كينيا – نظام في خدمة الإمبريالية / الطاهر المعز

الطاهر المعز ( تونس ) – الأربعاء 18/7/2024 م …




مُلَخّص الوضع الحالي

تظاهر المواطنون في العاصمة “نيروبي” وفي كافة مناطق البلاد، يوم الخميس 20 حزيران/يونيو 2024، ضد مشروع قانون المالية المقترح للسنة المالية 2024/2025 الذي يخَطّط لزيادة الضّرائب بحوالي ثلاثة مليارات دولارا إضافية، واستخدمت الشرطة خراطيم المياه والغازات المسيلة للدّموع لتفريق المتظاهري، مما أدّى إلى قتْل ما لا يقل عن متظاهر واحد في العاصمة نيروبي وإصابة ما لا يقل عن مائتَيْ مُتظاهر واعتقال ما لا يقل عن مائة متظاهر، وأعلنت خَمْسُ منظمات حقوقية “إن وجود خراطيش فارغة يشير ضمنا إلى استخدام الذخيرة الحية ضد المتظاهرين في جميع أنحاء كينيا” الذين يُطالبون الحكومة بالتّخلّي عن الضّرائب الإضافية التي فَرَضَها صندوق النقد الدّولي، ومن بينها الرسوم على السيارات وزيادة أسعار الخبز وزيت الطهي والأدوية ورسوم العلاج ( من خلال خفض الدّعم) والمعاملات المالية والإتصالات وخدمات الهاتف المحمول، فضلا عن خفض الإنفاق الحكومي، وتم إقرار هذه الإجراءات رغم حَثِّ لجنة برلمانية الحكومة يوم الإربعاء 19 حزيران/يونيو 2024 على إلغاء بعض الضرائب الجديدة المقترحة في مشروع قانون المالية، وراجت أخبار عن ارتفاع عدد القتلى في العاصمة والمدن الأخرى إلى تسع ضحايا.

بعد أسبوعين من بدء الاحتجاجات على قانون المالية وزيادة الضرائب والأسعار، أصدرت لجنة حقوق الإنسان الكينية تقريرًا يوم الأول من تموز/يوليو 2024، يدين انتهاكات حقوق الإنسان والعنف الذي تمارسه الشرطة والجيش الكيني في الشوارع في جميع أنحاء البلاد، حيث أصبح المتظاهرون يُطالبون برحيل الرئيس ويليام روتو الذي انتُخِبَ سنة 2022، وأدّى القمع، بين الثامن عشر والثلاثين من حزيران/يونيو 2024، إلى مقتل 39 شخصًا وإصابة 361 آخرين بجروح خطيرة واختطاف واختفاء 32 شخصًا من المُعارضين والنقابيين والصحافيين، واعتقال 627 شخصًا، ومارست قوات الأمن العنف الشديد وغير المُبَرّر ضدّ المتظاهرين والعاملين في المجال الطبي والصحفيين والمحامين، خصوصًا بين يَوْمَيْ 25 و 30 حزيران 2024، فضلا عن التهديدات التي تلقّاها العديد من مُعارِضِي سياسة الحكومة…

 

المُتَغَيِّرات منذ 2022

تُعدّ كينيا قاعدة أمريكية منذ انهيار الإتحاد السوفييتي، وتم استهداف السفارة الأمريكية بها بنهاية القرن العشرين، في علاقة باحتلال وتدمير الصّومال، ولم ينفع الولاء للإمبريالية لما أصبحت كينيا على حافة العجز عن تسديد أقساط الدّيون الخارجية، وهو وضع عانت منه العديد من الأنظمة الموالية للإمبريالية في إفريقيا: مصر والسّودان وغانا ونيجيريا وتونس، مع فارق هام يتمثل في أهمية ميناء مومباسا لكينيا وبعض البلدان المجاورة – وخصوصًا غير المُطلّة على البحر – واستثمرت الصين في البنية التحتية التي تسمح بنقل السلع وازدهار التجارة بين أهم المدن الكينية وميناء مومباسا، وتندرج الإستثمارات الصينية ضمن مشروع “الحزام والطريق” الذي تبذل الولايات المتحدة قصارى جهدها لإفشاله.

