حوار مع د. فادي نحاس: “طوفان الأقصى” زعزع ركائز العقيدة الأمنية الإسرائيلية

حوار مع د. فادي نحاس:

الأردن العربي – الأربعاء 17/7/2024 م …




* نحاس: “الإخفاق أصاب ثالوث ما تسمى العقيدة الأمنية الأسرائيلية، المتمثلة بـ‘الإنذار‘، ‘الحسم‘ (النصر)، و‘الردع‘ والتي أضيف إليها ‘الدفاع‘، الذي سقط أيضا في السابع من أكتوبر…”

في معرض قراءته للمشهد الأمني – العسكري الإسرائيلي بعد “إخفاق السابع من أكتوبر” وفي ضوء “تعثر الحرب” التي تنهي شهرها التاسع على قطاع غزة، يلفت د. فادي نحاس إلى حقيقة أن إعلان رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامن نتنياهو، الحرب على غزة بشكل رسمي غداة عملية “طوفان الأقصى”، هو الأول من نوعه منذ عام 1973 التي شهدت الإعلان عن حرب أكتوبر.

ويشير إلى أن هذا الإعلان عكس حقيقة كون إسرائيل ذاهبة باتجاه مواجهة مختلفة، وكجزء من تحضير المجتمع للتغيرات التي سيفرضها ذلك، وفي 11 تشرين الأول/ أكتوبر تم تشكيل حكومة طوارئ قومية لتولي مهام إدارة الحرب، كما عكست اللغة المستخدمة لتوصيف هجوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر و”مفهمة” حماس وقطاع غزة، أن إسرائيل تتجه إلى حرب تدميرية وغير مسبوقة، إذ أطّرت الهجوم بأنه تجسيد للشر ومعاداة اليهود ومناهضة السامية وربطته بفظائع المحرقة واعتبرت أن حماس هي داعش، واستخدمت توصيفات تنزع إنسانية سكان غزة وتعتبر أن لا أبرياء فيها.

ويفيد الاستعراض الذي يندرج في إطار التقرير الإستراتيجي السنوي لمركز “مدار”، بأن النقطة المحورية في تأطير الحرب هي اعتبارها حربا وجودية وهو ما ينطوي على معان عديدة، من حيث تحضير الرأي العام العالمي إلى أنها بصدد اتخاذ خطوات غير مسبوقة، وتحضير الرأي العام الإسرائيليً بأن الحرب تتطلب أثمانا وتضحيات كبيرة، والأهم أنها لن تكون قصيرة وأنها ستستمر أشهرا وربما سنوات.

كما يلفت إلى أن إسرائيل خرجت للحرب وهي تتمتع بالدعم الداخلي من كافة أطياف المجتمع الإسرائيلي، ودعم الدول الغربية المركزية وتبنت إدارة بايدن بلا تدقيق كامل رواية إسرائيل، ووصف أنتوني بلينكن في 12 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 ممارسات “حماس” بأنها تستحضر “أسوأ ما في داعش”.

ويتوقف التقرير عند أهداف الحرب المعلنة المتمثلة بالقضاء على حماس واستعادة المحتجزين الإسرائيليين، والأهداف غير المعلنة المتمثلة أساسا بمشروع تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة إلى سيناء المصرية، وينوه إلى تعثر الحرب في تحقيق أهدافها المعلنة وغير المعلنة رغم مرور تسعة أشهر على وقوعها.

ويعزو هذا التعثر إلى افتراضات إسرائيلية خاطئة مثل أن أي اشتباك مع كتائب المقاومة سيضعها في موقف لا يحتمل، متجاهلة أن هذا الافتراض ينطبق عادة على الوحدات العسكرية في الجيوش التقليدية، وليس على حركات عسكرية غير نظامية وهذا الأمر ينطبق بشكل كامل على عناصر المقاومة المقاتلة في غزة، خاصة مع توافر القدرة على التحرك فوق الأرض وتحتها من خلال شبكة الأنفاق، ومع توفر الدعم اللوجستي العسكري.

ويرى التقرير، أن الجيش الإسرائيلي فشل في تحقيق مبدأ الحسم السريع، حيث إن تطهير منطقة ما من العناصر المقاتلة لا يعني بالضرورة تحقيق السيطرة الكاملة على تلك المنطقة، فالسيطرة الفعلية تتطلب وجود قوات الاحتلال بشكل دائم في المنطقة المستهدفة.

