ماذا بعد أن حررت حلب .. / محمد شريف الجيوسي
الأربعاء 21/12/2016 م …
محمد شريف الجيوسي …
حلب تحررت من وساخات الأرض قاطبة ، وكان الثمن قاسياً وصعباً ، جراحة دقيقة قام بها نطاسيون مختلفون ، بشر عباقرة في السلاح كما في السياسة والإجتماع والإنسانية .. لم يعيروا بالاً لبغاة الإعلام والتكفير والفتن والإرهاب والظلام والعمالة والغباء الهابط حتى أسفل سافلين ، وتجار الدين والوهابية والإخونية ، فمضوا بعون الله ونصر من عنده ، مطهرين حلب ممن دنسوها سنوات عجاف، استباحوا فيها ما استطاعوا دماء الناس وأعراضهم وأموالهم ومقدراتهم .
كثير من شذاذ الآفاق من خارج حلب كانوا فيها مصاصو دماء ودعاة إيمان كذبة ( ليسوا شيئا وليسوا على شيء جاهلون في العلم والدين ) كما قال شيخ الأقصى صلاح بن عرفة في شيخ شيوخ الفتن والتدليس والعمالة ؛ القرضاوي ؛ المحتمي هناك بقاعدتيين أمريكيتين ، ليس أكثر ، وخال القرضاوي أن محمداً عليه أفضل الصلاة واتم التسليم ، لو كان حياً لإستعان بأمريكا ضد من يخالفونه ( معاذ الله .. وهو الذي رفض عرض جبريل عليه السلام بأن يطبق الجبلين على أهل الطائف انتصاراً له لما آذوه ).
أي داعية ضلال هذا القرضاوي الذي تسري فتاواه وأمثاله من مفتي جهاد النكاح وسواه ، كما النار في الهشيم ، بين السذج والبسطاء والذين هم على غفلة والمتنفعين وتجار البشر والسلاح والأعراض ، أي داعية محترم ، ذاك الذي يستعين بالعدو على أبناء جلدته ممن يخالفونه الرأي أو المعتقد أو وسيلة التقرب إلى الله ، أو المذهب أو الطائفة ، أو هم حتى دون معتقد ، من أوكله امر العباد في الدنيا ، فيما أولويات كثيرة جداً تسبق ذلك .
تحرير حلب حقق موازين جديدة على الأرض ، وقلب أخرى ، وبذلك أصبح حلم الآدمي أردوغان في حلب منتهياً ، خلف ظهر حلب ، وكذلك المنطقة المسماة آمنة التي كان يحلم بتحقيقها كمدخل لأطماعه العثمانية التوسعية ، وبتحرير حلب أصبح التواجد العثماني في مناطق سورية أخرى أكثر من مؤقت وزائل قريباً ، لإعتبارات تتعلق بمصالح تركيا لدى كل من روسيا وإيران ؛ أضف العراق ، ولتيقن تركيا باستحالة كسر سورية .
وبتحرير حلب سقط مشروع الكانتون الكردي الذي كانت تعمل واشنطن على إقامته، سكينا مسموما حادة في الخاصرتين السورية والتركية معاً، (إسرائيل) جديدة تقض مضاجع المنطقة وتدخلها في حروب جديدة ، تستنزف المزيد مما لم تستنزف بعد .
ويفتح تحرير حلب الأصعب والأقسى، مغاليق تحرير المناطق التي تتواجد فيها عصابات إرهاب أخرى، لم تعد تمتلك عنصر الخداع والمناورة بعدما اتضحت جنسيات ضباط استخبارات عرب وصهاينة كانوا في حلب ويفترض أنه تم شحنهم إلى خارج حلب ( مساء يوم الإثنين الموافق 20 كانون أول 2016 ) مع بقية الإرهابيين المرتزقة الذين كانوا (يجاهدون) بيولوجيا بأمل حورٍعين وشهادة كاذبة تذكر بصكوك غفران القرون الوسطى لحشد جيوش الفرنجة لقتال المنطقة بذريعة تحرير قبر المسيح عليه السلام فيما كانت أهدافهم توسعية استعمارية مبكرة .