جرت انتخابات 2022 في كينيا في هذا المناخ، ولما أصبح “ويليام رُوتو” رئيسا لكينيا، خلال شهر آب/أغسطس 2022 خَلَفًا لأُوهُورُو كينياتا الذي حكم البلاد طيلة عشر سنوات، من 2013 إلى 2022، كانت البلاد ترزح تحت وطأة الدّيُون الخارجية التي بلغ حجمها آنذاك 62 مليار دولارا، أو ما يُعادل 67% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، وارتفع حجم الدّيون الخارجية خلال شهر حزيران/يونيو 2024 إلى 82 مليار دولارا من بينها ثمانية مليارات دولارا مُستَحَقّة للصين، لقاء إنشاء بُنية تحتية من سكة حديدية وطُرقات ورَبْط العاصمة نيروبي بميناء مدينة مومباسا، وتتضمّن قائمة الدّائنين صندوق النقد الدّولي والبنك العالمي والولايات المتحدة والسعودية، فضلا عن الصين، ولذلك تُخصّص الحكومة نحو 67 % من إيراداتها لتسديد الدّيون، وهي دُيُون لم يستفد منها العاملون وصغار الفلاحين وفئات الشعب الكادح، بل تعاني هذه الفئات من ارتفاع أسعار المواد الأساسية الضرورية ومن ارتفاع نسبة التّضخّم، ويرى صندوق النّقد الدّولي الحل في زيادة إيرادات الدّولة من الضرائب وخفض الإنفاق الحكومي، من خلال خطط التّقشُّف، وطبّقت الحكومة هذه الوَصْفَة، من خلال ميزانية 2023/2024 التي قابلها المواطنون بالإحتجاج، لكن احتجاجات حزيران 2023 لم تكن بنفس حجم وزخم احتجاجات حزيران 2024…   

 

من أسباب الغضب الشعبي

قرر صندوق النقد الدولي والبنك العالمي، خلال شهر كانون الثاني/يناير 2024، زيادة ثالثة لحجم القروض المقدمة لكينيا، ليصل المبلغ إلى 4,4 مليارات دولار للفترة 2021-2025، لكي تتجنب الدّولة حالة التّخلّف عن السداد، أي الحصول على قُروض جديدة بفائدة مرتفعة لتسديد قروض قديمة حان أجَلُ سداد مليارَيْ دولار منها خلال شهر حزيران 2024، وخلال إعداد موازنة العام المالي 2024/2025، حصلت حكومة كينيا على قرض إضافي من  صندوق النقد الدولي بقيمة 976 مليون دولار، بشروط من بينها زيادة إيرادات الموازنة العامة للدولة وخصخصة مؤسسات الدولة وخفض الإنفاق العام، وما إلى ذلك من الشّروط التي يَفْرِضُها الدّائنون، وتحتاج الحكومة إلى اقتراض 2,7 مليار دولارا لسد العجز في ميزانية السنة المالية 2024/2025.

