنه يصبح من حيث النشوء مشابها للكيانات الدينية والطائفية والعرقية الجديدة ولا يحكمه معها أي تناقض رئيسي ….

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.