انجلز: رجل في ظل ماركس(2) / جورج حدادين

 

جورج حدادين ( الأردن ) الثلاثاء 20/12/2016 م …

هل كان محتماً أن ينتهي إنجلز إلى ما انتهى إليه، من تبني مطلق لمصالح الطبقة العاملة التي لا ينتمي لها؟ وقبل لقائه بماركس.

هل كان تطور فكر إنجلز إلى ما وصل إليه بفعل الصراع في الواقع المعاش، أم بسبب رغبة ذاتية كامنة؟

كيف أثر فكر إنجلز في خيارات ماركس؟

انتقل إنجلز من وصف الواقع، الظواهر، إلى تحليل الواقع، معرفة علة وسبب الظواهر، وصولاً إلى هدف تغيير هذا الواقع البائس، عبر استنباط آليات التغيير.

حصل اللقاء بين الرجلين، ماركس وإنجلز ، بعد أن تشكلا فكريا بطريقين مستقلين ومنفصلتين عن بعضهما، فكان لقاء التكامل.

بدأ إنجلز اهتمامه بحالة الطبقة العاملة من خلال جمع ملاحظات عن حالة البؤس التي تعيشها – الطبقة العاملة – وضمنها مقالات “رسائل من فوبرتال” تم نشرها في التلغراف، وكانت تصف مشاهد البؤس والاستغلال للعمال وعائلاتهم، كما رآها في بلدته ، وعلى مدار سنوات، ١٨٣٩ – ١٨٤٢ . ثبَتَ إنجلز نفسه ناقدًا سياسيٍّا وأدبيٍّا من خلال نشر ما يقارب خمسين مقالة وكُتَيِّبًا، ومن بين تلك الأعمال عملٌ يصف المكانَ الذي يسافِر فيه الفقراءُ على متن سفينة متَّجِهة إلى أمريكا، والذي وصفه بأنه عبارة عن صفٍّ من المضاجع … يتكدَّس فيه الرجال والنساء والأطفال جنبًا إلى جنب مثل » أحجار الرصف في الشارع وإنهم كانوا يجسِّدون مشهدًا حزينًا. وقال عن الأشخاص المسافرين في هذا المكان إنهم أناس لا يعيرهم أحدٌ اهتمامًا أو احترامًا مطلقًا، كان المشهد أشبه بما يكون عليه الحال عندما »تُلقِي عاصفةٌ هائلة كلَّ شيء في دوامة »

تطور وعي إنجلز وانطلق من الوصف إلى البحث في علة هذه الظواهر- بؤس حالة الطبقة العاملة- حيث استنتج: أن تشخيص البنية الاقتصادية للمجتمع تشكل دوماً الأساس الحقيقي الذي عن طريقه يفسر البناء الفوقي الكامل للمؤسسات القانونية والسياسية وللمفاهيم الدينية والفلسفية وغيرها. أي إن التشكيلة الاقتصادية الاجتماعية وتناقضاتها الداخلية هي التي تحدد مسار تطور الأحداث وبالتالي التغيير.

بتصرف عن ” إنجلز : تأليف كارفر تيريل ترجمة صفية مختار

أثناء تواجد إنجلز في مانشستر، عام ١٨٤٣ كتب مقالة حملت عنوان “إسهام في نقد الاقتصاد السياسي” ونُشِرت عام ١٨٤٤ في صحيفة يرأس تحريرَها كلٌّ من ماركس وروجه، ودوَّنَ ماركس ملاحظاتٍ عن تلك المقالة” مخطط ممتاز لنقد الفئات الاقتصادية”، فلا بد أنَّ تناوُلَ إنجلز النقديَّ للاقتصاد السياسي ، النظرية الاقتصادية في عصره قد حاز إعجاب ماركس، الذي كان `في ذلك الوقت يبحث في “الآثار العملية لنظام الملكية الخاصة الذي تقره مملكة بروسيا وتدافع عنه” وكانت هذه المقالة مفخرة بالنسبة لماركس كلما تحدَّثَ عن علاقته بإنجلز.

كان تطرُّقُ إنجلز للاقتصاد السياسي نابعًا من اهتمامه بالتاريخ الاجتماعي لإنجلترا،لا سيما الثورة الصناعية التي حدثت في القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر،وقد كان آدم سميث، وديفيد ريكاردو، وجيمس ميل، هم أصحاب النظريات التقليدية التي تحدَّثَتْ عن مزايا الملكية الخاصة والمنافسة . ونظرًا لكون إنجلز قد أصبح شيوعيٍّا – بعد لقائه بهس وقبل لقائه بماركس – فقد اقترَحَ إلغاءَ كلٍّ من الملكية الخاصة والمنافسة، ولم يكن اعتراض ماركس على الشيوعية الممثَّلة في مجموعة برلين وغيره، بسبب استنتاجاتها في حد ذاتها، بل بسبب عدم وجود بحث حقيقي وحُجَّة مقنعة لدعم تلك الاستنتاجات، وأخيرًا، كانت مقالة إنجلز عملاً شيوعيٍّا: مادياً اقتصادياً اجتماعياً، نال إعجاب ماركس وتأثر به.

