بنغلادش – تاريخ قصير لكنه دَمَوِي / الطاهر المعز

الطاهر المعز ( تونس ) – الأحد 21/7/024 م …  

أطلقت شرطة مكافحة الشّغب الرصاص المُغلّف بالمطّاط على الطلاب الذين يتظاهرون ضد سوء أداء الخدمات وانقطاع التيار الكهربائي في المرافق العامة ( المدارس والمستشفيات)، مما أدّى إلى مقتل 32 شخصًا، من بينهم صحفي، أمام مقر قناة التلفزيون العامة “بي تي في” في العاصمة دكا، وفقًا لإحصائيات المستشفى، وأصيب مئات آخرون بجروح متفاوتة الخطورة، بحسب برقية لوكالة رويترز بتاريخ الخميس 18 تموز/يوليو 2024، وحاولت رئيسة الوزراء “الشيخة حسينة” تهدئة الوضع ولكن التجارب السابقة جعلت المتظاهرين لا يثقون بها، وبالفعل فقد واصلت الشرطة استخدام الرصاص المطاطي والغاز المسيل للدموع لتفريق المتظاهرين، وأفاد الأطباء إن الشرطة تطلق الرصاص على الوجه، بهدف القتل، مما أدّى إلى توسُّع رقعة الإحتجاجات واندلاع اشتباكات جديدة في عدة مدن في بنغلادش يوم 18 تموز/يوليو 2024،عندما قطعت الحكومة شبكة الإتصالات والشبكة الإلكترونية “لمنع نَشْر الشائعات والأكاذيب والمعلومات المضللة”، وفق نائب وزير الإتصالات، قبل أن تُهاجم شرطة مكافحة الشغب المتظاهرين، الذين بدأوا جولة جديدة من إغلاق الطرق والطرق السريعة ومحاصرة حوالي ستّين من ضبّاط الشرطة في الجامعة، وأرسلت الحكومة طائرات مروحية لفكّ الحصار على قوات الشرطة ولم تُسخّر هذه الطائرات لنقْل المُصابين إلى المستشفى الذي أحصت إدارته ما لا يقل عن ألف جريح تم علاجهم، فضلا عن ما لا يقل عن 150 إصابة بالرصاص المطاطي وغير المطاطي في عيون الجَرْحَى، وأبلغت مستشفيات أخرى عن 14 حالة وفاة أخرى، وفق موقع داكار تايمز الإعلامي الإلكتروني، الذي قتلت الشرطة أحد مراسليه أثناء تغطيته الإحتجاجات في العاصمة دكا.




وُلدت دولة باكستان – التي كانت تضم بنغلادش – سنة استقلال الهند عن بريطانيا ( 1947) ثم انفصلت بنغلادش، بدعم من الهند، سنة 1971، إثر حرب دامية أدّت إلى وفاة نحو ثلاثة ملايين شخص، وقاد حزب عوامي ( إسلامي “مُعتدل”) حرب الإنفصال بزعامة “الشيخ” مُجيب الرّحمان الذي أصبح أول رئيس وزراء للبلاد، حتى تاريخ اغتياله سنة 1975، أثناء تنفيذ انقلاب عسكري أدى إلى فترة طويلة من الحكم العسكري، وهو والد “الشيخة حسينة” التي تحكم البلاد منذ 2009، ورغم عودة الحُكم المَدَنِي ببطء، منذ سنة 1990، إلى بنغلادش التي تَعَدُّ حاليا حوالي 170 مليون نسمة، فإن البلاد وُلِدَتْ ونشأت على العُنف الطائفي والسياسي والطّبقي ( الإجتماعي)، واختزلت الإحتجاجات التي انطلقت منتصف تموز/يوليو 2024 بعض مشاكل البلاد التي تُجسّدها دكتاتورية الدّولة والطّبقة، وانطلقت الإحتجاجات التي شارك فيها آلاف الطلاب من أجل إصلاح نظام الحصص الذي يحكم توزيع الوظائف الحكومية، والذي تم إقراره سنة 1972، بعد أقل من سنة واحدة عن انفصال بنغلادش عن باكستان، ويُخَصِّصُ نحو 30% من وظائف الحكومة والقطاع العام لأفراد عائلات المقاتلين من أجل الإنفصال سنة 1971، أي أتباع مجيب الرحمان والد الشيخة حسينة، ويُطالب الطُّلاّب بإلغاء نظام الحصص باستثناء تخصيص 5% للمجتمعات الأصلية و1% للأشخاص ذوي الإعاقة، وبالمُساواة بين المرأة والرجل بدل تخصيص 10% فقط من وظائف القطاع العام للنّساء، ووصفت الشيخة حسينة المتظاهرين بـ”رضاكار”، وهو مصطلح مهين  تم إطلاقه سنة 1971 على المتهمين بالتعاون مع الجيش الباكستاني، أي إنها اعتبرتهم “خَوَنَة، مُتعاونين مع الأعداء”...

