التوحش «الإسرائيلي» وحتمية السقوط في الهاوية / ‬ د. حسن أحمد حسن

 د. حسن أحمد حسن – الأربعاء 25/9/2024 م …

في دفع الكيان الغاصب بوتائر متسارعة نحو الهاوية التي لا يُعرَف لها قرار حتى تاريخه، فبعد مرور أكثر من 350 يوماً على حبال التأرجح بين الانتحار وبين العناية المركزة الأميركيّة التي لم تفلح في إخفاء بيادر الخيبات المتراكمة في غزة والضفة الغربية عسكرياً وسياسياً وإعلامياً ومجتمعياً، وبعد ترافق ذلك مع افتضاح قيمي وأخلاقي على الصعيدين الإقليمي والعالمي، وبعد انكشاف سوأة واشنطن وافتضاح حقيقة إدارة بايدن كشريك فعلي وكامل النشاط والمساهمة في حرب الإبادة الجماعية والتهجير القسري للفلسطينيين، وبعد الاختبار العملي لأشدّ صواريخ الدقة العالية والطاقة التدميرية الهائلة واستخدامها بشكل متعمّد ضمن حي سكني من أحياء الضاحية الجنوبية من بيروت، وبعد إخفاق كلّ ما ذكر وما لم يذكر قرّر المجرمون القتلة رفع فوهة المسدسات المخصّصة للانتحار باتجاه الأعلى انطلاقاً من الاطمئنان إلى قدرة الأميركي على إبقاء الكيان واقفاً على قائمتيه الخلفيتين وإنْ تتالت الطلقات التي تخترقهما، وتسابق أعداء الإنسانية والقيَم البشرية في الاستعراض، ومحاولة التباهي والظهور بمظهر الزهو والعنجهية، وهم يتحدثون عما يظنونه إنجازاً وتغييراً في قواعد الاشتباك التي فرضها حزب الله عليهم طيلة الشهور السابقة، وقد تناوب على الظهور وإطلاق التصريحات كلّ من نتنياهو وغالانت وهاليفي وغيرهم من عتاة العنصريين الأكثر تعطشاً للسكر بدماء الأبرياء، والتباهي بالقدرة على البطش والقتل والتدمير واستهداف المدنيين والمنازل الآمنة والسيارات وطواقم الإسعاف في الشوارع العامة، وتسويق الأمنيات والرغبات والأحلام غير القابلة للتحقق على أنها واقع قائم، ولا ضير من تركهم يمعنون أكثر فأكثر في العربدة والعتوّ والاستكبار وكلّ ما يعمي البصر والبصيرة عن حقيقة الاقتراب من إطلاق الرصاص على الرأس في لحظة طيش وتهوّر ـــ وقد تكون حدثت بالفعل ـــ ومن المهمّ الاستثمار بها بالشكل الأمثل، ومن المفيد هنا الإشارة إلى عدد من العناوين والأفكار المهمة التي قد تساعد على اتضاح الصورة العامة وفهم مضامينها ومكوّناتها بشكل أفضل، ومنها:
*المتحدث باسم الجيش «الإسرائيلي» دانيال هاغاري، أكد في تصريحاته أنّ الطيران الحربي الإسرائيلي شنّ 1300 غارة على أهداف لحزب الله في أنحاء لبنان، واستناداً إلى هذا الكلام يفترض أن يكون كامل الجنوب اللبناني، وبقية مناطق انتشار حزب الله قد غدت قاعاً صفصفاً، وطالما أن صواريخ حزب الله المتجهة نحو العمق الاستيطاني المعادي لم تتوقف، فهذا يعني أن الغارات المذكورة «1300» قد فشلت في تحقيق ما يجب أن تحققه، وأنّ الفشل في إيقاف صواريخ حزب الله عن الانطلاق بكثافة يعني قدرة المقاومة على امتصاص فواعل تلك الغارات، وتفريغها من أيّ هدف قابل للتحقيق، ما عدا القتل والتدمير وإزهاق أكبر عدد ممكن من أرواح المدنيين والأطفال والنساء. وهنا يصبح العالم أمام ثنائية متناقضة: الإقرار بحقيقة التوحش الإسرائيلي المدعوم أميركياً، وضرورة محاكمة المجرمين، وهذا متعذر جراء العصا الأميركية الغليظة المرفوعة فوق رأس مَن يفكر بفعل ذلك، أو الاعتراف العلني بقوة المقاومة وضرورة إدخال ذلك في حسابات موازين القوى إقليمياً وعالمياً. وهذا يعني الكثير من النتائج الأولية التي تصبّ جميعها في خانة فقدان الكيان الإسرائيلي فترة صلاحية الاستخدام، وأهمية التفكير بالبدائل المتاحة مهما كانت ضيقة وضريبة تبنيها عالية.