انجلز هو الذي اقترح عنوان البيان الشيوعي، وهو الذي وضع مخططه التمهيدي ومادة الموضوع الذي يحتوي هذا الهيكل، وكانا – المخطط والموضوع – عاملين مهمين في صياغة البيان.

كان انجلز يتفوق على ماركس في عرضه للأمور، آخذ نجلز في شرح وتوضيح نقطة البحث في البيان، مقدماً العناصر الأساسية في قالب مفهوم بالنسبة لمن لم يستطع فهم كتاب رأسالمال وكتابات ماركس الأخرى.

أصبح يطلق على نفسه “شيوعي” كل من اصبح مقتنعاً بعدم جدوى الثورات السياسية وحدها ونادى بضرورة تغير اجتماعي جذري.

انتقل انجلز إلى دراسة اجتماعية عن “حالة الطبقة العاملة في إنجلترا” رائعة إنجلز عام ١٨٤٥ ؛ وفي هذه المقالة تساءَلَ إنجلز بجرأة عمَّا إذا كان نشوبُ ثورة في إنجلترا أمرًا ممكنًا أم محتملاً . وفي هذه المقالة أكد إنجلز: سوف يقدِّم لك الانجليزي ألفَ سبب وجيه يُثبِت أنه لا يمكن أن يوجد أيُّ احتمال لحدوث ثورة على الإطلاق ، ومن هذه الأسباب على سبيل المثال: ثروة إنجلترا وصناعاتها، ومؤسساتها، ودستورها المرن، وحقيقة أن أي إخلال بالنظام العام لن يؤدِّي إلا إلى البطالة والمجاعة، إلا أنه عند تبنِّي الرجل الإنجليزي هذا الرأيَ، فإنه يرى فقط مظهر الأمور.

بعد ذلك قدَّمَ إنجلز تحليلاً اقتصاديٍّا لإنجلترا الصناعية؛ أكد إنها دولة تعتمد على التجارة، ومُجبَرة باستمرار على زيادة الناتج الصناعي، وأوضح إنجلز أن تعريفات الحماية الجمركية قد رفعت من سعر البضائع الإنجليزية وكذلك مستوى الأجور في إنجلترا، وأن التجارة الحرة سوف تؤدِّي إلى تدفُّق البضائع المستوردة إلى حدٍّ كارثي، فضلاً عن تدمير الصناعة الإنجليزية، وأشار إلى أن الأسواق الإنجليزية قد بدأت تسقط أمام الأسواق الألمانية والفرنسية؛ وهكذا انكشَفَ ، من خلال ملاحظته المباشرة ، التناقُضُ الكامن في مفهوم الدولة الصناعية، وبيَّنَ إنجلز أن أقل انخفاض في التجارة سوف يحرم جزءًا كبيرًا من الطبقة العاملة من قوتها؛ فحدوث أزمة تجارية واسعة النطاق سوف يترك طبقةً كاملةً بلا أي شيء على الإطلاق، واستطرد إن نصف الإنجليز تقريبًا ينتمون لطبقة غير الملاكين، المعدمين تمامًا، وهي طبقة تعيش على حد الكفاف، ويتضاعف عددها سريعًا “وأردفً إن التحالف الذي تمَّ مؤخرًا بين مجموعة غير منظمة من العمال المُضرِبين وأعضاء الحركة الميثاقية في أحداث شغب عام ١٨٤٢ ، قام على وَهْمٍ هو القيام بالثورة من خلال وسائل مشروعة.” وفند إنجلز إمكانية التغيير دون القضاء على الظروف القاسية السائدة، الذي وحده الطريق الذي يمّكن من تحسين ظروفهم .

وعلى الرغم من أن احترام القانون كان لا يزال يمنع هؤلاء العمال من إحداث التغيير المطلوب، فإنهم لن يخفقوا في إحداثه، إذا أرادوا ذلك، وسيحدث هذا “عندما يصبح خوفُهم من الجوع أكبرَ من خوفهم من القانون”. لكن المصالح، وليست المبادئ الخالصة، هي ما ستجعل الثورة تتحقق، ولا يمكن للمبادئ أن تتطور إلا من خلال المصالح، وستكون الثورة اجتماعية وليست سياسية خالصة.

يتبع…..

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.