إندونيسيا – تكريمًا للشّهداء والمناضلين من أجل العدالة والمُساواة / الطاهر المعز

الطاهر المعز ( تونس ) – الأربعاء 24/7/2024 م …

* عرض كتاب” طريقة – أو مَنْهَج – جاكرتا، حملة واشنطن الصليبية ضد الشيوعية وبرنامج القتل الجماعي الذي شكل عالمنا ” – تأليف فنسنت بيفينز- نشر (إينودي – 2021)




“The Jakarta Way, Washington’s Crusade Against Communism and the Mass Murder Program That Shaped Our World” – by Vincent Bivins – Published (Einaudi – 2021)

فنسنت بيفينز صحفي حائز على جوائز. كان يكتب لصحيفة فايننشال تايمز في لندن، ثم عمل كمراسل لصحيفة لوس أنجلوس تايمز في البرازيل، قبل أن يغطي جنوب شرق آسيا لصحيفة واشنطن بوست، وصدر كتابه الأول، “طريقة جاكرتا”، سنة 2020، وهو يعيش حاليا في مدينة ساو باولو بالبرازيل.

اعتمد – عند إعداد الكتاب – على خبرته كصحافي استقصائي، باستخدام الوثائق التي رفعت عنها السرية، والبحوث والدّراسات التي انطلقت من الأرشيف، فضلا عن تقرير وكالة الإستخبارات الأمريكية الذي يعود تاريخه إلى 1968 (وكالة المخابرات المركزية – مديرية الاستخبارات- : “إندونيسيا 1965: الانقلاب الذي جاء بنتائج عكسية ، كانون الأول/ديسمبر 1968″ ) وشهادات شهود العيان التي تم جَمَعَهَا الباحثون عبر اثنتي عشرة دولة للكشف عن الإجرام الإمبريالي الأمريكي العابر للقارات، لتحويل حركات التّحرّر في البلدان حديثة الإستقلال إلى نظام حُكْم يقوم بمهام وكيل للنظام الرأسمالي الذي تقوده الولايات المتحدة، في إطار حرب باردة تقودها الولايات المتحدة ضد كل ما تعتبره شُيُوعيًّا، ويندرج “أسلوب” أو “طريقة” جاكرتا ضمن هذه الحرب التي جعلت من الإبادة الوحشية لليساريين العزل جزءاً أساسياً من المعركة التي أدّت إلى انتصار واشنطن في الحرب الباردة وهو الإنتصار الذي اعتبره البعض نهائيّا، بل نهاية التّاريخ، ويُفَنّد هذا الكتاب الرواية الرّسمية الأمريكية والإمبريالية لتاريخ تطور وانتشار الرأسمالية في البلدان “النّامية” بعد الحرب العالمية الثانية.

يتضمّن هذا المقال عرضًا لكتاب فنسنت بيفينز، ويُشكل التّطرّق إلى محتوى الكتاب فُرصة أخرى (سبق أن كتَبْتُ عن هذا الحدث سابقًا) لتحليل الظّروف والأحداث التي سبقت ورافَقَت ولَحِقت المجزرة، أي الحدث ومُقدّماته ونتائجه، والتّوسّع في البحث ليشمل مصادر أخرى…   

صرّح رئيس وزراء أستراليا سنة 1966 – هارولد هولت – لصحيفة نيويورك تايمز ( تموز/يوليو 1966): “بعد القضاء على ما يتراوح بين خمسمائة ألف ومليون متعاطفًا مع الشيوعية، يمكننا الإعتقاد بإعادة توجيه للبلاد” ( نحو الغرب).

أما منظمة العفو الدّولية فقد لخّصت – بعد خمسة عُقُود – ( سنة 2016) الأحداث كما يلي:

“في الأول من تشرين الأول/أكتوبر 1965، وقعت محاولة انقلاب مزعومة في جاكرتا بإندونيسيا، لمّا حاولت مجموعة صغيرة من العسكريين الاستيلاء على السلطة وقتل ستة من جنرالات الجيش… لم يتم تحديد ما حدث على وجه التحديد ومن المسؤول حقًا. سحق الجنرال سوهارتو محاولة الانقلاب المحتملة في غضون أيام وألقى باللوم على الحزب الشيوعي الإندونيسي  (PKI)  في تدبير محاولة الانقلاب، وتم تنفيذ حملة قمع وانتهاكات حقوق الإنسان ضد كل من يعتبرون أعضاء في الحزب الشيوعي الإندونيسي والمتعاطفين المشتبه بهم…” (انتهى الإقتباس)

قدّرت المنظمة، وفقًا لشهادات مختلفة، عدد الضحايا بما لا يقل عن نصف مليون حالة وفاة، إذ استمرت عمليات القتل والاعتقال والتعذيب والاختفاء لعدة سنوات، واستمر الاحتجاز التعسفي والعمل القسري لأكثر من عشر سنوات، ولا يزال التمييز مُستمرًا، بعد خمسين عامًا (عند نشر التّقرير)، ونشرت منظمة العفو الدولية الوثائق الأصلية التي بحَثَتْها وحلَّلَتْها واستَخْدَمَتْها في أنشطتها لدعم سجناء الرأي، وندّدت بالمحاكمات غير العادلة، وعقوبة الإعدام، والعمل القسري، وانتهاكات حقوق الإنسان وتقتصر المعلومات الموجودة على الوثائق المُتعلقة بمجازر الفترة الممتدة بين 1965 و 1967 

الوقائع

حدث الإنقلاب خلال آخر ليلة من شهر أيلول/سبتمبر وبدأت عمليات الإغتيال السياسي المُنَظّم لنحو مليون مواطن يوم الأول من تشرين الأول/أكتوبر 1965 واستمرت حتى سنة 1968 وبلغت ذروتها خلال الأشهر الست اللاحقة للإنقلاب، وقد يصل عدد القتلى إلى قرابة ثلاثة ملايين، بحسب شهادات تم جَمْعُها بعد حوالي خمسة عُقُود، وبعد الإفراج عن وثائق أمريكية وإندونيسية كانت تشملها السّريّة، وترافقت عمليات الإغتيال مع حملة اعتقالات واسعة شملت مئات الآلاف المواطنين الذين تم حَشْرُهُم في سجون مخصصة لهذا الأمر، وبقي قرابة  عشرين ألفًا في السجون والمُحْتَشَدات حتى سنة 1979، ولم تقتصر عمليات الإغتيال والسجن والتعذيب على مناضلي الحزب الشيوعي، ثالث أكبر حزب شيوعي عالمي وأكبر حزب غير مُمْسِك بالسّلطة، بل شملت الأنصار والمتعاطفين وأُسَرهم والجناح اليساري للحزب الوطني الإندونيسي والتنظيمات الجماهيرية المتحالفة مع الحزبَيْن والأحزاب اليسارية الصغيرة مثل حزب إندونيسيا “بارتيندو” وحركة الشيوعيين الشباب “اكوما”، وكان الحزب الشيوعي الإندونيسي هو أكبر تلك القوى وأكثرها نموًا، فقد ازداد عدد داعميه وأعضائه من عشرات الآلاف في بداية الخمسينيات، بعد مُشاركته النّشطة في المقاومة من أجل استقلال البلاد ( حتى سنة 1945)  إلى ما يزيد عن عشرين مليون شخصًا تقريبًا سنة 1965 حين كان عدد الإندونيسيين الذين لهم حق الاقتراع يتراوح ما بين 35 و 40 مليونًا تقريبًا، واستفاد الحزب الوطني الإندونيسي ( حزب الرئيس أحمد سوكارنو الحاكم منذ استقلال البلاد سنة 1945) من تحالفه مع الحزب الشيوعي بداية من سنة 1960، فاجتذب العديد من الوطنيين اليساريين غير الشيوعيين وأصبح سوكارنو ( بعد مؤتمر باندونغ – 1955) يدعو إلى “اشتراكية مَحَلِّيّة” وإلى تحالف دولي للبلدان حديثة الإستقلال بالتحالف مع القوى التقدّمية والإشتراكية، وكان الحزب الشيوعي يقود حملة ( تضُمّ قوى يسارية أخرى) ضد الفساد وسوء التصرف في شركات القطاع العام، حيث كان الضُّبّاط يُشرفون على إدارتها، وطالب الحزب الشيوعي بتمثيل العمال في مجالس الإدارة وتحديد ملكية الأرض الزراعية وتوزيع الأراضي على الفلاحين الفُقراء وسُكّان الريف الذين يُشكلون أغلبية السّكّان، وكان أحمد سوكارنو والجناح اليساري من حزبه (الحزب الوطني) يدعم هذه المطالب، لكن الجيش كان يُعارض كل مقترحات الحزب الشيوعي، وهو حزب قانوني له مُستشارون بلديون في المدن الرئيسية للبلاد، منذ انتخابات 1957، وساهم بنضالات أعضائه في استقلال البلاد ةكذلك في حصول بعض المكتسبات الدّيمقراطية والسياسية للنساء والعُمّال، رغم المعارضة الشديدة للأحزاب اليمينية ومجموعات الدّين السياسي ( الإسلامية والمسيحية)، ووافق سوكارنو على تعيين أعضاء الحزب الشيوعي في بعض الوزارات ومناصب أخرى…

