تونس : انتخابات رئاسية في ظل أجواء ملبدة  / أحمد الحباسى

أحمد الحباسى* ( تونس ) – الثلاثاء 16/7/2024 م … 

*كاتب و ناشط سياسي…




  لعل هناك من يريد  إقناعنا بأن   فوز  السيد قيس سعيد في  الانتخابات الرئاسية التونسية   سنة 2019 يعّد ظاهرة انتخابية تستحق الدراسة  و التمحيص و لعل هناك من يبحث عن إدخالنا في الحيرة و الشك و لكن من الثابت أن  هذا الفوز قد تدخلت فيه أبالسة التضليل الإعلامي و تجار الأقنعة  السياسية المختلفة و بعض محللي الفضائيات الذي امتهنوا الرجم بالغيب و تفسير الأحلام السياسية و الضرب على الدف بغير مناسبة ، نعم  نقرّ أن فوز السيد قيس سعيد قد  مثل حدثا  بارزا و مثيرا للاهتمام لكنه كان حالة إفراز طبيعية لجو و مناخ انتخابي متعفن بلغ ذروته بترشح بعض الهمزة اللمزة  عاشر درجة  مثل السيد حمّة الهمامى و الصافى سعيد و محمد عبّو  ممن سقطوا في السابق لكنهم أصروا  على ركوب ظهر الثورة لعلهم يصلون إلى كرسي وثير  يقيهم  نار و لهيب المساءلة القضائية و ترشح بعض الأصفار  المكعبة الذين  لا يملكون من الرصيد و المؤهلات الانتخابية إلا بعض الجمل البالية  التي يحاولون أن يصنعوا منها برنامجا انتخابيا  دون جدوى .

 نحن لا نريد إطلاق النار على أحد و لا نبحث من البداية عن  كسر جدار  الشك و الحيرة  و لا يهم أن نقنع البعض أو نجلب امتعاضهم  ، نقول هذا ليس من باب بث خطاب اليأس و الإحباط  لأننا ندرك  بالمعاينة و الدليل أن  هذا الشعب   هناك من اغتصب  ثورته بحيث لم يعد يهمه من تنجب أو من ستلد أو من ستعاشر في السنوات القادمة ،  هذا الشعب الذي انتخب السيد قيس سعيد من المؤكد أن أغلبه لا يدرى ساعتها  لماذا انتخبه و هل سيكون بإمكانه أن يغير  و هناك من يريد أن ينكر أو يتنكر  لكونه قد انتخب أو ساقه البعض لتلك الخلوة دون أن يكون واعيا بما بحدث أو بمن انتخب،  لقد استمع القوم إلى الرجل  و خرجوا كما دخلوا  فيهم من صدقه و من تشكك فيه و فيهم من سيناصره مجددا و فيهم من سيخذله لكن من المؤكد أنه لا أحد من هؤلاء قادر على فهم ما حصل   .

من خاصيات و أسرار الانتخابات أنها تفرز ظواهر انتخابية يصعب تحليلها أو دراستها و في كل مرة تتكاثر القراءات و التحاليل و ضربان الودع  و لعل الثابت أن الرئيس الحالي قد قادته الصدفة المحضة  إلى قصر قرطاج دون تخطيط مسبق و أنه لا أحد بإمكانه أن يتهمه بأن وجوده اليوم بذلك المكان قد كان  عن سابق إصرار أو ترصد . هي الظروف كده  ، على رأى أغنية  الفنانة  الراحلة  وردة الجزائرية ” هي الليالي كده ” ، و إذا أعطاك العاطى لا تشاطي لا تباطى على رأى الفنان الشعبي  الهادي حبوبة و إذا جاءت تجيبها سبيبة و إذا مشات تقطّع  السلاسل  و لذلك لا تحاولوا اختراع العجلة من جديد  بالادعاء الكاذب بأن نجاح السيد قيس سعيد هو  نجاح معلن أو نجاح مخطط له بعناية .  هذا الرجل هو رئيس الصدفة بامتياز و هذا الرجل لا تنطبق عليه  مؤشرات التحليل و لذلك يجد الكثيرون من هؤلاء المحللين المنتشرين كالذباب  فئ مساحات الإعلام  صعوبة بالغة في تقديم طرح  مقبول ذهنيا  لتفسير   أسباب صعود الرئيس قيس سعيد للحكم  و سيبقى الحال على ما هو عليه إلى حين يفعل الله أمرا كان مفعولا .

