سببه العادات والتقاليد.. زواج القاصرات خارج إطار المحكمة الشرعية ضياع حقيقي لحقوقهن

 

الجمعة 16/12/2016 م …

الأردن العربي – عبدالله ابو حشيش

تلجأ بعض العائلات في غزة إلى تزويج بناتهم القاصرات بدون التوجه للمحاكم الشرعية لتسجيل هذا الزواج، فيحددون مصيرهم بأيديهم، فهذه المجموعة تسوق الأسباب التي تدفع بعضها من أصحاب التفكير الرجعي لزواج بناتهم القاصرات من شبان أيضاً أقل من سنهم المسموح به في القانون بشيء بسيط.

ولعل من الأسباب التي يسوقونها عدم الاستغناء عن العرف والعادة التي تربوا عليها، والتربية الثقافية والدينية الخاصة بتلك الأسرة، بالإضافة إلى التفكير السلبي والخوف من العار وشرف العائلة، والظروف الاقتصادية والمعيشية الصعبة للأسرة.

فالعامل الذي يحول حياة الفتاة من حياة بسيطة لكن خالية من المشاكل إلى حياة يائسة من خلال تحملها مسؤولية كبيرة تفوق قدرتها، الأمر الذي يسبب حالات طلاق كثيرة وما لها من تبعيات لعدم تسجيل هذا الزواج في المحاكم الشرعية.

(منى) فتاة صغيرة تحولت بوجهها صاحب المعالم الطفولية إلى سيدة متزوجة، وظهرت التجاعيد على وجهها، لربما التي رسمت معاناة تجرعتها منذ أن قرر والدها تزويجها من ابن عمها، تلبيةً لرغبة جدتها التي طلبت أن “تفرح” بزواج حفيدتها البكر على ابن عمها الأكبر، بعدما تكفلت “الجدة” بجميع مصاريف الزواج، بل أهدت الوالدين بعض المصاغ للموافقة على هذا الزواج، ولم تكن “العروس منى” قد وصلت بعد لسن الزواج ضمن القانون الفلسطيني، فهي مازالت صغيرة لم يمض من سنوات عُمرها سوى 14 عاماً، حتى إن هيئة جسدها لا تسمح لها بالزواج، أو حتى موافقة القاضي على عقد قرانهما، كما أن “العريس” لم يكمل السن القانوني.

وتزوجت منى من إبن عمها على ورقة بشهود في أحد مكاتب المحامين، حيث كتب على ترويسة الورقة “عقد زواج ” فقط”، ليُعلن الفرح وتستمر ليالي السمر سبعة أيام، ولكن سرعان ما انتهي هذا الزواج بعد عدة أسابيع فقط, حيث كثرت المشاكل بين الطفلين ليقرر الأخوان أن الانفصال بينهما أفضل من أن “يخسر الأخ أخاه”.

تساؤلات!؟

وحينما تسأل الإخوة عن كيفية الطلاق؟ وهل يكفي أن يرمي الزوج على (منى) يمين الطلاق، أم سيتم تثبيته عند نفس المحامي؟! وفي حاله تقدم عريس في المستقبل لـ (المطلقة).. كيف سيتم إخباره بأنها ليست بكر، وهم لا يملكون عقد طلاق رسمي؟، وهل سيكون لديهم القدرة على الوقوف في المحكمة الشرعية وإخبارهم أن منى ليست بكرًا وأنها مطلقة والأهم أنهم لا يملكون وثائق رسمية بهذا الحديث! تركت كل هذه الأسئلة لعل الزمن يحل ما أوقعوا به منى.

الطفلة منى كانت أوفر حظاً من الطفلة رغد، والتي وإن كانت المسافات بينهما ليس كبيرة لكنهما اشتركتا (بعقد القران) عند المحامي وليس في محكمة شرعية، ولم يكلف المحامي نفسه طباعة عقد زواج رغد بل كتبه بيديه، فمنى تسكن مدينة خانيونس جنوب القطاع و(رغد) شماله في مدينة بيت حانون.