أرادت الإمبريالية الأمريكية وضع حدّ لتجربة التحالف بين قوى وطنية وشيوعية في أكبر بلد إسلامي، في منطقة آسيا، خوفًا من “العَدْوَى” الصينية، حيث يحكم حزبٌ شيوعيٌّ أكبرَ دولةٍ آسيويةٍ ( الصين)، واعتمدت الولايات المتحدة على مجموعة من الضّبّاط الموالين للإستخبارات الأمريكية، بقيادة الجنرال محمد سوهارتو الذي عَزَلَ “سوكارنو” ووزارته، خلال انقلاب 1965، وانطلقت الحملة الدّعائية ضدّ الحزب الشيوعي واليسار الإندونيسي والتي كانت ترافق عمليات القتل الجماعي والإرهاب الذي تُنفذه مليشيات إرهابية – بإشراف مُباشر من ضُبّاط الجيش – تأتمر بأوامر زعماء الدّين السياسي والملاك العقاريين ( الأراضي الفلاحية)، على مدار السنوات الثلاث التالية، وتم منع نشاط الحزب الشيوعي الإندونيسي واليسار، قبل الإعلان الرسمي عن اعتقال “سوكارنو”، وتم اعتقال وقَتْلُ معظم قيادات الحزب الشيوعي الإندونيسي، والحزب الوطني الإندونيسي، وحزب إندونيسيا “بارتيندو”، وحركة الشيوعيين الشباب “آكوما”، والاتحادات العمالية، ومنظمات النساء والتنظيمات الجماهيرية المتحالفة معهم، ونجا القليل من القيادات من القتل ولكنهم سُجنوا، ولم يكن الحزب الشيوعي مُتهيِّئًا للدّفاع عن وجوده ولا للعمل السّرِّي، ولم يكن مُحتاطًا لمثل هذه المُفاجآت، واستطاعت قلة من العناصر القيادية الإفلات والقيام بأنشطة سرية فعالة ضد الحكومة حتى سنة 1968، وقدّمت الولايات المتحدة الدّعم المُباشر – المالي والعسكري والإستخباراتي – للجيش الإندونيسي طيلة فترة حكم الجنرال سوهارتو الذي استمر لفترة 32 سنة، حتى سنة 1998، وباركت حكومات الولايات المتحدة وبريطانيا وهولندا (القوتان الإستعماريتان السابقتان) واليابان وأستراليا، وحكومات أخرى، عمليات القتل، واعترف عملاء وكالة الاستخبارات المركزية السابقين فيما بعد بأن سفارة الولايات المتحدة قد سَلَّمَتْ حكومة “سوهارتو” قوائم بأسماء وعناوين قيادات وأعضاء الحزب الشيوعي الإندونيسي.

1965 – من عدم الإنحياز والإصلاح الزراعي إلى التَّبَعِيّة والحَيْف الطّبقي

كان الحزب الشيوعي الإندونيسي، قُبَيْل الإنقلاب، في حالة صعود ويحظى بدعم شعبي كبير في العديد من الأوْساط (العمال وصغار الفلاحين والنساء والمُثقفين والفنانين وموظفي المدن…) وكان أقوى من الحزب الوطني الإندونيسي (حزب الرئيس أحمد سوكارنو) عدَديا وتنظيميا وانتخابيا، ولكنه لم يكن لديه مخطط بديل أو خطة طوارئ، و كان اهتمامه مُصَوّبًا نحو العمل القانوني – ما دام يُشارك في الحكومة ويُطبق جزءًا من برنامجه – ولم يكن مُهيّأً لمجابهة خصومه في الجيش والمالكين العقاريين ومنظمات ومليشيات الإسلام السياسي ذات التنظيم العسكري المُحْكَم – رغم البداية المحتشمة للتدريب العسكري لأعضائه وأنصاره من ذوي المسؤوليات القيادية والوسطى بالمنظمات الجماهيرية – ولذلك فاجأه الإنقلاب وفاجأته القسوة مما جعله ينهار، دون مقاومة تقريباً، ولم يكن متحسّبًا للدّعم الأمريكي والبريطاني الهائل للقوى الرجعية التي تهيأت لِشَلّ القدرة النضالية الهائلة للحزب الشيوعي الإندونيسي، الذي جمع نحو 27 مليون مواطن في منظماته المختلفة، من مناضلي الحزب والنقابات والشباب والمنظمة النسائية وجمعيات الفلاحين والفنانين والأدباء والصحافيين…

ارتكب الحزب الشيوعي الإندونيسي خطأ استراتيجيا كبيرا تمثّل في الإكتفاء بالعمل العلني والجماهيري، رغم إيجابياته، فقد تمكّن الحزب من إطلاق برنامج إعادة توزيع فائض الأراضي وإنشاء مجالس المصانع والمزارع بمشاركة كثيفة لمناضلي وأَنْصَار الحزب الشيوعي وهو تطبيق لقانون الإصلاح الزراعي الذي أقره البرلمان، ولكن بشكل ثوري كثّفَ تغلغل الحزب الشيوعي في أجهزة الدّولة، ويُشارك الحزب بثلاثة وزراء فقط في حكومة مكونة من ثمانين وزيرًا ونائب وزير ومناصب حكومية أخرى، لكن كان العديد من المناضلين يحتلون مناصب حساسة في جميع القطاعات، على أساس الكفاءة، وليس بفضل انتمائهم الحزبي، وكان التحالف بين القوميين والشيوعيين والمنظمات الإسلامية “المُتَنَوِّرَة” ناجحا  ولم يُعرقل وجود الشيوعيين من ذوي الكفاءة والخبرة في مناصب قيادية إدارية أو في القطاع العام أو في الجيش، وكان الحزب الشيوعي يدعو إلى إنشاء “وحدات من العمال والفلاحين المسلحين” وهو المُخطّط الذي أراد وزير الدّفاع الجنرال ناسوتيون، وقيادة أركان الجيش بزعامة الجنرال ياني تخريبه وبدأ التخطيط للإنقلاب بإشراف الإستخبارات الأمريكية بداية من شهر تموز/يوليو 1965، عندما اكتشفت قيادة الجيش إن وحدات العُمّال والفلاحين التي يتم تدريبها في قاعدة حليم الجوية مُكونة من مناضلي وأنصار الحزب الشيوعي، وتفطّن أحمد سوكارنو الذي اتهم في خطابه بمناسبة العيد الوطني يوم 17 آب/أغسطس 1965 “بعض الجنرالات بعرقلة الطريق نحو الثورة الشعبية” وحَذَّرَ حلفاءه الشيوعيين من رد فعل الأغنياء، وخاصة ملاك الأراضي، ضد الإصلاح الزراعي، وافتعل هؤلاء الأثرياء بعض المعارك التي استهدفت الفئات المحرومة والنساء وغيرها من الفئات المُؤَيِّدَة للحزب الشيوعي، وخلال الإنقلاب، كان رجال الدّين المحلّيّين يُحَرِّضون على قتل كل من يعتبرونه شُيُوعيًّا، مما أدّى إلى قَتْل نحو 5% من سُكّان مدينة بالي، ولا زالت جماجم الضحايا تظهر من تحت رمال الشواطئ التي تعجّ بالسائحين الأمريكيين والأوروبيين، وفق جيفري بي روبنسون  – Geoffrey B. Robinson – “الجانب المُظلم من الجَنّة – العُنف السياسي في بالي” – 1997.  