حروب الفرنجة والإرهاب ومشروع الكيان الصهيوني اتكأت جميعها على الدين كتجارة وشعار جاذب ، لكن ثمة اختلاف بين أهداف حروب الفرنجة في التوسع الاستعماري ، وأهدف العصابات الإرهابية في تفتيت المنطقة إلى دويلات متقاتلة مذهبية طائفية إثنية لا تمتلك من أمرها شيئاً ، بحيث يكون قيام كيان عنصري يهودي بحت ، أمراً عاديا مشروعاً ككل الكيانات التي ستقام وذات طبيعة مماثلة ، حيث تتحول ( إسرائيل ) كلياً ككيان يهودي عنصري (نقي) خالٍ من الآخر قومياً أو دينيا ، رغم أن اليهود ليسوا شعبا ولا قومية ولا أمة، وإنما بشر اعتبروا أنهم اعتنقوا الديانة اليهودية وكان ذلك على فترات، وعاشوا في غير تاريخ متصل ولا جغرافية واحدة ولا امتلكوا لغة أو لهجة أو أبجدية واحدة ولا مصالح واحدة ، قاسمهم المشترك الوحيد في أوروبا الغيتو ، وفي العالم ككل ؛ المال والربا والصياغة والإنكفاء على الذات ، ومشروعية ممارسة الجنس مع الآخر في حال كان ذلك يخدم مصالحهم ، وإعادة بناء ما يسمى هيكل سليمان على أنقاض المسجد الأقصى ، الذي يتشاركون فيه مع الماسونية العالمية كهدف لمتدينيهم ، ويتقاطع هذا الهدف مع مطامع علمانييهم ومع غايات استعمارية كبرى للغرب وللرساميل الصهيونية في المنطقة، وهذا ما جعل الغرب يتبنى المشروع الصهيوني منذ وقت مبكر ، وللخلاص من حالة اليهود الغربيين المقلقة في الغرب.
لقد مددت سورية وروسيا وحلفائهما هدنه حلب أكثر من مرة حتى امتدت 5 أسابيع وفتحت منافذ آمنة للمدنيين وللإرهابيين للخروج من حلب ، لكن الإرهابيين فضلاً عن أنهم رفضوا الخروج ، كانوا يطلقون النار على المدنيين الراغبين بالمغادرة لإعاقة الحل ، فكان لا بد من الحسم أخيراً ، وهنا قامت الدنيا بزعم حماية المدنيين في حلب الشرقية ، في حين لم تكن عواصم الشر وإعلامها ومعها التابعين المسبحين بحمد الغرب وحبة مسك ، لتتذكر مدنيي حلب الغربية أيام كانت تقصفهم عصابات الإرهاب من حلب الشرقية على مدى سنوات ، ولا مدنيي كفريا والفوعة المحاصرتين ولا مدنيي دير الزور المحاصرين ولا مدنيي العاصمة دمشق والمفخخات، فالقصف كان يتم من قبل المعارضة (المعتدلة) بحسب مصطلحات واشنطن، ومن مرتزقة العالم واستخباريين صهاينة وآخرين (عرب) ويحق لهؤلاء ما لا يحق لغيرهم ، فيما لا يحق للدولة الوطنية السورية تحرير أرضها وشعبها وتنظيفها من الدنس.
