تحقيق عن العنف الجنسي في حرب الإبادة على غزة / دعاء شاهين
الأردن العربي – الأربعاء 17/7/2024 م …
كتبت دعاء شاهين …
وسط المذبحة اليومية، وبين بيوت غزة المدمرة، وفي صالوناتها وغرفها التي استشهد أصحابها أو نزحوا منها، يظهر جنود إسرائيليون في صور وفيديوهات مستفزّة، يلبسون أثواب نساء غزيّات وملابسهن الداخلية، مستخدمين إيحاءات جنسية وساخرة.
شاهدنا جندياً يجلس فوق دبابة ممسكاً بدمية (مانيكان) ترتدي حمالة صدر، ويقول ساخراً: “عثرت على زوجة جميلة. علاقة جدية في غزة. امرأة رائعة”.
وآخر يضع صورة حسابه على تطبيق مخصص للقاءات التعارف وهو يجلس إلى جانب حائط ممتلئ بملابس نساء غزة الداخلية.
وتُظهر هذه الصور شكلاً من أشكال العنف الذكوري الاستعماري الذي يستخدمه الجنود الإسرائيليون خلال انتهاكهم لمساحات الغزيين والغزيّات وخزاناتهم الشخصية، وجنسنة للإبادة التي يرتكبونها في القطاع منذ نحو عشرة أشهر.
ولعلها أثارت لدى الكثير من الغزيات اللاتي نزحن من بيوتهن توجساً وقلقاً من أن يكون الجنود الإسرائيليون، الذين يبيتون في بيوتهن يتخذون منها محطات استراحة، عبثوا بملابسهن الشخصية والداخلية أو تركوا عبارات جنسية وشتائم على مراياهن في غرف نومهن.
تجارب نساء انتهك الجنود خصوصيتهن
بعد انسحاب الجيش الإسرائيلي من مدينة خانيونس، قررت ياسمين (اسم مستعار، 27 عاماً) أن تعود إلى بيتها لتتفقده. وصلت وذُهلت أمام ما رأت.
إذ لم يكتف الجنود بتدمير أجزاء من المنزل، وتخريب محتوياته بشكل كامل، بل اقتحموا خصوصيتها وعبثوا بأغراضها الشخصية وملابسها الداخلية في غرفة نومها.
“سرت في طريقي إلى المنزل، ويدي فوق قلبي. خفت أن أجد مخلفات متفجرات كالتي يضعها جنود الاحتلال لتنفجر في العائدين إلى بيوتهم”، تقول ياسمين لرصيف22.
“لكني فوجئت بأن بيتي ليس بيتي الذي تركته. فقد عاث الجنود في أغراضي الشخصية، ووجدت جزءاً من ملابسي ملقاة في الشارع، وملابسي الداخلية معلقة فوق إحدى النوافذ من الداخل بشكل مهين”، تضيف.
وجدت ياسمين كذلك كتابات باللغة العبرية على مرآة غرفة نومها. لم تفهم فحواها إلا بعد أن ترجمتها في “غوغل”، لتجد أنها شتائم موجهة للغزيات وأزواجهن وجمل ذات إيحاءات بذيئة وعنصرية.
ماذا ستفعل النساء حين يعدن إلى بيوتهن؟ هل سيكرهون غرف نومهن وملابسهن؟ هل سيتخيّلن الجنود وهم يرتدون القطع ويضحكون ضحكاتهم المريضة؟
وبينما كانت تقلب وداد رمزي (40 عاماً) بين صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، فوجئت برؤية جندي إسرائيلي يرتدي ثوباً تقليدياً اقتنته خصيصاً لإحدى المناسبات الاجتماعية.
تصف وداد انطباعها الأول بحالة الإنكار. لم تصدق ما شاهدته. فناولت هاتفها النقال لبناتها ليتأكدن معها أن ما يرتديه جنود الاحتلال هي أثوابها الشخصية.
“لهذه الأثواب قيمة اجتماعية ومعنوية كبيرة بالنسبة إلي. أحافظ عليها مثل إرث ثمين. نحن نساء غزة نتباهى بارتدائنا أثوابنا التقليدية الملونة والمطرّزة”، تقول وداد لرصيف22.
وتعلّق مضيفةً: “أحد هذه الأثواب أرسلته لي شقيقتي من الأردن كهدية. صُعقت حين وجدته على جسد أحد الجنود الإسرائيليين”.
نزحت وداد من حي الشجاعية شرق قطاع غزة. ولم تأخذ في رحلة نزوحها أي شيء من أغراضها الشخصية، سوى ملابسها التي كانت ترتديها حين خرجت من بيتها.
فقد اعتقدت وداد، على غرار معظم الغزيين، بأنها ستنزح لفترة قصيرة فحسب.
“أشاهد الصور بصدمة وشعور بالعجز. لقد أجبرنا الاحتلال على ترك منزلنا. استولى جنوده عليه وخربوا محتوياته وسرقوا الأموال حسبما أفادني الجيران. ووفق الصور التي شاهدتها، فقد تأكدت أنهم عبثوا بغرفة النوم وملابسي الشخصية”، تقول وداد.