أكّد تقرير مديرية الإستخبارات بوكالة المخابرات المركزية الأمريكية ( CIA ) سنة 1968 أن مذبحة الشيوعيين الإندونيسيين خلال سنتَيْ 1965-1966، شكلت واحدة من أكثر الأحداث مأساوية في القرن العشرين، ولكنها أيضًا واحدة من أكثر الأحداث التي تم تجاهلها، كما تم تجاهل الثورات الشيوعية سَنَتَيْ 1926 بقيادة الزعيم الشيوعي موسو وثورة 1948، والتي قمعتها السلطات الإستعمارية (هولندا وبريطانيا) بقسوة، وحصلت عملية التجاهل والإهمال بفعل الرقابة المُشدّدة على الأخبار والشهادات وبفعل قتل وسجن وترهيب نسبة كبيرة من المواطنين وأُسَرِهِم وتوسيع دائرة القمع الفظيع إلى كافة أطْياف اليسار والنّقابيين والمُثقّفين والنّساء، ورغم الجرائم التي حدثت في العالم منذ ذلك الحين، يظل حجم عمليات القتل استثنائياً، نظرًا لوقوعها فجأة ( بدون مُقدّمات ظاهرة) ولِقَصِر وقتها نسبياً (حوالي ستة أشهر في المجموع)، وبذلك فهو الحدث الأكثر عنفاً في الأرخبيل الإندونيسي، ورغم هبوط نسق عمليات القتل، فقد تواصلت عمليات القمع العسكري والسياسي والإجتماعي بعنف شديد حتى سنة 1968، وخصوصًا في الريف ضد صغار الفلاحين الذين استفادوا من برنامج الإصلاح الزراعي، وضدّ المناضلين التقدميين والمثقفين الثوريين والنقابيين في المدن وفق الدراسة التي نشرتها فرنسواز كايراك – بلانشارد سنة 1991، بعنوان “الجيش والسّلطة في إندونيسيا “.

شاركت منظمات الإسلام السياسي والمليشيات التي أنشأها كبار ملاك الأرض في المذابح وعمليات القتل غير المحدودة بهدف القضاء النهائي على الشيوعيين في إندونيسيا، بدعم مادي وعقائدي وسياسي وعسكري أمريكي وبريطاني، وصرّح أحد زعماء “نهضة العلماء” ( إسلام سياسي) في جاوة خلال اجتماع علني ” يجب القضاء التّام على الشيوعيين بشكل منهجي، دون ترك أي فُرصة لهم للنجاة” وكتبت مجلة القوات المسلحة: “يجب الانتقام لمقتل كل جنرال بمقتل 100 ألف شيوعي” ( راجع روبرت كريب  – Robert Cribb – “المذابح الإندونيسية – قرن الإبادة الجماعية : روايات شهود العيان” – نيويورك 1987 ) ولنفس المؤلف كتاب آخر بشأن نفس الموضوع، نُشر سنة 2004.

مُقدّمات الإنقلاب

كانت إندونيسيا تعيش أزمة اقتصادية خلال صيف العام 1965، مما زعزع الإستقرار السياسي، بفعل ارتفاع نسبة التّضخّم (انعكاسًا لارتفاع الأسعار) بشكل غير مسبوق وصلت نسبة 134% بنهاية سنة 1964، وارتفع عجز الميزانية ( الإنفاق أعلى من الإيرادات)، وتعرضت التجارة لضربة شديدة بسبب الحظر المفروض على المرور عبر سنغافورة (ثم ماليزيا)، وراجت شائعات في بداية آب/أغسطس 1965 عن احتمال حدوث انقلاب عسكري وشيك، وكان من شأن هذه الشائعات أن تزيد من يقظة الحزب الشيوعي وحلفائه، لكن قيادة الحزب كانت مَزْهُوّةً بقوة الشيوعيين في آسيا (الصين وإندونيسيا وماليزيا والهند…) وبصلابة التحالف مع سوكارنو الذي كان يُدافع عن أداء الحزب الشيوعي في الحكومة والقطاع العام، وكان الحزب الشيوعي الإندونيسي يكتسب المزيد من القوة والشعبية في الدّاخل وفي الخارج، رغم العُنف الإستعماري في تايلند والفلبين وفي جنوب شرقي آسيا ( فيتنام ولاوس وكمبوديا…)، وكانت الولايات المتحدة تُهيِّئُ الظروف لإنجاح الإنقلاب بعد أن وثّقت صلاتها بمئات الضّبّاط الإندونيسيّين الذي درّبهم الجيش الأمريكي، وعمومًا ورغم انتصار الحزب الشيوعي الصيني منذ 1949، ظلت الولايات المتحدة هي القوة المهيمنة عسكريا على المنطقة، بقواعدها العسكرية الضّخمة في الفلبين وتايلاند وكوريا الجنوبية واليابان، فضلا عن تورّطها المتزايد في فيتنام، واعتبرت الولايات المتحدة آنذاك (وفق الوثائق التي كانت سرية قيل أن يتم الإفراج عنها) إندونيسيا موقعًا استراتيجيا للمواجهة بين “الشرق والغرب”، ضمن المُخطّطات الأمريكية خلال الحرب الباردة، لكن نظام إندونيسيا (تحالف القوميين والشيوعيين ) طلب الخفض التّدريجي لعدد العاملين في السفارة (بما في ذلك العائلات) من 400 شخص  إلى 35 في آب/أغسطس 1965. 