(رغد) جعلت عائلتهما تقف حائرة بعد أن أبلغتهم الطبيبة بأنها حامل، لتدخل العائلة في حيرة كيف يمكن تسجيل هذا الطفل، وخاصةً أنه بعد مولده لن يكون قد أتم عقد الزواج بشكل رسمي في المحكمة، كون رغد تزوجت بعمر 13 عاماً وأربع شهور فقط، وما عاشوه من حيرة خلال شهور أزيل بعد أن فقدت رغد جنينها، لتكمل حديثها: “منذ عامين بعد زواجي بشهر حدث الحمل، ولكن بعد شهر أجهضته وأخبرتني الطبيبة أن الرحم كان صغيرًا, وأنا حتى اليوم لم يحدث لي حمل فقد تضرر الرحم لدي، رغم أنه قبل شهور قليلة تم تسجيل عقد زواجي بشكل رسمي في المحكمة”.

“العريس لقطة” مصطلحات ترعرعت بفعل العرف والعادة

والد رغد دمعت عيناه أكثر من مرة خلال حديثه مع “الغيداء”، فهو يجد أن ما أقدم عليه تجاه أبنته كان خطأ جسيماً ليضيف :” تقدم لخطبة ابنتي قريب لنا وكان شاباً يحمل الكثير من الصفات الجيدة فهو مؤدب وحامل الشهادة الجامعية ولديه شقة ويعمل ولدينا علم مسبق بأخلاقه لأجده العريس “اللقطة” لأبنتي”.

ويقر أن العريس لم يكن يعاني من أي مشكلة إلا أنه أختار عروسة صغيرة لا تناسبه ولا تفهم شيء في أمور الحياه الزوجية، رغم أن من يرى أبنته يعتقد أنها كبيرة فقط بالجسم وليس بالعقل، منوهاً إلى أن عائلته عاشت خلال العامين الماضيين الكثير من المعاناة بسبب مشاكل ما بين ابنته وزوجها، وقد فكر مرارًا بتطليقها منه.

واستدرك الوالد آسفاً: “لكن عدم وجود عقد زواج مثبت في المحكمة جعلنا نتراجع كثيرًا عن هذا القرار، خاصةً بعد أن أخبرنا المحامي أنه إذا علمت المحكمة الشرعية بهذا الزواج سوف ترفع قضية للنيابة العامة كون أن هذا الزواج لم يكن بشكلٍ رسمي، كما أنها في حالة الطلاق لن تحصل على أيِ من حقوقها الشرعية، كون العقد غير شرعي بنظر المحكمة الشرعية”.

هذا الأمر جعل والد رغد يجلس مع ابنته بمشاركة والدتها لتعريفها بحقيقة الزواج، وكيف عليها أن تطيع زوجها وحقوقه عليها، وجلسا كثيرًا أيضًا مع زوجها لحثه على الصبر كون رغد مازالت صغيرة، وأن الحياة أمامهما، وفي بداية أي زواج تكون الحياة صعبة, لتستمر مشكلة علاج الرحم لديها بعد حالة الإجهاض التي تعرضت له.

بينما فداء عمر الأخصائية الاجتماعية، تجد أن نسبة الزواج المبكر في فلسطين مرتفعة مقارنة بدول الجوار، مرجعة هذا الأمر لأسباب سياسية واجتماعية واقتصادية، وذلك على الرغم من أن قانون الأحوال الشخصية في قطاع غزة حدد سن الزواج للفتاة 17 عاماً والشاب 18 عاماً.

وبينت، أن الزواج قديماً ينعقد دون توقف على تسجيله أو توثيقه في ورقة أو وثيقة، ما دام قد استكمل أركانه و شروطه المعتبرة شرعاً، وظل الأمر كذلك بين المسلمين من مبدأ التشريع إلى أن رأى أولياء الأمر أن ميزان الإيمان في كثير من قلوب الناس قد خف، و أن الضمير الإيماني في بعض الناس قد ذبل، فَوُجِد من يدعي الزوجية زوراً، ويعتمد في إثباتها على شهادة شهود هم من جنس المدعي، لا يتقون الله ولا يرعون الحق.

وأضافت: “فما تشعر المرأة إلا وهي زوجة لمزور أراد إلباسها قهراً ثوب الزوجية، وإخراجها من خدرها إلى بيته تحقيقاً لشهوته، أو كيداً لها ولأسرتها، كما وجد من أنكره تخلصاً من حقوق الزوجية، أو التماساً للحرية في التزوج بمن يشاء، ويعجز الطرف الآخر عن إثباته أمام القضاء، و بذلك لا تصل الزوجة إلى حقها في النفقة، ولا يصل الزوج إلى حقه في الطاعة، وقد يضيع نسب الأولاد، و يلتصق بهم و بأمهم العار الأبدي فوق حرمانهم حقوقهم فيما تركه الوالدان”.

