أما قبل …/ عمر العساف
عمر العساف ( الأردن ) الثلاثاء 20/12/2016 م …
*عن ” خبرني “…
وقبل القَبل.. تغمد الله شهداء الواجب برحماته وتقبلهم في عليين وأنزل على أهلهم وذويهم الصبر والسكينة.. وعوّض الأردن والأردنيين خيرا وحماهم من كل الشرور.
وبعد القَبْل.. لا خير فينا إن لم نقلها.. ولا يضيرنا إن لم يسمعوها أو إذا كالوا التهم المعتادة الممجوجة التي سئمها الجميع إلا هم.
صمتنا سابقا.. ولاحقا لأسباب عديدة، منها الإحساس باليأس من الاستجابة والشعور باللاجدوى.. ولكن.. سئم الصمت منا.
ما جرى أمس في الكرك، هو امتداد لما جرى قبل في أماكن عدة خلال العام الحالي الآيل إلى الانصرام.. ولا يخفى على كل عاقل حصيف أن الجهات التي يفترض أنها تعلمت من الدروس المفترض الإفادة منها، لم تتعلم.. والأخطاء هي هي.. ما يجعلنا نسأل: كيف تدار هذه الدولة؟
أمس كان فشلا ثلاثيا: سياسي وأمني وإعلامي..
فشل سياسي:
حكومة مرعوبة تفتقد إلى المبادرة والفهم الدقيق لحجم الأزمة ومعنى كلمة أزمة وكيفية إدارة أزمة..
رئيس الحكومة يجلس أمام النواب، يمسك الطاولة بيديه حتى لا ترتجفا، ثم يعقد مساء اجتماعا لمجلس الوزراء ليناقش قضايا وموضوعات، أقل ما يمكن ان توصف به بأنها”تافهة” إذا ما قورنت بالأزمة الحاصلة.
الأصل: أن تشكل فورا لجنة وزارية مصغرة لإدارة الأزمة برئاسة رئيس الحكومة، وأن تنعقد في مبنى محافظة الكرك على مدار الساعة.
والسؤال الملحّ: أين مجلس السياسات الوطني ومجلس الأمن القومي ومركز إدارة الأزمات.. المفترض بها أن تقدم سياسات واستراتيجيات وسيناريوات؟؟؟
فشل أمني:
وهنا لنكن واضحين، اللوم لا يقع على مرتبات الأجهزة الأمنية وأفرادها، فهؤلاء يعرفون شيئا واحدا: الله الوطن الملك، و”حاضر سيدي” أرواحهم على أكفهم يقدمونها بكل شهامة فدواءً للوطن.
لكن: عندما يصدّع المسؤولون الأمنيون والسياسيون رؤوسنا بـ”الجهوزية”.. عن أي جهوزية تتحدثون؟ أين التنسيق والقيادة المنضبطة؟ أين وزير الداخلية الذي أتوا به ثم عزلوه، ليعيدوه مجددا؟ وأين غرفة عملياته التي استنفدت الملايين؟ أين الخطط والتخطيط؟
الباشوات.. الذين تغلق طرق عمان الرئيسة حتى تمر مواكبهم المهيبة.. أين كانوا أمس؟ أين كانوا بعد دروس البقعة والرقبان وإربد؟
ما حدث في البقعة خرق امني.. وفي الرقبان كذلك، وفي إربد سوء تنسيق وتنظيم.. ومع ذلك لم نتعلم من الدروس المفترض الاستفادة منها
لست خبيرا أمنيا.. ولكن: عندما يقوم مواطن بواجبه ويبلغ الأجهزة الأمنية عن اشتباهه بأمور تقلق كل ذي عقل.. الأصل ان تعالج معلومة كهذه على أعلى المستويات ومن مختلف الاجهزة المعنية، لا أن تتوجه دورية أمن وقائي إلى الموقع..
الأصل ان يخضع الموقع لمراقبة ومتابعة حثيثتين ودقيقتين وجمع أكبر كم من المعلومات عما يجري فيه قبل اتخاذ اي خطوة.
أن يصل “الإرهابيون” بعد الاشتباك الأول من القطرانة إلى وسط مدينة الكرك (42 كيلومترا) دون أي اعتراض او متابعة أو ملاحقة ، ولو حتى بإغلاق الطريق بحجارة وحصرهم قبل الوصول إلى المدينة.. يبعث على الاستغراب ويحتاج إلى إجابات مقنعة، والكل يعلم أن قيادة الدرك في الجنوب ليست بعيدة عن القطرانة ولا الكرك.