انتشرت شائعة استعدادات “مجلس الجنرالات” الرّجعي، المتحالف مع كبار مالكي الأرض ومع الإستخبارات الأمريكية، لتنفيذ انقلاب يوم الخامس من تشرين الأول/اكتوبر 1965، وقد يكون الجيش نفسه والإعلام المُوَجَّه أمريكيا مصدر الشائعة، واتفقت مختلف الرّوايات إن بعض الضباط التقدّميين استبقوا الحدث ونفذوا انقلابًا خلال الليلة الفاصلة بين 30 أيلول/سبتمبر والأول من تشرين الأول/اكتوبر 1965، بقيادة المُقدّم أونتونغ، الضابط بالحرس الرئاسي الذي اعتمد على عدد صغير من كبار الضباط، بما في ذلك المارشال داني، لسدّ الطّريق أمام “مجلس الجنرالات” الرّجعي، وأعلن الإنقلابيون تشكيل مجلس ثورة، لا يوجد به أعضاء أو مُقرّبون من الحزب الشيوعي، ومع ذلك تم اتهام الحزب الشيوعي بتدبير الإنقلاب الذي فشل بسرعة ونجح كبار الضّبّاط المُوالين للولايات المتحدة، بقيادة الجنرال مجمد سوهارتو، مساء الأول من تشرين الأول/اكتوبر 1965، في “القضاء على الإنقلابيين واستعادة القانون والنظام” وتم إعدام بعض الضباط بسرعة ومن بينهم رئيس الأركان “ياني”، وأصيبت حفيدة الجنرال ناسوتيون، التي هربت منهم، بجروح خطيرة، وفقد سوكارنو سلطته بفعل تحالف أثرياء وأعيان الريف ( الذين تضرروا من الإصلاح الزراعي) مع منظمات الإسلام السياسي ومليشياته، ومع الجيش ومساعدته في تنفيذ المجازر، وبداية من يوم الرّابع من تشرين الأول/اكتوبر 1965، أصبح سوهارتو (قائد الإنقلاب الرجعي) يتحدّى الرئيس سوكارنو علنًا فأعلن حالة الطّوارئ واتّهم الحزب الشيوعي بارتكاب محاولة الإنقلاب الفاشلة والمشبوهة، وتم إغلاق الصحف اليومية التي اعتبرت معادية للجيش (ولن تعود صحف اليسار إلى الصُّدُور مرة أخرى)، والسيطرة على كافة وسائل الإعلام، وتم اعتقال الشيوعيين وإصدار أمر بسحق الحزب الشيوعي الذي لم تكن له مخططات بديلة، وشاركت مليشيات “نهضة العُلَماء” (إسلام سياسي متطرف في رجْعيته) في مُظاهرات مناهضة للشيوعيين وللأقليات الإثنية والدّينية تحت شعار “القضاء النّهائي على الشيوعيين” وعَمّت المُداهمات والإعتقلات والإعدامات خارج إطار القضاء وعمليات تدمير المنازل والممتلكات والعديد من الإنتهاكات مُتباينة الخُطُورة…   

اليد الأمريكية غَيْر الخَفِيّة

اعتبرت مجلة تايم إن المذبحة “أفضل أخبار الغرب القادمة من آسيا منذ سنوات” ( تايم 16 تموز/يوليو 1966) وأعلن السفير الأمريكي في جاكرتا (أيار/مايو 1966) إرسال أجهزة الاتصال اللاسلكي والأدوية وبعض الأسلحة الخفيفة، فضلاً عن الدّعم السياسي الأمريكي والبريطاني المُباشر باسم “مكافحة الشيوعية”، وسرعان ما استفادت إندونيسيا – التي ألْغت قرارات التّأميم والإصلاح الزراعي – من القروض الهائلة والإستثمارات الصناعية…

لم يتم إجراء أي تحقيق جِدِّي بين سنتَيْ 1965 و 1999، إلى أن بادَرَ الكاتب التقدّمي “برامويديا أنانتا توير”، الذي كان من بين المساجين السياسيين، ضحايا انقلاب 1965 لفترة اثنتي عشر سنة، حتى سنة 1977، باقتراح إجراء تحقيق بشأن المجازر والمقابر الجماعية وجَمْع شهادات عائلات الضحايا ( المجلة الإقتصادية للشرق الأقصى – 06 أيار/مايو 1999) وحظي بدعم العديد من المثقفين في إندونيسيا وخارجها، لكنه أصبح هدفًا لهجمات وتشويهات منظمات الإسلام السياسي ومليشياتها التي تدعمها الإستخبارات الأمريكية والجيش بحكم مساهمتها في المجازر، بعد إشراف الجيش على تدريبها وتسليحها لمطاردة الشيوعيين (والإندونسيين من أصل صيني أيضًا)، والبحث في ظروف اعتقال وإعدام الأمين العام للحزب الشيوعي الإندونيسي ( عيديت ) الذي تم إلقاء القبض عليه وإعدامه من قِبَل المليشيات اليمينية المتطرفة بعد إجراءات موجزة، في منتصف تشرين الثاني/نوفمبر 1965، وقُدّر عدد القتلى بحوالي ثلث العدد الإجمالي للرجال البالغين في بعض المناطق التي كانت تُعْتَبَرُ معاقل الحزب الشيوعي، والتي صوت أهلها بكثافة لصالح المُرشّحين الشيوعيّين.

بَرّر قادة الجيش تسامحهم المُفْرِط مع مليشيات الأصولية الإسلامية ودعوات القَتْل المتكرّرة الصادرة عن قادتها المُتعصّبين، بأن الهدف كان يقتصر على اجتثاث الحزب الشيوعي والقضاء سياسيا على هذا العدوّ الرّئيسي، لكن بشكل نهائي هذه المرة (ليس كما حصل في مناسَبَتَيْن سابقَتَيْن) لكي لا يبقى مجال لعودة الشيوعيين إلى الحياة السياسية، كما حدث بعد الانتفاضة الفاشلة سنة 1926 ( تحت الإستعمار البريطاني والهولندي) أو انتفاضة ماديون سنة 1948 (سنة استقلال إندونيسيا)، وأظهرت الوثائق التي كشفت عنها فرنسواز كايراك- بلانشارد، إن وكالة الإستخبارات الأمريكية زوّدت الجيش والمليشيات اليمينية المتطرفة ( مليشيات الإسلام السياسي) بقوائم تظم أسماء الكوادر والمناضلين الشيوعيين وأماكن إقامتهم لتسهيل عملية الإبادة و”الإجتثاث”، وشجّعت الإمبريالية الأمريكية بوسائل خفية الطلاب البروتستانت والكاثوليك، والتيارات الدينية الهندوسية على النضال من أجل “استعادة النظام الإلهي والمجتمعي الذي أضر به الحزب الشيوعي الإندونيسي، من خلال القضاء الجسدي الكامل على المُلْحِدِين” خصوصًا في مناطق أتشيه وبالي حيث تم القضاء على قرى بأكملها، واستغلّت جمعية “نهضة العُلماء” (وهي حزب سياسي إسلامي) الوضع لتدمير المنافس السياسي الديني (المسلمين “الفاترين”) المُتمثل في الحزب الوطني التقدمي، وتم تدمير منازل أُسَر مسلمة ومسيحية وبوذية بدعم من الضبّاط الذي أشرفوا على أسوأ عمليات القتل، في جزيرة جاوة الغربية، على سبيل المثال، حيث ظل تأييد الحزب الشيوعي أَقلَّ أهمّيّةً من مناطق أُخْرى، وكانت الذّريعة “تصفية جميع الكُفّار”، وتمثّل دعم الجيش لمليشيات الإسلام السياسي وكبار المالكين العقاريين في تزويدها ( بفضل الهَدايا الأمريكية والبريطانية) بالأسلحة الخفيفة ووسائل الاتصال والتدريب المتسارع، فضلاً عن ضمان الإفلات من العقاب، وعلى سبيل المثال أدّت المجازر التي ارتكبتها المليشيات الإسلامية في “آتشيه” – بدون تدخّل الجيش بشكل مباشر – إلى القضاء على عائلات بأكملها، وأدّت المجازر إلى فقدان بعض المناطق نحو 20% من القوى العاملة بها، ما يُشير إلى تأثير الحزب الشيوعي الإندونيسي في أوساط الطبقة العاملة.