*توعّد رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو بتنفيذ المزيد من الهجمات وتوسيع العمليات العسكرية في لبنان، معتبراً أنّ ما تقوم به «إسرائيل» هو «تغيير موازين القوى»، وهذا يتضمّن اعترافاً رسمياً علنياً من نتنياهو بأنّ موازين القوى القائمة ليست في صالح تل أبيب، ولذا تعمل على تغييرها، والسؤال المشروع: هل ثمة ضامن على النجاح في استكمال البدء بالعمل على تغيير موازين قوى مفروضة بالقوة والتضحيات والإرادة؟ وهل كلّ ما قامت به حكومة نتنياهو من إجرام ومجازر استطاع أن يقيّد يد حزب الله وأظهرها بأنها غير قادرة على استهداف العمق «الإسرائيلي»، أم واقع الحال يقول: إنّ العكس هو ما يحصل ميدانياً، وإنّ صواريخ المقاومة مع كلّ تصعيد إجرامي جديد توسّع عمق الاستهداف أكثر فأكثر؟ وكيف يستقيم معنى ما تحدث عنه نتنياهو مع ما أعلنته هيئة البث «الإسرائيلية» يوم الاثنين 23/9/2024م. بأنّ الحكومة صدّقت بشكل مستعجل على إعلان حالة الطوارئ في الجبهة الداخلية في كلّ أنحاء البلاد، وأنّ حالة الطوارئ هذه سارية المفعول بشكل أولي ودخلت حيّز التنفيذ فوراً ولمدة أسبوع؟ إذا كان جيش الاحتلال «الإسرائيلي» قادراً فعلاً على تغيير موازين القوى، فما الداعي لما قالته وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) بخصوص القرار الأميركي المتضمّن إرسال قوات إضافية إلى الشرق الأوسط تحسّباً لتصاعد التوتر بين «إسرائيل» وجماعة حزب الله اللبنانية؟ وهل ثمة تكامل بين مثل هذه التصريحات وبين ما أعلنه وزير الخارجية الفرنسي الجديد جان ــ نويل بارو وتأكيده أنّ بلاده طلبت عقد اجتماع طارئ لمجلس الأمن الدولي هذا الأسبوع لبحث الوضع في لبنان، حيث تصاعدت بشدّة حدّة الاشتباكات بين حزب الله و»إسرائيل»؟
من الطبيعي لدى من يحاول الإجابة على هذا التساؤل أن يتذكر تأكيد العديد من المسؤولين الصهاينة أنّ حكومة نتنياهو تضع بالحسبان أنّ التصعيد قد يؤدي إلى ما أسموه «أياماً قتالية»، وبالاستدلال مع مضامين الدعوة الفرنسية يمكن الاستنتاج أنّ الغاية تنحصر في يقين الحكومة العميقة العالمية بافتضاح حقيقة عجز الكيان مع مرور الأسبوع، وبالتالي تمّ الإيعاز بشكل مسبق للجانب الفرنسي لتهيئة ما يلزم لتوجه «المجتمع الدولي» بعد أسبوع نحو إصدار قرار بوقف إطلاق النار، بحيث يظهر الكيان السرطاني بمظهر القوة والجبروت والقدرة على فرض ما يريده، ويحظى ذلك بتأييد شبه عالمي، مع الأخذ بعين الاعتبار أن لا مصلحة في هذه الظروف لأيّ طرف بتصعيد قد يذهب نحو اشتعال المنطقة وخروج الأمور عن السيطرة، وعلى أولئك جميعاً أن يكونوا على يقين بأن التصعيد الإجرامي والإرهابي الذي أقدمت عليه حكومة نتنياهو قد أخرج الأمور عن السيطرة بنسبة كبيرة، وعلى من أوقد النار أن يكتوي بلهيبها.