تم انتخاب رئيس كينيا ويليام روتو ( آب/أغسطس 2022 ) لأنه وَعَدَ بالدفاع عن الضُّعفاء، ولكنه حرص، فَوْرَ انتخابه، على تطبيق سياسات التقشف التي يفرضها صندوق النقد الدولي من خلال زيادة ضريبة الدخل وحصص مساهمات الأُجراء في الحماية الإجتماعية والصحية والضمان الاجتماعي منذ سنة 2023، كما تضاعفت ضريبة القيمة المُضافة على البنزين، وبذلك يتحمل شعب كينيا ثمنًا باهظا لتنفيذ حكومته تعليمات صندوق النقد الدولي والبنك العالمي، الأمر الذي أدى إلى تدهور الظروف المعيشية لغالبية السكان الذين احتجوا على هذا الوضع، وقمعت الحكومة بوحشيةٍ المظاهرات الشعبية احتجاجًا على ما تَضَمَّنَهُ مشروع ميزانية 2024-2025 الذي قدّمته الحكومة يوم 13 حزيران/يونيو 2024 والذي ينص على زيادة العديد من الضرائب، وإقرار ضرائب جديدة وفقًا لتوصيات صندوق النقد الدولي، وكانت الضرائب غير المباشرة ـ 16% على الخبز على سبيل المثال ـ بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير، لأنها أَفْضَتْ إلى ارتفاعٍ كبير لأسعار الضروريات الأساسية، واستخدمت الشرطة الغاز المسيل للدموع وخراطيم المياه والذخيرة الحية لقمع المتظاهرين، وأدّى قمع مظاهرة يوم 25 حزيران/ يونيو 2024 واقتحام مَقَرّ البرلمان ( كَأحد رُموز الفساد) إلى قَتْل أكثر من 30 وإصابة العشرات، ولم تهدأ المظاهرات بل تضاعف زخم الإحتجاجات، فاضطرت الحكومة والرئيس ويليام روتو، الذي وصفه صندوق النقد الدولي بأنه “تلميذ نَجيب”، إلى التراجُع وسحب مشروع الميزانية، قبل تنقيحه وإعادته إلى البرلمان لمّا تكون الظروف مُواتية، وَتُعْتَبَرُ هذه الخطوةُ تراجُعًا تكتيكيًّا، لأن الحكومةَ لم تطلب من صندوق النقد الدّولي والبنك العالمي مراجعة شُرُوط الاتفاقيات المبرمة معهما، بل تأمل تطبيق تلك الشّرُوط تدريجيا أو دُفعة واحدة، حالما تحين الفُرْصة وتهدأ الإحتجاجات، لكن تواصلت الإحتجاجات إلى حين كتابة هذه الورقة (يوم 12 تموز/يوليو 2024) وتطورت المطالب وتوسّعت إلى المطالبة باستقالة الرئيس “ويليام روتو” وإدانة صندوق النّقد الدّولي والبنك العالمي، من خلال لافتات يرفعها المتظاهرون وشعارات مكتوبة على الجُدران، تتهم الصندوق والبنك بممارسة “العُبُودية العَصْرِيّة”.

على المستوى الدولي، تُعَدُّ كينيا حليفًا موثوقًا للولايات المتحدة، وأعلن الرئيس الأمريكي جوزيف بايدن خلال زيارة الرئيس الكيني ويليام روتو للولايات المتحدة (أيار/ مايو 2024)، إن كينيا ” ارتَقَتْ إلى مرتبة حليف رئيسي، غير عضو في حلف شمال الأطلسي – ناتو”، وتجدر الإشارة إلى رفض سلطات كينيا إدانة المجازر الصهيونية الذي انطلقت بعد السابع من تشرين الأول/اكتوبر 2023، ومن المفترض أن يمنح هذا الوضع – حليف رئيسي للولايات المتحدة – مزايا عسكرية واقتصادية، لكنه في الواقع يُعْتَبَرُ المكافأة الممنوحة لويليام روتو لموافقته على إرسال الجيش الكيني إلى هايتي، بعد ضغوط أمريكية تهدف مُساعدتها على وضع هايتي تحت الإنتداب بإشراف أمريكي وبغطاء صُورِي أو شَكْلِي من الأمم المتحدة، وتمثّلت مُساهمة كينيا في إرسال فرقة من ألف جندي إلى هايتي لتنفيذ الخطة الأمريكية – التي تغطيها الأمم المتحدة – “لاستعادة النظام” و”وضع حد لعدم الاستقرار السياسي الهيكلي” الذي خلقته الولايات المتحدة بالتّدخّل السياسي والعسكري المُباشر، منذ ثلاثة عقود، وهكذا، فإن الديون تُحَوِّلُ كينيا إلى مُنَفِّذ للاستراتيجيات الإمبرياية في أفريقيا ( الصّومال والسّودان والحبشة…) التي تهدف إلى الحفاظ على التبعية الاستعمارية الجديدة من خلال الديون وإنشاء دول وكيلة تساعدها على  “الحفاظ على النظام” حيث تتطلب مصالح الإمبريالية وحلف شمال الأطلسي ذلك.