تميّز التاريخ القصير لبنغلادش بالعُنف حيث قُتِلَ ما لا يقل عن سبعين شخصًا في العاصمة دكا سنة 2009، أثناء تمرد حرس الحدود مُطالبين بتحسين أجورهم وظروف معيشتهم، وقُتِلَ ما لا يقل عن مائة شخص سنة 2013، فضلا عن حادث انهيار مبنى “رانا بلازا” الذي يضم مسانع النّسيج، حيث قُتِلَت أكثر من 1200 عاملة وأصيبت أكثر من ألفَيْن، وحصلت أحداث عنيفة أودت بحياة العشرات سنة 2016 و 2019 و 2021 قبل الأحداث الحالية التي بدأت خلال شهر حزيران/يونيو، ولا تزال متواصلة يوم 20 تموز/يوليو 2024، وتحولت الاحتجاجات إلى أعمال عنف في أعقاب اشتباكات بين آلاف المتظاهرين المناهضين لنظام الحصص وأعضاء حزب رابطة عوامي الذي تتزعمه حسينة، وأطلقت الشرطة الرصاص المطاطي والرصاص الحي وقنابل الصوت والغاز المسيل للدموع والمياه العادمة لتفريق المتظاهرين الذين قاموا أيضًا بإغلاق خطوط النّقل البرِّي والحديدي، ويُؤدي نظام الحصص إلى تقليص عدد الوظائف الحكومية المفتوحة للجميع، مما يضر بالمرشحين الذين يريدون شغل هذه الوظائف على أساس الجدارة، في ظل ارتفاع معدلات البطالة بين الشباب، حيث يوجد ما يقرب من 32 مليون شاب عاطلون عن العمل ويُشكل الشباب نحو 25% من إجمالي عدد السّكّان البالغ 170 مليون نسمة، فضلا عن انخفاض احتياطيات النقد الأجنبي وارتفاع الأسعار ونسبة التّضخّم إلى 10% وبعد ارتفاع عدد القتلى إلى ما لا يقل عن 114 وعدد الإصابات إلى الآلاف وفق بيانات مستشفيات البلاد، فرضت حكومة بنغلادش حالة الطّوارئ وحظر التّجوال على مستوى جميع أنحاء البلاد، بداية من يوم السبت 20/07/2024، مع إغلاق مؤسسات التّعليم، منذ يوم الإربعاء 17 تموز/يوليو 2024، وإعلان يومي الأحد والإثنين عطلة رسمية، ويقوم الجيش بدوريات في شوارع دكا والمُدُن الرّئيسية، وأقامت قوات الأمن حواجز على الطرقات، وتم تعليق خدمات الإنترنت والرسائل النصية القصيرة في بنغلاديش منذ يوم الخميس 18 تموز/يوليو 2024، وقمعت الشرطة بعنف شديد المتظاهرين الذين تحدوا حظر التجمعات العامة، وأدى انقطاع الإنترنت إلى عدم تمكن عشرات الآلاف من الأشخاص من إعادة شحن عدادات الكهرباء الخاصة بهم، مما تركهم بدون كهرباء…

تحكم الشيخة حسينة ( 76 سنة) البلاد منذ 2009، وهي من الأعيان ومن أُسْرة أرستقراطية وابنة مجيب الرحمان مُؤسس وأول رئيس وزراء لبنغلادش، وأقَرّت نظامًا للخدمات العمومية، سُمِّي “نظام الحصص” الذي يستفيد منه المُقَرّبُون من نظام الحُكْم، نظرًا لافتقاده للشفافية، وتطالب احتجاجات شبه يومية بإنهاء نظام الحصص الذي حرم الفُقراء والعديد من المُعطّلين عن العمل من الوظائف ومن الخدمات الأساسية كالكهرباء، وتحولت الإحتجاجات إلى موجة استياء واسعة من نظام الحُكْم واحتجاجات على الطبيعة القمعية للدولة، وأنشأ الحزب الحاكم ( رابطة عوامي ) مليشيات تُساعد الشرطة في عمليات القمع، وفق منظمة العفو الدّولية… 

