سورية موطن القيم العربية…والتسامح عنوانها / د. خيام الزعبي

 

د. خيام الزعبي ( سورية ) الخميس 15/12/2016 م …

إن المجتمعات البشرية المتحابة والمتسامحة هي الأكثر قوة وقدرة على التأثير الإيجابي فيما بينها ومن ثم على الآخرين، إذ لا يختلف إثنان على أن سورية لا تحتاج  لشيء كما هي حاجتها لإفشاء روح السلام والتسامح بين أبناء الوطن بمختلف إنتماءاتهم الفكرية وشرائحهم الإجتماعية, لاسيما وأن تحديات الحاضر والمستقبل في أمّس الحاجة إلى تراص الصفوف وتوحيد الإمكانات والرؤى والأفكار وتوظيفها في خندق سورية الكبير بعيداً عن أجواء التناقضات والتجاذبات السياسية التي تشكل إرهاقاً لكل الأطراف.

تسهم الدولة السورية اليوم في كتابة فصل مهم من تاريخ العالم بريادتها في مجال نشر قيم التعايش والإخاء والتسامح بين الناس مع سعيها في إستخدام إستراتيجية تختلف تماماً عن تلك التي يعلوها صوت السلاح، حيث انتهجت الحكومة السورية مبدأ “المصالحة الوطنية” مع المسلحين، بهدف المصالحة ووقف إطلاق النار وإتاحة ممرات آمنة تكون المنفذ للمدنيين السوريين والمسلحين الراغبين في ترك ساحة القتال والعودة إلى الحياة الطبيعية، هذه الإستراتيجية أثبتت نجاحها على مر سنوات الأزمة في مختلف المناطق السورية، بالتالي أن هذه المبادرة ليست غريبة على الدولة السورية التي تسعى دائماً لنشر قيم التسامح بين الشعوب كلها على مختلف عقائدها، ما جعلها رائدة في هذا المجال على مستوى العالم، وجعلها تنشئ وتستحدث وزارة خاصة بالمصالحة.

اليوم نؤكد الحكومة السورية استمرارها بفتح أبواب التواصل مع المجموعات المسلحة والمسلحين الراغبين في تسوية أوضاعهم وإزالة العراقيل لضمان عودتهم الى حضن الوطن، وتحث الفعاليات الأهلية والشعبية على التنسيق مع وزارة المصالحة للانضمام لمشروع المصالحة التي أصبحت اليوم مطلباً شعبياً لوقف نزيف الدماء السورية نتيجة استمرار جميع أشكال الدعم الدولي للمجموعات الإرهابية، والمساهمة البناءة في تفويت الفرصة على الدول الداعمة للإرهاب وأدواتها في تحقيق مآربهم وأطماعهم وفي مقدمتها تعطيل المصالحات المحلية وشيطنتها.

هنا لا بد من التأكيد على المسؤولية الكبيرة التي يحملها الإعلام كشريك رئيس في ترسيخ مفاهيم التعايش بين الناس ونشر قيم التسامح بين مختلف فئات المجتمع على تنوع خلفياتهم الثقافية، لاسيما في الوقت الذي أخذت فيه مظاهر الإرهاب والتطرف والعنصرية والكراهية في التنامي في المنطقة، كما لا بد من تعميق المواطنة ودمجها بالمناهج التربوية في تعزيز وتعميم قيم التسامح وتقبل الآخر وعدم حصرها في منهج محدد، وضرورة تغليب مصلحة الوطن وسيادته على الأجندات السياسية والدينية والتركيز على القيم الأخلاقية والوطنية المشتركة داخل كل بلد، لذلك إن الدفاع عن السيادة الوطنية مسؤولية مشتركة بين جميع أبناء الوطن باعتبارها رمزاً للحرية والكرامة الإنسانية .

في سياق متصل إن سورية أمانة في أعناق الجميع وعلينا أن نبني حالة من الإيمان بأن الإستقرار والأمان هو المناخ المناسب لتنفيذ المصالحات الوطنية، لذلك لا بد أن يتعامل الجميع بمسؤولية وحكمة وتسامح مع متطلبات المرحلة الراهنة وأيدينا بعيدة كل البعد عن الزناد لأن أي محاولة للفتنة في هذا الظرف هي تخدم أجندات خارجية، وإنطلاقاً من ذلك إن سورية اليوم بحاجة إلى التعالي على الجراح والإنطلاق نحو آفاق المحبة, والعمل على إزالة عوامل العنف والشحن الطائفي, فهي بحاجة إلى إلقاء سلاح الكراهية وإمتشاق سلاح المحبة والتصالح، والتحرّر من العصبيات والمزايدات السياسية والمواعظ الكاذبة وإدعاءات الوصاية على الآخر، فالمرحلة اليوم إذاً هي مرحلة شراكة وطنية تتم عبر الحوار الذي سيظل هو الخيار الأول والأخير لتعزيز السلام والإستقرار في سورية, ومن يقدم اليوم تنازلات لن يقدمها من أجل ذاته بل من أجل الوطن ومصلحته, ومستقبل أبنائه وأحفاده.

مجملاً….. لا بد من تعزيز المصالحات المحلية وقيم التسامح والمحبة والوحدة الوطنية بين جميع السوريين لتكون المنصة التي يمكن من خلالها تنسيق الجهود وحفز الطاقات في مواجهة الإرهاب والتطرف، ويجب على الجميع أن يدرك ويستوعب خاصة في هذه الظروف الصعبة أن سورية لا تبنى بالشعارات ولا بالأحقاد ولا بالحروب، بل بالسلام والحوار والتسامح والمحبة والإخاء والتعاون والشراكة، وبإختصار شديد، إن سورية بثقافتها وحضارتها كانت دائما مثالاً للمحبة والتسامح حيث استقبلت المسيحية والإسلام ونشرتهما في العالم على أساس المحبة والتعاون والإلفة بين الناس، وهنا يمكنني القول لقد آن الأوان لنطوي الصفحات السوداء لهذا التاريخ ونبدأ عهداً جديداً تنتهي معه كل أسباب وعوامل التصارع والتقاتل ليحل بدلاً عن هذه الويلات التصالح والتسامح والمحبة والتآخي ويسود التآلف والوئام النابع من إدراكٍ واعٍ في أن سورية وطننا جميعاً وليس لنا بديل غيرها.

[email protected]

   

        

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.