اشتهر الرئيس “ويليام روتو” وحلفاؤه بالتّباهي بالبذخ ونَشْر نمط حياة مُتْرَفَة والتّفاخُر بذلك بشكل علني، بدعم من الكنائس ورجال الدّين، وانتشار الفساد والإسراف في نفقات الحكومة على النقل والترفيه، رغم الإيرادات المحدودة، بفعل ارتفاع حجم أقساط الدُّيُون، في حين يعاني أغلب المواطنين من تَدَهْور الوضع الإقتصادي وانتشار البطالة والتضخم وارتفاع الأسعار ( الغذاء والطاقة والدّواء والنّقل…) وانخفاض قيمة الدّخل، ومن انخفاض الإنفاق على التعليم والرعاية الصحية، ويحظى الرئيس وحكومته بدعم الولايات المتحدة التي أشادت سفيرتها في نيروبي (عاصمة كينيا) بالتصرف الحكيم للحكومة واعتبرت مشروع الميزانية – الذي رفضه الشّعب – متوازنا ومنطقيا لتحقيق النّمو والتّوازن، ويندرج هذا المديح في إطار دَعم “ويليام روتو” الذي وَعَدَ خلال الحملة الإنتخابية بتنظيف كينيا من اللاّدينيِّين الصّينِيِّين، وبالفعل غادر الصينيون ورؤوس أموالهم واستثماراتهم البلاد بعد تنصيبه رئيسا يوم الثالث عشر من أيلول/سبتمبر 2022، في حين كانت الصين ملاذًا وحيدًا للرئيس كينياتا منذ سنة 2013، لمّا كان الرئيس ونائبه ( ويليام روتو) يواجهان تُهم محكمة الجنايات الدّولية، ولما كانت الدّول الإمبريالية ترفض إقراض الحكومة وخُصِّصَت قُروض الصين لمشاريع بُنْيَة تحتية ضخمة ولتأهيل الشباب الكينيين في مجالات الهندسة والطّاقة والنّقل…    

يندرج دعم الولايات المتحدة وصندوق النقد الدّولي للرئيس ويليام روتو ضمن المواجهة التي قررتها الدّول الإمبريالية والشركات متعددة الجنسيات لنفوذ الصين في إفريقيا، ضمن مخطط واسع يتضمن محاصرة الصين ومضايقتها في بحر الصين الجنوبي وفي مُحيط تايوان، أما الدّعم الظاهر لبعض الدّول الإفريقية والآسيوية من قِبَل الإمبريالية الأمريكية وحُلفائها فهو ليس مجانيّا بل مُرتفع الثمن.  

 