وبحسم حلب أصبحت تركيا الأردوغانية أمام خيار صعب لا مجال فيه لمراوغة، وعليها الاختيار بين مصالحها الكثيرة بالإخلاص لتفاهماتها مع موسكو وبالتالي إيران، وهذا يقتضي التوقف كلياً عن ممارساتها التآمرية ضد سورية ووقف التعامل مع المحور الآخر في هذا الملف، وإلا فأمامها خداع الروس كما فعل الأمريكان، وهذا قد ينفعها بعض وقت، كما واشنطن، لكن كل شيء سرعان ما يتكشف،وتخرج موسكو ومن معها عن طوق الإلتزام بتفاهمات خادعة، فتضرب ضربتها وهذه المرة ليس في حلب ، ولا أحد يعلم أين ستكون الضربة، فالهدف تحرير سورية كل سورية، وهذا ينبغي ان لا يطول زمنياً أكثر مما حصل، وان يتوج بحوارات وحلول سورية سورية .
وربما كان الرئيس الأمريكي المنتخب ترامب أكثر حكمة من سواه (رغم محاولات خصومه الأمريكان والأوروبيين تصويره بما لا يليق )عندما أدرك هو شخصياً،أو القوى التي حملته إلى هذا الموقع،أن إستمرار (الدق) على ذات الإزميل لا يجدي نفعاً بالعداء لروسيا وإسقاط سورية، فسورية الآن أقوى مما كانت عليه قبل سنوات ؛ رغم حجم الخسائر الهائل بشريا واقتصاديا ومقدرات، والحلفاء اليها أقرب من السابق ، كما هم أقوى أيضاً من السابق ، وقال ترامب ساخرا أن بلاده تتعيّش على إتهام موسكو بكل سوء يصيبها ( أمس الأول اتهمت كلينتون ؛ موسكو بالتسبب في خسارتها الإنتخابات الرئاسة!) والحقيقة أن الولايات المتحدة الأمريكية تمر في أوضاع تراجعٍ عام كذلك من معها من الدول والأتباع ، ومن الكياسة وحسن السياسة أن ترعوي وتدرك حجمها الحقيقي وتكف (بلاويها) عن الآخرين بمن في ذلك المنطقة العربية وفي المقدمة سورية ، حيث لا فرصة أمامها ، بمتابعة ذات السياسات العدوانية الدينكوشوتية الفاشلة .
ويزيد تحرير حلب وإسقاط أحلام أعدائها على بواباتها، الواقع العثماني والأمريكي ومن معهما ، حقيقة جديدة، بأن سورية لن تسقط، وأنها إقتربت خطوة كبيرة باتجاه تحرير كل ارضٍ سوريةٍ من الإرهاب المتطرف الرجعي والمعتدل الأمريكي (..) وأن ملابس البعض الداخلية اللحمية الملتبسة لم تعد كذلك ، بإنكارهم الإنخراط بهذا الزخم العفن المليء بالعار، وبات عليهم إيجاد آلية تخرجهم بحد أدنى من شعور الكرامة والتكفير عما حصل من قبلهم ويدفع على الخجل العميق بالحد الأدنى.
وتؤكد عملية الكرك الإرهابية المدانة مجدداً ( التي نفذت في 18 كانون أول 2016 ) أن العمليات الإرهابية التي تمت في الأردن (واعترفت داعش عن مسؤوليتها عنها) وقبلها في أيام قاعدة العراق بعد احتلاله،وغيرها من العمليات التي تمت في تركيا والسعودية ، على أن أحداً لن يكون محل احترام العصابات الإرهابية ، عدا قطر التي ضمنت واشنطن لها في إجتماع عقد في تركيا في 14 نيسان 2011 أن لا تتعرض للإرهاب ، ووقتها تم نقل الملف السوري من يد بندر والحريري إلى قطر ، إضافة إلى جملة توافقات توصل إليها المجتمعون. .