أعلنت لجنة رسمية شَكّلها الجيش الذي سيطر على السلطة، في وثيقة نشرتها كانون الأول/ ديسمبر 1965 (قبل نهاية المجازر بفترة طويلة)، عن 78500 قتيل وقَدَّر الدبلوماسيون الأمريكين عددهم بنحو ثلاثمائة ألف قتيل وقدّر بعض قادة الحركة الطّلاّبية العدد بنحو مليون خلال الفترة من بداية شهر تشرين الأول/اكتوبر 1965 إلى شباط/فبراير 1966 بما لا يقل عن مليون قتيل، وبعد عشر سنوات، ( سنة 1976) قدّر الأدميرال سودومو، رئيس خدمة مكافحة التجسس بالجيش، عدد قتلى انقلاب 1965 بما بين 450 ألفاً و500 ألف فيما كان الحزب الشيوعي يضم حوالي 3,5 ملايين عضو سنة 1965، وتدّعي وسائل الإعلام الأمريكية بأن نسبة الضحايا قليلة مقارنة بعدد السكان وترفض وصفها ب”الإبادة الجماعية” التي وجب إطلاقها بشكل حصري على قتل اليهود الأوروبيين في أوروبا، وقَدّرت مصادر حكومية عدد المُعتقَلين بنحو 1,5 مليون شخص بقي منهم أكثر من مائة ألف سجين سياسي في المُحتشدات سنة 1969، أما من نجا منهم من الموت والإعدام بعد محاكمات صورية امتدت لفترة فاقت عشرين سنة، فبقوا مواطنين من الدرجة الثانية مدى الحياة ومُنِعُوا من العمل في القطاع العام، ومن التسجيل في الجامعات، وامتدّ الحظْر إلى الأبناء والأَحْفاد، وفق المجلة الإقتصادية للشّرق الأقصى بتاريخ السادس من أيار/مايو 1999…  

 لم يتمكن الصحفيون من القيام بعملهم، لا أثناء المذابح (قام الجيش بتقييد حركتهم)، ولا بعدها، وكانت الإستخبارات الأمريكية والبريطانية قد صنعت سمعة طيبة للجنرال سوهارتو، أما الناجون من المذابح فكانوا خائفين وأخفوا خبر المجازر عن أبنائهم وأفراد عائلاتهم، حتى تاريخ إسقاط الإمبريالية لسوهارتو الذي انتهى دَوْرُهُ، سنة 1998، بذريعة إنه دكتاتوري وسارق وفاسد وارتكب مذابح في تيمور الشرقية، وتيمور هي جزيرة إندونيسية كان يحتلها البرتغال، ويشكل المسيحيون أغلبية السّكّان (تم تنصيرهم من قِبَل الإستعمار) وتم تقسيم الجزيرة إلى جزأَيْن…  

تتميز إندونيسيا ما بعد سوهارتو بالسعي إلى شكل من أشكال الاتحاد الوطني الذي يخفي تضارب المصالح أو “الضغائن القديمة”، ومحاولة مَحْو “أحداث عام 1965” من الذّاكرة، ولا تزال “شَيْطَنَةُ” الحزب الشيوعي قائمة، لإنكار شرعية بعض المطالب التي كان يُدْرِجُها الحزب الشيوعي في برنامجه، ومن بينها: الحقوق النقابية والسياسية وحقوق الفقراء والمساواة بين المواطنين والمواطناتراعي ومشاركة العُمال في تسيير المؤسسات الخ.

مثّلت  مجازر 1965 في إندونيسيا حملة القمع الذي شنتها ميليشيات الإسلام السياسي ( نهضة العلماء ) والقوميين الرجعيين (الحزب الوطني الإندونيسي) ضد الحزب الشيوعي الإندونيسي والمتعاطفين معه، تحت إشراف القوات المسلحة الإندونيسية، بدأت المجازر في تشرين الأول/اكتوبر 1965، ثم امتدت على مدار سنة 1966 بأكمله، حتى خريف سنة 1967، وتراوحت الحصيلة – بحسب المصادر – بين 500 ألف (الحد الأدنى للتقدير) وثلاثة ملايين حالة وفاة…

ساعدت الحكومة الأمريكية الجيش الإندونيسي والمليشيات اليمينية على قتل ما يقرب من مليون مدني بريء، خلال الأشهر الأربع الأخيرة من سنة 1965،،وتواصلت المجازر بعد ذلك ليُقدّر عدد القتلى، وفق بعض المصادر بنحو ثلاثة ملايين، ونحو 1500 مُعتقل،  وكانت هذه واحدة من أهم نقاط التحول في القرن العشرين، حيث تم القضاء على أكبر حزب شيوعي خارج الصين والاتحاد السوفيتي وكانت هذه المجازر بمثابة التّمرين الذي تُشرف علية وكالة الإستخبارات الأمريكية، لتطبيقه فيما بعد في بلدان أخرى ( أمريكا الجنوبية بشكل خاص) ونجحت وكالة الإستخبارات الأمريكية في التعتيم على هذه المجازر التي ظلت موضع تجاهل على نطاق واسع. 

ما هي طريقة جاكرتا؟ 

كانت إندونيسيا، سنة 1965، رابع أكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان، وموطن ثالث أكبر حزب شيوعي في العالم، والذي يدعمه الملايين من المُناضلين، وبعد عدة محاولات امبريالية فاشلة، نجحت إحداها وكانت الأكثر دموية من بين الخطط التي نفذتها الولايات المتحدة، باختلاق ذريعة غامضة لا تزال غير واضحة حتى اليوم، كانت مُنطلقًا لحملة واسعة النطاق من الإرهاب النفسي من خلال الصحافة والإذاعة والمسيرات، وتبيَّنَ سنة 1987، أن الرواية الرسمية كانت مزيفة، وكان الجنرال محمد سوهارتو، مدبر الانقلاب، في خدمة الإمبريالية الأمريكية التي أرادت الإطاحة بالرئيس أحمد سوكارنو، ولو كان ذلك مصحوبًا بقتل ما لا يقل عن مليسون شيوعي أو نصير أو صديق للحزب الشيوعي، وكان حوالي 15% من الأشخاص الذين تم أسرهم من النساء اللاتي تعرّضْنَ للعنف القاسي والجنساني… وأعلنت المحكمة الشعبية الدولية للعام 1965 التي انعقدت في لاهاي سنة 2014، أن الجيش الإندونيسي مذنب بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، وأثبتت أن المذبحة نُفذت بهدف تدمير الحزب الشيوعي ودعم نظام دكتاتوري عنيف، وتم تنفيذ الإنقلاب بدعم من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وأستراليا، ومنذ العام 1965، تم استخدام “طريقة جاكرتا” كبرنامج أو خطة لإرهاب القادة الشيوعيين والسياسيين القوميين الذين اقترحوا الإصلاحات والتأميم، وتم تهديدهم بنشر عبارة: “جاكرتا قادمة“.

اعتمد تحليل فنسنت بيفينز على التقارير والوثائق التي رفعت عنها السرية، وعلى البحث في الأرشيف وشهادات شهود العيان التي تم جمعها عبر اثنتي عشرة دولة للكشف عن إرث صادم يمتد عبر العالم، لعقود من الزمن، لترويج الإدّعاء بأن العديد من الدّول الفقيرة، حديثة الإستقلال، انتقلت بسلاسة إلى النظام الرأسمالي الذي تقوده الولايات المتحدة، لكن مجازر إندونيسيا (أسلوب أو طريقة جاكرتا وفق فنسنت بيفينز) توضح أن الإبادة الوحشية للنقابيين ومناضلي اليسار العُزّل كانت جزءاً أساسياً من انتصار واشنطن النهائي في الحرب الباردة، ووفّرت الإستخبارات الأمريكية الذريعة والشروط المادية للجيش للقضاء على فصيل سياسي قوي وشعبي يحظى بدعم جماهيري، وهو الحزب الشيوعي الإندونيسي، وفي غضون أشهر قليلة قُتل مئات الآلاف من أعضاء الحزب الشيوعي الإندونيسي والأشخاص العاديين وتم تدمير الحزب الشيوعي، وبرز سوهارتو كزعيم ساعدته الإمبريالية الأمريكية على تأسيس نظام قمعي استمر من 1965 إلى 1998.