وتصف الجنود بالعصابات واللصوص قائلةً: “يتعامل الجنود مع عاداتنا وتقاليدنا باستهزاء. لقد سرقوا منها كل شيء وأسرلوه، كالطعام والتراث والملابس، ثم نسبوها إليهم”.
ماذا ستفعل النساء عند العودة؟
ترى ياسمين أن الاحتلال يعلم أن خصوصية المرأة الفلسطينية تُعتبر خطاً أحمر بالنسبة إلى المجتمع الفلسطيني. “وبالتالي، فإن ما فعله في منزلي ومنازل نساء غزيات أخريات هو إهانة واستفزاز وانتقام”، تقول.
تؤكد القانونية تهاني قاسم أن “ثمة قدسية وحساسية كبيرة مرتبطتان بخصوصية المرأة الفلسطينية. الاحتلال يعلم ذلك جيداً”، تقول لرصيف22.
وتتابع: “وعليه، فإن الرسالة التي يريد الاحتلال الإسرائيلي إيصالها تقول إننا نستطيع تدمير بيوتكم والتعدي على نسائكم وخصوصيتهن”.
ولعل هذه الصور والمشاهد أشاعت قلقاً كبيراً لدى فتيات ونساء غزيات تركن منازلهن مجبرات. فتقول الثلاثينية فرح ماجد، معبرةً عن توجسها، لرصيف22: “لم أستغرب سلوك الجنود في تخريبهم وارتدائهم لملابس داخلية تعود لنساء غزيات. لكني في كل مرة أتعثر بصورة منها، أخشى أن تكون التُقطت في منزلي وأن يكون الجنود قد عبثوا بملابسي”.
وتردف: “الأمر لن يسبب لي الخجل، بل الذعر من مدى السهولة التي يمكن لهؤلاء أن يقتحموا فيها مساحتنا الشخصية ويستهزئوا منا كوننا نساء”.
“ماذا ستفعل النساء حين يعدن إلى بيوتهن؟ هل سيكرهون غرف نومهن وملابسهن؟ هل سيتخيّلن الجنود وهم يرتدون القطع ويضحكون ضحكاتهم المريضة؟”، تتساءل فرح.
الأمر لن يسبب لي الخجل، بل الذعر من مدى السهولة التي يمكن لهؤلاء أن يقتحموا فيها مساحتنا الشخصية ويستهزئوا منا كوننا نساء
جنسنة الإبادة اختراق للقانون الدولي
لا ترى تهاني قاسم أن انتهاكات القوانين الدولية بحق النساء تنحصر في سلبهن احترامهن واختراق عمق خصوصيتهن حصراً. “فنساء غزة ذقن الويلات بفعل القتل والاعتقال والنزوح والمعاناة الإنسانية اليومية”، تقول مؤكدةً.
وتنتهك الصور والفيديوهات التي ينشرها الجنود الإسرائيليون البند 27 من معاهدة جنيف الرابعة المرتبطة بمعاملة المدنيين وقت الحرب.
وينص هذا البند على أنه من حق المدنيين أن يحظوا بالاحترام لشرفهم وحقوقهم العائلية وعقائدهم الدينية وتقاليدهم.
وتؤكد الناشطة النسوية خلود جمال أنه من حق النساء، في أوقات النزاع، أن تحظى بحماية لخصوصيتهن وعاداتهن وكرامتهن. موضحةً أن الاحتلال خالف كل المعايير القانونية بهذه الأفعال الشائنة التي تندرج ضمن سياسة جنسنة الإبادة.
أحد هذه الأثواب أرسلته لي شقيقتي من الأردن كهدية. صُعقت حين وجدته على جسد أحد الجنود الإسرائيليين
“كأنما يضغط جنود الاحتلال على زناد “الشرف” الفلسطيني من خلال المساس بنسائه”، تقول جمال لرصيف22.
وتختم تعليقها بأن هذه “السياسة المنحرفة المرتبطة بالجنسنة ليست بجديدة في تاريخ الاحتلال الإسرائيلي. فقد سبق وشهدت أحداث النكبة عام 1948 تعد على خصوصية النساء واستخدامهن كسلاح بهدف تهجير الفلسطيني من أرضه”.
وكانت دعت الأمم المتحدة في آذار/ مارس الماضي إلى تحقيق في مقاطع الفيديو التي ظهر فيها جنود إسرائيليون يردتدون ملابس داخلية لنساء في قطاع غزة. إذ وصف المتحدث باسم الأمم المتحدة حينها هذه المشاهد بالـ”مزعجة”. فهل تكفي أو تحمي هذه الكلمة نساء غزة من استخدام العنف الجنسي الذي ينتهجه الاحتلال في الإبادة التي تمارس بحقهن؟
التعليقات مغلقة.