والسؤال المشروع هنا: كم هي المناطق الحساسة في بلدنا المكشوفة، التي يمكن أن تصبح هدفا لخروقات امنية مماثلة؟ وما الذي اتخذ من خطط واحترازات وسياسات لتأمينها؟
فشل إعلامي
هنا.. حدث ولا حرج.. إعلام رسمي مرعوب، بلا أفق ولا استراتيجية، سوى استراتيجية التسحيج والتخوين والمزاودة بالمجان على كل من ينتقد سوء الأوضاع أو يؤشر إلى وجود خلل.
إعلام همه السيطرة على جميع وسائل الإعلام ولجمها وإسكاتها وجعلها تدور في رحاه، متناسيا أن العالم صار قرية إعلامية وأن الفضاء لا سيطرة عليه.
إعلام يصدر التعليمات إلى الصحف ماذا تنشر وما لا تنشر، ويخترع الدوريات الإلكترونية ليخرس الأصوات ويجرم الناس بحجة “أمن الدولة” ومنع التشهير متحصنا بقوانين عرجاء سالبة للحريات ومخالفة للدستور ولمختلف المواثيق الدولية التي التزمت بها الدولة.
أن يُغَيَّب التلفزيون الوطني الرسمي الذي يحتوي كفاءات صحفية، وتقيد وكالة الأنباء الوطنية الرسمية بمن فيها من كفاءات، ويُطلب من الشعب المتعطش لمعرفة الحقيقة أن ينتظروا، ويطول انتظارهم، لما سيصدر عن الجهات المعنية عبر هاتين الوسيلتين، ويطلب من وسائل الإعلام ألا تنشر ألا ما يرد منهما.. فهذه كبيرة.
ثم يخرج علينا وزير الإعلام بتصريحات جوفاء فارغة بلا مضمون سوى من العبارات والجمل التي حفظناها، ويزاود على الإعلاميين وعلى المواطنين.. فهذه كبيرة.
أن تُصدر كل جهة أمنية بيانات، لا تغني ولا تسمن، بمعزل عن الآخرين، الامن العام من جهة والدرك من جهة، وكأنها جزر معزولة عن بعضها بلا تنسيق وتنظيم، والأزمة واحدة.. فهذه كبيرة ايضا.
حتى الآن لا نعرف كم عدد المتورطين وما إذا كانوا مرتبطين بتنظيمات إرهابية، وكثير من الأسئلة تدور على ألسنة الناس لم تجد إجابة عليها بعد
أن يستخف إعلام الأمن العام بعقول المواطنين ويقول أن دورية أمنية ذهبت لتطفىء حريقا، والأصل ان يذهب الدفاع المدني، لوكان حريقا.. فهذا لا يجوز أبدا.. كل شيء مقبول إلا الاستخفاف بعقولنا، فهي الشيء الوحيد الذي ميزنا به الله عن باقي خلقه.
الفيديوهات التي بثها مواطنون على المواقع الاخبارية ومواقع التواصل الاجتماعي، تكشف إلى جانب كبير حجم الخلل وسوء التنظيم والتنسيق، ونحمد الله أنها وثائق مصورة، وإلا لهوجمت هذه المواقع بحجة إثارة الاشاعات ولوصف هؤلاء بـ”المندسين” كالعادة.
المشكلة في الدولة أن “لا عقل لها”.. والمشكلة الأخرى، أن تُعالج القضايا السياسية أمنيا، والأمنية سياسيا، وبتغطية إعلام مضلل.
والمشكلة الأنكى: الواسطة والفساد، عندما يتولى مقاليد الأمور من لا يمتلكون الكفاءة ولا القدرة ولا المهارة ولا المعرفة..
نحمد الله على وعي الأردنيين وعلى نخوتهم وعلى وجود جنود مخلصين منتمين لوطنهم على رغم ما يرونه في أروقة الدولة من فساد.
نأمل ونتمنى ألا تمر الأزمة الأخيرة مرور الكرام..
نحن بأمسّ الحاجة إلى مراجعة شاملة للمنظومة الأمنية كاملة وإعادة التخطيط والتنظيم والتنسيق على أسس علمية ومهنية.. وبحاجة كذلك إلى اعلام متمكن محترف حر بعيدا عن سيطرة الحكومة المرعوبة.
بورك الدم.. بوركت الكرك
التعليقات مغلقة.