تكشف الملفات الأميركية والبريطانية عن الدعم الكامل لهذه المجازر، وعن التشجيع المستمر للجيش على الاستمرار، وتكشف إحدى الوثائق رسالة من الولايات المتحدة بتاريخ 14 تشرين الأول/اكتوبر 1965، تنص على ما يلي: “أولاً، نود أن نؤكد لكم أنه ليس لدينا أي نية للتدخل في الشؤون الداخلية الإندونيسية بشكل مباشر أو غير مباشر. ثانياً، لدينا سبب وجيه للاعتقاد بأن أياً من حلفائنا لا ينوي البدء بأي عمل هجومي ضد إندونيسيا” واعتُبِرت الرسالة بمثابة ضمان عدم المُساءلة، وقدّمت الولايات المتحدة  “قائمة الأهداف” للجيش الإندونيسي، وتتضمن نحو خمسة آلاف إسم من مسؤولي الحزب الشيوعي الإندونيسي باللجان الإقليمية والمدنية واللجان المحلية وقادة المنظمات الجماهيرية، مثل اتحاد العمل الوطني والمجموعات النسائية والشبابية، وقال روبرت مارتنز، العضو السابق في السفارة الأمريكية: “لقد كانت بالفعل مساعدة كبيرة للجيش… ربما قتل الكثير من الناس، وربما كانت يديَّ ملطخة بالدماء، لكن هذا ليس سيئًا كله، هناك وقت يتعين عليك فيه الضرب بقوة في لحظة حاسمة…”

وكان توفير المعدات والأسلحة الخفيفة والذخيرة والدّعم الإعلامي جزءًا من الدّعم السِّرِّي الذي كانت المُراسلات تُسمِّيه “الأدْوِيَة”، “بتنسيق بين سفارَتَيْ الولايات المتحدة وبريطانيا في جاكرتا االّتَيْن حرصت حكوماتهما على تثبيت النّظام العسكري، لأنه أكثر مُلاءَمَةً للمصالح الإقتصادية والسياسية الغربية”، وفق مذكرة وكالة المخابرات المركزية بتاريخ 9 تشرين الثاني/نوفمبر 1965

تعد حملة إندونيسيا واحدة من أكثر الحملات دموية في تاريخ ما بعد الحرب العالمية الثانية حيث تعاونت الولايات المتحدة وبريطانيا وحلفاؤهما للهيمنة على إندونيسيا التي تُعتَبَرُ موقعًا رئيسيا للإتصالات الدّولية، ولتأمين التّزوّد ببعض السلع الأساسية والمواد الخام والمطاط وجوز الهند وخام الكْرُوم من آسيا، ولذلك تعاونت تلك الدّول للإطاحة بحكومة محمد مصدق في إيران سنة 1953 وبحكومة غواتيمالا سنة 1954، وترحيل سكان المُستعمَرة البريطانية جزيرة دييغو غارسيا لإفساح المجال للقاعدة العسكرية الأمريكية التي كانت منطلقًا للعديد من التدخلات العسكرية الأمريكية، فيما دعمت بريطانيا والدّول “الغربية” العدوان الأمريكي في فيتنام وأمريكا الوسطى وغرينادا وبنما وليبيا والعراق والعمليات السرية في كمبوديا وأفغانستان وغيرها، ووَرَدَ في إحدى المذكرات الأميركية أن “مائة مليون إنسان، والموارد المحتملة الهائلة، وسلسلة من الجزر ذات الأهمية الاستراتيجية في إندونيسيا، تُعَدُّ من الأولويات الأساسية للولايات المتحدة، ما يتطلّبُ مَنْعَ توطيد نظام قومي مستقل، يضم مكونات شيوعية ومتعاطفين، يهدد المصالح الاقتصادية والسياسية الغربية، ويمكن أن يكون بمثابة نموذج تنموي مُغاير لمصالحنا ( كالمطاط والنّفط)…” وفق برقية أرسلها سفير الولايات المتحدة في ماليزيا قبل عام من انقلاب تشرين الأول/أكتوبر 1965، فيما عبر مُحررو أحد التقارير الأمريكية عن تخوفاتهم كالتالي: “تحتل الحكومة (الإندونيسية) موقعاً مهيمناً في الصناعة الأساسية والمرافق العامة والنقل الداخلي والاتصالات (…) ومن المحتمل أن تختفي الملكية الخاصة وقد يخلفها شكل من أشكال ترتيبات عقود تقاسم الأرباح في الإنتاج والتي سيتم تطبيقها على جميع المستثمرين الأجانب (…) ويتمثل الهدف الإندونيسي المُعلن في تنمية الإقتصاد والتَّحَرُّر من النفوذ الأجنبي، ومن الضّروري عرقلة هذه الإستراتيجية وهزيمتها…” فالإمبريالية – بطبيعتها – مُعادية للمصالح الوطنية للدّوَل والشُّعُوب، وأدّى انقلاب 1965 إلى تعزيز التحالف بين الولايات المتحدة والنظام الحاكم في إندونيسيا وتوسيع المصالح الاقتصادية “الغربية” التي تمكّنت بفضل الإستثمارات من تحويل الاقتصاد الإندونيسي إلى اقتصاد يوفر فرصاً وأرباحاً كبيرة للمستثمرين الغربيين، بمساعدة الرئيس سوهارتو الذي دعمته الإمبريالية طيلة أكثر من ثلاثة عقود من حكم القمع والفساد. 

خصوصيات الوضع في إندونيسيا:

كان الحزب الشيوعي الإندونيسي أكبر حزب شيوعي غير حاكم في العالم، قاوم الإستعمار ( إلى جانب القوميين بزعامة أحمد سوكارنو) وبعد الإستقلال اعتمد طريق الديمقراطية البرلمانية غير المسلحة، وقوة الحُضُور والمُشاركة في النشاط النقابي والنسائي ونضالات المزارعين والطلاب والفنانين، وكان معروفًا بأنه الحزب الأقل فسادًا في البلاد ويحظى بالاحترام لدوره في مناهضة الإستعمار ومُقاومة الإستغلال والإضطهاد، كما كان الرئيس الأول لإندونيسيا، أحمد سوكارنو يتمتع بشعبية كبيرة، وأصبح هدفًا للغرب عندما تجذّرت مناهضته للإمبريالية.