ويأتي اغتيال السفير الروسي في تركيا قبل يوم واحد من موعد اجتماعٍ روسي تركي إيراني تستضيفه روسيا للبحث في توافقات بشأن الملف السوري،على المدى الذي وصل إليه الإرهاب من إستطالة في اليد، وأن لا ضوابط معينه تحد من جرائمه وشططه، واغتيال القاتل قد يؤشر على المدى الذي وصلت إليه الأمور من ضبطٍ وتخطيط لإخفاء المحرك الحقيقي للجريمة ، في وقت نعلم فيه ان أردوغان نظّف مختلف مؤسسات الدولة من معارضيه حتى شمل ذلك الإعلام والقضاء والمؤسسات الأكاديمية وليس فقط أجهزة الأمن والإستخبارات والجيش ، ما يستبعد حدوث اختراق للدائرة الضيقة المحيطة بأردوغان .. والسؤال هل كان أردوغان يتوقع ردة فعل شديدة من بوتين تعطل الإجتماع المقرر الذي أشرنا إليه ، فتمنحه فرصة للمماطلة بعض وقت ، يحاول خلاله مجدداً تحقيق شيء على الأرض يساوم عليه بعد خسارته كل حلب وما قد يستتبع من تداعيات الاجتماع المقرر.
لا بد ان بوتين (داهية) ، حيث فوت على العثماني ( الماكر ) الفرصة ، فاكتفى بتحقيقٍ مشترك في حادث اغتيال الديبلوماسي الروسي ( وهو بالمناسبة ديبلوماسي مميز في بلد كتركيا في ظرف كالظرف الراهن ) ومشيراً ( أي بوتين ) إلى سوى اردوغان بأن له مصلحة في عملية الاغتيال .. وقد يكون ذلك اتهاما صائباً ومنطقياً ، وسواء كان اردوغان وراء حادث الاغتيال أو آخرين ، فالهدف منه ، تعطيل انخراط تركيا في التزامات لا مجال للعب عليها ، تجاه روسيا ، وبالتالي مطلوب إبعادهاعن المحور الروسي التي تمشي اليه بتؤدة ومراوغة .
إن توقف تركيا عن (الخرمشة) على الأقل برضاها، أو قسرا عنها ( في حال لم تقبل الخيار الأول) سيعجل في قطاف النتائج الإيجابية لمعادلة ما بعد حلب ، وسيجعل أطرافاً عديدة إقليمية متورطة في الملف السوري في حال لا تحسد عليها ، معنويا إن توقفت على الإستمرار في التورط كـ أهون الشرين عليها، أو إن ركبت (دماغها المليء بالعفن السياسي) وأصرت على مكابرة خرقاء، ستكون النتائج على قدر من السوء عليها غالباً.
ولا بد أن استمرار تورط الكيان الصهيوني في الحرب الإرهابية ضد سورية بمساندة قوى إقليمية،سيمنح سورية والمقاومة فرصة ومشروعية إضافية وتعاطفاً دولياً في توجيه ضربات مبرمجة تحرر ما تبقى من جنوب لبنان ومن الجولان العربي السوري ، وربما غير ذلك ، لتأمين ردع كاف يحول دون توجيه ضربات صهيونية للمدنيين السوريين واللبنانيين .
بكلمات تحرير حلب ، تحرير للإنسان والإقتصاد والتاريخ السوري والعربي ، وتأكيد على الحق السوري ، ويرسم مقدمات جديدة لحقائق قديمة وجديدة ، ويضع الآخرين المتورطين على مشارح مستقبل لن يرحم ، وسيحدث تغييراً إيجابيا في أنظمة متخلفة ارادت تغيير أنظمة متقدمة عليها بمسافات، وقد تتغير خرائط ، ليست على طريقة مشاريع الفوضى الخلاقة ولا شرقهم الأوسط الجديد او الكبير ، التفتيتية الطائفية المذهبية الإثنية، تلك المشاريع التي تحولت إلى مزابل التاريخ، وإنما برؤية مختلفة ولغايات تلبي مصالح وتطلعات واستقرار مواطني المنطقة بمختلف مكوناتهم القومية الحضارية والإيمانية وتعزز اللحمة بينهم .
التعليقات مغلقة.