اتخذت السلطات، يوم الجمعة 19 تموز/يوليو 2024، قرار حَظْر التظاهرات في العاصمة دَكَّا ( التي تَعُدُّ حوالي عشرين مليون نسمة) وإغلاق مؤسسات التعليم إلى أجل غير مُحَدَّد، وأعلنت توقيف أحد زعماء المعارضة الرئيسيين – زعيم الحزب القومي البنغلادشي – دون تقديم تفاصيل عن أسباب اعتقاله، وارتفع عدد القتلى إلى ما لا يقل عن خمسين وعدد الجرحى إلى حوالي 700 من بينهم ثلاثون صحافيا، خلال يوم الخميس 18/07/2024، بالإضافة إلى أكثر من ألف خلال الثماني والأربعين ساعة السابقة، واتهمت الشرطة “الكُفَّار بارتكاب أعمال التدمير والتّخريب، تحت غطاء المطالبة بإنهاء نظام الحصص في التعيينات في القطاع العام” وويُطالب المحتجون كذلك بالحقوق السياسية والإقتصادية والإجتماعية، وفقا لوكالة الصحافة الفرنسية التي وصفت شوارع دكّا – المزدحمة عادةً –  بالمُقْفِرَة وظَلّت مؤسسات التعليم مغلقة، بأمر من الحكومة، كما ظلّت خدمات الإتصالات والشبكة الإلكترونية مقطوعة، صباح يوم الجمعة 19/07/2024 وتهدف التظاهرات شبه اليومية التي انطلقت مطلع تموز/يوليو التنديد بالإنقطاعات المتكررة للكهرباء وإلى إنهاء نظام الحصص في القطاع العام الذي يخصص أكثر من نصف الوظائف لمجموعات محددة خاصة لأبناء قدامى المحاربين في “حرب التحرير” ضد باكستان عام 1971، أي أبناء أعيان الحزب الحاكم، ويطالب الطلاب بالتوظيف على أساس الجدارة، لأن نظام الحصص يعطي الأفضلية لأبناء أنصار رئيسة الوزراء الشيخة حسينة التي تحكم البلاد منذ عام 2009 ويتهمها المعارضون بالرغبة في القضاء على كل أشكال المعارضة لتعزيز سلطتها، ولما تكثف الحراك في الأيام الماضية أطلقت الشرطة العنان لمليشيات الحزب الحاكم مما أدّى إلى اندلاع اشتباكات في عدة مدن ومما شكل ذريعة لتدخّل شرطة مكافحة الشّغب “لوضع حدّ للفوضى” بينما هاجمت شرطة مكافحة الشغب الطلاب الذين أقاموا حواجز على المحاور الرئيسية – رغم حَظْر التجمع والتظاهر –  واقتحم متظاهرون سجنا بوسط البلاد وأطلقوا سراح مئات المساجين قبل إضرام النار في المبنى، وارتفع عدد القتلى إلى 54 ثم بلغ أكثر من 114 وفق إحصاء وكالة الصحافة الفرنسية (مساء يوم الجمعة 19 تموز/يوليو 2024)، وأصبح المتظاهرون يعلنون استمرار المظاهرات إلى حين “استقالة الشيخة حسينة وحكومتها المسؤولة عن عمليات القتل”، وفق وكالتَيْ رويترز والصحافة الفرنسية (أ. ف. ب. )  يوم 19/07/2024، واقتحم محتجون سجنا يوم الجمعة 19 تموز/يوليو 2024، في منطقة نارسينجدي بوسط بنجلاديش، وحرروا أكثر من 850 سجينا وأضرموا النار في المنشأة، وفق بيانات الشرطة التي اعتقلت “بشكل وِقائي” ( أي قبل حُدُوث أي مُخالفة للقوانين)  العديد من زعماء أحزاب المعارضة والمناضلين والمحتجين في ساعات متأخرة من الليل وفق منظمة العفو الدّولية ووكالة رويترز ( 20/07/2024)… 

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.