ويشير أيضا إلى أن أحد أسباب التعثر العسكري يعود إلى امتناع المستوى السياسي عن مناقشة اليوم التالي، والفراغ السلطوي المدني المتولد عن ذلك والذي يسمح بتآكل الإنجازات العسكرية التكتيكية للجيش ويسمح لحماس بإعادة بناء قوتها حتى في المناطق التي قام الجيش بـ”تطهيرها” وهذا باعتراف قيادات وضباط في الجيش الإسرائيلي.

لإلقاء المزيد من الضوء حول الموضوع أجرينا هذا الحوار مع د. فادي نحاس:

= =  رغم أن استعراضك تركز حول هجمات السابع من أكتوبر أساسا، إلا أننا نستطيع الاستنتاج مما كتبت أن العقيدة الأمنية الإسرائيلية سقطت في الحرب أيضا وليس فقط في هجمات طوفان الأقصى؟

د. فادي نحاس

نحاس: بدون أدنى شك فقد ضرب عنصر “الردع” وعنصر “الحسم” الذي تحول إلى “النصر الكافي”، وهما ركيزتان أساسيتان من ركائز العقيدة الأمنية الإسرائيلية، وبهذا المفهوم إذا ما قارنّا بالأهداف التي وضعت للحرب فإن إسرائيل لم تحقق أهدافها، ربما تكون حققت الأهداف الأمنية وهذا أيضا غير واضح، أما الأهداف الإستراتيجية فهي موضع نقاش.

وبالتالي أعود وأؤكد أن الإخفاق أصاب ثالوث ما تسمى العقيدة الأمنية الأسرائيلية، المتمثلة بـ”الإنذار”، “الحسم” (النصر)، و”الردع” والتي أضيف إليها “الدفاع”، الذي سقط أيضا في السابع من أكتوبر، علما أن نجاعة “الدفاع” خلال الحرب هي مسألة قياسية ما زالت غير واضحة، رغم قدرة إسرائيل على صد الغالبية العظمى من الصواريخ التي أطلقت من قبل حماس وحزب الله بواسطة منظومات الدفاع التي تملكها، وخصوصا أننا ما زلنا في سياق عدم استعمال أسلحة غير متوقعة من قبل الطرف الآخر، حزب الله أو حماس، وأنا أعتقد أن مثل هذه الأسلحة موجودة بحوزة حماس أيضا، وأرجح أن حماس لم تخرج كل أنواع الصواريخ التي عندها وأنها تمتلك صواريخ إيرانية وروسية الصنع.

بالمقابل هناك عناصر قوة أثبتت نفسها في هذه المواجهة أهمها تحالف إسرائيل الإستراتيجي مع الولايات المتحدة الأميركية، حيث أكدت الحرب أن إسرائيل يربطها تحالف متين وغير مسبوق بالولايات المتحدة.

أما العنصر الثاني (للأسف) فيتمثل بتحالفات إسرائيل الإقليمية مع الدول العربية، مثل الإمارات، السعودية والأردن، وأخص بالذكر الأردن لأنه رغم القلق القائم داخل المملكة لم يتوانى الملك عبدالله في الأسابيع الأخيرة من حسم موقفه ضد حماس وضد إيران.

= =  مثال الأردن تحديدا يظهر وكأن التحالفات العسكرية – الأمنية بين إسرائيل والدول العربية من الثبات والرسوخ بحيث لا تتأثر حتى بالعلاقة السياسية الثنائية، وهو ربما ينسحب على التنسيق الأمني مع السلطة الفلسطينية؟

نحاس: الحديث عن توتر سياسي مع الأردن هو تبسيط للعلاقة، وهو توتر شبيه بالتوتر القائم بين بايدن ونتنياهو لا يمس بأسس التحالف الإستراتيجي القائم بين البلدين.

على المستوى الفلسطيني التغيير الإستراتيجي يتمثل بعودة مركز الثقل الفلسطيني الذي عاد ليفرض نفسه كأولوية لا لبس فيها، بعد مرحلة تهميش القضية الفلسطينية، لكن رغم القلق العام على هذا الصعيد فان الاستخبارات الإسرائيلية تفيد باستمرار الهدوء في الضفة الغربية، ولذلك فهي تتمادى في عملياتها العسكرية العينية ضد ما تعتبرها بؤر مقاومة في المخيمات وبعض مدن الضفة.