بطبيعة الحال لا أحد اليوم يفهم من وراء السيد الرئيس  و ما هي حظوظ نجاحه في الانتخابات الرئاسية القادمة  و هل سيكون هناك عزوف انتخابي عقابي خاصة و قد مرت سنوات عهدة الرجل دون أن يقدم للشعب انجازا اقتصاديا ملموسا فضلا عما تميزت به عهدته الرئاسية من جفاف على كل المستويات بحيث بلغ الوضع المعيشي  حالة غير مسبوقة حتى في بعض البلدان الفقيرة و بلغت حدة نسبة البطالة أرقاما تنذر  بتصاعد الغضب و بمزيد من التجاء العاطلين إلى ” الحرقة ” و ركوب البحر خلسة بحثا عن لقمة عيش مسمومة و محفوفة بالمخاطر .  من المؤكد أن السيد الرئيس قد فعل كل شيء  بصفة غير مباشرة  ليزيح كل المرشحين المحتملين للانتخابات الرئاسية بمن فيهم  من لا يملك ذرة من أمل في النجاح و إلا بماذا نفسر حملات اعتقال كل مرشح في الساعات التي تلي إعـــــــــــلان ترشحه و كيف نفسر  هذا الجهد القضائي الذي تذكر   محاسبة هؤلاء  بتهمة أو بدونها  بمجرد أن عبروا عن نيتهم مواجهة الرئيس في الانتخابات ؟ .

من الواضح أن السيد الرئيس قد استفاد  حين تقدم كمرشح للانتخابات الرئاسية سنة 2019 من صراع  الأضداد المتناحرين المهووسين بالسلطة مثل مصطفى بن جعفر و أحمد نجيب الشابى و يوسف الشاهد و راشد الغنوشى و حمة الهمامى و المنجى الرحوى و محمد عبّو و نجيب القروي و غيرهم   و لعل الرجل لم يكن مقتنعا شخصيا بوجود  بصيص أمل فئ نجاحه خاصة أنه لم يعرف عنه أي مشاركة فاعلة و معلنة في النضال ضد نظام الرئيس الراحل  زين العابدين بن على  . هذه المرة  من الواضح أن الرئيس قد أخذ مسؤولية إنجاح نفسه بنفسه و توفير كل حظوظ النجاح معتمدا سياسة واضحة لا لبس فيه قوامها الأساسي هو إزالة كل العوائق و العوارض  بما فيها تلك الشخصيات التي لا تملك أي وزن انتخابي  و هذه السياسة أو الخطة  إن صحّ التعبير  يتم تنفيذها بالحرف من طرف الجهات القضائية المكلفة بفتح ملفات لكل مرشح و النظر في ماضيه  بحثا عن خطأ  أو  مخالفة مهما كان حجمه و تقديمه قربانا  لما يسمى نفاقا بالحرب على الفساد و محاسبة الفاسدين.

ما هي حظوظ الرئيس قيس سعيد بعد ما قام بحملات التنظيف و هل بقى لبعض المرشحين الآخرين حظوظ للفوز و كيف ستتحرك ماكينة الدولة  و مؤسساتها و كيف ستتصرف هيئة الانتخابات ربما لعرقلة بعض ملفات الترشح باعتماد قراءات قانونية مسقطة و غير نزيهة و هل ستوفر وزارة الداخلية العدد الكافي من الأعوان لضمان شفافية العملية الانتخابية و هل سيكون للقرارات الرئاسية الأخيرة المتعلقة بزيادة  منح التقاعد بالذات تأثير فاعل في نيات التصويت  لدى فئة كبرى من المتقاعدين؟ . كيف ستتم مراقبة صناديق الاقتراع و  هل سيسعى الرئيس للسماح لمراقبين دوليين بحضور  عمليات الاقتراع و مراقبة سير عمليات الاقتراع ؟ هل ستكون هذه الانتخابات آخر انتخابات خاصة ازاء ما شابها من مناخ اجتماعي متوتر و  حديث عن عدم توفير فرص متساوية لكل المرشحين و هل سيقرر السيد الرئيس رفع القيود عن السيدة عبير موسى  لتوفير حدّ  أدنى من  الظروف  المواتية  لنجاح العملية الديمقراطية الانتخابية . كلها أسئلة مطروحة بانتظار الجواب .

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.