*من الضرورة بمكان هنا التذكير بأنّ ما صدر بعد ظهر يوم الاثنين الماضي عن مركز عمليات طوارئ الصحة العامة التابع لوزارة الصحة العامة اللبنانية يؤكد أنّ حصيلة غارات العدو الصهيوني المتمادية على البلدات والقرى في جنوب لبنان والبقاع وبعلبك قد أدت إلى استشهاد 492 شخصاً من بينهم 35 طفلاً 58 سيدة وإصابة 1645 بجروح، وعلى مرتكبي هذه المجازر أن يتجرّعوا من الكأس نفسها، مع العرض أنّ ما يلحق بقوات الاحتلال «الإسرائيلي» كبير ومؤلم، وإذا كان مقصّ الرقابة العسكرية قادراً على التكتم عن الخسائر وعدم الإفصاح إلا عن أقلّ من القليل فهذا لا يغير حقيقة أنّ صواريخ حزب الله قد انطلقت بكثافة غير مسبوقة من قبل، وقد طالت كلاً من: المجمع الصناعي العسكري لشركة رافاييل أكثر من مرة ـــ قاعدة ومطار رامات ديفيد ‏أكثر من مرة بصليات من صواريخ «فادي 2» ـــ قاعدة عاموس (قاعدة النقل والدعم اللوجستي للشمال) ـــ مصنع المواد المتفجرة في زخرون (على عمق 60 كلم) ـــ مطار مجيدو العسكري غرب ‏العفولة بصليات متعددة من صواريخ «فادي 1» و«فادي 2» ـــ قواعد العدو الاسرائيلي في الجولان السوري المحتلّ ـــ قاعدةُ نيميرا ومخازنُها الرئيسيةُ التابعةُ للمنطقة الشمالية، وأماكن أخرى متعددة في العمق المعادي، وهذا يعني أنّ ألسنة لهيب القصاص العادل قد أشعلت نيرانها في حيفا وما بعدَ حيفا وما بعد بعدها، وأنّ كلّ الخيارات غدت مفتوحة، والصفعات الأشدّ إيلاماً تنهال على القتلة المجرمين من حيث يحتسبون ومن حيث لا يحتسبون.
*على الرغم من الأعداد الكبيرة التي ارتقت من الشهداء اللبنانيين في مختلف المناطق التي طالتها الوحشية الصهيو ــ أميركية لم يسمع العالم صرخة آه ولا تأفّف ولا تذمّر، بل الجميع يكرّر عبارة فداء المقاومة ورهن إشارة سماحة السيد، وحتى الجرحى وهم على أسرة العلاج يتشوّقون لإتمام فترة النقاهة في الخنادق وخطوط الاشتباك الأولى. وفي المقابل في الشوارع الإسرائيلية بلغ عدد المتظاهرين المليون من المطالبين بإسقاط حكومة نتنياهو حتى قبل هذا السعار الإجرامي الأخير فكم سيبلغ بعد انقضاء أسبوع أو أكثر، وماذا عن التبدّل الجوهري في الرأي العام العالمي ورفض السردية «الإسرائيلية» جملة وتفصيلاً من كلّ من لديه ذرة من عقل ومنطق في العالم كله.
من حق المتابع الموضوعي وواجبه بآن معاً أن يراقب ما يصدر من تصريحات رسمية عن المسؤولين الصهاينة، وبخاصة ما يتعلق بعودة الفارّين من المستوطنات التي تمّ اغتصابها، ومحاولة التأكد إنْ كانت أعداد أولئك في ازدياد أم في تناقص، فهذه هي البوصلة والمعيار لمعرفة حقيقة ما يجري في الميدان والنتائج المتوقعة لهذه الجولة من جولات الصراع المزمن والحساب المفتوح…
نعم لقد استشرت نزعة القتل وسفك الدماء لدى حكام تل أبيب وداعميهم، ولن تودي بهم هذه النزعة الإجرامية القاتلة إلا إلى زيادة تسارع العربة القاطرة التي تجرّ الكيان بكلّ مكوناته نحو هاوية لا قرار لها، وإذا كان لنتنياهو ورهطه أن يتفاخروا بإحراز نجاح ما، فهو النجاح في تحويل فوهة المسدس من اتجاه قوائم الكيان وروافعه السرية والعلنية إلى الرأس مباشرة، ولات ساعة مندم حينذاك‬ د. حسن أحمد حسن*

قد يعجبك ايضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

خمسة + خمسة =