علاقات غير متكافئة

ازدهرت العلاقات بين الصين وكينيا برغبة من حكومة كينيا، بداية من 2013 (كان الرئيس الحالي ويليام روتو نائبًا للرئيس أوهورو كينياتا)، إثر رفض حكومات الدّول الإمبريالية إقراض كينيا التي اندمجت (اضطرارًا) في مبادرة الحزام والطريق، وأنجزت الصين خط السكة الحديد القياسي ( أكثر من 600 كيلومترا) وبرامج البنية التحتية للطرقات (حوالي 2000 كيلومترا)، وشمل برنامج التعاون الثنائي “تعزيز التنمية الشاملة والمستدامة” من خلال رَبْطِ ميناء مومباسا بالعاصمة نيروبي ‘لتيْسير حركة البشر والسّلع”، وهو مشروع تحتاجه كينيا كما تحتاجه الشركات الصينية مما لترويج إنتاجها في كينيا، غير إن توقف الأشغال وتوقف حركة التجارة خلال وباء كوفيد- 19 خلق مشاكل عديدة في كينيا وفي العديد من البلدان المُثْقَلَة بالدُّيُون التي بلغت حافة العجز عن تسديد الأقساط التي حل أجل تسديدها، فاضطرت إلى الإقتراض بشروط مجحفة لتسديد الدّيون القديمة والدّخول في دوامة يعسر الخروج من دائرتها…  

تطَوَّرَت العلاقات بين كينيا والصّين خلال فترة رئاسة “أوهورو كينياتا” من 2013 إلى 2022 ( ابن الرئيس الأسبق جومو كينياتا  الذي حكم البلاد من 1964 إلى حين وفاته سنة 1978) وكان الرئيس الحالي (ويليام روتو) ينتقد سَلَفَهُ الذي عَزّز العلاقات الإقتصادية مع الصّين، وعندما أصبح روتو رئيسا خلال منتصف أيلول/سبتمبر 2022، غَيَّرَ الإتجاه نحو الولايات المتحدة التي جعلت من كينيا موقعًا متقدّما لها في شرقي إفريقيا، وللتذكير فقد أظهر ويليام “روتو ” قُدْرَةً عجيبة على التّقلّب وتغيير انتمائه الحزبي، منذ سنة 1997، وكان نائبًا برلمانيا ومُقرّبا من السلطة ووزيرًا في عدّة مناسبات، ونائبًا للرئيس من 2013 إلى 2022، ثم اتهم الرئيس الذي كان هو نفسه نائبًا له، بتوريط البلاد مع الصّين، واتّهمته المحكمة الجنائية الدّولية بالمُساهمة في إطلاق وإذكاء نار الصراعات التي اتخذت طابعًا إثنيا سنة 2007 وبلغ عدد الضحايا 1100 وفق التقارير الرسمية، ونشرت المحكمة الجنائية الدّولية، (كانون الأول/ديسمبر سنة 2010 ) بعد تحقيق دام أربع سنوات قائمة تتضمن ستة مسؤولين عن هذه “الجرائم ضد الإنسانية”، من بينهم ويليام روتو، الرئيس الحالي، كما تم اتهامه من قِبَل المحكمة الجنائية الدّولية (كانون الثاني/يناير 2012) بارتكاب جرائم ضد الإنسانية بعد الإنتخابات، وتتضمن التُّهمة “تنظيم وتنسيق أعمال عُنف شديد ضد مجموعات عرقية دعمت المُرشّح الرئاسي”مواي كيباكي”…

توصلت كينيا والإتحاد الأوروبي إلى توقيع اتفاقية  شراكة اقتصادية سنة 2017، بعد سنوات من التفاوض، وتتضمن الإتفاقية إعفاء البضائع من الرسوم الجمركية، وهو ليس في صالح كينيا أو البلدان المماثلة التي لا تنتج مواد مصنعة وآلات وتجهيزات ثقيلة وتكنولوجيا متطورة، بل تقتصر صادراتها على الإنتاج الزراعي الخام وعلى المواد الأولية، وهي منتجات رخيصة الثمن وذات قيمة مضافة منخفضة، و يعتبر الاتحاد الأوروبي أكبر مُستورد للزهور التي تنتجها شركات عابرة للقارات في كينيا، منها شركات صهيونية، ولحوالي 20 % من صادرات كينيا (الزهور الفواكه والخضار والشاي والقهوة) وبلغ حجم التبادل التجاري بين كينيا والاتحاد الأوروبي 3,3 مليارات يورو سنة 2022، كما تعهّد مصرف الإستثمار الأوروبي (منذ سنة 2018) بضَخِّ 200 مليون دولار “لمساعدة بنك التجارة والتنمية” ( وهو مصرف إفريقي)، ودعم شركات إفريقية تضرَّرَت من الحرب في أوكرانيا، وتتنزّل هذه الإجراءات ضمن مواجهة أوروبا ( بزعامة الولايات المتحدة) للنفوذ الرّوسي والصّيني في إفريقيا.  