وتؤكد عمر أن المشرع الوضعي اضْطُر إلى التدخل التشريعي لمواجهة هذه الآثار الوخيمة حفاظاً على الأسرة و كيانها، وفصلاً للحياة الزوجية والأعراض من هذا التلاعب، وذلك عن طريق وضع قيود وشروط قانونية، وقد قصد المشرع من وضع هذه القيود القانونية أن يحقق بعض الأغراض ذات الأثر الكبير في الحياة الاجتماعية للدولة والمجتمع.

وتذكرت منها حفظ حقوق الزوجين، وحماية مصالحهما الناشئة عن الزواج، بصيانة عقد الزواج الذي هو أساس رابطة الأسرة عن العبث والضياع بالجحود والإنكار، إذا ما عقد اثنان زواجهما بدون وثيقة رسمية ثم أنكرها أحدهما وعجز الآخر عن الإثبات، فلو كان عقد زواجهما بوثيقة رسمية لم يكن هناك مجال لإنكاره.

وتابعت حديثها :” منع ذوي الأغراض السيئة أن يرفعوا دعاوى الزوجية أمام القضاء زوراً وبهتاناً، فقد أثبتت الحوادث الكثيرة السابقة على وضع هذه الشروط و القيود القانونية أن بعض ممن لا أخلاق لهم كانوا يرفعون قضايا زوجية أمام المحاكم لا أساس لها من الصحة ، للنكاية و الكيد للمدعى عليه، أو للتشهير به أو لغير ذلك من الأغراض السيئة، اعتماداً على سهولة إثبات الزوجية بشهادة الشهود”.

وذكرت عمر، أن 6.4 %من عدد السكان يمثلون الفئة العمرية 15-17 سنة، و12.8% يمثلون الفئة العمرية 10-14 ، تلك الفئات التي تتعرض عاجلاً أو آجلاً لضغط الزواج المبكر, فما بالك إذا كان هذا الزواج أيضا بلا عقود رسمية .

وقد سجّلت المحاكم الشرعية في قطاع غزة خلال عام 2014 (17) ألف حالة زواج مبكر لفتيات قاصرات، في قطاع غزة، وكان 35% من الحالات تقل أعمارهن عن الـ 17 عاماً.

لكن الخبيرة النفسية سمية خليل كرسوع قالت: إن سن 18 يعد طفل والمفروض أن يكون غير قانوني، فلا يمكن الزواج في هذه الأعمار لأن الجهاز الفسيولوجي لا يكون مكتمل كما العقل والوعي والنضج.

وأضافت :” هذا الزواج يؤدي إلى الإضرار بنفسية الفتاة، وقد يسبب لها البكاء والقلق والاكتئاب والتوتر والصدمة لأنها تكون قد انتقلت من مرحلة الطفولة إلى الزواج وقد يؤدي أيضاً إلى حصول اضطراب في مشاعرها، حيث أن لديها مسؤولية أكبر من طاقتها الصحية فقد يسبب إجهاض مبكر وفقر دم عند الفتاة، كما أن هناك حالات كثيرة تعرضت للطلاق من وراء الزواج المبكر، فكيف إذا كان بلا ورق مثبت ضاعت حقوقها وقتها مما زاد وضع نفسيتها سوء”.

وحول الأسباب التي تجعل الأهالي يزوجون بناتهم في سن مبكر، فعزت لك للخوف الشديد من أن يفوت قطار الزواج بناتهم, كما أن هناك بعض الأهالي وضعهم المادي صعب يجعلهم يلجئون لزواجهن في الصغر، وهناك أهالي يزوجونها من أجل حرمانها الميراث .

أما الشاب فقد يكون وضعه الاقتصادي مناسب مما يجعله يتزوج بسن مبكراً، أو يكون الولد الأول لدى أهله فتكون حجتهم الفرحة به قبل هرمهم ورؤية أحفادهم .

وأشارت إلى أن ذلك ممكن أن يتسبب بالوصول للأسرة إلى مرحلة التفكك الأسري ، وهذا نتيجة الزواج المبكر الذي قد ينتج عنه حالات الطلاق وضياع الأسر والأطفال, فما بالكم عندما لا يكون موثق بشل رسمي.