المفارقة أن ما يقلق دوائر الاستخبارات الإسرائيلية هو تحرك المستوطنين، في حين أن التنسيق الأمني مسألة ثابتة ولا تشغل بالهم، وإسرائيل لا تنظر لهذه الحرب كمرحلة جديدة على الصعيد الفلسطيني.

أنا أعتقد أن مجسات الموقف الفلسطيني مرتبطة بمصر والعلاقة بين السلطة الفلسطينية مع مصر، وبالنسبة للسلطة ما زال الموقف غير مفهوم، وهي لا تتحاول الإجابة على السؤال المتعلق بتداعيات هذه الحرب على القضية الفلسطينية، بغض النظر عن مسبباتها وبعيدا عن مسألة كي الوعي وتهميش القضية، بل هي بانتظار سيناريوهات اليوم التالي التي ستضعها أميركا وإسرائيل، وهي ليست جزءا فاعلا، وأصلا سيناريو العودة إلى قطاع غزة مستحيل بوجود حماس.

= =  أو لنقل بالأحرى بوجود نتنياهو، لكن عودة إلى ما أسميته بتعثر الحرب الإسرائيلية، كم هو مرتبط بغياب خطة لليوم التالي كما يزعمون؟

نحاس: التعثر والتقدم يقاس، كما هو معروف، بمدى تحقيق الأهداف المعلنة للحرب أو غير المعلنة للحرب والجيش الإسرائيلي ما زال “يستصعب” تحقيق تلك الأهداف رغم مرور تسعة أشهر على الحرب.

لكن هناك أهداف أو إجراءات أمنية يعمل على تنفيذها للتعامل مع الأمر الواقع، أهمها إقامة منطقة عازلة على امتداد الشريط الحدودي مع قطاع غزة على طول 15 كم وعرض 1 كم، وقد قاموا لهذا الغرض بمسح كلي حتى لآثار البيوت التي هدموها في هذه المنطقة ووسعوها إلى 1.2 كم، والغرض من هذا الحزام هو منع تكرار تجربة السابع من أكتوبر، عندما خرج مقاتلو وآليات حماس من الأنفاق مباشرة إلى منطقة السياج الحدودي.

لقد استنتجوا انه عندما تصل الانفاق إلى السياج تصبح كل جهوزية إسرائيل وتقنياتها التكنولوجية ليست ذات قيمة، وتحرك القوات العسكرية حتى لو كانت بأفضل وضع لا يفيد كثيرا، والمفاجأة الكبرى في السابع من أكتوبر كانت هي الأنفاق، حيث كانت قوات حماس فجأة في قلب إسرائيل.

وبغض النظر عن التقديرات الخاطئة التي كانت تقول إن حماس مردوعة والتي جعلت إسرائيل في “منطقة الراحة”، فإن الأنفاق قد فاجأتهم، وعندما تفاجأت إسرائيل استعملت إجراء “هنيبعل” وأقامت منطقة نار حيث قامت بحرق البيوت وكل ما هو موجود في المنطقة المذكورة لإقامة حزام ناري يضمن عدم دخول مقاتلي حماس، وهي المنطقة والبيوت التي تدعي بأن حماس قامت بحرقها.

إضافة إلى الحزام الأمني الذين يعدون لإقامته، أقامو الممر الأمني الذي يقسم القطاع بين شمال وجنوب شارع 849 في محور “نيتسريم”، الممتد حتى شاطئ البحر، والهدف ليس فرض سيطرة أمنية فقط بل خلق حالة إدراكية، على غرار ما فعلوا بين الضفة والقطاع، والفصل بين غزة وخانيونس ورفح وغيرها من مدن الجنوب، لكن بالرغم من ذلك فإن المقاومة عادت وبفعالية في الأسابيع الأخيرة إلى المناطق الوسطى والشمالية، وهو ما يظهر مدى قوة حماس وأدائها.

= =  لكن إلى أي مدى ذلك مرتبط بعدم خلق بديل لحماس أو خطة لليوم التالي كما يدعون؟

نحاس: أنا أعتقد أن العامل الأساسي يتمثل بعدم القدرة في القضاء على حماس، لأن الهدف واضح وهو القضاء على حماس والبنية التحتية لحماس.

= = هذا يعني أن الجيش يتذرع لتبرير عجزه؟

نحاس: واضح أن نغمة كون حماس فكرة لا يمكن القضاء عليها والتي بدأها المتحدث بلسان الجيش ورددها هنغبي، جاءت بعد حرب تدميرية دامت تسعة أشهر لتحقيق هذا الهدف والفشل الذي مني به الجيش في تحقيق ذلك.