كان حوالي ربع الإندونيسيين ينتمون بطريقة أو بأخرى إلى الحزب الشيوعي، ولذلك حقق نجاحًا انتخابيًا هائلاً، لكن لا يكفي العمل على أُسُسٍ ديمقراطية، لأن الإمبريالية والقوى الرجعية لا تحترمها عندما تتعرض مصالحها للتهديد، وخلال ستة أشهر امتدت من أواخر 1965 إلى منتصف 1966، في أعقاب الانقلاب الذي دعمته الولايات المتحدة، قُتل أو اختفى ما بين 500 ألف ومليون شيوعية وشيوعي مزعوم، وهي المرة الأولى في جنوب شرق آسيا التي يتم فيها استخدام الاختفاء كأداة للقمع وهو الأسلوب الإرهابي الذي طوّرتْهُ وكالة المخابرات المركزية، في أمريكا الوسطى والجنوبية لاحقًا…

أثْبَتَ فنسنت بيفينز في كتابه “طريقة – أو مَنْهَج – جاكرتا، حملة واشنطن الصليبية ضد الشيوعية وبرنامج القتل الجماعي الذي شكل عالمنا ” مساهمة الولايات المتحدة في القتل الجماعي لمئات الآلاف من الأشخاص في إندونيسيا، فضلاً عن المزيد من أعمال العنف بسبب الدعاية المناهضة للشيوعية في بلدان مثل البرازيل وتشيلي وغواتيمالا والعراق وباكستان، ويُذَكِّرُنا كتابه بكتاب آخر يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالموضوع، وهو “عملية كوندور” الذي كتبته الصحفية ستيلا كالوني، ويدين كتاب كالوني الدعم الأمريكي للمنظمات اليمينية الفاشية في أمريكا الجنوبية والتي تمتد علاقاتها ضمن شبكة تضم مجموعات الجريمة المُنظّمة وتُجار المخدّرات والجماعات اليمينية المتطرفة والإنقلابية، بإشراف وكالة الإستخبارات الأمريكية مثل عملية “غلاديو” و “بي 2 ” في إيطاليا و “ستاي بيهايند” على مستوى أوروبا، وأظْهر الكتاب كيفية استخدام “مناهضة الشيوعية” كستار من الدخان لإخفاء أهداف الإمبريالية الأمريكية وتواطؤ الولايات المتحدة بل إشرافها على أعمال العنف في جميع أنحاء العالم، وغالبًا ما يتم إخفاء العديد من الوقائع التاريخية عن مواطني الدّول الإمبريالية، وتُخفي شعارات “مُعاداة الشيوعية” الإرهاب الأمريكي للحفاظ على الهيمنة من خلال منع أي بديل سيادي أو إنهاء استعمار في بُلدان “الأطْراف”، ويُعَدُّ الإصلاح الزراعي خطوة هامة على طريق الإستقلال الإقتصادي وتحقيق السيادة الغذائية وإنهاء الاستعمار، ولذلك تُعادي القُوى الإمبريالية – وعلى رأسها الإمبريالية الأمريكية – الإصلاح الزراعي الذي تُقرّه الأنظمة الوطنية، وتدعمه عند إقراره من قِبَلِ الأنظمة العميلة في اليابان وكوريا الجنوبية وتايوان.

يلقي فنسنت بيفينز نظرة عامة على عمل المخابرات الأمريكية التي تطور مجموعة أدوات لتنفيذ الانقلابات والاغتيالات وممارسة الإرهاب وللقضاء على القوى اليسارية والوطنية، ولو كانت غير مُسلّحة، دفاعًا على مصالح الشركات الإحتكارية الأمريكية مثل شركات النفط في إيران 1953 والتّعدين في تشيلي 1973 أو شركة يونايتد فروت في غواتيمالا 1954 أو إندونيسيا 1965/1966 حيث جرّبت الإستخبارات الأمريكية الاختفاء الجماعي، وفقًا لجون روزا، مؤلف كتاب “التاريخ المدفون – المذابح المناهضة للشيوعية في إندونيسيا” وغريغ غراندين، مؤلف كتاب “المذبحة الاستعمارية الأخيرة: أمريكا اللاتينية في الحرب الباردة”.

لقد خَلّفَت “الحملة الصليبية” للحرب الباردة الأمريكية الكثير من الضحايا المدنيين، ويُحلل فنسنت بيفينز الكيفية التي دمرت بها الولايات المتحدة إندونيسيا وتشيلي ودول أخرى لعقود من الزمن من خلال الإطاحة بقادتها لأن “رائحتهم تشبه رائحة الاشتراكيين”، وما حصل في إندونيسيا ليس حدثًا فريدًا بل يُشبه أحداثًا مماثلة في العديد من الأماكن الأخرى: غواتيمالا والعراق وتشيلي والبرازيل وغيرها، ويكمن الإختلاف في الذّريعة وفي عدد القتلى والمعتقلين، وتجدر الإشارة إلى مخالفة وكالة الإستخبارات الأمريكية كافة القواعد الدّيمقراطية، وعلى سبيل المثال، أنفقت ” “مليون دولار” خلال سنة واحدة في أواخر الخمسينيات “للتأثير على الانتخابات البرلمانية في إندونيسيا” وفشلت في عرقلة برنامج الحزب الشيوعي الذي ركّزَ حملته الإنتخابية على الإصلاح الزّراعي ومجانية التعليم والرعاية الصّحّيّة، وحل مشكلة عدم المساواة، ورفع الحد الأدنى للأجور.

طرقية جاكرتا تعني حل المسألة باللجوء إلى عمليات القتل الجماعي وتلقّى مناضلو وقادة اليسار في تشيلي، طيلة الأشهُر السابقة لانقلاب 11 أيلول/سبتمبر 1973، بطاقات بريدية من حزب باتريا واي ليبرتاد اليميني مكتوب عليها “جاكرتا قادمة”، وبعبارة أخرى سوف نقتلكم جميعًا، كما حصل في إندونيسيا، وقُتل اليساريون في تشيلي لأنهم تجرأوا على المطالبة بحياة أفضل، واختفى أو قُتل عشرات الآلاف لتصبح موارد تشيلي مُستَغَلَّةً من قِبَل الشركات الأمريكية، ونُفِّذت “خطّة كوندور” عبر حملات إرهابية في جميع أنحاء القارة الأمريكية والعالم، سقطت تشيلي كما سقطت إندونيسيا إثر مذبحة المليون أو نحو ذلك من الإندونيسيين الذين قُتلوا، ولم تكن المجزرة حدثًا “عَرَضِيًّا” بل خطة مُدَبَّرَة مُسبقًا، وليست قضية مَحَلِّيّة، بل مجزرة مُدَبَّرة بتشجيع وتخطيط ودعم منن حكومات الدّول الإمبريالية ودفع الحزب الشيوعي الإندونيسي ثمناً باهظاً لهذا المستوى من الثقة في الدّيمقراطية البرلمانية، وكانت “طريقة جاكرتا” فاتحة مجموعة انقلابات نظمتها الولايات المتحدة والقوى الإمبريالية، بهدف سَحْقِ الحكومات الديمقراطية في الدول التي تسعى إلى الاستقلال الاقتصادي والوطني، وتم استبدال هذه الأنظمة أو الحكومات بأنظمة قمعية أثبتت خضوعها لمطالب الشركات متعددة الجنسيات.