وقد وصفت حالات قد تم علاجها بجلسات نفسيه نتيجة عدم قدرتها على الإنجاب، بسبب صغر سنها وعدم وعيها، مما أدى إلى مشاكل بينها وبين عائلة زوجها.

وتنصح كرسوع بعدم الزواج المبكر قائلةً: “يقودنا هذا في بعض الأحيان إلى العديد من المشاكل وقد نخسر أنفسنا من خلالها, وعلينا التأني والسلامة لأن في العجلة الندامة والاهم تثبيت جميع العقود في المحاكم حفاظا على حقوق السيدات, فلا علينا أن نرتكب جرمين مرة واحدة بان تكون العروس طفلة ولا يوجد ما يثبت هذا الزواج كذلك وبذلك تفقد جميع حقوقها .

من جهته، كشف الشيخ عمر نوفل رئيس محكمة الاستئناف الشرعي أن هناك عدة حالات في قطاع غزة يتم عقد قرانهم بدون التوجه للمحكمة، ولكن هذه الحالات تمتلك توجهات فكرية معينه حيث تجد أن التسجيل في المحكمة مخالف للشريعة, ويوجد حالات تزوجت عرفي خارج القطاع وجلبت زوجاتهم معهم ولم يتم تسجيل عقودهم في المحاكم والفئة الأخيرة هي من لا تنطبق عليهم سن الزواج فيتهربون من ذلك عن طريق تكب العقود عند محاميين .

ولفت قائلاً :”ما يتم بالمحكمة الشرعية هو تطبيق للقانون, فالقانون نظم مسألة الزواج وتسجيل عقود الزواج خارج أطار المحكمة يعتبر غير شرعي”.

وذكر، أن القانون الفلسطيني يعاقب على الزواج أو الطلاق خارج إطار المحاكم, وإن كان هذا العقاب حتى اليوم لا يصل للعقاب الرادع حيث يتم معاقبة كل من الزوجين وأولياء الأمور والشهود وكل من شهد على هذا الزواج ولم يبلغ عنه.

وبين أن العقاب يتراوح ما بين السجن عدة شهور ودفع غرامة مالية حيث يتم فرض الغرامة على السيدات خوفاً من تعرضهم للأذى في حالة تحويلهم للسجن لقضاء المحكومية، داعياً إلى تشديد العقاب بشكل أكبر, لأن ما يترتب على هذا الزواج من ضياع الحقوق لا يمكن وصفه أو تعديدها مقارنه بسهوله تخطي المحاكم.

وعن القانون الفلسطيني وتحديده لسن الزواج قال :” حدد سن الزواج الخاطب والمخطوبة حيث بين أن سن المخطوبة يحب أن لا يتعدى 15 سنة هجري أي 14 سنة و7 شهور سنة قمرية والخاطب أي الشاب 16 سنة هجري أي 15 وستة شهور ميلادي, ولا يسمح لمن هو أقل من هذا العمر بإجراء عقد الزواج حتي يبلغ السن القانوني، وإذا خرج خارج إطار المحاكم يعتبر الزواج غير شرعي, وعلى من علم بذلك الزواج أن يتقدم بدعوى طلب بفسخ العقد الذي تم خارج أطار المحكمة وأن يقدم الأطراف لجهات المختصة لمعاقبتهم “.

ويعتبر نوفل أن مثل هذا العقد هو عقد عرفي غير صحيح “فاسد “ويترتب عليه أثار سلبية من حيث ضياع حقوق الأطفال في الصحة والتعليم والحياة الزوجية كما يضيع حق الزوجين في الميراث والمعاملات المالية وكل ما يترتب على عقد الزواج.

وبلغ إجمالي عدد عقود الزواج للعام 2015 في قطاع غزة 20778 عقداً وهو الأكبر في أعداد الزواج منذ نشأة المحاكم الشرعية.

أما عدد حالات الطلاق للعام 2015 فبلغ (3.281) حالة بنسبة 15.8%، وهي نسبة أقل من العام 2014، حيث بلغت نسبة الطلاق في العام 2014 (17.9%(, واعتبر نوفل أن الزواج المبكر هو مسبب رئيس في حالات الطلاق لما يترتب عليه من جهل نسبي للطرفين في الحياة الزوجية ومتطلباتها.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.