من جهة ثانية فإن جميع السيناريوهات التي تعدها أميركا بالتعاون مع إسرائيل على غرار عودة سلطة فلسطينية متجددة، أو قوة دولية تشارك فيها دول عربية لا يمكن تنفيذها دون القضاء على حماس، وحتى مصر قالت إن مشاركتها غير واردة.

= =  ربما من هنا تنبع حالة الإرباك؟

نحاس: الحرب التي أعلن عنها نتنياهو أسموها الحد الأقصى للحرب وهي تدمير حماس وبناها التحتية، ولا تقتصر على ذلك بل تشمل تدمير كل المرافق الأخرى للبنية التحتية المدنية، واستعملوا إستراتيجية تدمير القطاع الصحي وإستراتيجية “جز العشب” ووصلوا إلى أكثر من ذلك، حيث استعملوا إستراتيجية لم يستعملها أحد قبلهم في العالم، وهي إستراتيجية “الصعود إلى الأعلى” التي تحدث عنها هرتسي هليفي، ومن هنا ينبع الارباك من أنهم استعملوا كل طاقتهم العسكرية ولم يستطيعوا القضاء على حماس.

= = ولكن ما هي عناصر قوة حماس؟

نحاس: من الواضح أن الجماعة لم يبنوا على مقولة “التوكل على الله” فقط، وما يجري في غزة غير واضح بما فيه الكفاية، ومسألة الأنفاق هي أحد العوامل فقط، رغم مركزيتها، وهناك ثلاثة أنواع من الانفاق إستراتيجية وتكتيكية وإدارية، لكن بدون شك أن هناك قوى سلحت ودربت.

= = تقصد إيران وحزب الله؟

نحاس: وربما روسيا دخلت على الخط بعد حرب أوكرانيا، كما لا بد لأن يكون هناك دور مصري غير رسمي.

= = هناك من يجري مقارنة مع حرب 73 خاصة بما يتعلق بالفشل الاستخباري والمباغتة، لكن إسرائيل تمكنت من استعادة زمام المبادرة خلال حرب 73 وحققت بعض الإنجازات أيضا، وهو ما فشلت بتحقيقه في غزة؟

نحاس: هي مقارنة في غير محلها لأن إسرائيل تمتلك اليوم قدرات إستراتيجية لم تكن قائمة في الـ73 ،خاصة فيما يتعلق بالتقنيات التكنولوجية الحديثة، كما أن قوات حماس دخلت بأسلحة رشاشة، وتحارب بأسلحة بدائية، وهذا النقص جرى ويجري تعويضه بالتكتيك العسكري.

إستراتيجية الردع الإسرائيلية فشلت في غزة رغم استنفاذها لكل مستوياتها، لأن إسرائيل فشلت في تقدير سلوك وعقلية حماس، حيث اعتبرت أن حماس تتصرف كسلطة في غزة على غرار السلطة في رام الله وتناور إسرائيل على مواقف ومنافع، وهذا ما جعل إسرائيل تجلس في “منطقة الراحة” وخلق لديها ما يسمى بالعمى الإستراتيجي.

قادة حماس في تشخيصهم لوضع إسرائيل وصفوها بـ”القوة الراضية” التي تعيش على الوضع القائم مع حماس وتجلس في “منطقة الراحة” معتمدة على التقنيات التكنولوجية والسياج الحديدي الذي بنته ولذلك نجحوا في مفاجأتها وإلحاق الفشل بجيشها وقيادتها العسكرية والسياسية.

= =  وذلك رغم الحرب التدميرية التي حولت القطاع إلى أنقاض؟

نحاس: ما حدث ويحدث في غزة لم يسبق أن حدث في العالم، وعلى سبيل المثال فإنه خلال الحرب العالمية الثانية هناك مدن وعواصم أوروبية مثل باريس وبراغ وغيرها لم تصب بأي أذى رغم أن دولها كانت رأس حربة في الحرب ضد ألمانيا النازية.

ومن الواضح أن الهدف هو جعل غزة غير قابلة للحياة، وإذا ما رجعنا إلى أهداف الحرب ندرك أن الهدف ليس حماس بل كل الشعب الفلسطيني، وهناك تجريم للنضال الفلسطيني ونزع القوة الأخلاقية للشعب الفلسطيني.


قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.