اعتمد فنسنت بيفينز في كتابه: طريقة جاكرتا، حملة واشنطن الصليبية ضد الشيوعية وبرنامج القتل الجماعي الذي شكل عالمنا (إينودي، 2021)  على منهج علمي لفحص المصادر والوثائقية التي رُفِعَتْ عنها السرية من الأرشيف الأمريكي ومن مختلف البلدان حول العالم، وعلى منشورات لباحثين آخرين، وتسجيلات مباشرة لوثائق سرية، ولقاءات وبرقيات وشهادات قدمها الناجون من المجازر وقُدماء المساجين السياسيين في إندونيسيا، ليخلص المؤلف إلى أساليب الولايات المتحدة  خلال فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية (فترة الحرب الباردة)، حيث نفذت الولايات المتحدة استراتيجية السيطرة والهيمنة الإقتصادية والعسكرية على أكبر عدد ممكن من البلدان التي كانت سُكّانها يعتقدون إنهم تحرروا من استعمار بريطانيا وفرنسا وهولندا، لاستعادة موارد البلاد وإدارتها، من خلال عمليات تأميم النفط (كما فعل الرئيس سوكارنو في إندونيسيا)، والمناجم والمزارع وإقرار برامج يتضمن التعليم والرعاية الصحية والإصلاح الزراعي بهدف تحقيق التنمية الاقتصادية، وتعتبر الإمبريالية مثل هذه البرامج مُناقضة لمصالحها، ولذلك تُعدّ مشاريع الانقلابات، ومن العسير إحصاء عدد الإنقلابات والمُؤامرات التي نفذتها أمريكا خلال العُقُود الماضية للسيطرة على البلدان التي خرجت من الاستعمار الأوروبي القديم، وغالبًا ما كان ذلك بمساعدة بريطانيا: في إيران (1953) وغواتيمالا (1954)، وإندونيسيا (1958 و1965) وكوبا (1961) وجنوب فيتنام (1961و 1963) والبرازيل (1964) وغانا (1966) وتشيلي (1973) وعدد لا يحصى من أعمال التخريب والقتل وتكييف سياسات الحكومات المختلفة، واختلاق الذّرائع المختلفة لتنفيذ “العُقُوبات” والحَظْر والحِصار، والتخريب التجاري والمالي، والتمويل السري المنهجي المقدم للجيوش ومجموعات المُعارضة المُوالية للإمبريالية 

خاتمة

ادّعت الولايات المتحدة تحرير الشعوب لكن سياستها الخارجية ارتكزت في جميع أنحاء العالم، خصوصًا بنهاية الحرب العالمية الثانية، على الهيمنة العسكرية والإيديولوجية والمالية فأصبحت أوروبا – وخصوصًا ألمانيا وإيطاليا – منطقة نفوذ أمريكية، بفعل القواعد العسكرية وكذلك بفعل مشروع مارشال الإقتصادي، وأسفرت المخططات والبرامج الأمريكية عن انتهاكات صارخة لما سُمِّي “القانون الدّولي” ولحقوق الإنسان وعن ملايين القتلى، فضلا عن تشويه أي سُلطة أو أي نظام حُكْم يحاول الخروج عن “طاعة أمريكا” بإطلاق نَعْت “الدّول المارقة” وفي الواقع فإن هذا الوَصْف ينطبق على الولايات المتحدة والكيان الصهيوني.

لقد فازت الولايات المتحدة بالحرب الباردة، ويعود ذلك – جزئيا – إلى عدم تردّد الإمبريالية الأمريكية في تنفيذ برامج الإبادة في الأرجنتين وبوليفيا والبرازيل وتشيلي وكولومبيا وتيمور الشرقية والسلفادور وغواتيمالا وهندوراس وإندونيسيا والعراق والمكسيك ونيكاراغوا وباراغواي والفلبين وكوريا والسودان وتايوان وتايلاند وأوروغواي وفنزويلا وفيتنام ووجب النظر إلى ما حدث من حروب وانقلابات على أنها أحداث مترابطة وليست منفصلة أو منعزلة عن بعضها، وهي جزء حاسم من انتصار الولايات المتحدة في الحرب الباردة.

إن الإمبريالية الأمريكية ( وحلف شمال الأطلسي) مسؤولة عن العنف الذي دمر العديد من البلدان والشُّعُوب، لأن الولايات المتحدة تعتبر وجود نموذج منافس خارج النظام العالمي الذي تقوده، تهديدًا وجوديا لها، وكانت الدّعاية الأمريكية تدّعي – بعد الحرب العالمية الثانية – إنه مع زوال الإتحاد السوفييتي، سوف ينخفض الإنفاق العسكري العالمي والأمريكي، وتنخفض حدّة التّوتّر والنزاعات المُسلّحة، وقد حدث انخفاض طفيف في الإنفاق العسكري خلال العقد الأخير من القرن العشرين، ثم انفجرت ميزانية وزارة الحرب الأمريكية (البنتاغون ) منذ مطلع القرن الواحد والعشرين، حيث ترشح باراك أوباما كمرشح مناهض للحرب، ولمّا انتهت فترة ولايته الثانية سنة 2016، كانت الولايات المتحدة تقصف سبع دول على الأقل، ما يُؤَكّد الطبيعة العدوانية للإمبريالية، فقد اتّسم سلوك الولايات المتحدة بالعدوانية وبالرغبة في التّوسّع غير المحدود وكانت الحرب الباردة بمثابة استمرار للاستعمار من خلال وسائل مختلفة قليلاً، ولم يُشكل السلوك العدواني بعد الحادي عشر من أيلول/سبتمبر 2001، انحرافاً، بل كان استمرارًا للسياسة الأمريكية خلال الحرب الباردة وبعدها، واتسمت هذه السياسة بخداع ومغالطة من آمنوا بوجود نظام دولي ليبرالي، ومن وثقوا في الديمقراطية…  

تتوفر بعض الوثائق والكتب والأشرطة الوثائقية عن مجازر 1965، من بينها :

شهادة الكاتب والسجين السياسي السابق “مارتن أليدا” وشهادة الصحفية والسجينة السياسية السابقة “سيري لستيافالتي” ل”المحكمة الشعبية الدّولية 1965″ – لاهاي (هولندا) تشرين الثاني/نوفمبر 2015

مارك كيرتس “شبكة الخداع: الدور الحقيقي لبريطانيا في العالم” فينتاغ 2003.

الخداع العظيم: القوة الأنغلو أمريكية والنظام العالمي”، بلوتو- لندن

تم نشر الملفات الأمريكية المشار إليها سنة 2001 في سلسلة العلاقات الخارجية للولايات المتحدة من قبل مكتب الطباعة الحكومي الأمريكي. الملفات البريطانية موجودة في مكتب السجلات العامة في لندن.

كتاب “موسم القَتْل: تاريخ المذابح الإندونيسية 1965 – 1966” – تأليف جيفري بي روبنسون  

Killing season : A history of Indonesian massacres 1965 – 1966  Geoffrey B. Robinson 

كتاب غاريث إيفانس، وزير خارجية أستراليا من 1988 إلى 1996 – رئيس مجموعة “الأزمات الدّولية” ( تمويل أمريكي) من 2000 إلى 2009  ومؤلف كتاب ” مسؤولية الحماية: إنهاء الجرائم الفظيعة الجماعية مرة واحدة وإلى الأبد” (مطبعة معهد بروكينغز، 2009).

Gareth Evans – The Responsibility to Protect: Ending Mass Atrocity Crimes Once and For All (Brookings Institution Press, 2009).

 دراسة بعنوان: “الإبادة الجماعية الإندونيسية في 1965-1966” – روبرت كريب (2004).

The Indonesian Genocide of 1965–1966   Robert Cribb (2004)

“آليات القتل الجماعي: قضية لفهم عمليات القتل الإندونيسية باعتبارها إبادة جماعية”  ملفين جيس (2017).

“Mechanics of Mass Murder: A Case for Understanding the Indonesian Killings as Genocide”  Melvin، Jess (2017).

ويليام بلوم الكتاب الأسود للولايات المتحدة  – فازي، 2003 أو “ قتل الأمل – التدخلات العسكرية الأمريكية ووكالة المخابرات المركزية منذ الحرب العالمية الثانية ” – 2003

الأشرطة الوثائقية “فعل القتل  – The Act of Killing – و “النظرة الصامتة (The Look of Silence ) من إخراج جوشوا أوبنهايمر ( 2012) الذي قام بتحقيق دقيق مع الناجين ومع أُسَر الشهداء، من 2003 إلى 2012 وتم تهديده ومنعه من دخول إندونيسيا

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.