 

خاتمة

لم تتوقف المظاهرات بعد إعلان الحكومة سَحْبَ مشروع ميزانية السّنة المالية 2024/2025، ووصل عدد القتلى برصاص الشرطة إلى أربعين وعدد الجرحى إلى 360، فضلا عن العديد من حالات القتل والإصابة التي لم يشملها الإحصاء، بين الثامن عشر من يوم 18 يونيو/حزيران إلى يوم العاشر من تموز/يوليو 2024، وانتقل شعر سحب مشروع قانون الميزانية إلى المُطالبة  برحيل الرئيس ويليام روتو، وإقالة ومُحاسبة الفاسدين من “النُّخَب السياسية والإقتصادية” المسؤولين عن هَدْر المال العام، ومحاسبة ضُبّاط الشّرطة الذين أمروا بإطلاق النار على متظاهرين عُزّل، بلا حزب سياسي بلا قبيلة بلا طائفة، وإطلاق النار على أطفال ونساء كانوا في الشوارع الخلفية… عاش شعب كينيا تجربة مماثلة سنة 1997، حيث فرضت مؤسسات بريتون وودز ( صندوق النّقد الدّولي والبنك العالمي) “إصلاحات” ضمن “برامج التّكَيُّف الهيكلي” أدّت إلى فقدان العديد من الكينيين وظائفهم ووسائل عيشهم، وفرضت زيادات كبيرة في أسعار المواد الأساسية وفي رُسوم التعليم الجامعي، وبخوص الفساد، تذكر وسائل الإتصال المحلية العديد من الفضائح، ومن بينها بَيْع أحد الوزراء أسمدة فاسدة للفلاحين الكينيين دون محاسبة ولم تتم معاقبة سكرتير مجلس الوزراء الذي أُلْقِيَ عليه القبض بينما كان يحمل ما يعادل 1,7 مليون دولارا بالعملات الأجنبية، كما أفادت تقارير إعلامية عن وجود روابط بين أعضاء من الحكومة والموظفين السامين وشبكات تهريب المخدرات أو المجموعات المُسلّحة في الصّومال، وتُشيرُ بعض وسائل الإعلام إلى عدم الفصل بين السلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية، وإلى سيطرة السلطة التنفيذية على السلطة التشريعية، حيث لا يقرأ النّوّاب مشاريع القوانين ولا يناقشونها بل يُصوّتون بشكل منهجي في الاتجاه الذي تقرره السلطة التنفيذية، ما يُفسّر دخول المتظاهرين إلى مَقَرّ البرلمان أثناء الاحتجاجات، ويعتبر المتظاهرون إن ذهاب الدكتاتور “دانييل آراب موي” ( كان رئيسًا من 1978 إلى 2002) لم يحل المشكلة، وعلى سبيل التّذكير فقد كان الرئيس الحالي ( ويليام روتو) جزءًا من حكومة دانييل أراب موي.

لا يثق معظم المواطنين بالأجهزة الإدارية وخصوصًا بالشرطة لأنها لا تخدم مصالح المواطنين، بل هي واحدة من أكثر المؤسسات فسادًا في البلاد، فالشرطة تبتز الأموال من الناس وتقوم بأنشطة غير قانونية في الشوارع، بدون أي مُساءلة أو تحقيقات أو ملاحقات قضائية، ويظّل نظام الحُكْم – بغض النظر عن إسم الرئيس – في خدمة أجندة الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي في أفريقيا.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.